منذ أيام تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى صورًا لحفل زفاف داخل جامع محمد علي بالقلعة. الصور والفيديوهات المعروضة اعتبرت من جانب الكثيرين غير ملائمة لطبيعة الموقع الأثري، كونه موقعًا أثريًا دينيًا. واقعة القلعة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، لكن ربما الغريب فى هذه المرة هو الدهشة التى أصابت المتابعين. فخلال السنوات الأخيرة وبالتحديد فى عام 2016 قررت الوزارة إعادة استغلال مواقعها الأثرية وكانت البداية فى قلعة قايتباى بالإسكندرية واستخدام جزء منها لاستضافة الأفراح! وقد بررت الآثار موقفها حينها وقالت إن إعادة استغلال القلعة «لا تضر بطبيعة الأثر». وأضافت فى بيانها وقتها أن ما حدث كان نتيجة إيمانها بضرورة استغلال مواقعها كمصادر دخل للوزارة. لم تتراجع الوزارة عن طريقتها فى التعامل مع المواقع الأثرية طيلة هذه السنوات، وكان ردها على الانتقادات الموجهة إليها من خلال استخدام بعض المصطلحات لتمرير رؤيتهم مثل: «الاستثمار السياحي» و«إعادة استخدام المواقع الأثرية»، و«التنشيط السياحي»، و«تنمية الموارد»، و«الجذب السياحي». مؤخرًا وصلت «رؤية» الوزارة لمواقع أثرية فريدة مثل منطقة آثار سقارة والتى استضافت العديد من الحفلات الغنائية! وشهدت فى المقابل منطقة الأهرامات منذ أشهر قليلة حفل زواج المليادرير الأمريكى من أصل هندى أنكور جين على عارضة الأزياء أريكا هاموند. هنا نستعرض رؤية الآثريين والمتخصصين حول فكرة إعادة استغلال المواقع الأثرية والضوابط التى يجب مراعاتها إذا ما أرادت الوزارة الاستمرار فى نهجها الحالي. مونيكا حنا عميدة كلية التراث الحضارى بالأكاديمية البحرية تشرح الضوابط التى يمكن وضعها للتعامل مع الموقع الأثري. تقول: لا توجد قوانين دولية تخص إعادة استخدام الأثر، فالضوابط المحددة متروكة للسكان المحليين والمواطنين لأنهم وحدهم من يتفاعلون مع تراثهم. فأنا لست من المعترضين على فكرة إعادة استخدام بعض المواقع الأثرية. ولا مانع عنديَ من إعادة استخدام التراث ولكن يجب وضع ضوابط صارمة. فمشكلتنا الحقيقية أننا نترك الأثر لأهواء المسئولين، وبالتالى يتحكمون فى الموقع الأثرى وفقًا لهواهم. فمحيط قصر البارون مثلًا يصلح لعمل الحفلات بداخله. لكنى أعترض على إقامة حفلات الأفراح داخل جامع محمد عليّ وغيرها من الأماكن الدينية لأنها أماكن للصلاة، وهنا يجب احترام شعائر السكان المحليين. ترى حنّا أن إعادة استخدام المواقع الأثرية أمر إيجابى لأنه يوفر موارد مستقبلية لترميم الأثر والحفاظ عليه بصورة مستدامة، لكن بشرط وضع ضوابط محددة «الوزارة خلال السنوات الأخيرة تبنت فكرة الاستثمار السياحي، بدون وعى حقيقي. فالاستثمار السياحى شيء إيجابى لكن له أسس علمية، وهذه الأسس نحن بعيدون عنها تمامًا. فضلًا عن أننا غير مطلعين على الخبرات الدولية فى هذا المجال». تقول مونيكا إن سبب المشكلات التى يعانيها مجال إدارة التراث فى مصر هو افتقاد الخبرات اللازمة. «هناك فقر فى الخيال بالنسبة لإعادة إنتاج التراث، ونفتقد أيضًا مجال «اقتصاديات التراث»، فهذا التخصص غير موجود أصلًا داخل مصر، وهناك دول رائدة فى هذا التخصص. فالصناعات الثقافية مثلًا داخل فرنسا حققت أرباحاً فى عام 2010 تجاوزت من خلالها حجم صناعة السيارات الفرنسية بست مرات! طبيعة وظيفية الأثرى سامح الزهار يرفض هو الآخر إعادة استخدام المواقع الدينية وملحقاتها فى أنشطة تخالف وظيفتها الرئيسية. يقول: خلال الأيام الماضية ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعى منشورات توضح المبالغ المالية المطلوبة لإقامة الحفلات داخل محيط قلعة صلاح الدين؛ لذلك يجب أن نسأل أنفسنا سؤالًا وهو: هل صارت المبانى الموجودة داخل القلعة تحت سيطرة منظمى الأفراح؟ فهذه أمور تحتاج لمراجعة شاملة. فالآثار داخل مصر آثار وظيفية؛ أى تؤدى وظيفة بعينها منذ لحظة الإنشاء، إذ يمكن أن نضيف داخلها - بعض - الخصائص مثل وكالة الغورى التى أعيد استخدامها فى الأنشطة الثقافية المتعلقة بالغناء؛ لكن فى المقابل لا يمكن استخدام التراث وتحويله لقاعات أفراح؛ لذلك فهو يتفق مع ما طرحته الدكتورة مونيكا بخصوص استخدام حدائق القصور الأثرية لإقامة الأفراح. يقول: فى مصر نستخدم مصطلح «إعادة استخدام الموقع» بشكل خاطيء وكأنه حق يراد به باطل، إذ نستخدمه لتمرير أشياء لا تليق بالقيمة الوظيفية للموقع الأثري. وعن الحلول المتاحة فى الوقت الحالى يطالب بوقف التعاقدات مع الشركات المنظمة للحفلات داخل المواقع الأثرية، وأن تتولى الوزارة الأمر. بجانب مراجعة جميع اتفاقيات التعاقد التى تمت فى الماضى ووضع شروط جديدة. ضمانات مستقبلية الدكتور محمد حمزة الحداد عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة الأسبق، يرى إمكانية إعادة استخدام الأثر مرة أخرى ولكن بشرط الابتعاد عن حرم الأثر وخطوط التجميل. يقول: «يمكن إعادة استخدام «الخانات والوكالات» مرة أخرى كفنادق، وهذا لن يتعارض مع الوظيفة الأساسية للأثر لأنه استخدم منذ لحظة الإنشاء للمبيت والسُكنى». يرفض حمزة اعتبار ما يحدث ب«تنمية موارد» يقول: لا يمكن تسمية الأمر سوى أنها عملية تنمية موارد فاشلة، وقد ابتدع هذه الأمور كل من فاروق حسني، وزاهى حواس عندما أجروا القاعة الملكية بقصر محمد عليّ بالمنيل لإقامة الأفراح داخلها. وهذا تمامًا ما فعله وزير الآثار السابق خالد العناني، والذى أدار الموضوع بشكل «فج» لم يحدث من قبل. فعندما دمجت كل من وزارتى الآثار والسياحة. قرر العنانى تنمية موارد الوزارة، والضحية كانت المبانى والمواقع الأثرية؛ لذلك يطالب الحداد هو الآخر بضرورة إعادة عرض القرارات السابقة على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية، وتصحيح المسار، مع ضمان عدم تدخل أى جهة أو وزارة فى أعمال وزارة الآثار، وأن يكون للوزارة الحق الكامل فى إدارة مواردها ومواقعها الأثرية. رد رسمى الدكتور جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية اعتبر أن واقعة القلعة الأخيرة «سلوكية» في المقام الأول. يقول: هذه العادات الاجتماعية التي تحدث داخل المناسبات لن نستطيع تغييرها، ودورنا يتوقف على منع أي شخص يرتدي ملابس غير ملائمة لطبيعة المكان. أما إذا قرر الدخول بملابس مناسبة، ثم قرر تغييرها بعد الدخول من البوابة الرئيسية. فهل الحل إفساد العرس؟ فنحن نعمل وفقًا لبنود التعاقد فمثلًا هناك مبلغ تأمين وفي حال مخالفة اللوائح يتم تفعيل البند وحجب المبلغ. تسألني عن التقصير؟ نعم هناك تقصير ونحن نعترف بذلك، لكن دورنا ليس «ذبح» الموظف وإنما تقويمه وهذه طريقتنا في المحاسبة. فنحن نرفض القيام بهذه الإجراءات في العلن، وإنما نقوم بتطبيق اللوائح والقوانين على جميع المنظمين. فهناك إجراء تم اتخاذه ضد منظم الحفل، وآخر يخص حجب مبلغ التأمين. يضيف جمال مصطفى: ندرك أن هناك استفزازًا حدث لمشاعر المتابعين ونقدره بالمناسبة. لكن في المقابل هناك تهويل جرى على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تم تركيب بعض الأغنيات على الفيديوهات المعروضة وهو أمر لم يحدث. كما قررنا إلغاء مظاهر الموسيقى الراقصة، واقتصرنا الأمر على الأناشيد الدينية، ونبهنا على المنظمين بضرورة الالتزام بزي ملائم. وإذا خالف أحد الحضور يتم إعطاؤه رداءً يلائم الطبيعة الدينية للمكان، وهو تمامًا ما نفعله مع الأجانب عند زيارتهم لمسجد محمد عليّ. لكني في النهاية أؤمن أن التجاوزات ستحدث بشكل مستمر، ودورنا في هذه الحالة تفعيل القانون واللوائح. خصوصًا مع دخول الوزارة في السنوات الأخيرة لمجال الاسثمار. فهذه التصرفات من الطبيعي أن تحدث داخل المواقع الأثرية؛ لذلك سنسعى لتغليظ العقوبات في الفترة المقبلة. وعن استغلال المواقع الأثرية خلال السنوات الأخيرة بشكل استثماري. قال: ما تم جمعه من أموال بسبب هذه الأنشطة يفوق المبالغ التي جمعناها عبرَّ الزيارات السياحية، وبالمناسبة فهذه التجربة نجحت لحد كبير، وأنا رجل أثري في المقام الأول، وأدرك ما أقوله، فالأثر يعاد استغلاله بشكل مقبول بالنسبة لنّا. أما بالنسبة للمعترضين على الاستثمار داخل المواقع الأثرية فمن الممكن أن يرفعوا الأمر للسلطة المختصة في الدولة، فنحن كمجلس أعلى للآثار جهة تنفيذية، ودورنا الحفاظ على الآثار. ونحن لا نملك ميزانيات كبيرة لترميم الآثار وتطويرها، لذلك نبحت عن الوسائل التي تدر دخلًا لنّا بشرط المحافظة على الأثر، ووضع ضوابط محددة لمنع أي تجاوز داخل الموقع الأثري.