بناء حضارة لا تمثلها الأهرامات أو أبو الهول فقط ولكن القدرة على المنافسة مع الكبار هل الغلاء والارتفاع غير المسبوق فى السلع والخدمات مفاجأة لنا؟.. بالطبع لا حتى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى تناول مراراً وتكراراً هذه الظاهرة مؤكداً على قدرة المصريين لتجاوز الصعب وتحمل كل نتائج الإصلاح الاقتصادى. هذه القدرة الفريدة لم تأت من فراغ ولكنها نتيجة لثقة الشعب المصرى فى قيادته وثقتهم الكاملة أنها مجرد مرحلة وستمر لنجنى بعدها الثمار. الإصلاح الاقتصادى الذى يتم الآن ليس هو تحرير سعر العملات أو بيع بعض المشروعات فى إطار المساعى التى تتم لزيادة مشاركة القطاع الخاص وتخارج الدولة من بعض القطاعات غير الاستراتيجية. الإصلاح الاقتصادى الذى يتم الآن هو جزء من بناء مصر الجديدة.. مصر التى لا تكتفى بأن تكون حضارتها مقصورة فقط على ما تركه لنا أجدادنا الفراعنة من آثار تدل على تقدمهم. حضارة جديدة لا تتصدرها فقط أهرامات الجيزة ولا يكون عنوانها فقط هو تمثال أبو الهول. مصر الجديدة أو الجمهورية الجديدة تعنى حضارة جديدة تمتد جذورها إلى أكثر من سبعة آلاف سنة ولكنها تخاطب العالم بلغته وتؤكد قدرتها على المنافسة والجلوس والتعامل مع الكبار وبما يحقق طموحات شعب تحمل الكثير والكثير. كانت كل الخيارات صعبة ولم يكن إتباع فقه الأولويات محققاً لطموحات وآمال وأحلام كانت تعيش فى وجدان وعقل وفكر زعيم اختار الطريق الأصعب وهو أن يبدأ بكل الأولويات وفى نفس الوقت. بخبرة وفراسة بدأت أكبر ملحمة للبناء وكان من الضرورى أن تتم الإجابة عن السؤال الصعب هل نبدأ البناء وفقاً للمثل المصرى الذى يقول «انسف حمامك القديم» وهو المثل الذى أكدت الأيام وفى كل بلاد العالم مدى صدقه!! إن أى عمليات للترميم أو الإصلاح أو الاكتفاء بتغيير الشكل لن تجدى نفعاً وستكون أكثر كلفة بكثير من البناء الجديد. بدأت عمليات البناء الجديد بإقامة أكبر شبكة للطرق والكبارى والمحاور الجديدة والتى كانت تمهيداً وضرورة قصوى لربط أوصال الجمهورية الجديدة. كانت عيون القائد على قاهرة المعز والتى أصبحت تضيق أنفاسها وتقف شوارعها عاجزة عن استيعاب ملايين السيارات والبشر.. وتوقعت دراسة قام بها البنك الدولى أن القاهرة الكبرى سوف تتحول إلى جراج ضخم بالإضافة لدخولها إلى قائمة المدن الأكثر تلوثاً على مستوى العالم. قاهرة المعز التى كنا نمدح جمالها ورونقها بمقولة «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى» تحولت إلى مدينة للقبح والعشوائية. كان قرار إنشاء عاصمة جديدة تحدياً صعباً ومع الأيام تأكد أنه القرار الصحيح. تزامنت عملية بناء العاصمة الجديدة مع إعادة تخطيط القاهرة القديمة وإزالة كل المناطق العشوائية التى كانت قد تحولت إلى مستنقع للفوضى وإقامة عشرات المناطق السكنية الجديدة ووفق نظم معمارية جعلت الجمال عنواناً لها لتطوى للأبد قبح المساكن الشعبية ذات الطراز الاشتراكى البغيض. هكذا كان للإصلاح الاقتصادى أوجه كثيرة تراها فى الموانئ والمطارات وآلاف المصانع والمزارع والجامعات والمستشفيات.. تراها فى محاولات رفع مستويات المعيشة وتحسين كل الخدمات. بالطبع الإحساس بعظمة الإنجاز قد يقلل منه الشعور المؤقت بارتفاع مستويات وتكلفة الحياة والذى تعود بعض أسبابه لتفاقم الأحداث العالمية وتأثيراتها على كل دول العالم. إنجاز حققه زعيم لا يبحث عن الشعبية لكنه يثق فى أن الناس سوف تعرف الحقيقة حتى وإن كانت خلال سنوات قادمة. سنوات نعيد فيها ترديد «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى».