الصورة العامة للواقع تشير إلى وجود قدر كبير من الأمل ومساحة واسعة من الضوء، فى إمكانية الوفاء بالطموح المشروع لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة. تكفى نظرة خاطفة على الدنيا من حولنا كى تلفت انتباهنا بالتأكيد، إلى أن انطلاق الحوار الوطنى الشامل الذى تجرى فعالياته حاليا، بين كل أطياف المجتمع وكافة قواه المدنية والفكرية، على تعدد قناعاتها وتنوع مشاربها وتوجهاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،..، يأتى فى ظل ما يشهده ويعيشه العالم والمنطقة من سحابات الغمام الكثيفة، المحملة بمشاعر مضطربة من القلق والإحباط وعدم اليقين، تغلف أجواء العالم كله الآن بشرقه وغربه وشماله وجنوبه. كما يستوقفنا بالضرورة أن الحوار جاء كضرورة وطنية، تحتمها الرغبة الإجماعية لرسم وتحديد ملامح الجمهورية الجديدة، فى ضوء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة التى نسعى إليها،..، وهو ما يتطلب التوافق المجتمعى الشامل على الخطوط الرئيسية لخارطة الطريق للمستقبل، فى ظل التحديات التى تواجهنا الآن على كافة الأصعدة،..، وهو ما يحتم تبادل الرؤى ووجهات النظر تجاه كل القضايا والمحاور التى تشغل وتهم جموع المصريين. القدرات والإمكانيات فى البداية لابد أن نشير بوضوح إلى أن الدعوة للحوار الوطنى الشامل والجامع لكل أطياف المجتمع المصرى، انطلقت فى إطار اليقين الراسخ، بأن الأمة المصرية تمتلك بالفعل كماً وقدراً كبيراً من القدرات والإمكانيات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، يتيح لها الرؤية الصائبة للوصول إلى البدائل المتعددة لمسارات التقدم فى جميع المجالات. وإنها تملك من الكفاءات العقلية ومن صدق النوايا وإرادة الفعل، ما يؤهلها لتحقيق الأحلام والطموحات التى يتطلع إليها المجتمع المصرى، كى تحتل الدولة المصرية مكانها اللائق بين الأمم. وفى هذا لعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا إن تحقيق الطموح فى إقامة الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، قد آن آوانه بالفعل حالياً وحان وقته الآن،..، وأن الوقت قد أزف للخروج بمصر من عنق الزجاجة الذى يضيق عليها خناقها الآن ومنذ سنوات ليست بالقليلة،..، ويحد من انطلاقتها إلى آفاق اقتصادية واجتماعية أوسع وأرحب. ذلك الأمر أصبح ضرورة ملحة وواجبة النفاذ، بحيث يمكننا حشد كافة الجهود للخروج بمصر من شريحة الدول الآخذة فى التقدم فى إطار مجموعة الدول النامية، للانتقال بها إلى مصاف الدول المتوجهة لاحتلال موقعها الصحيح بين الدول المتقدمة بالفعل، باعتبار ذلك هو الموقع اللائق بها وبتاريخها وثقلها الحضارى والإنسانى على خريطة التقدم البشرى. تحرك عاجل ولعلنا لا نبالغ على الإطلاق إذا ما قلنا أيضا، إن الوقت لم يعد يسمح بمزيد من الانتظار أو التأجيل، فتلك رفاهية لا نملكها ولا تتمشى مع الإيقاع السريع للتطور الإنسانى فى كافة المجالات، والذى جعل العالم كله يعيش ويعاصر ثورة تكنولوجية هائلة، ستغير بلا أدنى شك وجه الحياة على الأرض كلها بصورة لم يشهدها العالم من قبل على مر تاريخ البشرية. وأحسب أن التقدم المذهل الذى نشاهده ونعيشه هذه الأيام، فى مجال المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعى وأجهزة التحكم والتوجيه عن قرب وعن بعد، ووسائل الإرسال والاستقبال والطاقة النظيفة وثورة الجينات، والتطور الهائل فى مجالات الكيمياء الحيوية والفيزيائية والتقدم المذهل فى صناعة «الروبوتات» واستخدام الإنسان الآلى، وكشف المستور فى الجسم البشرى وعالم الأمراض والفيروسات،..، و،..، وغيرها وغيرها. كلها إنجازات تتجاوز ما كنا نتخيله أو نتوقعه، وهى فى حقيقتها وواقعها تفتح الباب واسعاً أمام صورة جديدة لعالم مختلف فى مفاهيمه ومناهجه وشكل الحياة فيه، وكلها تعتمد فى الأساس على قدرات إنسانية خلاقة ومبدعة فى كل المجالات العلمية المتطورة. وكلها تؤكد لنا ضرورة التحرك الفورى والعاجل، للانتقال بأنفسنا ووطننا إلى قلب التقدم المذهل فى كل المجالات حتى نصبح بالفعل جزءاً من العالم المتطور المشارك فى صناعة الحداثة والتقدم. وغنى عن البيان أنه لا يكفى أن نقبع ساكنين فى أماكننا، ونكتفى بالمشاهدة لوجه العالم الذى يتغير فى كل يوم من حولنا بفعل العلماء وجهد المبتكرين، ونكتفى فقط باستخدام المنتجات والمعدات التى أبدعتها عقول العالم المتطور، ونقنع بكوننا مجرد مستهلكين لهذه المنتجات. ولو فعلنا ذلك وقنعنا بالوقوف فى صف المستهلكين فقط لا غير، لتحولنا إلى كم مهمل لا وزن له ولا ثقل ولا أهمية، يعيش على هامش الدنيا،...، وهو ما لا يجب القبول به، ولا السماح بحدوثه على الإطلاق. الجمهورية الجديدة نقول ذلك ونحن ندرك أمرين أساسيين لهما من الأهمية قدر كبير، يحتم علينا أن نضعهما باستمرار نصب أعيننا عند التفكير فى القضية المحورية التى تشغل مصر حالياً، والتى تدور حولها كافة الاجتهادات، وهى رسم وتحديد ملامح الجمهورية الجديدة، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة التى نسعى إليها. الأول: أن فى مصر قاعدة كبيرة وواسعة ومتميزة من العقول المتطورة والكفاءات المتميزة، المشهود لها على مستوى العالم فى كافة المجالات العلمية والبحثية والفكرية، لا ينقصها غير الانخراط الطوعى والمشاركة الفعالة فى إطار قومى شامل، لوضع الأسس والقواعد لخارطة الطريق اللازمة للوصول لما نسعى إليه، فى ظل التحديات التى تواجه الدولة المصرية الآن، على كافة الأصعدة، وفقاً لأهداف واضحة وغايات متفق عليها. والثاني: أن هناك حجماً هائلاً من التحديات التى نواجهها الآن، ولها بالقطع تأثير كبير على محاولاتنا للنهوض والانطلاق، وسعينا لتحقيق آمالنا وطموحاتنا فى ظل الظروف الدولية المضطربة والظروف الإقليمية القلقة وغير المستقرة، التى تحيط بنا وبالعالم حالياً ومنذ فترة ليست بالقصيرة، تمتد إلى ما جرى وما طرأ على المنطقة بعد زوابع وعواصف الربيع المزعوم فى عام 2011، وتداعياته الفوضوية والتدميرية على منطقتنا العربية والشرق أوسطية. ولكن بالرغم من ذلك كله، من المهم أن نقول إن الصورة العامة للواقع المصرى ليست معتمة بالقطع،..، بل إن هناك قدراً كبيراً ومساحة واسعة من الضوء والأمل، للوفاء بطموحات مصر وحقها الطبيعى فى الانطلاق الواعى والمحسوب نحو الحداثة والتحديث، بجهد أبنائها من المفكرين والمثقفين والقوى المدنية والأحزاب والنقابات، ومؤسسات وهيئات المجتمع المدنى بكل فئاته وأطيافه وتوجهاته،..، تلك هى الحقيقة رغم رغم بعض الظلال الرمادية والسحب والغيامات الداكنة التى تظهر فى خلفية الصورة نتاج بعض الأحداث والوقائع الإقليمية والدولية، وما تتسبب فيه لدى البعض من الوقوع فى شراك التشاؤم أو الإحباط أو اليأس. الثلاثون من يونيو والآن.. إذا كان الهدف من وراء الدعوة للحوار المجتمعى الوطنى الشامل الذى انطلقت فعالياته منذ أيام، هو التوصل إلى توافق حول الخطوط الأساسية التى تقوم عليها الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة التى نسعى إليها، فيجب أن ندرك باليقين أن ذلك يتحقق بتبادل الرؤى وإبداء وجهات النظر دون خطوط حمراء، خلال بحث ومناقشة القضايا والموضوعات التى تم التوافق عليها من مجلس أمناء الحوار، خلال جلساته النقاشية التى بلغت «23 جلسة» بطول عام كامل بدءاً فى أبريل العام الماضى «2022» واستمر حتى نهاية أبريل العام الحالى «2023»، تم خلالها فحص ورصد وتسجيل كل الأفكار والمقترحات والرؤى والأطروحات، التى تقدمت بها الأحزاب والشخصيات العامة والهيئات والقوى المختلفة، حول القضايا والملفات المتعلقة بالشأن العام فى كل محاوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية،..، وهذا هو ما بدأ بالفعل. وأحسب أنه من المهم بل والضرورى أن نقول ونؤكد بكل الوضوح، إن الدعوة للحوار الوطنى الشامل والجامع الذى يجرى الآن، ما كان لها أن تقوم، أو أن يكون لها وجود على أرض الواقع، دون قيام ثورة الثلاثين من يونيو ونجاحها فى إنقاذ البلاد من الأوضاع بالغة السوء والبؤس، التى كانت قائمة فى ظل سيطرة جماعة الإفك والضلال على الدولة والحكم. وعلينا أن ندرك بكل الوعى، أنه ما كان يمكن أن تكون هناك أدنى فرصة للحوار حول رؤية مجتمعية استراتيجية متوافق عليها، بين كل مكونات الجماعة الوطنية على تنوع وتعدد واختلاف مستوياتها الفكرية والثقافية وتوجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فى وجود حالة من الاحتقان الشديد بين الجميع وشيوع الانقسام والعنف والتطرف والفرقة، فى ظل تسلط الجماعة على جميع المواطنين وكل الدولة قبل الثلاثين من يونيو «2013» خارطة الطريق هذه مسلمات وحقائق يجب أن ندركها، وأن تكون واضحة ومعلومة لنا جميعا ونحن ننطلق فى حوارنا الوطنى الشامل، ساعين بكل الجدية والصدق لمناقشة وبحث كل الأفكار والرؤى المتصلة بالمبادئ والأسس الخاصة بالرؤية المستقبلية للمسيرة الوطنية الساعية لقيام الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. كما يجب أن تكون ماثلة أمام أعيننا ونحن نسعى بإخلاص من خلال الحوار، لوضع الخطوط العامة التى يجب أن تتضمنها خارطة الطريق الواضحة والمحددة للأجيال الجديدة سعياً للمستقبل الأفضل بإذن الله، والتى تعبر تعبيراً صحيحاً وعادلاً عن ثورة الثلاثين من يونيو، وإرادة الملايين التى فجرتها والتى بدونها ما كان يمكن أن يكون هناك حوار وطنى أو دولة وطنية أو حتى وطن آمن ومستقر يطمح فى المستقبل الأفضل بإذن الله.