رئيس جامعة دمنهور يفتتح فعاليات ملتقى التوظيف الثاني لكلية الطب البيطري (صور)    الهيئة الوطنية تصدر 5 قرارات بشأن متابعة الانتخابات والاستفتاءات    5 طلبات ترشح ل انتخابات مجلس الشيوخ في الوادي الجديد حتى الآن    تعليم الوادي الجديد تعتمد جداول امتحانات الدور الثاني للصف الثالث الابتدائي 2025    نائب رئيس وزراء الكونغو الديمقراطية يزور العاصمة الإدارية لبحث سبل التعاون    وزير البترول يتفقد بئر "بيجونا-2" بالدقهلية تمهيدًا لحفر 11 بئرًا جديدًا للغاز    7 مكاسب اقتصادية لتعاون مصر والبريكس.. أهمها نقل خبرات التصنيع وتوطين التكنولوجيا    تكليف ياسر كمال رئيسًا لمركز الفرافرة وياسر محمود ل الداخلة في الوادي الجديد    7 يوليو 2025.. ارتفاع محدود للبورصة تتجاوز به ال 33 ألف نقطة    35 شهيدا بغارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم    تركيا: اختناق 8 جنود بغاز الميثان في شمال العراق    الأمم المتحدة: تم ترحيل 450 ألف أفغاني من إيران منذ بداية يونيو    الهلال يتوصل لإتفاق مع ميلان لضم ثيو هيرنانديز    أحدث تطورات الحرائق باللاذقية السورية.. وتقدم في السيطرة على بعض البؤر    إندونيسيا: مطار بالي يعلن إلغاء 24 رحلة جوية إثر ثوران بركاني    غزل المحلة يعلن تشكيل قطاعي الناشئين والبراعم للموسم الجديد    أوناجم: سعيد بالعودة إلى الدوري المصري ولدي ذكريات رائعة وقت الزمالك    لويس دياز: سأظل أتذكر لفتة جوتا تجاهي.. وكنا أصدقاء مقربين    بيراميدز يعود للتدريبات غدًا استعدادًا للموسم الجديد    7 ميداليات.. حصيلة الفراعنة ببطولة إفريقيا للريشة الطائرة في غانا    فيفا يعلن طاقم تحكيم قبل نهائي المونديال    الزمالك يحسم صفقة الجناح الإنجولى    النيابة تعاين موقع حادث المعدية بمنطقة المراسي في قنا    اللعبة الأخيرة لجنة ورحيل.. بحر يوسف يبتلع طفلتين في بني سويف    الأعلى للإعلام يستدعي الممثل القانوني لقناة ON E بسبب برنامج «معكم منى الشاذلي»    تعليم القليوبية تكشف موعد وخطوات التقديم للدبلومات الفنية والأوراق المطلوبة    التقديم خلال أيام.. مدرسة إيفا فارما الدولية للتكنولوجيا التطبيقية 2025- 2026 ضمن بدائل الثانوية العامة    وفد إعلامي من مجلس النواب الأردني يزور "نايل سات"    ختام وإعلان جوائز المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية 47.. والتجارب النوعية    صورة عادل امام    عصام السقا بعد التفاف الجمهور للتصوير معه: محبتكم دي رزق من ربنا    "منبر الإسلام" فى ثوبها الجديد.. انطلاقة واعية مع العام الهجرى الجديد    للفوز بحب أصعب الأبراج.. 3 نصائح لجذب انتباه وإبهار برج الدلو    وفقا للحسابات الفلكية.. تعرف على موعد المولد النبوي الشريف    نجاح إجراء جراحة معقدة لإصلاح تشوه نادر بالعمود الفقري لطفلة 12عاما بزايد التخصصي    تسجيل أكثر من 1.2 مليون مواطن بأسوان في التأمين الصحي الشامل    علامة في البول تكشف إصابتك ب 3 أمراض خطيرة    العالم يحتفل باليوم العالمي للشيوكولاتة.. من مشروب مرير لمتعة وفوائد صحية    محافظ الإسماعيلية يعتمد درجات القبول بالمدارس الثانوية    رئيس مجلس الدولة يستقبل مفتي الجمهورية لتهنئته بمنصبه    رئيس جامعة قناة السويس يتسلم التقرير السنوي ل«خدمات الطلاب ذوي الإعاقة»    تنسيق الجامعات 2025.. أماكن اختبارات القدرات للالتحاق بكليات التربية الفنية    من 3 إلى 13 يوليو 2025 |مصر ضيف شرف معرض فنزويلا للكتاب    صرف 100 ألف جنيه لكل متوفي بحادث الطريق الإقليمي    مساعد وزير التموين: حملات رقابية مكثفة لضبط الأسواق وحماية المستهلك    محافظ المنوفية يوجه بتكثيف الحملات المرورية خلال غلق الطريق الإقليمي    وزير التموين يشارك في مؤتمر الأونكتاد للمنافسة وحماية المستهلك بجنيف    المبعوث الأمريكي توماس باراك: ترامب التزم باحترام لبنان وتعهد بالوقوف خلفه    إدوارد يكشف معركته مع السرطان: «كنت بضحك وأنا من جوّا منهار»    السكة الحديد: تشغيل حركة القطارات اتجاه القاهرة- الإسكندرية في الاتجاهين    بعد قليل .. مجلس النواب يناقش قانون الرياضة ..و"جبالي" يطالب كافة الأعضاء بالحضور    فيلم أحمد وأحمد يحصد 2 مليون و700 ألف جنيه في شباك تذاكر أمس الأحد    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    رئيس الوزراء يلتقي رئيس جمهورية الأوروجواي على هامش مشاركته في قمة بريكس بالبرازيل    انخفاض الأسمنت.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوى الأسود تكتب : أنت تشرق أنت تضىء: سلاسة التنقل بين الماضى والحاضر
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 01 - 10 - 2022

بإنجازها لروايتها الأخيرة «أنت تشرق.. أنت تضيء»، والصادرة هذا العام عن الدار العربية للعلوم ناشرون، والطبعة المصرية عن دار الشروق، نستطيع أن نقول بكل ثقة إن رشا عدلى تتربع بجدارة واستحقاق تام على عرش الرواية التاريخية فى مصر فى وقتنا الراهن.
لقد تفوقت رشا على نفسها وقدمت رواية من أجمل ما تكون الروايات، فبرغم تاريخيتها التى تُحتِّم عليها تقديم وجبة دسمة من المعلومات ولغة خاصة تليق بتلك الحقبة، إلا أنها كانت من السلاسة بحيث كان التنقل بين الماضى والحاضر، بسهولة فتح باب وغلقه.
بداية، وقبل الدخول إلى المتن، أبدعت رشا فى عتبات النص مثل العنوان والغلاف، فجاءا متماشيين مع تحتويه دفتا الكتاب. فالإشراق كحالة نفسية وعضوية هى ما انتهت إليه البطلة رنيم مع آخر كلمات الرواية حينما تخففت من أثقالها التى أرهقت كاهلها بطول سنوات عمرها الثلاثين. أما الغلاف فيمثل إحدى لوحات وجوه الفيوم»، وهو للبطلة الثانية الموزاية «سيرينا»، وهى نصف لوحة لنصف وجه عثرت عليها البطلة الأولى، وطفقت فى البحث عن بقيتها، وما وراءها من حكاية.
الموضوع التاريخى الذى تجد البطلة نفسها أمامه، أو بمعنى أدق، بداخله، ثم بحثها المُضنى فى ما يُخَبىء وراءه من أسرار وحكايات مخفيَّة، هى التيمة العامة التى تنطلق منها روايات رشا عدلي، مثال هذه الرواية التى نحن بصددها، و» قطار الليل إلى تل أبيب».
و«آخر أيام الباشا»، وغيرها. وهناك كذلك القبو الذى يغرى البطلة بالنزول إليه بدافع قوة خفية ما، وهناك فى الأسفل، ومن خلال فجوة زمنية أو إسقاط نجمى أو ما شابه، تقابِل شخصيات بادت منذ مئات وآلاف السنين، وتطلع من خلالها على الكثير مما خفى واستَتَر.
بطلتنا هنا هى «رنيم» الشابة المصرية الثلاثينية التى هربت هى وأسرتها المكونة من أب وأم إلى إيطاليا بعد تقديم الأب الذى يعمل بالصحافة طلب لجوء سياسي، إثر تعرضه لتهديدات بالتصفية الجسدية فى مصر. حضرت «رنيم» إلى بلد الفنون وقد تخطت عامها الأول، فوق قارب يحمل من البشر أضعاف حمولته.
هرب الأبوان من موت لآخر، إذ عانيا فى إيطاليا الذل والفاقة والتعاسة وكل أنواع المرارات النفسية. استسلم الأبوان لظروفهما، لكنها لم تكن حالة رنيم التى أصرت على النجاح، وإن لم تنجح فى التخلص من عقدها النفسية -برغم كل ما حصلت عليه لاحقًا من تقدير معنوى ومادى وعلمي- إلا بنهاية الرواية وحينما نجحت فى القصاص لأبيها من الرجل الذى كان وراء كل ما حدث لهم.
الرواية عبارة عن قصتين: واحدة تاريخية تدور فى القرن الأول الميلادى فى الإسكندرية والفيوم، والأخرى حديثة، تدور منذ عام 1990 وحتى 2018 فى إيطاليا (نابولى وروما وفلورنسا)، ومصر (القاهرة والفيوم). وهى مكتوبة بصوت الراوى العليم وبحس سينمائى ونظرة مخرج محترف شديدة التميز والذكاء، فالفصول كُتِبَت بتقنية المونتاج المتوازي؛ فصل من القصة التاريخية، يليه آخر من القصة الحديثة.
فى القصة الحديثة، تنطلق رنيم، أمينة متحف «أوفيزي» بإيطاليا فى البحث وراء ست لوحات لوجوه الفيوم تمتاز جميعها بانحراف فى بؤبؤ العين، وهو ما تراه مقصودًا لذاته، ولتأكيد شيء ما، وليس اعتباطيًّا أو عائدًا لعدم احترافية الرسام، كما أنها تلاحظ أن من ضمنها لوحة نصفية لوجه امرأة عشرينية، فتشكُّ أيضًا فى أن هناك شخصًا ما قد قام بشقها طوليًّا.
ولكن لم؟! هذا هو السؤال الذى أثارها وقضَّ مضجعها. وبعد أن تُقابَل شكوكها باستخفاف من قِبَل لجنة الفحص، وبسبب ضخ تمويل لهذا المشروع من قِبَل شخص تعرفه، يبدأ العمل على كشف غموض تلك اللوحات. وبالفعل يُكتَشَف جزء من الحقيقة.
وعلى الأقل حتى نهاية الرواية المفتوحة على مزيد من الحقائق التى ستُكتَشَف، وكأنه وعد من الراوى بأن يزيل كل ما علق من غموض لقرون طويلة ويكشفها للعلن، كى تستريح تلك الشخصيات وتهدأ أخيرًا.
تصف لنا الرواية علاقة رنيم بأبيها مصطفى عبد المولى، والتى تحمل من الحب والتقدير والشجن والتعاطف والحزن الكثير. علاقة وطيدة وحميمة، تجعلها تلهث وراء ذلك الأمان والحنان والونس الذى افتقدته بوفاته، فترتبط عاطفيًّا بأول من تراه كفئًا لاحتلال هذا المكان الشاغر، وتكون عاطفتها موجهة لرجل يبلغ من السنوات ضعف عمرها.
يوم وفاته، يحصل الأب على الجنسية الإيطالية التى طالما سعى لها لتنقلهم من وصمة اللاجئ إلى تميُّز المواطن! تلك المفارقة تأكيد على الحظ السيئ الذى يأبى أن يفارق الأب منذ قُبيل مغادرته مصر، وحتى إقامته لآخر يوم فى عمره فى إحدى القرى النائية بإيطاليا.
من الشخصيات التى يحتفظ أمامها المتلقى بحياديته التامة وبمشاعر حذرة، تفتقد للتدفق والحرارة: شخصية والدة رنيم، وكذلك حبيب رنيم، رجل الأعمال اللبنانى يَزَن. فبرودة الشخصيتين قد لا تولِّد أى عاطفة نحوهما، برغم أن الأولى قد ضَحَّت بشكل ما فى سبيل ابنتها.
وأن الثانى قد دعَّم المشروع الذى تعمل به رنيم. لكن يظل بداخل القارىء شكوك تحوم حول دوافعهما الحقيقية، مثل أن الأم لم تضحِ بالمعنى الحرفى للكلمة، بل تعايشت مع ما فُرِضَ عليها، وكان التذمر المكتوم هو رد فعلها الذى لم تتخل عنه طيلة حياتها، بجانب كراهيتها وازدرائها الواضح للأب، وفشلها التام فى احتواء ابنتها، أما يَزَن فتبرعه للمشروع لم يكن بدافع عاطفة ما تجاه رنيم، ولكن لأنه يعلم جيدًا بحكم عمله وخبرته فى المجال، أن ما فعله سوف يدر عليه أضعاف ما دفعه.
وكما برعت رشا عدلى فى رسم باقى شخصيات الرواية، فقد وُفِّقَت تمامًا فى رسمهما؛ إذ إن الشخصيات التى نحمل باتجاهها عاطفة الحب أو الكره، تكون الكتابة عنها أكثر سهولة ويسر نظرًا لوضوحها، أكثر من تلك الشخصيات المُلتَبِسة فى كل شيء: عاطفتها، مشاعرها، مقصدها، والتى من الصعب الوقوف على حقيقة كينونتها، وما تحب وتكره، بل ما تشعر به من الأساس!
أما عن القصة الثانية، فهى تحكى عن سيرينا المنحدرة من أب إغريقي، وأم مصرية، والتى تتزوج من نائب الإمبراطور وحاكم الإسكندرية الروماني، والتى رغم إعجابها به قبل زواجهما، إلا أنها تكتشف لاحقًا شخصيته الظالمة، المتسلطة، الشرهه للسلطة والتى تفتقر معها للاحتواء والحنان، فتقرر الثورة عليه، وحينها يقرر الانتقام منها بوضع سم لها هى وزملائها فى الطعام، يكون من شأنه التأثير على بؤبؤ العين وانحرافه، ثم الجنون والموت.
الحكاية التاريخية أتت لتؤكد على الثقافة السينمائية للكاتبة، إذ تستحيل الحروف والعبارات أمام القارىء لمشاهد سينمائية لفيلم باذخ التكاليف، باذخ الدقة فيما يخص الملابس والديكور والأكسسوار والمجاميع.
كانت رؤية ما هو مجهول بالنسبة إلينا الآن، والذى كان حاضرًا واقعًا فى زمن مضى عليه عشرون قرنًا بمثابة من يكتشف مخبأ أو دفينة تاريخية تحوى كنوزًا لا حصر لها. فرأينا فى حقبة ومكان واحد تزاوُج ثلاثة من أهم الحضارات دفعة واحدة: المصرية والإغريقية والرومانية، وكذلك فروق الملبس، وفروق الدين لكل من ينتمى لإحداها.
وأولئك الذين ينحدرون من تزاوج الحضارة المصرية والإغريقية، والذى يُطلَق عليهم المتأغرقين، وهم ينتمون عاطفيًّا وتاريخيًّا ودينيًّا للمصريين والإغريق، ويكنون كراهية للمحتلين الجدد من الرومان.
تصور الرواية مصر على أنها -فى ذاك الوقت البعيد- كانت سلة الغلال للإمبراطورية الرومانية، واستبداد ودموية تلك الإمبراطورية التى فرضت الضرائب الباهظة على الشعب المصري. وكيف كانت هناك حرية دينية ملحوظة فى ذلك الوقت تحديدًا.
وقبل فرض الإمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية على كل أراضيها، فكانت الوثنية بآلهتها المختلفة والمتعددة والمنتمية للحضارات الثلاثة هى السائدة؛ من إيزيس وحورس وآمون ورع وسوبك وديونيسوس وسين، ..الخ.
فى جانب ما، نجد أن «سيرينا» هى رنيم، فالاثنتان ارتبطتا برجلين عمليين من الطراز الأول، غامضين أقصى درجات الغموض، أيضًا الأولى تستعيد ذاتها الأصيلة حينما تقرر الثورة على زوجها وحكمه الجائر وتقف فى صف من تنتمى إليهم، حتى لو كان الثمن المسفوح روحها، والثانية تتخلص مما علق بها من عار حملِها للقب «لاجئة»، وأب هارب من شيء لا تعلمه، وَصَمَات لا ذنب لها فيها تُكبِّل روحها وسعادتها.
ويحسب للروائية عدم وقوعها فى فخ نهايات أفلام الأبيض والأسود السعيدة، وما يطلبه القراء، إذ لم تجعل بطلتها تتوجه بمشاعرها فى نهاية الرواية نحو منتصر، وذلك بعد أن تخلصت مشاعرها من حب «يَزَن» المرهِق وعلاقتهما الملتبسة، على الرغم من شباب وحيوية وروعة شخصية منتصر ومشاعره الواضحة تجاهها، فمكسبها كان رنيم ذاتها، رنيم القوية التى تخلصت من كل مشاكلها ومخاوفها وعقدها دفعة واحدة، والتى تستطيع مواجهة العالم منفردة، مكتملة، لا تشعر بنقص أو حاجة للاكتمال.
وأخيرًا أقول، إن لم تقدم رشا عدلى فى مشوارها الأدبى كله سوى هذه الرواية، فتكفيها وتفيض، لأنها بحق رواية ستُخَلِّد اسمها فى سجل الأدب الحقيقى الجاد والعابر للأزمان.
اقرأ ايضا | مدير مكتبة الإسكندرية يكتب: المنظومة الثقافية فى مصر تحتاج إلى إعادة نظر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.