سمّه ما شئت، ولكن أقرب معنى عندى «همس الأرواح»، ففي الهمس صلاة وهدوء وسكون وصمت وكلام، والروح إذا اضطرت أن تفعل شيئاً لا يرضيها.. تبكي، فغذاؤها كل جميل، ويقولون: دموع الروح حبات من مطر الفجر، يطهر النفس ويضمد الجراح. ويقولون: للروح سمات تتشكل فى سنوات، وتظل بداخل صاحبها تنتظر بقية أجزاء اللوحة، لتكتمل الصورة وتتلاقى الأرواح، وأسعد كائن فى الدنيا من يعثر على توأم روحه قبل رحيل الأيام. ويقولون: الأرواح لا تغريها الماديات، ولا كنوز الدنيا ومباهجها، وربما ترى شخصاً ولأول مرة فتكرهه ولا تطيق بقاءه، فالأرواح المتخاصمة لا تعرف نفاق الألسنة المعسولة ولا زيف الكلمات، والهمس الكاذب أصوات زاعقة تؤذى الوجدان. ويقولون - والله أعلم: حين ننام نموت موتة صغرى، فتخرج الأرواح من الأجساد، وتذهب إلى فضاء فسيح وتلتقى ببعضها، فتتجاذب النفوس الحائرة والقلوب المرتجفة، ويبحث كل عن أليفه هناك، ثم يعودان معاً إلى الواقع، وهكذا توأم الروح. المرأة أكثر وجعاً خصوصاً إذا كانت الدنيا تظلمها، مرهفة الحس وناعمة الصبر، ويزداد توجعها إذا لم تأسرها روح بخيوط الإلهام، كلمات حلوة تهدى حيرتها، وإلا تصبح وردة زاهية الألوان بلا رائحة، مجرد شكل لا يعكس ما يجرى فى الكتمان. ويقولون: السعادة مثل الوردة قصيرة العمر، ورائحة الوردة هى روحها وكذلك البشر، تتعطر بخبايا النفس وهمس الأشياء المشتركة، فالأرواح عالم يتعدى الماديات والملامح والشكليات، ويسودها التجانس فى الطباع الباطنة والأخلاق الخفية. الأرواح المتآلفة لا تفترق حتى لو تباعدت الأجساد، فالمسافات مجرد حواجز وهمية، تقفزها إلى الرصيد المشترك والذكريات الجميلة، لتصوغ حياة أخرى، تتطور من الهمس إلى الصداقة إلى «الاحتواء». الاحتواء غذاء الروح ويطوع النفس على الهدوء والتسامح والابتعاد عن إيذاء المشاعر، والاسترخاء فى صفاء الذهن، والاستراحة للتأمل فى خالق الكون الذى جعل الروح من «أمر ربى «. سمّه ما شئت، فهو تآلف أرواح، وتقول السيدة عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «الأرواح جند مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف». وحين تتعارف الأرواح، تتعانق القلوب قبل الأيدى والعيون، ولا أحد يستطيع تفسير ماهيتها وكنهها، إلا إذا كانت الخريطة الدماغية تستقبل إشارات هادئة، لتطوع نفسها وتخلق موجات من الانسجام .. لماذا « هى « بالذات؟ اثنان بينهما همس الأرواح، بالرحمة والمودة والصفاء يجعل الحياة أفضل.