أحمد جمال لم يكن قرار رئيس حزب الوفد المستشار بهاء أبوشقة، مطلع الشهر الجاري، بفصل عشرة من قيادات الحزب قال إنهم "شاركوا فى مؤامرة كبرى ضد الحزب" هى المرة الأولى التى يتعرض فيها أقدم الأحزاب على الساحة السياسية لمثل هذا الموقف، إذ سبقه عشرات المواقف المشابهة بين قيادة الحزب وأعضائه لأسباب مختلفة أغلبها يرتبط بالصراع على منصب رئيس الحزب، وهو ما أدى إلى تراجع الحزب بصورة كبيرة. فى جميع وقائع الشقاق والخلافات داخل جدران حزب الوفد كانت السمة الأساسية ترتبط بعدم القدرة على ممارسة الديمقراطية ما يؤدى إلى انقسامات بين أعضائه من دون الاعتماد على لوائح واضحة وقوية داخل الحزب يلتزم بها الجميع، وهو ما كان سبباً فى تشكيل تيارات منبثقة عن الحزب تمارس دور المعارضة ضد قياداته لكن سرعان ما تعود مرة أخرى إلى الحزب بعد زوال أسباب الخلاف. كان الخلاف حول الانتخابات التشريعية الماضية وكيفية مشاركة الحزب فيها والصراع على التواجد فى القائمة الوطنية ووجود تيار معارض للمشاركة فى القائمة سبباً مباشراً ورئيسياً فى الخلاف الأخير الذى نشب، ودفعت لأن يذهب الحزب بعيدا عن القيام بدوره الحقيقى وبالتالى لم يحقق النتائج المرجوة بل إنه لم يستطع حصد أى مقعد فردى فى انتخابات مجلس الشيوخ. وافقت الهيئة العليا لحزب الوفد، السبت، على قرارات المستشار بهاء الدين أبوشقة، رئيس حزب الوفد، والتى شملت فصل كلٍ من (الدكتور ياسر الهضيبي، وطارق سباق، ومحمد عبده، ومحمد عبدالعليم داوود، ونبيل عبدالله، وحمدان الخليلي، وحاتم رسلان، ومحمد حلمى سويلم، وحسين منصور، ومحمد مجدى فرحات)، كما وافقت الهيئة العليا أيضاً على تعيين سليمان وهدان رئيساً للهيئة البرلمانية للحزب بدلاً من النائب عبدالعليم داوود، وتعيين محمد هنية، وهانى أباظة، وأيمن محسب، نواباً لرئيس الهيئة البرلمانية للحزب. بحسب أبوشقة فإن "الحزب تعرض لمؤامرة وصلت لمنتهاها، وكاد الحزب يسقط سقوطاً تاماً باستخدام وسائل حرب الجيل الرابع وعبر حرب الشائعات والسوشيال ميديا، وهذه المؤامرة موثقة بالصوت والصورة والأدلة الدامغة"، وهو ما يعنى أن ساحات المحاكم ستكون شاهدة على هذه الخلافات تحديداً وأن الأعضاء المفصولين قرروا أيضاً اللجوء إلى القضاء لإلغاء قرارات رئيس الحزب، ويوم السبت الماضى أيضاً، عقد أبوشقة اجتماعاً موسعاً مع شيوخ الوفد وأعضاء الهيئة العليا، ورؤساء وسكرتيرى عموم لجان المحافظات، ومساعدى رئيس الحزب، وأعضاء الهيئة البرلمانية «نواب وشيوخ»، ورؤساء اللجان النوعية، ورؤساء لجان الشباب والمرأة لكل محافظة، فى محاولة لرأب الصدع وتهدئة الأوضاع داخل الحزب. قال المستشار مصطفى الطويل، الرئيس الشرفى لحزب الوفد، إن الحزب مر بالعديد من الخلافات والمشاكل على مدار تاريخه بل إن زعيم حزب الوفد الجديد فؤاد باشا سراج الدين كان له واقعة شهيرة حينما فصل أخاه نتيجة لخلافات حزبية، وبالتالى فإن ما حدث مؤخراً ليس جديداً، فالخلافات داخل الحزب مسألة قائمة باستمرار وهى أمر قد يكون فى كثير من المرات صحياً لأنه من الصعب أن يكون هناك توافق على رؤية واحدة، وأضاف أن خلافات حزب الوفد دائما ما تنتهى بعد فترة وجيزة وكثير من الأعضاء والقيادات الذين صدرت بحقهم قرارات فصل فى السابق عادوا مرة أخرى إلى الحزب والآن يتواجدون بنشاط داخل هيئات الحزب المختلفة، لأنه خلاف ليس على مبادئ الحزب الرئيسية التى تربى عليها كل من نشأ فيه ولكنها فى الغالب لديها أبعاد شخصية سريعاً ما تنتهي. وبالرغم من اتفاق الكثير من السياسيين على أن أزمة الحزب الأخيرة قد يكون لها انعكاسات سلبية على مستقبل الحزب، فإن الطويل يرى أنها أزمة عابرة سرعان ما ستنتهى بعودة المفصولين مجدداً لأن أغلبهم قيادات يتواجدون بين جدران الحزب لسنوات طويلة وقد يكون هناك أطراف تقوم بدور تقريب وجهات النظر بين رئيس الحزب والأعضاء الصادر بحقهم القرار الأخير، يرى الطويل وغيره من أبناء حزب الوفد أن الخلافات داخل أحزاب المعارضة بوجه عام أمر طبيعي لأن كل عضو يتبرع بماله ووقته وجهده فى سبيل مبادئ وأفكار يتفق عليها المنتمون إليه وبالتالى فإنه يكون هناك اختلافات حول طريقة تنفيذ تلك المبادئ وإنزالها على الأرض ما يؤدى إلى اختلافات فى وجهات النظر قد تتطور إلى الحد الذى شهده الحزب مؤخراً، لكن ذلك لا يؤثر على ثبات الحزب وقوته حتى وإن تغير رئيس الحزب أو لم يعد الأعضاء المفصولون مجدداً فإن هناك أعضاء جددا سوف يكملون المسيرة. ويعود تأسيس الوفد إلى عام 1918 حيث قرر سعد باشا زغلول، تأسيس حزب يدافع عن قضية مصر، بعد هدنة الحرب العالمية الأولى، وأطلق عليه اسم "الوفد المصري"، وذلك بمشاركة عدد من رموز السياسة المصرية بينهم عبد العزيز فهمى وعلى شعراوى وأحمد لطفى السيد ومكرم عبيد وفخر الدين المفتش وآخرون. وتشير الأحداث التاريخية إلى أول خلاف نشب بين الوفديين كان خلال المفاوضات بين الوفد المصرى واللورد ميلنر، بعد تأييد سعد زغلول لرفض التفاوض معه والعودة إلى مصر لمواصلة كفاحه الشعبى ضد الاحتلال، وكان رأى عدلى يكن أحد قيادات الحزب مغايرا، باستمرار التفاوض مع اللورد" ميلنر"، مما أدى انقسام بين أعضاء الحزب، وجعل "عدلى يكن" ينشق هو وجماعته عن الحزب ويدشن حزب "الأحرار الدستوريين" والذى عرف بعدها بولائه للملك والاحتلال الإنجليزى . تصاعدت وتيرة الصراعات داخل حزب الوفد فى الألفية الجديدة وذلك على إثر عدم رضاء أعضاء الحزب على أداء نعمان جمعة الذى ترأس الحزب بعد وفاة فؤاد سراج الدين، وفى ذلك الحين شهد الحزب استقالات عديدة من جانب قياداته إلى جانب عدم اقتناع عدد كبير من الأعضاء بخلافة نعمان جمعة لفؤاد سراج الدين، ما أدى إلى عقد اجتماعات فى غيبة رئيس الحزب وسحب الثقة منه واختيار محمود أباظة خلفًا له، بينما رفض نعمان جمعة الاعتراف بهذه الإجراءات ولجأ للقضاء الإدارى الذى منحه حكمًا ببطلان إجراءات عزله. وانقسم الوفديون إلى فريقين، أحدهما مؤيد لنعمان جمعة والآخر مؤيد لمحمود أباظة الذى تسلم رئاسة الحزب بعد هذه الأزمة، واستمر بها حتى شهد الحزب إجراء الانتخابات على منصب رئيس الحزب والتى فاز بها الدكتور السيد البدوى فى مواجهة محمود أباظة، لتحدث المفارقة بدخول الأخير طرفًا فى صراع داخلي، مثل الذى حدث مع نعمان جمعة فى عام2006 . بدأت الأزمات تطفو على السطح مجدداً خلال فترة السيد البدوى بعد قرار الحزب بفصل عدد من الأعضاء المتورطين فى التمويل الأجنبى والذين يملكون جمعيات بالمخالفة للقانون طبقًا لما أثاره محمد عبد العليم داود، وهو ما أشعل غضب الأعضاء، حيث تقرر فصل 7 أعضاء متورطين فى تلقى تمويلات مشبوهة، أعقب ذلك مناوشات بين الأعضاء الحاليين للحزب والمفصولين، والتى على إثرها اقتحم فؤاد بدراوي، وعدد كبير من أنصاره مقر حزب الوفد بالدقى اعتراضًا على طريقة إدارة السيد البدوى للحزب. وأعلن بعدها فؤاد بدراوي، عن تأسيس تيار إصلاح الوفد، وإعلان معارضة السيد البدوي، وحشد الأعضاء ضده وإزاحته من منصبه كرئيس للحزب، وطالبوا بإجراء انتخابات رئاسية للحزب مبكرة، غير أن ذلك لم يحدث إلى أن جرت آخر انتخابات فاز بها المستشار بهاء أبوشقة. فى رأى العديد من المهمتين بالشأن السياسى فإن الوفد كان من الممكن أن يصبح وعاء تتحد تحت رايته جميع التيارات الليبرالية على الساحة السياسية، إلا أن تقوقعه وانشغاله بالأزمات الداخلية التى تنشب بين الحين والآخر كان سبباً مباشراً فى عزوف المواطنين عن الانضمام إليه إلى جانب انشقاق عدد كبير من قياداته الذين أسسوا أحزابا أخرى لم يكن لها حضور قوى على الساحة. قال الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن ما يحدث فى حزب الوفد يرتبط بالممارسة السياسية لغالبية الأحزاب المصرية والتى تفشل فى أن تمارس الديمقراطية داخلها ما يؤدى إلى نشوب خلافات تصل إلى الفصل من الحزب بل إن كثيرا من المشكلات كانت سبباً فى تقسيم الحزب الواحد لأكثر من حزب وتكون كيانات كرتونية ليس لها وجود على أرض الواقع، وأضاف أن الاعتماد على الحلول القانونية لحل الأزمات داخل الأحزاب ليست أمراً إيجابياً لأنه فى تلك الحالة سيكون هناك حكم قضائى بأحقية طرف على حساب طرف ما يعد انقضاضاً على التجربة السياسية داخل الحزب ويؤدى لمشكلات عميقة تترك آثارها لفترة طويلة، مشيراً إلى أن الوفد يحتاج إلى مصالحة بين جميع الأقطاب والتيارات المختلفة داخله.