جريمة متكاملة الأركان.. أجريت التحقيقات وأشارت الدلائل إلى تعمد ارتكابها، ومع قرب الكشف عن الجاني، حفظ التحقيق لأسباب واهية، قبل القرار بإعادة فتحه مرة أخرى.. ولكن لصالح من ومن ساعد فى ذلك؟ التضليل والتعتيم، والحجب والحذف لمنع النشر أو الحديث عن موطن نشأة فيروس كوفيد-19 عبر وسائل الإعلام المؤسسية العالمية، ومواقع التواصل الاجتماعى من خلال شارة «معلومات خاطئة».. كبار مسئولى الصحة العامة قاموا بتكوين شبكة لنشر الأكاذيب حول أصل الفيروس.. مؤشرات متعددة تظهر تعمد منظمة الصحة العالمية مناصرة الصين مع الفشل فى إدارة الأزمة واحتوائها.. أقاويل كثيرة عن الدافع وراء تخليق الفيروس؛ من الوصول إلى نمو سكانى صفرى وخلق نظام عالمى جديد 2030 ومن ثم إعادة ترتيب مصالح النخبة. مخطط رغبوا فى تمريره والترويج له واللجوء إلى أى وسيلة لإنجاحه، كل منهم فى مجاله.. ومحاولات إخفاء الحقائق والتصدى للمعلومات المعرقلة لتنفيذه كان هدفهم الأساسى طيلة الوقت مع إبراز تصريحاتهم على أنها الحقيقة.. الإنصات لهم طوق النجاة للخروج من هذه الأزمة.. ليس هناك ما يمنع من اللجوء إلى التضليل طالما يخدم أغراضهم، وعندما يكشف خداعهم وتظهر أكاذيبهم يتراجعون عما فعلوا وكأنه لم يكن.. فى أوائل عام 2020، كان هناك الكثير من الأحاديث حول المكان الذى جاء منه فيروس كوفيد-19 وطبيعته هل هو مخلق أم تحور من الطبيعة. وعاد الحديث مجددًا عن أصل فيروس، مع تأرجح الرئيس الأمريكى «جو بايدن» فى القرار بوقف الجهود التى قادها فريق سلفه «دونالد ترامب» لتعقب نظرية خروج الوباء من مختبر صينى بحجة المخاوف من عدم دقة الأدلة، والآن مطالبته لهيئات الاستخبارات بفتح التحقيق بشأن موطن تفشيه، وسط جدل متزايد حول بداية ظهوره، وما إذا كان الفيروس قد سرب من أحد المعامل فى الصين؟ كان المستشار الصحى للبيت الأبيض، «أنتونى فاوتشي» ومدير المعهد الوطنى الأمريكى للحساسية والأمراض المعدية، مدافعًا قويًا عن نظرية الأصل الطبيعى ل SARS-CoV-2 منذ بداية جائحة، ولكن سرعان ما ظهر تحول وتخبط بموقفه بعدما أعلن عدم اقتناعه بأن الفيروس له أصل طبيعي، ودعا إلى تحقيق مفتوح فى أصل الفيروس وما حدث فى الصين، بعد أن ظل لأكثر من عام ينفى إمكانية تخليق الفيروس مخبريًا، وفقًا لتصريحاته لشبكة «فوكس نيوز» الإخبارية الأمريكية. لكن مراسلات فاوتشى عبر البريد الإلكترونى والتى سربت مؤخرًا، تثير التساؤلات حول مدى دعمه للموقف الصيني، الرافض لنظرية تسرب الفيروس من مختبر الفيروسات فى مدينة ووهان. حيث أثارت مراسلاته منذ الأيام الأولى للوباء موجة من الاتهامات المتبادلة بشأن الأقنعة والعلاجات ومن ثم فيما بعد اللقاحات، لكن المهم الآن هو أن بعض من هذه الرسائل تدور حول أصل الفيروس. وبوصفه مديرًا للمعهد الوطنى للحساسية والأمراض المعدية، شكك فاوتشى فى النظرية القائلة بأن كوفيد-19 جاء من مختبر مثل معهد ووهان لعلم الفيروسات (WIV). وبعد استبعاد هذه النظرية عدة مرات، قال علنًا الشهر الماضى إن ذلك ممكن، حيث كانت الفرضية تحصل على نظرة ثانية فى وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية. وتظهر الرسائل، التى تم إصدارها بموجب قانون حرية المعلومات (FOIA)، أن فاوتشى تابع النقاشات حول أصل الفيروس منذ البداية؛ وفى أوائل عام 2020، كتب له عالم المناعة «كريستيان أندرسن» أن الفيروس لديه بعض «الصفات غير العادية» التى تشير إلى التلاعب فى بيئة معملية، وفقًا لما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية. وفى وقت لاحق تراجع أندرسن عن رأيه ونشر ورقة ترفض نظرية تسرب الفيروس من المختبر لعدم وجود أدلة. ومن هنا بدأ فاوتشى فى مشاركة المقالات التى تسير لصالح الأصل الطبيعى للفيروس مع فرض تقديم المشورة للعلماء الذين يكتبون حول هذه القضية. وفى مارس 2020، رُوِّجت وسائل الإعلام الرئيسية ولمدة عام، لمقطعى فيديو قصيرين نشرا فى مجلتى «لانسيت» و«نيتشر»، يهدفان إلى إغلاق أى نقاش حول احتمال أن يكون الفيروس قد نشأ فى المختبر، وأصبح من الواضح على الفور أنه تم تصميم كل منهما كأداة دعائية للترويج للنظرية وغلق باب لأى أبحاث جديدة حول هذا الشأن، دون الاستناد على دلائل علمية. ومنذ عدة أشهر، فى رسالة بريد إلكترونى أخرى، كشفت عن أن رئيس منظمة "EcoHealth Alliance" الصحية والبيئية غير الربحية، وعالم البيولوجى «بيتر دازاك»، كان المؤلف الخفى لمقال لانسيت. كما كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن وجود «دازاك» ضمن فريق منظمة الصحة العالمية، الذى تجمعه علاقات مهنية ومالية طويلة الأمد مع معهد ووهان. ووفقًا إلى عالم البيولوجيا الكيميائية فى جامعة «روتجرز» الأمريكية «ريتشارد إبرايت» ومدير المختبر فى معهد واكسمان لعلم الأحياء الدقيقة، عمل دازاك كمقاول أبحاث مع المعهد الصينى بعقود من الباطن. وهكذا يبدو أن المنظمة الأممية ومجلة لانسيت متآمرتان، حيث اختارتا «دازاك» الثعلب لحماية النظرية القائلة بأن كوفيد تطور فى الطبيعة. ويساعد الإفصاح عن رسائل فاوتشى الإلكترونية على توضيح بعض الغموض الذى يكمن وراء مشاركة خمسة علماء مشهورين فى تأليف التقرير، والذى كان وقتها، يستخدم كأساس لدعم نظرية الأصل الطبيعي. وفى رسالة أخرى إلى فاوتشي، يشكر أندرسن شخصين مهمين على «مشورتهما وقيادتهما» فيما يتعلق بالورقة، هما مدير معاهد الصحة الوطنية الأمريكية «فرانسيس كولينز» ومدير مؤسسة «ويلكوم تراست» البريطانية «جيريمى فارار»، ورئيس المجموعة الاستشارية العلمية لمخطط البحث والتطوير التابعة لمنظمة الصحة العالمية، والذى دفع إلى تناول ألف شخص جرعة زائدة من «هيدروكسى كلوروكين» من أجل كثرة استخدام هذا الدواء فى الوباء. وهذا يعنى محاولة هؤلاء العلماء التستر على أصل تخليق كوفيد داخل المختبر. وعلى إثر ذلك، طالب مذيع شبكة فوكس نيوز «تاكر كارلسون» بضرورة خضوع كل من دازاك وفاوتشى إلى التحقيق. وأشار كارلسون إلى أن رسائل فاوتشي، تثبت أن الطبيب كذب وضلل العالم تحت القسم عدة مرات. وفى أحد الأمثلة، استشهد كارلسون برسالة عن تعاون فاوتشى مع معهد ووهان فى أبحاث «اكتساب الوظيفة»، والتى لا تتماشى مع إنكاره العلنى لها خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ. وقال كارلسون: «نحن أمريكيون، افترضنا أن الرجل المسئول عن حماية الولاياتالمتحدة من الوباء، يجب أن يكون عقلانيًا، صادقًا، لكنه كان مجرد بيروقراطى فيدرالى مهلهل، وسياسى غير أمين». وبالعودة إلى مايو 2020، استخدمت شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية تصريحات فاوتشى حول هذه القضية كدليل على أن ترامب كان يروج لنظرية المؤامرة، التى وصفت بالسخيفة فى ذلك الوقت؛ لأنه كان يرى أن الفيروس لم ينشأ فى الطبيعة بل فى مختبر فى ووهان بالصين. ومن هنا تم أخذ رأى فاوتشى بعين الاعتبار من قبل وسائل الإعلام الرئيسية ومدققى الحقائق؛ حيث فرضت الرقابة على جميع رواد مواقع التواصل الاجتماعى وحجب ما يتم نشره، وهذا ما كما كشفت عنه رسائل البريد الإلكترونى المنشورة مؤخرًا بين فاوتشى والرئيس التنفيذى لشركة فيسبوك «مارك زوكربيرج»، حيث ظهر التعاون فى كل ما يتم تداوله بشأن الفيروس حتى اللقاحات. وبالفعل، تم إطلاق برنامج «تقصى الحقيقة» أو «Fact- check» بحجة التحقق من صحة المعلومة وتنقية الأخبار؛ ولكن الحقيقة كان لاعتراض المقالات ومقاطع الفيديو التى تعرقل مصالحهم، بوضع ملصق محتواه «السياق محذوف.. يقول مدققوا الحقائق إن هذه المعلومات قد تضلل الناس». والآن، تتدافع وسائل الإعلام الرئيسية ومواقع التواصل الاجتماعى وعلى رأسها «فيسبوك» و»إنستجرام» لحفاظ على ماء الوجه؛ هناك تراجع مفاجئ للفيسبوك فى إجراءاته تجاه كل من يتحدث عن موطن نشأة الفيروس معلنًا أنه لن يحذف المنشورات التى تزعم أن الفيروس من تسرب من المختبر، على الرغم من إعلان زوكربيرج فى فبراير الماضى أن شركته وسعت قائمة الادعاءات الصحية المضللة التى ستحذفها من منصاتها لتشمل تلك التى تؤكد أن كوفيد-19 من صنع الإنسان. ولم يختلف موقف منظمة الصحة العالمية ولا مديرها «تيدروس أدهانوم جيبريسوس» كثيرًا عن فاوتشى وزوكربيرج، حتى اتهمت إدارة ترامب المؤسسة الأممية بالتقاعس عن القيام بمسئولياتها والفشل فى إدارة الأزمة، بعد أن وضعت السياسة قبل مصلحة الصحة العامة ومن ثم إخفاق مديرها. وتشير أصابع الاتهام إلى تستر المنظمة على الصين فى إخفاء معلومات عن خطورة المرض عندما ظهر نهاية عام 2019، وانتقاله من إنسان إلى آخر استنادا إلى نقل العدوى بين العاملين فى المجال الصحى فى ووهان بؤرة تفشى الوباء. فيما أكد ترامب حينها أن عدم شفافية الصين «ساهمت فى إضاعة العالم لوقت ثمين، ما أدى إلى إهدار أرواح بشرية». ووفقاً لمجلة «ناشيونال ريفيو» الأمريكية، يجب على قادة العالم التحقيق فى التأثير الصينى ومصادر تمويلها الأخرى على منظمة الصحة العالمية، ويجب على الولاياتالمتحدة استخدام تمويلها الكافى للمنظمة كوسيلة ضغط للمطالبة بالشفافية بشأن تعاملاتها مع الصين. وينبغى أن تكون مشاركة الولاياتالمتحدة مستمرة فى منظمة وفعالة. وفى لحظة الاختبار، انحرفت المنظمة إلى بكين بدلاً من خدمة المصلحة العامة، ولا يزال العالم يدفع الثمن.