وليس أعلم ممن خاض التجربة، ووعى الدرس وباح بما عاشه وخبره.. و»على عشماوى» كان شاهدًا وفاعلًا، ومسئولًا يوما ما عن هذا الجهاز السرى للإخوان، وقد سجل اعترافاته حول عضويته فى الجماعة، كما سجل كيف جرى تجنيده فى الجهاز السرى أى التنظيم الخاص، على حلقات جرى نشرها فى «المصور»، منذ ثلاثين عامًا، ثم جمعت فى كتاب صدر عن «دار الهلال»، عام 1993 تحت عنوان «التاريخ السرى لجماعة الإخوان»، ونفدت طبعات الكتاب فى حينه.. ونعيد نشر بعضها لما لها من أهمية لفهم كيفية تكوين ذلك الجهاز الدموى السرى وخفاياه. رددت الجماعة: «لا رابطة أقوى من العقيدة ولا عقيدة أقوى من الإسلام» فيقول «عشماوى»: هذه الصيحة كانت كلمة حق أريد بها باطل، فقد كانت النداء الذى سيطر به الإخوان على شباب هذه الأمة، ثم قاموا بغسل أدمغتهم، والسيطرة عليهم يوجهونهم إلى أى اتجاه يريدون، ومن هذا النداء انبثقت وسائل السيطرة، وهى البيعة، والسمع والطاعة، ذلك أن الشباب حين يدخل إلى الجامعة لابد أن تكون له بيعة، والبيعة مع مجموعات النظام الخاص، وهو الجهاز السرى للجماعة باستعمال المصحف والمسدس. أما «إخوان الأسر» فهو النظام المعمول به لربط الإخوان تنظيميًا فيكون باستعمال المصحف فقط، ولكن علامَ يبايع الأفراد؟! .. إنه شيء مهم يحكم سلوكهم، إنهم يبايعون على السمع والطاعة، وهذا هو مفتاح السيطرة والتحكم فى الأفراد، ويقولون إن النظام الخاص قد انتهى، ولكن الواقع أنه الآن موجود، فقد سيطر إخوان النظام الخاص على الجماعة، والقيادات أغلبهم من هذا النظام، ولقد نصبوا أفراد النظام فى القيادة بجميع مناطق العمل فى مصر، لأنهم يرون أن هؤلاء هم الأقدر على الحركة فى الظروف الاستثنائية. وعن بداية تكوين التنظيم يقول «عشماوى»: «لقد درس الإخوان جميع التنظيمات العالمية حين حاولوا بناء النظام الخاص، وقد تأثروا جدًا بالفكر الباطنى فى التاريخ الإسلامي، حيث كانت التنظيمات العباسية والعلوية والشيعية وما صاحبها من فرق سرية، مصدرًا أساسيًا جرى الرجوع إليه، ودراسته والاستنارة بالأفكار الحركية فى كل تنظيم على حدة، وكانت هناك وقفة شديدة أمام فرقة «الحشاشين» أتباع آليات السمع والطاعة، وكيف كان الأفراد يسمعون ويطيعون حتى لو طلب الصبَّاح منهم قتل أنفسهم، وكان الانبهار من وصولهم إلى حد الإعجاز فى تنفيذ آليات السمع والطاعة، أما الحركات العالمية الأخرى سواء كانت حركات إجرامية أو حركة سياسية مثل المافيا العالمية والتنظيمات الفرنسية، وأخيراً التنظيمات الصهيونية العالمية بما لها من قوة وانضباط، واتصالات بجميع القوى السياسية، ومعرفة إخضاع الخصوم والسيطرة عليهم أو تصفيتهم. ولقد كان لسيد قطب تعليق على ذلك، أى أنَّ أى تنظيم يطبع أفراده بصفته، أى أن التنظيم لو كان إجرامياً خرج الأفراد مجرمين، وإذا كان صهيونياً خرج الأفراد معجبين بالصهيونية.. ثم يقول صاحب الكتاب: «بدأت أراجع جميع أعمال الإخوان التى كانوا يعتبرونها أمجادًا لهم بعد معرفتى بعلاقات العمالة والتبعية من بعض قادة الإخوان للأجهزة الغربية الصهيونية، والتى أكدها لى سيد قطب من أن عبدالرحمن السندى ود. محمد خميس الذى كان وكيلا للجمعية فى عهد حسن الهضيبى، وأن أحد أصحاب المطابع الكبرى الذى كان أحد قادة الإخوان كان عميلاً للمخابرات الإنجليزية، وتأكدت أن جميع الأعمال الكبرى التى يتفاخر بها الإخوان فى تاريخهم قد جرى تفريغها من نتائجها، فمثلاً حرب فلسطين التى يفخر بها الإخوان باستمرار، فإنهم لم يدخلوا إلا معارك قليلة جداً فيها، ثم صدرت من الشيخ محمد فرغلى الأوامر بعدم الدخول فى معارك بحجة أن هناك مؤامرة لتصفية المجاهدين، ولكن هذا كان مبرره فى الأساس لحماية اليهود من إحدى القوى الخطيرة إذا استعملت، وجرى تنفيذ الأوامر، وظل الإخوان فى معسكرهم لا يحاربون إلى أن عادوا من فلسطين...!.. ويواصل «العشماوى» بوحه الخطير فيقول: «أما تجربتى الشخصية التى سمعتها مباشرة من صاحب الشأن، وهو أننى التقيت فى عنبر بالسجن الحربى بالدكتور م .ع .ف «رئيس مكتب إدارى إحدى المحافظات الكبرى فى مصر بكل ما فيها، قال إنه كان فى نهاية الأسبوع دائمًا يذهب بصحبة زوجته والتى وصفها بأنها كانت من أجمل نساء الأرض، كان يذهب كل أسبوع إلى الإسماعيلية حيث يسهر مع الضباط الإنجليز هو وزوجته، ويقضون الليل فى الرقص ولعب «البريدج»، وكان يقول إن الشيء الذى يتعب شباب الإخوان هو تفكيرهم الدائم فى الجهاد، وكان من السهل قيادتهم حين تحدثهم فى هذا الأمر. هكذا نرى الضرر الفادح الذى يلحق الساذجين الذين ينتمون إلى مثل تلك التنظيمات، فهم مخلصون، وقادتهم عملاء يتصرفون فيهم بلا أمان ولا رقابة، ودون أية تقوى من الله الذى يبايعون الأفراد على طاعته، والالتزام بأمره، فيطيع الأفراد، ويضل القادة، ويستعملون الأفراد فى غير طاعة ولا خوف من االله، وحين يتصادف ويواجههم رجل واع يريد أن يناقش وأن يفهم من مثل ما فعل السكرى ومن بعده مصطفى مؤمن فيكون مصيرهم الفصل من الجماعة.