إن استقراء الواقع يعلم الناس الكثير و سوف أتناول فى هذا المقال أمثلة واقعية عساها تنفع من يقرأها و لا يعيش أخطاء الغير. لقد ذكرنت فى مقال سابق بوضوح لا يداخلة أى شك مدى تباين المجتمعات المختلفة فى رؤاهم للسعادة رغم اتفاقهم فى طلبها. لقد حلقنا فى الأفق ووجدنا الناس يختلفون فى مشاربهم . إختلافات شاسعة بين الناس في طلب السعادة و شرحت أمثلة فى مجال الدين و الطعام و الثياب و العادات الإجتماعية , يمكن مراجعة مقال "السعادة و تباين الناس فى طلبها". إن الذي يحلق في الفضاء و ينظر الي ما يسعد الناس حول العالم يجد الكثير من التباين و الاختلاف. فهل يتباين الافراد فى مشاربهم و رؤاهم. المنطق و الواقع يجيب بنعم. نعم يتباين الأفراد حتى داخل الأسرة الواحدة . فكثيراً ما رأينا العديد من الأسر تنجب الاولاد و البنات و كل منهم له رفقته و أصحابه. فعلى الرغم من أنهم أخذوا تربيتهم من نفس المصدر بالبيت و المدرسة, بل و تناولواالطعام على مائدة واحدة, نجدهم مختلفين بدرجات متباينة. و هذا ما يفسر ما يذهب إليه كل فرد, يكون له الصحبة و الشلة الخاصة به. فبعد أن كان يقضى أو كانت تقضى معظم الوقت برفقة رابطة الدم- الإخوة و الأخوات- صار لقاؤهم مقتصراً على وقت تناول الطعام و بعد ذلك فى المناسبات الإجتماعية . أعلم أن هناك أمثلة قليلة لواقع آخر يشترك فيه الإخوة فى الأصحاب و يقضون أوقاتهم سوياً, و لكنهم مختلفون إلى حد ما. إن كل إنسان فى المجتمع له شخصية فريدة كبصمة إصبعه لا يشترك معه آخرفى ذلك. لقد سافرت إلى العديد من بلاد العالم و قابلت الكثير من الناس على إختلاف ألوانهم و لغتهم و أجناسهم, و لكنك تفاجئ أحيانا و من الوهله الأولى بالإرتياح لفلان و عدم الإرتياح لآخر, كيف نفسر هذة العلاقة. قال الصادق المصدوق رسول الله صلى الله علية وسلم : إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها إختلف, رواه البخاري ومسلم. أن الأرواح خلقت قبل الأجسام و تلاقت فتعارفت أو تنافرت، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم .إن الأرواح مخلوقة على الائتلاف والاختلاف،. فالأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما فطرت عليه. إن الله تبارك و تعالى جعل رباط الروح أسمى من رباط الدم و هذا مايحدث . و هذا يقودنا إلى رابطة تعتمد على الفكر و الطبع و الذوق العام, والذى بدوره يولد الإرتياح و الذى يعتمد على روح الفرد فى المقام الأول مع توازنه مع مادتة السفلية , لم تترك المادة تطغى على الفكر و الطبع و الزوق العام. و فى الحديث الشريف الذى يحفظة الجميع " المرء على دين خليلة فليينظر أحدكم من يخالل. هل الدين يكون بكثرة حفظ النصوص الدينية أم بأخلاق الدين, و الأخلاق طباع و شمائل و ذوق يبنى على فكر, فقد يحفظ أناس الكثير من النصوص الدينية و هم أبعد ما يكونوا عن أخلاق الدين, و الزواج يبنى على الدين و الذى هو الأصل فضلا عن الماديات التى ذكرت و تشمل الجمال و المال و الحسب. أذكر يوما ما منذ خمسة عشر عاماُ أرسلت شابا أخلاقة حميدة و يحفظ القرآن و تستمتع بالإستماع الى حديثة يخطب فتاة من أسرة مسلمة متدينة بولاية متشجن بأمريكا فقوبل بالرفض, لقد عقدت الأسرة له إمتحان فى علم القراءات فرسب و إتصلت بى الأم قائلة إن إبنتى تحفظ القرآن بالقراءات السبع أنى لها أن تتزوج رجلا أقل منها. و على الجانب الآخر رفضت الأم زواج ابنها - كان فى آخر سنة لدراسة الطب بولاية أوهايو- من فتاة ربيت على الفضيلة و الأخلاق الطيبة و كانت تعمل مدرسة للقرأن و اللغة العربية بأحد المدارس الإسلامية بولاية ماساتسوستس. الفتاة من أسرة طيبة يشغل والدها منصب نائب رئيس جامعة . لقد كان سبب الرفض أنها لا تلبس النقاب كأخواتة . كانت فتاة مرحة رشيقة و جميلة أحبها الشاب الطبيب, و لكن عاطفة الأمومة و ممارسة ضغوط غضب الأم دفعته للبعد عن فتاه أحبها قلبه و يتمناها أنبل الشباب لأنة كان بين أمرين كلاهما مر, إما أن يغضب أمة أو يكسر قلبة. أعلم أن البعض قد لا يصدق أن هذا يحدث بأمريكا , إن الكثير من الناس يهاجر و معه إرث العادات و التقاليد دون تغيير. لقد ذهب العلماء لقسمين لا ثالث لهما ما جعل اللأرواح على أمرين السعادة والشقاء كما ذكر بالكتب المتداولة. و أرى أنه بالتفصيل و الشرح فإن الأرواح تتباين و تختلف مشاربها بدرجات مختلفه على حسب توافق الطبع و الشمائل و الفكر غير ذلك من أشياء أخرى متعلقة بعلم الروح لا يعلم كنهها الا الله القائل: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (الإسراء ) , على أساس ذلك تبنى العلاقات من صداقة و صحبه و حب و عشق. فمن البشر من تتنافر معه و لا تستطيع أن يجمعك به مكان واحد, و منهم من تمل منه بعد خمس دقائق, و منهم من لا تشعر بالوقت يمر سريعا و أنت بصحبتة, و منهم من تسعد النفس و تأنس بالقرب منه, و يشتاق اليه القلب و الوجدان و تشعر بالعذاب بالبعد عنه. إنه لا يحدث إلا مع شقيق الروح الذى تهفو النفس اليه و ينبض القلب شوقا و تشعر بالعذاب و الألم بالبعد عنه.
إن إختيار شريك الحياة من مقومات السعادة بل و يعتبر أعلاها قدراً للحصول على السعادة و لا أقصد هنا أن كل أوقات الحياة تكون رخاء و إنبساط. و لكن الإنسان يعيش سعيدا على كل الأحوال عندما يجد شقيق روح حقيقى يتقاسم معه و يشاركة نوائب الدهر كما يشاركه السرور و البهجة بالرخاء. إن الحياة مليئة بالإختيارات فمن الذى يختار لك ما يسعدك. كيف و كل إنسان له شخصية فريدة و مختلف عن أقرانه. إن الإنسان مكوناً من مادة سفلية وهى الطين ومادة علوية وهي الروح. و كما أن هناك اشياء تسعد البدن فإن هناك أشياء تسعد الروح فهما عنصران متلازمان. و لا تتحقق السسعادة الحقيقية لمن أسعد أحد عناصرها علي حساب الآخر و لكن بحصول التوازن لسعادة المادة و الروح. إنها أصعب معادلة فى الحياة و كما يقف الفكر والعلم عاجزاً عن تحقيق السعادة الحقيقة للبشرية لأنه يركز على الماديات فإن إختيارات الغير لك و التى تعتمد فى الغالب على الماديات فى إختيار شريك العمر سبب كبير فى إختلال التوازن بين إحتياج البدن و احتياج الروح. أن أمك و أباك و أصدقاءك لا يمتلكون روحك و لايشعرون بكل تفاصيلها. مازالت عادات بعض الدول أن تجبر فتياتها أو فتيانها على الإرتباط بشرك العمر تحت دعاوى مختلفة. عملت معى فتاة من الهند حاصلة على الدكتوراة فى البيوتكنولوجى في مركز أبحاث بأمريكا, و كانت متميزة و تتفانى فى العمل. قالت لى يوما ما إنها مضطرة للعودة للهند, لقد ظهر نجم زواجها و إتصل كاهن النجوم و الكواكب بأسرتها و لا بد من السفر للزواج, لقد إنتظرت أسرتها ذلك الأمر طويلا بفارغ الصبر, و كعادة الهند فإن اسرة البنت تتولى أعباء الزواج و الهدايا و قد إدخروا ووفروا الكثير . و قد نصبت الأفراح و هذا قدرها لن يتكرر مرة أخرى. سافرت و كنا على إتصال بالإسكيب. لقد عاشت كل ألوان الذل و الهوان, فهى الباحثة العالمة صاحبة الدكتوراة أصبح لزاماً عليها خدمة أسرة الزوج فضلا عن الزوج. قالت لى كثيرا انها تتطلع الى اليوم الذى تتركه عائدة إلى أمريكا. إنه و للأسف مع هذا التقدم الهائل فإن العالم اليوم يعيش حالة من القلق والاضطراب النفسي والعصبي والشقاء والخوف الدائم مما يسمونه " المجهول". و أرى أن الأسر تزج بأبنائها للمجهول. كم من الأبناء يجبرون و يمارس عليهم الضغوط للإرتباط بالمجهول. إن جهود الأسرة مكرسة في الجانب المادي فقط أما الروح فلا يستطيع أي منهم أن يتناولها أو أن يعرف ماهيتها و من ثم وضع نظم لإسعادها . الوحيد الذى يحكم على ذلك الشخص نفسة. و لذلك فإن هذا الأمر كان محل أهتمام بالغ فى الإسلام لدرجة إعتبرت بعض المذاهب المكره على الزواج زواجه باطل. يعيش العالم هذة الأيام قصة نجاح لأسرة رئيس فرنسا القادم ( الزوج 39 سنة و الزوجة 64 سنه) و الذى أنتصر على خصمه مارين لوبان بنجاح ساحق. فاز مانويل ماكرون برئاسة فرنسا وبمشاركة الشعب الفرنسي بنسبة كبيرة في هذه المعركة .هل تعلمون أن هذا الشاب الطموح الذى أصبح رئيساً لدولة عظمى أحب إمرأة تكبرة بخمسة و عشرون سنة عندما كان صغيراً. أن زوجتة الحالية- سيدة فرنسا الأولى – كانت مدرستة و هو فى امرحلة الثانوي العام, درستة و أحبتة و أحبها و تزوجتة و وصلا معا الى رئاسة فرنسا و قبلت يده أمام الجميع فخورة به زوجا و حبيباً و رئيساً. لقد حاول والدية ممارسة كافة الضغوط لإنهاء علاقته بها لكنهما تزوجا و أصبحت السيدة الأولى بفرنسا. و لقد رأيت قصص أخرى هنا و هناك. عملت معى بأحد معامل أمريكا سيدة حاصله على الماجستير. كانت فى العقد الثالث وزوجها فى العقد السادس يكبرها بأربعة و ثلاثون سنة. لقد كان الدانى و القاصى يتحدث بحبهما و ما علية من رومانسية لفتت أنظار الجميع. و عملت معى سكرتيرة بيضاء جميلة جدا. التقيت بها مرة بعد عودتى لأمريكا فرأيت معها رجل من أصؤل أفريقية يكبرها بثلاثون سنة. و دعيت للغذاء فقالت لى إننا تقابانا فى جمعية لأعمال الخير و لم أرى مثلة فى حياتى, أعجبها مبادئه و مرحة و تفانية فى خدمة الأخر. و الأن دعونى أنتقد العنوان الذى أعددت لهذة المقالة, فالمفروض أن يكون التجربة المحمدية حيث كان زواج الرسول صلى الله عليةه و سلم من السيدة خديجة زواج ناجح بقل المقاييس, عمل عندها و أحبتة و و تمنتة زوجا و تزوجا وكانت أول من آمن بة و إحتضن دعوتة بكل ما تملك من وسائل العون و المساعدة. و ظل حبهم فريداً خالداً حتى بعد وفاتها. إن الأمثلة الواقعية أجراس تدق ناقوس اليقظة على مجتمعات ما زالت تستقى حياتها و سعادتها من عادات بائدة. لقد أصابتى صدمة عارمة لما وجدت عند عودتى لمصر من إرتفاع معدلات الطلاق و العنوسة للجنسين , بل و عزوف الكثير عن الزواج رغم توافر كل مقومات الحياة من عمل و سيارة و شقة. لقد طغت الماديات و قوانين الأحوال الشخصية الجائرة, و قصص فشل الحياة الزوجية و الذى يذاع على الملأ ليل نهار بالفضائيات و وسائل التواصل الإجتماعى . لقد حاولت المساعدة بعقد بعض الندوات و مساعدة أولاد الأقارب و الأصدقاء كما كنت أفعل بأمريكا و رأيت خلالها العجب. لا زال بعض الآباء يطبقون العادات التى تربوا عليها و ارتفعت نسبة الطلاق بسبب ذلك و تسبب فى عزوف الأولاد عن نصائح أبائهم مع انهم فى حاجة ماسة إليها. فهلا تركتم الأولاد يختارون دون ممارسة عاطفة الأمومة و الأبوه. ........