«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كريم محسن يكتب : الكتابة المُطمَئِنَّة فاشلة وبائسة وأنانية
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 03 - 2023

كريم محسن، كاتب وقاص، وُلد فى القاهرة عام 1998 وتخرج فى كلية التجارة، جامعة القاهرة، وشارك فى مشروع «قصص القاهرة القصيرة» الذى نظمه معهد جوتة عام 2018، وورشة كتابة نقدية وإبداعية عن الأفلام التجريبية القصيرة والفيديو آرت بعنوان «فراشات لا تجرى نحو الضوء»، نظمتها مؤسسة مدرار للفنون المعاصرة ضمن إطار فعاليات مهرجان القاهرة الدولى التاسع للفيديو 2019.
نُشرت له كتابات متنوعة فى مواقع ومدونات مثل: الجمهورية نت، مدينة، المنصة، مجلة أوكسجين النصف شهرية، مدونة ختم السلطان،Boring books - كتب مملة، آخر قصة، أدب 360.
مؤخرا أصدر كريم مجموعته القصصية الأولى «هذه ليست غرفتك» عن دار «المرايا» لتؤكد على موهبة واعدة وتشير بوضوح لقضايا جيل جديد، رغم إن كاتبها يؤمن أكثر بالانتماء للكتابة المخلصة والجريئة، للخيال واللغة المحملة بالأفكار أكثر من التفكير فى مرحلة معينة أو جيل ويقرأ لكل من تحمل كتابته تلك الصفات ويتعلم منهم لا بغرض مجايلتهم بل بغرض تجاوزهم والذهاب إلى نقاط ومراحل أبعد.
بطله/ أبطاله مشتتون ضائعون فقدوا أحلامهم ولغتهم ورغبتهم فى التواصل والاتصال مع العالم، العزلة ملازهم والوحدة أملهم الأخير. عالقون بين عالمين فلا هم ينتمون إلى عالم هندسه وخربه كبارهم ولا هم استطاعوا بناء عالمهم الذى كانوا يحلمون به، لفظوا الواقع ولفظهم، فأصبحوا يعيشون فى عالم خاص لا يتجاوز حدود غرفهم المغلقة فى بيوت لا تخصهم بأوطان لا تسع أحلامهم، احتفظوا فقط بغضب نقى وإصرار على النجاة من مشاريع محاصرتهم والتخلص منهم.
هنا نتحدث معه عن المجموعة بالتفصيل..
المجموعة تتجاوز الكثير من مشاكل الأعمال الأولى وهى لا تبدو كعمل أول فى الحقيقة وهذه ليست مجاملة. ربما يكون الأول على مستوى النشر لكنه بالتأكيد ليس الأول على مستوى الكتابة.. متى بدأت علاقتك مع الكتابة؟ أريد التحدث أيضا عن الفترة السابقة للكتابة، ما القراءات التى شكلت وعيك وأين موقعها منك الآن؟
بدأت علاقتى مع الكتابة منذ الثانوية العامة، كنت مشحونًا بالقراءة وتجارب المراهقة وتحولاتها، فبدأت كتابة الشذرات والنصوص القصيرة ونشرها على مدونتى الشخصية وفيسبوك وتويتر، وأحيانًا احتفظ بها لنفسى أو أرسلها لأصدقاء محددين.
وكانت الكتابة «قصيرة النفس» تدريبًا خلاقًا على كيفية تشكيل أفكارى ومشاعرى فى نسق له منطق ومعنى، صياغة جمل مقتضبة ومركزة كانت أشبه بممر خلفى وسرى للولوج إلى عالم القصة، وكتابة أول قصة قصيرة فى عامى الدراسى الأول على سلم أحد مبانى جامعة القاهرة.
كتبت قصة مات جميع شخصياتها فى النهاية، كانت قصة معذبة ويائسة ودرامية إلى حد البشاعة، كنت حزينًا وغاضبًا فى تلك الفترة وانعكس ذلك على الأحداث والشخصيات، لكن فيما بعد تبدلت تصوراتى عن الأدب والكتابة تماما، لم أستخدم قصة من القصص التى كتبتها فى تلك المرحلة فى المجموعة، باستثناء قصة وحيدة بعنوان «هزيمة صامتة». لم أعد أتصور الأدب مصنع إنتاج لليأس والشفقة والهزيمة.
القراءات التى شكلت وعيى فى البداية، تبدأ مع نجيب محفوظ وطه حسين ونيتشه وسارتر وكافكا ودوستويفسكى وعلاء الديب وألبير قصيري. لا أنسى أبدًا قراءة رواية «الأبله» لدوستويفسكى فى الصف الثانوي.. عند الانتهاء منها، شعرت باختلاف فى درجات ألوان الواقع، تبدلت الرؤية إلى الأبد.
وما زلت أعود لقراءة هذه الأعمال والتعلم منها ولكن كما أتعامل مع كل الكتب فى حياتى، اقرأها حتى أتجاوز تأثيرها من خلال الكتابة، لا أريد الجلوس والكتابة مثل أحد، أجلس للكتابة وبداخلى رغبة فى ابتكار لونى ورؤيتى الخاصة، وهو فعل يتطلب الكثير من التراكم والقراءة والممارسة.
ولا أعرف هل حققت تقدمًا مرضيًا فى هذا الاتجاه أم لا أنا مستمر فى المحاولة بنفس الرغبة وبنفس الدافع، أتخيله فعلًا قد يستغرق عمر الكاتب كله. لا أرى الكتابة إلا لحظة راديكالية، أطمح فيها للذهاب بعيدًا. فالتناسخ والتكرار الأعمى هو موت الكتابة، وموت المعنى.
الكتابة فن التجاوز، القفز فى المجهول، أو «الخروج إلى عرض البحر» إذا استعرنا تعبير زيبالد فى كتابه «دوار. أحاسيس».
كيف تختار موضوعات وأفكار قصصك.. هل تنبت مكتملة كوحى أو إلهام أم تتطور مع الوقت؟ وكيف تحدد قالبها أو شكلها؟
تتطور مع الوقت، لا أؤمن بالإلهام والوحى فى الكتابة، التزم بالاجتهاد والقراءة والممارسة المستمرة، وعندها يحدث «لقاء» مع واقعى يدفعنى للكتابة، يحدث اللقاء على ضوء تراكم المعرفة والتجربة. أنطلق فى قصصى من أحداث ذاتية للغاية.
لكن لا يمكننى الجلوس للكتابة إلا عندما تصل هذه الأحداث إلى مستوى من التعقيد الفنى، يضع أسئلتى ومشاعرى وأفكارى وخيالاتى فى قلب واقعى الاجتماعى والسياسى، حتى لو كانت أحداث القصص تدور فى غرف مغلقة وشخصياتها تعيش عزلة مطلقة.
وأكتب القصص مشتبكًا مع الواقع والكتب التى تأثرت بها، وأطمح من خلالها لدمج الخاص بالعام والعكس. أكتب بعين تفتش داخل ذاتى وعين أخرى تفتش فى الواقع.
هل تقبل التدخلات والتعديلات ووجهات النظر فى قصصك؟ من أول من يطلع على مسوداتك؟
استمع لوجهات النظر جميعها بنفس الحرص والشغف، أبحث دائمًا عن نقد لما أقوم به أو زاوية نظر غير متوقعة، فالكتابة المطمئنة لما تفعل هى كتابة فاشلة وبائسة وأنانية، الكتابة فعل قلق يتطلب ممارسة نقدية مستمرة حتى يتطور.
وأشارك المسودات مع أصدقاء مقربين أو كُتاب أعلم أنهم لن يجاملونى أبدًا، وكنت أرسل قصصى الأولى لصديقى «محمد أسامة» الذى دعمنى منذ البداية، كان يقرأ مسودات تجاربى فى القصة بشغف ومحبة لن أنساها أبدًا.
ما حكاية «هذه ليست غرفتك»؟ متى فكرت فيها ومتى رأيت إنها اكتملت وقررت نشرها؟ أتصور أن عنوانها كان مختلفا أيضاً..
اخترت اسم المجموعة عن طريق لعبة مع أصدقائى المقربين، أرسلت لهم على الواتساب فهرس المجموعة وطلبت منهم اختيار اسم يبدو ملهمًا ومثيرًا للفكر والشعور، كان اختيار صديقى «عمر سيد» هو أكثر ما جذب انتباهى، حيث اشتق اسم المجموعة من عنوان إحدى القصص وليس العنوان كاملًا.
كنت قد اخترت للمجموعة اسم «الموت ببساطة» لكن مع الوقت اتضح أن «هذه ليست غرفتك» أكثر ملاءمة وتعبيرًا عن الجو العام للمجموعة، حيث تدور عوالم أغلب القصص فى غرف وشقق، ويجمع الشخصيات غضب وتمرد على المكان ورغبة فى التغيير بشكل أو بآخر.
وعلى مدار 4 سنوات، كنت أعمل على المجموعة كمشروع منفصل متصل، «سيرة متخيلة» كما أحب تسميتها مؤخرًا. كل قصة لها حكايتها الذاتية وخلفيتها ومنطلقاتها الفكرية والشعورية الخاصة، لكن تجمعها أجواء عامة وروابط خفية وصريحة.
وكانت لحظة الانتهاء من الكتابة مبهمة، تولد داخلى نوعً من الاكتفاء، والرغبة فى خوص تجربة كتابة جديدة، فقررت أن المجموعة اكتملت وبدأت فى البحث عن ناشر.
وإذا قلنا إن المجموعة تعبر فى المجمل عن جيل جديد و يبدأ من ثورة يناير كنقطة مركزية يجوز التأريخ من عندها- تحمل همومه أو مأزقه إنا شئنا الدقة، فهل كنت تعى ذلك وقت التدوين وتعمل عليه أو خطر فى ذهنك على الأقل؟ بشكل أوضح هل تسعى لكتابة تاريخ اجتماعى لفترة عشتها، أم أرشفة لتاريخ شخصى؟
الشخصى مدخل للاجتماعى والسياسى. أحد طرق فهم الواقع وتعقيداته هو تعميق فهم الذات وسياقات تشكلها وإنتاجها، كلما انغمسنا فى فهم ذواتنا ننفتح على الواقع أكثر. كتبت المجموعة بالطبع وأشباح ثورة يناير وأحداث السنوات الماضية فى الخلفية، لم أكتب عنها تحديدًا لكنها طاردتنى دائمًا.
وعند اندلاع الثورة كنت مراهقًا عمره 13 عامًا فقط، كنت أتابع الأحداث عبر مواقع التواصل الاجتماعى والتليفزيون بخوف وشغف، تشكل وعيى السياسى على ضوء ثورة يناير وقوتها الملهمة، رأيت الواقع وهو يتحول لمجال مفتوح للتغيير والابتكار والخلق بشجاعة. لا يمكن فصل ذلك عن تجربتى فى الأدب.
وأنطلق فى الكتابة من «الشخصي» لكنه مُخترق تماما بأشباح الثورة وأزماتها ومآزقها العسيرة. كنت أكتب وأنا واعٍ تماما بذلك بل وأحاول الاتصال قدر الإمكان مع هذه اللحظة من التاريخ.
«الشخصى مدخل للاجتماعى والسياسي» مقولة تلخص الانطباع الذى توصله كتاباتك بشكل عام، فهناك جدل دائم حول تناول ما يسمى بالقضايا الكبرى مقابل الحكاية الذاتية أو الشخصية وكتابتك تقول إنك تتبنى موقفا وسطا؛ تتناول تلك القضايا لكن عبر الحكاية الشخصية، عبر الالتفات للذات والبحث داخلها.
وبالضبط، الكتابة بالنسبة لى هى فعل إلغاء الحدود بين العام والخاص، التى أراها حدودًا تُفرض على الأدب فرضًا لتخفيف حمولته السياسية والاجتماعية وتفريغه من المعنى والقوة. على سبيل المثال، عندما أكتب فى قصة عن شخص يبتكر لغة جديدة فى عزلته، أكتب فى نفس الوقت عن أزمة لغة الواقع اليومى تحت وطأة التكرار والتناسخ والخوف من الكلام والتعبير، عن الموت الرمزى للغة.
ولاأرى الأدب «مكسرات وسوداني» للتسلية الخفيفة فى أوقات الفراغ، أراه فنًا يشتبك دائمًا مع الواقع، بالنقد والخلق، ويطمح للتأثير فيه أيضًا.
وإذا استعدنا مقولة «الالتزام» من جديد، أتخيل إذا كان الكاتب عليه التزام واحد فهو ألا يزيح عينه عن واقعه ويظل على اتصال به من خلال الفهم والنقد والتحليل وتشكيل الرؤى.
فى المجموعة وفى نصوصك بشكل عام هناك حديث دائم عن العزلة حتى قبل العزلة التى فرضتها كورونا على العالم. لماذا؟ ما الذى تمثله لك؟
أسعى معظم وقتى للعيش فيما أسميه «عزلة خلاقة»، لا تنطلق عزلتى من موقف غاضب أو ناقم على العالم والناس، بالعكس، فى عزلتى أطمح لاحتواء الواقع معى، لا لفظه بعيدًا عنى، أعيش مع أشباح الماضى والحاضر والمستقبل.
فى العزلة أقرأ وأكتب وأشاهد الأفلام وأعمل، أرتب أفكارى وأنظم دماغى وأحاول جاهدًا إبطاء عجلة الواقع المتسارعة والعشوائية، اللهاث المستمر وراء الواقع وأحداثه يدمرنى وينهك قدراتى الذهنية ويمزق روحى.
وفى كل الحالات ستفوتنا الكثير من الفرص واللحظات الجميلة والمهمة.. علينا التصالح مع ذلك والتوقف عن اللهاث المحموم قليلًا. علينا الوقوف من حين لآخر ضد الواقع وتدفقه، لفهمه وتغييره إذ أردنا. فى العزلة نبتكر طرقًا لإعادة ربط وجودنا بالعالم، بشكل أكثر قوة ومتانة وتماسكًا.
كتبت أغلب قصص المجموعة فى عزلة داخل غرفتى، ولا يمكننى بالطبع عزل واقعى الشخصى عن أجواء الكتاب، فخرجت معظم القصص تحمل تصوراتى عن العزلة من خلال شخصيات هى ذواتى المتعددة التى ابتكرتها على مدار الكتاب. فى العزلة أنت ما زلت على اتصال دائم مع العالم، لكنك على مسافة تسمح لك بالرؤية والتفكير والخلق.
كيف تقيم استقبال القراء للمجموعة وهل تسعى لتطوير علاقتك معهم أم تفضل الاحتفاظ بمسافة بعد توغل السوشيال ميديا فى هذا الأمر، خصوصا وأنك تستخدم بعض الألفاظ التى قد تثير حساسية بعضهم؟ هل يشغلك القارئ بشكل عام..
وإذا فكرت فى القارئ ورد فعله لن أكتب ما أريده أبدًا، سأكون جبانًا ومبتذلًا ، غير قادر على التعبير عن ذاتى، إنما أعبر عما هو مسموح ومقبول فقط. تتطلب الكتابة شجاعة ومغامرة وتجريباً واشتباكاً، ما فائدة الكتابة إذا قدمت للقارئ الجبن والخوف ما أهمية الكتابة إذا كانت إعادة إنتاج للشائع والمتعارف عليه والأليف؟
استمع لمختلف الآراء ووجهات النظر بعد النشر، لكن لا أشغل بالى أثناء الكتابة إلا بعالم القصة وأفكارها ومحاولة خروجها بصورة أكون راضيًا عنها فى النهاية.
ما الذى تطمح إليه من وراء الكتابة؟
أطمح من وراء الكتابة لإنتاج المعنى، أن تكون الكتابة ضد التناسخ والتكرار وعدمية الواقع وحتمياته، ضد سطوة الفنون السهلة والخفيفة، وضد التسلية الساذجة وعجلة الواقع المتسارعة. أن تكون الكتابة بطئًا يحمل داخله كل السرعات الممكنة. أن تمنح الكتابة للقارئ القدرة على التخيل والشعور المركب والتفكير فى إمكانات الواقع اللانهائية وتشجعه على القول والتعبير.
هل ستظل مخلصا للقصة أم تفكر فى الرواية؟ ما الجديد لديك على أى حال؟
سأظل أكتب القصة طبعًا، القصة فن شديد الخصوصية والصعوبة فى وجهة نظرى، وممتن أنه بدأ يستعيد مؤخرًا مكانته وجديته رغم صعوبات النشر وتحدياته، خاصة مع ظهور مواقع ومدونات تهتم بنشر القصة والشعر والنصوص التجريبية.
وفى نفس الوقت سأجرب أنواعًا أدبية مختلفة، منها الرواية يومًا ما. أنا أكتب المقال والنصوص «النون فيكشن» بالفعل، سأحاول الفترة القادمة التفكير أكثر فى مشاريع نصوص تجريبية تمزج أنواعًا أدبية مختلفة، سأركز أيضًا على كتابة مقالات عن السينما.
ونشرت مقالًا عن فيلم «ريش» على موقع المنصة منذ بضعة أشهر وأريد تكرار التجربة مع أفلام أخرى. تشغل السينما خيالى وحياتى، وكانت سينما ميشيل هاينكه وبرجمان وتاركوفسكى وبيلا تار ولويس مال وجودار مصدر إلهام كبير أثناء كتابة المجموعة، على نفس قدر تأثير قراءة الأدب والفلسفة.
أعمل الآن على قصة طويلة عن الخلود ومعناه فى هذه اللحظة، قصة هزلية وجادة جدًا، وتحمل أبعادًا طبقية مركبة. هذه القصة بمثابة مراجعة ذاتية لتصوراتى عن الكتابة والأدب والقصة واللغة، معمل أفكار وتجارب.
اقرأ ايضاً | «سلاما لدمشق من القاهرة» في الذكرى 65 للوحدة مع سوريا
نقلا عن مجلة الادب :
2023-3-5


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.