لا شيء يجسد المعايير المزدوجة للولايات المتحدة والازدواجية في الساحة الدولية أكثر من موقفها الحالي في الصراع المحتدم في غزة بين حماس وقوات الدفاع الإسرائيلية. وفي الشؤون العالمية، تقدم الولاياتالمتحدة نفسها على أنها معقل الديمقراطية والداعية للحريات حقوق الإنسان والقائم على أساس العدالة والمساواة. والحقيقة هي أنه لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة. إن سياسة الولاياتالمتحدة تتم صياغتها بمعايير مزدوجة وازدواجية لا تخدم سوى مصالحها الوطنية. فالعدالة والمساواة تصبحان غربيتين عندما تكون مصلحة الولاياتالمتحدة على المحك. وخير مثال على ذلك هو الصراع الدائر في غزة؛ هناك انتهاك صارخ واضح للمعايير المزدوجة، مع الدعم الذي يحظى به الإسرائيليين بحملة قتلهم للفلسطينيين. لقد فتحت الحكومة الأمريكية مخازنها من الأسلحة لإسرائيل دون أي تراجع كيف تستخدم قوات الدفاع الإسرائيلية هذه الأسلحة لإستهداف المستشفيات والبنية التحتية والمدنيين، حيث تم تسجيل عدد كبير من الضحايا بما في ذلك النساء والأطفال. إن الموقف الرسمي الأمريكي في مواجهة عمليات القتل للمدنيين الأبرياء لم يكن إدانة، بل كان دعمًا ضمنيًا للحكومة الإسرائيلية لمواصلة حملتها الوحشية على قطاع غزة المحاصر. وهذا يتناقض بشدة مع تعامل الحكومة الأمريكية مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ففي الوقت التي فرضت فيه الولاياتالمتحدة عقوبات قاسية بسبب العملية الروسية في أوكرانيا، غضت واشنطن الطرف عن ما يحدث في غزة. وتميل تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين إلى النظر إلى الهجمات الإسرائيلية على أنها "أعمال مشروعة"، دون إدانة واحدة. إن القصف الإسرائيلي للمستشفى الأهلي العربي "المعمداني" في شمال غزة يشكل مثالا واضحًا على ازدواجية المعايير الأمريكية التي لا تعطي قيمة كبيرة لحياة البشر عندما يتعلق الأمر بمصالحها. على الرغم من أن عدد الضحايا المدنيين في قصف إسرائيل للمستشفى كان أكبر بكثير من الخسائر في مستشفى الولادة في "ماريوبول" في 9 مارس 2022 عقب الاستهداف الروسي لها، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تظهر نفس رد الفعل القاسي تجاه الحكومة الإسرائيلية مقارنة بروسيا. ولم تقم الولاياتالمتحدة حتى بمحاسبة إسرائيل على قصف المستشفى. وتعليقًا على استهداف المستشفى في ماريوبول، قال الرئيس الأمريكي "جو بايدن" حينها إن الهجوم "ظلم" و"وصمة عار على العالم أجمع". وأضاف: "العالم كله متحد لدعم أوكرانيا وجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدفع ثمناً باهظاً". ولكن بعد الهجوم على المستشفى في غزة، قال بايدن إنه "شعر بالحزن العميق بسبب الانفجار" الذي وقع في المنشأة؛ حتى أن بايدن نفى مسؤولية إسرائيل عن التفجير. وفي مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرح بايدن قائلًا: "بناءً على ما رأيته، يبدو كما لو أن الأمر قد تم من قبل الفريق الآخر، وليس أنت"، في إشارة واضحة إلى الادعاءات الإسرائيلية بأن حركة الجهاد الإسلامي، هي المسؤولة. كما وصف الرئيس الأمريكي ما حدث في أوكرانيا بأنه "إبادة جماعية"، لكنه يرى أن المذبحة الإسرائيلية للمدنيين المحاصرين في قطاع غزة هي عمل من أعمال الدفاع عن النفس. لقد أظهرت الولاياتالمتحدة نفاقًا واضحا وازدواجية مزعجة في الحرب في أوكرانيا مقارنة بما يحدث في قطاع غزة. لماذا الازدواجية في المعايير؟ ليس من الغريب أن تصل مثل هذه المواقف إلى قمة الإدارة الأمريكية، وهو ما يعكس معاييرها المزدوجة في الشؤون العالمية. إن هذا النمط الانعكاسي مع إسرائيل، من جانب كل من الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الغربية والسياسيين، أمر مثير للقلق. يتم تصوير الفلسطينيين الذين يعانون من التمييز والاحتلال طويل الأمد، بما في ذلك الحرمان من حقوقهم الأساسية، على أنهم معتدين، بينما يتم تصوير الإسرائيليين على أنهم ضحايا. وهذا النمط الذي طورته الولاياتالمتحدة على مر السنين يدعو إلى التشكيك في قدرتها على التوسط في الشؤون العالمية بنزاهة وإنصاف وعدالة.