ما بين «الدموع» و»الدماء» مساحة من الأسئلة الصعبة، «دموع» الشعوب التى تبكى بحرقة على إخواننا فى غزة، و»دماء» الشهداء التى يرتوى بها نتنياهو وجرائمه ضد الإنسانية. فماذا بعد تحويل غزة إلى ركام وهدمها بالكامل؟، من يحكمها ويدير شئونها بعد السيناريو النهائى للحرب وما مصير المهجرين الذين تركوا مساكنهم بعد التدمير؟ متطرف إسرائيلى وقح اسمه مائير مصرى لخص إجرام إسرائيل بقوله إن بلاده لن تخضع لأية ضغوط ومصممة على استئصال حماس وإعادة احتلال القطاع مهما كلفنا ذلك، لأن محاولات ترويض العنف والتعايش معه أثبتت فشلها. ويبدو أن «بحور الدماء» التى يصر عليها هؤلاء المهاويس هى الوسيلة الوحيدة لإنقاذ نتنياهو من المصير الأسود الذى ينتظره، وكلما زاد عدد القتلى والجرحى والغارات والجرائم، زاد رصيده الدموى لدى الرأى العام الإسرائيلى الراغب فى الثأر والانتقام. منذ سنوات كانت تعقد المؤتمرات لإعمار غزة، وكانت الدول الغربية تتصدر قوائم المساهمين، فهل يحدث ذلك مرة أخرى بعد وقف القتال والعودة إلى خيار الحلول السلمية؟ سوف تنتهى الحرب عاجلاً أو أجلاً، ولن تكون هناك سوى «غرف التفاوض» لتحديد مصير غزة الذبيحة، وعلينا أن نفعل مثلهم بإعداد خطط واستراتيجيات للتنبؤ بما هو قادم والاستعداد له، مع التأكيد بأن وقف الحرب يجب أن يسبق الحديث عما بعد الحرب. والسؤال الأكثر صعوبة هو: هل استسلمت الشرعية الدولية لضغوط إسرائيل والغرب؟ مع الإشادة بقرار الجمعية العامة الأخير، بالدعوة إلى هدنة إنسانية وإدخال المساعدات لقطاع غزة وحماية المدنيين، إلا أن الشرعية الدولية متمثلة فى مجلس الأمن صارت عاجزة منذ سنوات طويلة عن تفعيل قراراتها، وبشأن غزة فقد فشلت فى اتخاذ القرار المعتاد فى النزاعات الدولية بوقف إطلاق النار. يعني: « المجتمع «الدولي» عاجز تماماً عن إنقاذ غزة، والمجتمع «العربي» فى أمس الحاجة إلى وحدة الصف وتوحيد الجهود، ليس من أجل الحرب ضد إسرائيل - وهذا مستحيل - وإنما لإدخال المساعدات الإنسانية «أولاً»، ووقف قتل المدنيين «ثانياً»، وتقديم الضمانات بحق كل دول المنطقة فى الأمن والسلام. فلا أحد يختلف حول المطالب الإنسانية، وضرورة تحقيق الأمن والاستقرار لكل دول المنطقة، والإفراج عن الرهائن والرعايا من الجانبين، وأن يعمل الفلسطينيون جميعاً تحت مظلة واحدة، بتأييد عربى لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية. فكفى أن تكون القضية الفلسطينية وليمة دسمة على موائد المتصارعين، وكفى صراع الفصائل الفلسطينية على كعكة السلطة المعجونة بالدماء، وأن تنطلق من كل العواصم العربية صيحة واحدة: السلام لجميع دول المنطقة. أما أن تظل غزة فى مرمى النيران حتى آخر بناية، وسقوط الضحايا بالآلاف، فى رعاية الغرب الذى فقد معانى الإنسانية والعدالة من أجل إسرائيل.. فهذا خطأ فادح. مهما كانت الدموع فلا بد من وقف الحرب وإنقاذ غزة الذبيحة وأهلها، من نتنياهو والمجانين المتعطشين للقتل والدماء.