شريف إمام في البدء: الفلك في مصر القديمة ذو إبداعات و روائع و إعجازات و هبات للبشرية جمعاء. هو أول علم وُلد في التاريخ و خرج من هذه الأرض المقدسة ... كمت. في كتابي القادم، قد أفردت جزءً منفصلاً عن علم الفلك المصري و إختراعاته و إعجازات العقول المصرية التي وضعت أسسه و تعلّمه العالم من بعدها. في العصر التكنولوچي، اليوم هناك أبحاث حثيثة منذ منتصف القرن العشرين لا تكل و لا تمل تدرس البُعد الحقيقي لعلم الفلك المصري و كيف قام المصريون بفهمه و وضعه و توظيفه. و من كمّ النتائج و المعلومات المذهلة التي عرفناها عن فلك المصريين و عُمق مفهومهم للكون وُلد فرع لعلم الفلك في سبعينات القرن العشرين سُمّى بإسم "علم الفلك الأثري" و عرفنا منه أهوال عن علوم المصرين الأجداد. منذ سنة 2008 هناك صورة طافت الإنترنت و ملأت العالم صخباً و ضجيجاً و دهشة عن إقتران كواكب عطار و الزهرة و زحل بالأهرامات الثلاثة و أن هذه الظاهرة الفريدة لا تحدث إلا كل 2373 سنة. بالطبع هذا ليس خطأ فقط بل تخريف أيضاً. لأنه كل يوم تستطيع أن ترسم خطاً بين أي كواكب في السماء حسب مسافاتها من الأرض و تُقرنها بالأهرامات، و كذلك يمكنك أن تُعامد أو تُحاذي أي عدد كواكب مع أي مبنى أو شئ على الأرض و ليس فقط مع الأهرامات. كانت هذه الصورة فقط لمداعبة مشاعر الناس بفرقعة بلهاء. صورة محاذاة عطارد و الزهرة و زحل مع الأهرامات الغير حقيقية لكن متى يكون هناك فعلاً إقترانات أو محاذاة بين الأهرمات و الكواكب تستحق الدرس و الفحص؟ المسألة ليست فقط ظهور كواكب عند هضبة الجيزة ثم نقوم بالتصفيق و التهليل. لكن فقط عندما يظهر في سماء الجيزة و فوق الأهرامات ثلاثة كواكب أو أكثر شرط أن تتحاذى تلك الكواكب أمام بعضها في مداراتها أولاً، ثم تظهر فوق أفق الأرض بمسافات أو أوضاع تتقارب مع هندسة و عقيدة الأهرامات الثلاثة، ثم تتكرر هذه الظاهرة حسابياً عدة مرّات في التاريخ الفلكي المعروف، ثم أخيراً ترتبط مع الحضارة المصرية بمعنى أو بآخر إما في النصوص أو العقيدة أو حتى بحسابات العلوم. عندها فقط نستطيع أن نقول أنها محاذاة أو إقتران فلكي مدروس و معلوم. و لم تذكر أي دراسة حتى الآن أي محاذاة لكواكب مع الأهرامات بأي معنى علمي مصري قديم أو حديث فوق هضبة الجيزة لمجرد الظهور فقط (أكرر: لمجرد الظهور فوق الأهرامات فقط). إنما بالطبع يظهر كوكبان أو ثلاثة أو أكثر في سماء الجيزة كل سنة حسب دورات مداراتها الأقرب من الأرض و هو ليس له أي دلالة على أي شئ. لكن ... ليست هذه هي كل الحقيقة. هناك محاذاة جهنمية و عجيبة و إعجازية للكواكب الستة الأولى من الشمس حدثت في سنة 36,400 ق.م. و واحدة أخرى للكواكب الخمسة الأولى في سنة 10,400 ق.م. في فلك هضبة الأهرامات سأتحدث عنهم في كتابي قريباً إن شاء الله. العلم: إعلم أن الكواكب عند المصريين الأوائل لم تكن شغفاً لهم بمجرد ظهورها و رؤيتها في السماء فوق الأهرامات بل كان هناك ما هو أعمق و أخطر علمياً و عقائدياُ في ذلك العالم القديم عندهم. الآتي هو مثال واحد فقط بين عشرات الأمثلة الفلكية التي عرفناها عن علوم الكواكب في مصر القديمة. الكواكب الداخلية و علاقتها بالحضارة المصرية ذات شجون كثيرة و عميقة جداً و لا يُمكن تغطية كل تلك العلاقات الفلكية و الرياضية و الهندسية و الكونية و العقائدية في مقال واحد بل لا يُمكن في حتى كتاب واحد. و هذا مثال واحد فقط. من معجزات العلوم الفلكية المصرية، هناك علاقة وثيقة بين أهرامات الجيزة و الكواكب لكن ليس بالظهور و إنما بالعلم. تم تطوير برنامج كومپيوتر فرنسي خاص إسمه P4 لدراسة إن كانت هناك علاقة ما بين الأهرامات و الكواكب، و النتائج كانت مذهلة و سأضعها لك بمنتهى الإختصار. برنامج الكومپيوتر قام بحساب إمكانية محاذاة أو تعامد الكواكب الثلاثة الأولى من الشمس (عطارد-الزهرة-الأرض) و كذلك المريخ أو إقترانها فلكياً مع أهرامات الجيزة حسب نِسب المسافة بين مداراتها في المجموعة الشمسية و زوايا قمم الأهرامات و بين نِسب المسافات بين الثلاثة أهرامات، و هذا هو الأخطر. قام الكومپيوتر بتصغير أطوال مدارات الكواكب الثلاثة الأولى و كذلك المريخ حسب نسب المسافات بين قمم أهرامات الملوك خوفو و خف-رع و من-كاو-رع و وضع المدارات الفلكية للكواكب في مستواهم و بدرجة ميولهم الحالية فنتج الشكل التوضيحي. العجيب و الرهيب التالي على هضبة الجيزة: و هذا معناه أن هذه خطوط مدارات الكواكب الثلاثة الأولى قاطعت تماماً محاور الأهرامات و معناه أيضاً أن الكواكب الثلاثة (مُمثلة في الثلاثة الأهرامات) ستُقاطع محاور بناء الأهرامات خلال دورانها. المذهل، أن تلك القياسات التناسبية أنتجت دقة تقاطع لتلك الكواكب الثلاثة الأولى مع مراكز الأهرامات بقيمة 1 ثانية قوسية أي 26.7 متراً فقط عند خط 30° درجة شمالاً، الذي هو إحداثيات خط عرض الهرم الأكبر على كوكب الأرض، و هذا في منتهى الدقة و عجب العجاب. فلكياً، ففي يوم 17 أبريل سنة 3088 ق.م. (أي عند تأسيس المملكة المصرية القديمة على يد الملك مينا) تعامدت مدارات الثلاثة كواكب الأولى و كذلك المريخ تناسبياً مع هندسة حجرات الهرم الثلاث و هي حجرة الملك (لكوكب الأرض)، و حجرة الملكة أو المحراب (لكوكب الزهرة)، و الحجرة التحت أرضية (لكوكب عطارد)، و الفتحة الفلكية لحجرة الملك المتجهة جنوباً (المريخ). و في يوم 31 مايو سنة 3088 ق.م. تعامدت الكواكب الثلاثة في مداراتها لتُمثل الأهرامات الثلاثة بنفس الشكل و نِسَب مسافاتها فيما بينها تماماً كما تم بنائهم على هضبة الجيزة. هذا إعجاز يعني شيئاً واحداً فقط و هو أن المصريين الأجداد قاسوا المسافة بين الكواكب بنسبة خطأ لا تزيد عن 0.2% ... و هذا جنون! كيف فعلوا هذا قبل يوهانيس كيپلر ب 4000 سنة؟ هذا الإقتران الكوكبي و المحاذاة الفلكية مع الأهرامات لهو شئ عظيم و علم جبار و إن دلّ فإنما يدل على معرفة المصريين الدقيقة بميكانيكا المدارات و النظام الشمسي و مركزية الشمس في المجموعة الشمسية التي تدور حولها باقي الكواكب قبل أن يفهمهم نيكولاس كوپيرنيكوس و يوهانيس كيپلرفي القرن الخامس و السادس عشر بعد الميلاد. الإقتران الفلكي للكواكب الأربعة الأولى في خط واحد يحدث كل 5000 سنة تقريباً. فقد يعني هذا لبعض الباحثين أن الأهرامات يُمكن أن تكون قد بُنيت قبل سنة 3088 ق.م. و ليس عند سنة 2650 ق.م. أو بُنيت عند إحدى سنوات مضاعفات سنة 3088+5000 سنة أي سنة 8088 ق.م. أو 13,088 ق.م. أو 18,088 ق.م. أو 23,088 ق.م. أو ربما قبل ذلك. لن أتحدث أكثر من ذلك هنا. الباقي في الكتاب. هنا تأكدنا مرة بعد مرة بأن الأهرامات ليست مجرد أبنية من الحجر بل قامات علمية كونية جبارة يشهد عليها التاريخ و العلم الحديث اليوم و أن ذلك الشعب العظيم الذي سكن و مازال يسكن تلك البقعة العبقرية المباركة من الكوكب ... و لنا حديث آخر عن مصر العظيمة قريباً.