الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
بسبب صاروخ حوثي.. وقف الرحلات من وإلى مطار بن جوريون
بالمواعيد.. مباريات الجولة 36 من الدوري الإنجليزي الممتاز
الأرصاد تحذر من حالة الطقس: ذروة الموجة الحارة بهذه الموعد
بشرى ل"مصراوي": ظهرت دون "مكياج" في "سيد الناس" لهذا السبب
فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل
الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار
مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء
النار التهمت محصول 1000 فدان.. الدفع ب 22 سيارة للسيطرة على حريق شونة الكتان بالغربية
شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث
محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم
أمين الفتوى: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة والوفاء بالعهد
السديس في خطبة المسجد الحرام يحذر من جرائم العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي
خبر في الجول - لجنة التظلمات تحدد موعد استدعاء طه عزت بشأن أزمة القمة.. ولا نية لتقديم القرار
«المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»
فريق طبي بمستشفى سوهاج ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل
"موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب
جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل
البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"
وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود
الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر
جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة
تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال
رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)
رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية
مصرع شابين وإصابة آخر فى حادث تصادم دراجتين ناريتين بالدقهلية
جهاز تنمية المشروعات يضخ 920 مليون جنيه لتمويل شباب دمياط
مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي
أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا
المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية
ملتقى الثقافة والهوية الوطنية بشمال سيناء يؤكد رفض التهجير والتطبيع مع الكيان الصهيوني
التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة
استلام 215 ألف طن قمح في موسم 2025 بالمنيا
هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب
قناة السويس تدعو شركات الشحن لاستئناف الملاحة تدريجيًا بعد هدوء الهجمات
عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية
المستشار الألمانى يطالب ترامب بإنهاء الحرب التجارية وإلغاء الرسوم الجمركية
10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة
الزمالك في جولته الأخيرة أمام المقاولون في دوري الكرة النسائية
محمد عبد الرحمن يدخل في دائرة الشك من جديد في مسلسل برستيج
دمياط: قافلة طبية تحت مظلة حياة كريمة تقدم العلاج ل 1575 شخصا
المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون
ضبط 3 طن دقيق فاخر مجهول المصدر و185أسطوانة بوتاجاز مدعمة قبل بيعها بالسوق السوداء في المنوفية
عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026
أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة
سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو
وزيرة التخطيط و التعاون الدولي :حققنا تطورًا كبيرًا في قطاع الطاقة المتجددة بتنفيذ إصلاحات هيكلية تجذب القطاع الخاص وتُعزز مركزنا كدولة رائدة
الطيران المدني الباكستاني: مجالنا الجوي آمن ومعظم المطارات استأنفت عملها
13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها
مصر أكتوبر: مشاركة الرئيس السيسي في احتفالات موسكو تعكس تقدير روسيا لدور مصر
كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا
محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس
الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)
بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا
إعلام إسرائيلي: تفاؤل أمريكى بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزة
التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث
الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الزمالك وسيراميكا بالدوري
«ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل
الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
الموت لا يُوجِع سوى الأحياء
أبداع
أخبار الأدب
نشر في
بوابة أخبار اليوم
يوم 20 - 06 - 2021
سفيان البراق
فى السماء كانت الطيور مُحلقة ترمى ببصرها الأرض باحثةً عن فتات خبزٍ أو حبوباً تناثرت هنا أو هناك فى غفلة عن مشترى الأكياس. لم تعد تُخيفها الفزّاعات ولا ما يبتكرهُ الإنسان ليُرهبها. اعتادت على حياة البشر، وسئمت من أفعالهم العُدوانية اتجاهها. شُقّت السماء بخيوطٍ متّصلة من الماء، كان المطرُ ينهمرُ كشلّالٍ هادر. الفرحُ مرادف لركض الغيوم فى السماء، إلى أنْ تُعتصر حتى تطلق ماءً يبعثُ برائحة التراب، ويُنعشُ شجرة الرّمان التى غرستها جدتى فى ركنٍ قصيٍّ بمنزلنا، ويُخلّفُ لوناً محمّراً يعلو وجوه النّاس من شدّة الغبطة والانتعاش. تفرّقت السحب معلنةً عن شمسٍ دافئة بسطت نورها على الأرض، ووقفت متجبرةً فى السماء. حينها تعالى إلى أذنى صراخ الأطفال يلعبون ويحفرون الأرض بعدما أصبحت رخوة، واكتسح الماء ترابها. التحقت بهم وتجمهرنا حول ضايات الماء الصغيرة نرى فيها ملامح وقسمات وجوهنا المتطلّعة إلى مستقبل يحتضننا.
ضيّاءُ الشّمس أغرق القرية فى النّور. المطر ومخلّفاته وحدها القادرة على بعثِ الأمل والسعادة بداخل كلِّ إنسان مهما كانت ظروفه. أشحتُ بصرى عن ضاية الماء، ورمّقتُ أمّى تحملُ عصاً طويلة تتوعدنى بضربى بها على فخذاي، أو قدماي، أو بطني. دائما تُوصى إخوتى بضربى فى أيّ مكان باستثناء رقبتى وما يعلوها. اعتمرتُ نعلى ولُذتُ بالفرار. خفتُ من ألم العصى الذى يمتزجُ ببرودة الطقس فيُخلِّفُ ألماً لا يُطاق البتة.
تركتُ من هم فى مثل سنّى خوفاً من أمي. عدت زهاء ساعة أو ما يزيد عنها بقليل. لعِبتُ واستمتعت بجو صحو بديع، جوٌّ يستحقٌّ لفتت انتباه وتدبّر فى إبداع الخالق. قرّر ياسين، الذى لطالما تقاسم معى مقاعد الدراسة، أن نذهب إلى إحدى الحقول الفلاحية القريبة من منازلنا وأن نقطف ما جادت به أشجارها من بُرتقالٍ وتفاح. أومأت برأسى موافقاً. سِرتُ أنا وهو برفقة بعض الأصدقاء الآخرين. سببُ سرعة اتفاقنا، وهو أنّ جل العمّال فى الحقول لا يعملون حينما تمطرُ السماء، وبالتالى فجلّ هذه الحقول تكون شبه فارغة باستثناء حرّاسها الذى يشتغلون ليل نهار حتى لا تعبت بغلّتها أيادى الغرباء والمتطفّلين، وأحيانا خوفاً من سرقة لوازم الكهرباء التى تكون فى غالب الأحيان باهظة الثّمن.
وصلنا فوجدنا الباب مقفلاً، وكلبٌ شرس فى الداخل ينبحُ دون توقف بعد أن شمّ رائحتنا غير المألوفة. ابتعدنا عن الباب فقفزنا من ثغرة شوك، ودخلنا نمشى ببطء، لا يُسمع إلّا هسيسنا، أو همهمة أحدنا، فلم يتفوهُ أحدنا بصوتٍ جهورى قد يثير انتباه الحرّاس. الحرّاس إذا ضبطوا أحدهم متلبساً بقطف شيء، حتى لو كان يتضوّر جوعاً، فإنّهم يستمتعون بتعذيبه ومعاقبته وتقديمه لمالك الضيعة، مستغلّين فرصة سانحة لتلقّى عبارات التنويه والإشادة، ولما لا التفاتة أكبر وتزداد أجرتهم.
توغلنا وسط الأشجار، نقطفُ من هذه الشجرة ونضع ثمارها فى جيوب سراويلنا وفى أقمصتنا، ونأكلُ من تلك. كانت الضيعة زاخرةً بالثّمار. شعرتُ أنّ قلبى سيثب خارج أضلاعى من فرطِ القوّة الّتى يخفِقُ بها. لم أعد قادراً على التحمّل سيّما وأنّ الشّمس بدأت فى توديع يومٍ ممطر غيّبها بسبب السحب الكثيفة. بدا لى الحقل موحشاً، واستشرى رعبٌ فى بدني، ورعشة باردة تسرى فى جسدي. امتلأت أقدامنا بالوحل، وتبلّلت ثيابنا بسببِ قطرات الماء الباردة العالقة فى أوراق الأشجار. مشينا قليلاً فكانت المفاجأة، حدّجتْ عيناى الجاحظتين رجلاً مستلقياً كجنديّ خارت قِواه على أرض المعركة. بدا لى فى البداية كحارسٍ من حرّاس الضيعة المعتوهين. قلبى وجِلَ، والكلّ اجتاحهُ دبيبُ الخوف. بدأوا يتراجعون دون أن ينبسوا بكلمة. بصوتٍ مرتجف حانق قلتُ:
إنّه لا يتنفّس، انظروا إلى بطنه. إنّه ثابت ومستقر. ربما قد مات.
تحسستُ جبينى براحة يدي، كان ينضحُ عرقاً أفرزه الأدرينالين بسبب خوفى الزائد. فى صمتٍ رهيب، وبخطواتٍ جدّ هادئة، اقتربنا منه فصُدمنا لهول المشهد الّذى ظلّ راسخاً فى ذاكرتى إلى حدود كتابةِ هذه الأسطُر. أتطلّعُ إلى وجهه المُكتسى بالتجاعيد فتتبدى لى دروبُ الحياة. له وجه دائري، ضخمُ الجثة، ولحية كثّة، أصلع الرأس، ميّتٌ ومضرجٌ بالدماء. ربّما قُتِل فى ليلة الأمس الماطرة. أطفالٌ صغار فى عمر الورد مثل أزهارٍ ربيعية يانعة، يرون مشهداً كهذا.
اتفقنا ألّا نخبر أحداً، وأقسمنا وأعطينا الوعد دون الإخلال به. دلفتُ إلى البيت وأنا شارد الذهن، وسيناريوهات تنسج فى ذهني، وأفكار عدّة تطوف بذهنى محدثةً رجّة كبيرة بداخلي. لمّا رأتنى أمّى توعدتنى بأن تبرحنى ضرباً، فلم أُعِرها اهتماماً، فتفاجأت لأمري، واقتربت مني، والليل حينها قد أبسط قبضته على السماء، والهواء كان بارداً، وأنا أرتجف، وأحملُ فى جيوبى برتقالتين وتفاحة. وأحفر الأرض بعيونى المندهشتين. بقيتُ على نفس الحال حتى تلقّيتُ صفعةً من والدي، صفعةٌ أفاقتنى من تيهى الكبير.
رأيتُ الجثث الهامدة فى الأفلام التى تتناولُ قصص الحروب التاريخية، أو التى سلّطت الضوء على تصفية الحسابات؛ متطرّقة لجزءٍ مطمور من التاريخ، وهو تاريخ الاغتيالات السياسية التى راح ضحيّتها شبابٌ يانعون، أو رجال رفضوا الانصياع لتعليمات تتنافى كلياً مع مبادئهم وأيديولوجياتهم التى تربوا عليها وتشبّعوا بها حدّ النخاع. اليوم كُتِب لى أن أرى جثة رجلٍ ميّت. يا له من قدر. لم أستطع النوم تلك الليلة. تجمّعت السحب وبدأتِ السماء ترسلُ مياهاً باردة تحفرُ الأرض مصدرةً صوتاً ارتاح له قلبي. فتحتُ باب الغرفة، دون إشعال مصباحها، وبقيت جانب الباب أسمع صوت حبّات المطر تداعبُ الأرض، وبرقٌ يُخترق السماء فى جو ربّانيٍّ مهيب. قُبيل الفجر بقليل غفوت، ولم أستيقظ إلّا بعد أن سمعتُ أمى توقظنى وأنا نائم قرب باب غرفتى مباشرةً. نسيت أنّه يوم الإثنين؛ يومٌ عند غيري، على الأرجح، ثقيل على النّفس وكم تمنّيت أن يُحذف من اليومية. الإثنين هو سليل أيام الآحاد الكئيبة.
دخلتُ القسم ورميتُ زملائى الذين حضروا الواقعة بنظرة استغراب. كانوا مثلى مشتتى الذهن، مفزوعين. جالت فى خاطرى هواجس عديدة. على رأسها هاجسُ رؤية دركيّ يسألنى بنبرته الحادّة. مرّت ساعات ذلك اليوم ثقيلة كالحجر. فور خروجنا اجتمعنا نحن الخمسة وتضاربت أفكارنا فى نقاشٍ حاد. بين من فضّل إخبار أفراد أسرته لأنّه لا يقوى على كتم سرٍّ كهذا، وبين من فضّل التزام الصمت، وأنا كنت من هذه الفئة. الصمتُ حكمةٌ متاحةٌ لمن شاء. وما هى إلّا ساعات قليلة حتى ذاع صيتُ الخبر فى جلّ أرجاء القرية بسرعة كبيرة، كسرعة النّار فى الهشيم، وحجّ أهل القرية إلى الضيعة المقصودة، وتعالت الأصوات المندّدة بهذه الجريمة النّكراء. حضرت الجهات المختصّة، تتقصى ظروف ومُلابسات الحادث. سيخوضون باستفاضة فى الأسباب والدوافع التى أدّت بالجانى إلى ارتكاب هذا الفعل الجُرمى الشّنيع.
فاتحتُ أمى فى الموضوع بسلاسةٍ لغوية دون أن أبدى أيّ ارتباك. وأخبرت والدى أيضاً، وانفجر فى وجهى كالبُركان، وهمّ بصفعى وضربي، لولا تدخل أمي. علته على انزعاجه هو خوفه عليّ من أى متابعة أو تحقيق قد يجرُّ عليّ، برفقة زملائي، القيل والقال، وأنا لازلتُ فى عمر الزهور. فنحن المغاربة نبدعُ فى تقصّى الأخبار، ونكون أكثر إبداعاً فى ليِّ ذراع الخبر وإضافة بعض التوابل والبهارات حتى يستطيب الخبر للجميع ويندرج ضمن حقل الأكشن المُشوّق.
إذا عدنا إلى الأماكن نفسها فمن يُعيد إلينا الرّفاق. هكذا أقول فى قرارة نفسى كلّما عدتُ إلى القرية، وأمرّ من نفس الأزقة، وأجلس تحت الجدار الطيني، وأشاهد شموخ صومعة المسجد الواقفة بعزّة منذ عقودٍ خلت، أرى الحقول الفلاحية وهى تتلاشى الواحد تلو الآخر، وأرى زحفاً عمرانياً رهيباً تغلّب على أراضٍ زراعية كانت مرتعاً مُريحاً للكلاب الضالّة ولكل من قادتهُ سبل الحياة إلى قريتنا، فيفترشُ ترابها فى سكينةٍ وطمأنينة منقطعة النّظير. والنخل باسطٌ قاماته السامقة لم يدم شموخه طويلا فاقتلع وقتلت جذوره، والأماكن التى لعبتُ فيها وارتميتُ فى حضنها تغيّرت واختفت معالمها.
الرجل المقتول رحل إلى مثواه الأخير. عُرِف قاتله الذى اعترف بأنّ سبب قتله للضحية بمدية، يعودُ لسنوات التسعينات، بعدما تسبّب له الضحية فى ردعه فى السجن، بعد أن قام بتلفيق تهمةٍ له، قضى جرّاءها عقداً كاملاً من الزمن دون أن يقترفها. قلة فطنتهُ جعلتهُ يعود للسجن بعد شهرٍ فقط من خروجه. جروح الماضى لا تُنسى. مشهد الضحية وهو مرميٌّ وسط أشجار البرتقال أبى أن يُمحى من ذاكرتي. أُلقيّ القبض على القاتل بعدما فرّ إلى شمال البلاد، هناك بطنجة، الّتى تعجُّ بالكثير من الحياة، سيُضبط وهو يتخفّى خلسة وسط الركاب فى حافلة متشرذمة آملاً فى الوصول إلى حدود سبتة حتى يتمكّن من استنشاق هواء الحريّة العليل على أراضى الضفة الأخرى، التى يتمنّى كل مغربى تدبُّ فيه الحياة أن يبلغها ولو بشقِّ الأنفُس.
كبرتُ وكَبُرَتْ معى القرية كنباتٍ بريٍّ على ضفاف النّهر. ذلك اليوم السيئ تمنّيتُ ألّا يُعاد، حيث خلّف بداخلى نفسيةً مهزوزة. أمضغُ الحسرة كلّما طفت ذكريات ذلك اليوم. كلّما أخذنى شريطُ الذّكريات غرقت عيونى فى الدموع. لكلّ دمعةٍ مُبرِّر. فى الأعياد والمناسبات عندما يجتمع الرّفاق يطبق صمت مديد على أفواهنا كحزنٍ على ما رأيناه.
توالت السنون المريرة تاركةً هاجس الخوف يُعذبني. نخرتنى ذكريات الماضى كما تنخرُ دودةُ القزّ ورق العنب. عدتُ ذات صيفٍ، بعد شهورٍ قضيتها فى مدينةٍ فيها من التناقضات ما تُلفِتُ نظرَ الأعمى، وكومةٌ من الأسئلة تُحاصرنى يستحيلُ الهروب منها. استيقظت ذات صباح، أمدُّ يدى لأتحسّس زرّ مشغل المصباح فوق رأسي، تنتشرُ دفقات نور الكهرباء فى الغرفة بكبسة واحدة، أتحقّقُ من الساعة، يُشيرُ عقرباها إلى السادسة صباحاً، لا يزالُ أمامى متّسعٌ من الوقت لأنام. العُطلة هى للرّاحة، فكلّ عطلةٍ تتخلّلها التزامات ومواعيد ما هى بعطلة. أستلقى مجدداً على ظهري، أشبِكُ أصابعى خلف رقبتي، أرفعُ بصرى إلى السقف، أثبتهُ، تتّسعُ حدقتا عينى إلى أنْ يغشى الرؤية ضبابٌ وهميٌّ. يُخيّمُ سكونٌ ثقيل على الغرفة، أتنهدُ بعمق، شهيقاً ببطء ثم زفيراً. تمرُّ صوّر الّذين عرفتهم طوال حياتي، أسماءٌ، وجوهٌ وأصوات، أناسٌ سرقتهم الحياة، آخرون سافروا إلى وجهات مجهولة، وجميعهم يحتشِدون أمامي، إنّه وقتهم المفضّل للظهور. أنامُ مجدّداً فيُصابُ شريط الذكريات الحادة بكآبة تعصفُ به لبرهة. أفيقُ مجدداً فأجد صداعاً يستولى على جمجمتى فأسقطُ أسيراً للهواجس وللذكريات المريرة التى أتوجّسُ منها.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
من دفتر نور
تغريدة عندليب
الرقص فوق عتبة الغيبوبة
الرقص فوق عتبة الغيبوبة
قصيدان ل"فرات أسبر"
أبلغ عن إشهار غير لائق