يمكن أن تكون عواقب الحرب هائلة وكارثية وقد تتراوح بين الموت والعنف، كما أنها قد تؤدى إلى إصابات خطيرة تغير حياة الناس واضطراب ما بعد الصدمة، وتحطيم البنية التحتية والأنظمة الصحية بالإضافة إلى اقتلاع الناس من ديارهم وإجبارهم على الفرار والتخلى عن كل ما يمتلكونه. تؤثر الحروب والنزاعات بشكل فورى ومباشر على حياة الناس. فبعد سنوات من الحرب، أصبحت اليمن مثالاً على الدمار الذى ألحقته الهجمات العشوائية أو المستهدفة التى تقتل وتجرح الناس وعلى تحطيم البنية التحتية المدنية. كما تتزايد الإصابات البليغة أثناء النزاعات المسلحة مما يستدعى زيادة الرعاية الطارئة. هذا وتتزايد الاحتياجات الطبية المنتظمة مع انهيار خدمات الرعاية الصحية أثناء الحروب والنزاعات. لذلك تجد النساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، مثل السكرى أو فيروس نقص المناعة البشرى أنفسهم فى وضع صعب. ومع ندرة السلع، ترتفع أسعار المواد الغذائية الأساسية ومواد الإغاثة، فى حين أن الخوف، وانعدام الأمن، والخسارة يولدون ضائقة نفسية. كذلك نشهد بانتظام زيادة فى العنف الجنسى أثناء النزاع. ففى بعض الأحيان، يتم اللجوء إلى الاغتصاب لإخضاع المجتمع المحلي. وغالباً ما يقتلع النزاع الناس من منازلهم ويتسبب بنزوحهم داخل بلدهم أو التماسهم اللجوء فى بلد آخر. ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وصل عدد الأشخاص الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم عنوة إلى 82.4 مليون شخص حول العالم فى نهاية عام 2020. اقرأ أيضا| حصيلة مجزرة الاحتلال في المواصي تصل إلى 71 شهيدًا «حتى اللحظة» فى سوريا، على سبيل المثال، نزح ملايين الأشخاص جراء النزاع المستمرّ منذ 13 عاما ويعيشون فى مخيمات النزوح. وفى هذه السياقات، يبقى هؤلاء الأشخاص طى النسيان وغير قادرين على الحصول على التعليم المناسب والرعاية الطبية أو خدمات المياه والصرف الصحى ومعرّضين لمخاطر كبيرة على غرار المشاكل النفسية والعنف والأمراض كالكوليرا والحصبة والتهاب الكبد التى يمكن أن تنتشر بسرعة فى المخيمات. يمكن أن يكون النزاع والنزوح محفزين للأوبئة وتفشى الأمراض، بسبب نقص المياه والصرف الصحى والرعاية الطبية، حيث أن العيش فى ظروف صعبة وغير صحية يمكن أن يكون مكانًا مثاليًا لتكاثر الكوليرا أو الحصبة. لقد أدى انعدام الأمن وانهيار الأنظمة الصحية إلى إقصاء الناس عن تلقى الرعاية الصحية الوقائية، بما فى ذلك اللقاحات. يواجه اللاجئون السوريون مشكلة تراجع الدعم واضمحلال الأمل، حيث تمثّل مأساة اللاجئين أحد أعراض أزمة سياسية أوسع وأعمق. وبالتالى فإن إيجاد الحلول المناسبة للاجئين والنازحين ضرورة سياسية فى المقام الأول، وهو أيضاً تحدٍّ تنموى لاغنى عنه لتحقيق الاستقرار السياسى والمصالحة المجتمعية وبناء السلام. لا يزال هناك حوالى 6.8 مليون سورى يعيشون كلاجئين فى جميع أنحاء العالم، منهم 5.5 مليون ممن تستضيفهم البلدان المجاورة لسوريا. فى الأردن، هناك 660 ألف لاجئ سورى مسجل لا يزالون بعيدين عن وطنهم. وقد وجد حوالى 135٫000 منهم ملاذاً آمناً لهم فى مخيمات للاجئين مثل الزعترى والأزرق، بينما يعيش الباقون داخل المجتمعات المضيفة لهم. أما أولئك الذين كانوا فى بداية الأمر قادرين على الاعتماد على مدخراتهم أو على دعم العائلات المضيفة لهم، فقد باتوا الآن بحاجة متزايدة إلى المساعدة لتغطية احتياجاتهم الأساسية. ويعيش حوالى أربعة من كل خمسة لاجئين سوريين فى الأردن تحت خط الفقر الوطنى البالغ حوالى 3 دولارات أمريكية فى اليوم. العراق أيضاً هو من البلدان الأخرى الرئيسية والمضيفة للسوريين، حيث يوجد فيه حوالى 260٫000 لاجئ، يعيش 86 بالمائة منهم فى المخيمات ولا يزالون يعانون من حالة انعدام الأمن الغذائى أو أنهم معرضون لمخاطره. وفى مصر، سجلت المفوضية أكثر من 145٫000 لاجئ سوري. وتُظهر بيانات المفوضية أن ما يقدر بنحو 66 بالمائة من اللاجئين وطالبى اللجوء فى البلاد كانوا يعيشون تحت خط الفقر الوطنى فى عام 2022. على الرغم من الدعم السخى الذى يقدمه المانحون، تستمر الاحتياجات فى البلدان المضيفة للاجئين السوريين فى الازدياد، مما يجبر المفوضية والوكالات الإنسانية الأخرى على اتخاذ قرارات صعبة. فى العام الماضي، لم تحصل خطة الاستجابة الإقليمية لدعم اللاجئين وتمكين المجتمعات المستضيفة لهم، والتى تشارك فى قيادتها المفوضية وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، سوى على نسبة 39 بالمائة فقط من التمويل. ومن دون توافر تمويل منتظم وثابت، فإن المزيد من اللاجئين السوريين سوف يقعون فى براثن البؤس. ولا خلاف على فكرة أن الصراع العنيف يخفض الناتج الاقتصادي. ومع هذا، من الواضح أن تداعياته تكون أشد وأطول أمدا فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مقارنة بمعظم المناطق الأخرى. وقد تحصد المجاعة الناتجة عن الحرب من الأرواح أكثر مما تحصده الحرب نفسها. لكن ثنائية دمار الحرب والمجاعة ستضع مظاهر الحضارة الحديثة على حافة الهاوية. ولن يكون غريبا أن تقود الضغوط التى يواجهها الناجون إلى انهيار حضاري. فى السودان واجه نحو 25 مليون شخص خطر المجاعة بسبب نقص الغذاء والماء، وعانى نحو 18 مليون شخص الجوع الحاد وانعدام الأمن الغذائى الحاد، من بينهم 5 ملايين فى حالة خطرة. كما عانى نحو 3.5 مليون طفل من سوء التغذية، وارتفعت معدلات سوء التغذية ووجد السودانيون أنفسهم على حافة كارثة إنسانية مع مرور الوقت. ودفع سوء الأوضاع إلى تفشى الأمراض المعدية والأوبئة، وتم الإبلاغ عن تفشى أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك والكوليرا. وحذرت منظمات دولية من تفاقم الأوضاع وتكرار وقوع مجاعة شرسة كتلك التى ضربت السودان فى سنوات سابقة. كماعانى قطاع غزة من مجاعة شرسة بسبب العدوان الإسرائيلى الذى بدأ فى 7 أكتوبر 2023، إذ شدد الاحتلال منذ بداية الحرب الحصار -الذى كان قد فرضه من قبل على القطاع منذ 2007- مما أدى إلى نفاد جميع المواد الغذائية. وإضافة إلى تجاوز حصيلة الشهداء جراء القصف والتوغل البرى حاجز 29 ألف شهيد منذ بدء الحرب -أغلبهم من النساء والأطفال- فإن الاحتلال الإسرائيلى قرر فرض حصار خانق واستخدم سلاح التجويع ضد الفلسطينيين فى غزة. وقد بلغت الأزمة الإنسانية أقصى ذروتها فى شمال القطاع ثم امتدت إلى جنوبه، وعانى السكان من النقص الشديد فى الغذاء ومياه الشرب (حتى الملوثة منها) وذلك بعد قطع الاحتلال إمدادات المياه ونقص الوقود الذى أدى إلى إغلاق الآبار. كما أغلقت المخابز بسبب النقص الشديد فى الوقود والدقيق، واعتمد سكان القطاع على تناول المعلبات منذ بداية الحرب لسد جوعهم على الرغم من ندرتها، ولجأوا إلى طحن أعلاف الحيوانات، وحتى هذه الأعلاف نفدت، كما امتد الجوع الشديد إلى الحيوانات وأدى إلى نفوق الكثير منها.ووفقا لمؤشرات اليونيسيف ومنظمات دولية فإن حوالى 90% من الأطفال دون سن الخامسة فى القطاع مصابون بمرض معد أو أكثر، وحذرت من ارتفاع شديد فى الوفيات بين الأطفال مع استمرار الحرب. أما بالنسبة للصحة النفسية، فتبذل فرق الاختصاصيين والأطباء النفسيين قصارى جهدها لعلاج الاحتياجات النفسية الملحّة لدى الأشخاص المتأثرين بالعنف فيعالجون الأطفال الذين اقتلعوا من ديارهم والذين شهدوا على النزاعات المروّعة أو الأشخاص الناجين من التعذيب والعنف الجنسي. فهناك مرضى يعانون من مشاكل نفسية خطيرة كاضطراب ما بعد الصدمة مرتبطة بتجارب صادمة عاشها جيل من الأشخاص فى بلدان كالعراقوسوريا وليبيا وغيرها على غرار أصوات القنابل المروّعة التى تقع فوق رؤوسهم أو الرصاص الذى يخترق جدران غرف نومهم أو مقتل عائلاتهم أمام أعينهم أو التعرّض للتعذيب من قبل مجموعات مسلّحة. وقد ارتفعت نسبة الاستشارات النفسية بحوالى 230 فى المئة فى أنحاء العالم خلال السنوات العشر الأخيرة وتعود نسبة كبيرة من الحالات إلى عواقب الحروب والعنف والنزاعات على حياة الناس. وتفتقر الكثير من المناطق المتأثّرة بالحروب والنزاعات حول العالم إلى مزوّدى خدمات الرعاية النفسية الشاملة.