الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات
تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة
200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)
سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير
فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين
محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة
شارك صحافة من وإلى المواطن
رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025
لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية
الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا
استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة
رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع
'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد
خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول
في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا
وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا
مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة
جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي
«بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز
مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت
اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة
بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا
بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي
بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية
حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل
امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل
أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما
حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)
نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب
إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي
إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم
إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول
رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي
دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت
نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"
أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل
29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها
الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما
خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى
«عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)
اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية
نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023
محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية
خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل
البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة
نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام
حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل
"بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان
علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله
تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)
صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة
الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم
ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟
هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»
كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي
سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه
خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب
البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
التدريبات الروحية .. من سقراط إلى فوكو
الفلسفة طريقة حياة
أخبار الأدب
نشر في
بوابة أخبار اليوم
يوم 08 - 02 - 2021
كتب: أحمد الزناتى
)الكتاب الجيد حقًا والأصيل حقًا هو الذى يجعل الناس تحب الحقائق القديمة(.
انتشلتُ العبارة السابقة من وسط عشرات المقولات والإشارات والإحالات التى يزخز بها هذا العمل لأنها تعبير وافٍ عن روحه. الكتاب هو )الفلسفة طريقة حياة: التدريبات الروحية من سقراط إلى فوكو(، الصادر مؤخرًا عن دار رؤية بترجمة رصينة وشرح ممتاز للدكتور عادل مصطفى.
يذهب المؤلف بيير هادو (1922-2010) وهو فيلسوف فرنسى متخصص فى تاريخ الفكر الرومانى وأكبر مؤرخى الفلسفات القديمة المعاصرين، إلى أن الفلسفة فى العصور الغابرة لم تكن محاولات لفهم الوجود وحسب، بل كانت فى الأساس علاجًا للانفعالات الروحية والنفسية. كانت الفلسفة تدريبًا روحيًا من شأنه أن يفضى إلى تحول عميق فى أسلوب المرء فى الرؤية وفى الوجود، توسيع نطاق رؤيته إلى الأمور، أن يخرج الإنسان من أناه الضيقة وهموم يومه المُكررة )والتى لن تنتهى بالمناسبة(، ويفرغ للبهجة البسيطة بكونه ما يزال على قيد الحياة، بكونه يستيقظ صباحًا ويشرب قهوته فى منزله، لا فى أقرب مستشفى.
فى مقدمة هى أقرب إلى مقطوعة من النثر الفلسفى يؤكد المترجم على حقيقة مهمة ينبغى الالتفات إليها قبل الشروع فى قراءة الكتاب، حقيقة مؤداها أن مهمة الفيلسوف الأولى ليست إيصال معرفة موسوعية على هيئة خطاب فلسفى رصين وحشد المعلومات والأسماء والكتب ونفثها فى وجهه، بل بالأحرى تحويل شخصية المرء وتعليمه أسلوب التعامل مع الحياة ، ومن ثمّ فالعنصر الجوهرى فى الحياة الفلسفية، وتحديدًا على النحو الذى يقصده مؤلف الكتاب، عنصر عملى لا قولي؛ عنصر يضع نصب عينيه غاية واحدة: مساعدة الإنسان قدر الإمكان.
يضرب المترجم أمثلة بتقنيات لممارسة التدريبات الروحية، من بينها أن يملك المرء بين يديه وفى ذاكرته مجموعة من اجوامع الكلمب وفقَ تعبير المترجم أو اعِدّة شُغل متكاملةب؛ مجموعة من الكلمات والمأثورات التى تعينه على مواصلة العيش وتقبّل سخافات الحياة والبشر، أو تأمّل المحن السابقة، بمعنى أن يمارس نمط الحياة الرواقية، متذكرًا أن المصائب ليست كلها شرورًا لأنها لا تعتمد علينا ولأنها جزء من مسار الطبيعة، مشيرًا إلى قول فيلون السكندري: اإنهم لا ينهارون تحت ضربات القَدر لأنهم تحسّبوا لها مسبقًا، فالتحسّب يجعل من السهل احتمال أصعب الحوادث التى لا نريدهاب. وحتى فى مجال الحياة اليومية العادية يستهلّ الرواقى يومه مستعدًا لتحمل أى خشونة فى لعبة الحياة كما علّمه سينيكا وماركوس أوريليوس وغيرهما. فى العصر الهيلينستى والرومانى كانت مفردة الفلسفة تشير إلى اطريقة العيشب (أسلوب حياة)، ولا يعنى ذلك أنها كانت نوعًا محددًا من السلوك الأخلاقي، وإنما كانت طريقة وجود، كانت الرؤية الشاملة للعالم، أو Weltanschauung كما يقول الفلاسفة الألمان.
كان مجرد اللفظ philo-sophia (مَحبة الحكمة) كافيًا للتعبير عن هذا المفهوم. يقول المؤلف إنه فى محاورة المأدبة وضّح سقراط أن اإيروسب ابن كلَّ من بوروس (الحيلة) وبنيا (العَوز والحاجة). كان إيروس يفتقر إلى الحكمة، غير أنه كان يعرف كيف يكتسبها، ومن هذا أخذتْ الفلسفة شكل تدريب الفكر والإرادة، كانت الفلسفة طريق التقدم الروحي. كانت الفلسفة إذًا منذ العصور الأولى طريقة عيش، سواء فى ممارستها وسعيها لتحقيق الحكمة أم فى هدفها، فالحكمة الحقيقية لا تؤدى بنا أن نعرف، بل أن نكون، أن نتعامل مع الحياة فى تقلباتها وقسوتها وغبائها. كما يشير المؤلف إلى نقطة مهمة وهى أن تأمل الموت والاستعداد له عبارة عن تغيير لزاوية الرؤية، طريقة رؤيتك إلى الأشياء. ثمة شيء آخر ندركه من تأمل ظاهرة الموت: نفاسَة الحياة وقيمتها رغم ما تقذفه فى وجوهنا من قذارة كل يوم، وأعتقد أن السنة الماضية والحالية علّمتْ البشر كثيرًا عن قيمة أبسط الأشياء التى رأوها ضئيلة هيّنة كالمشى فى الشارع أو رؤية الناس من دون قيود، فيسوقُ مقولة للشاعر الإغريقى هوراس فى إحدى رسائله: ااعتبرْ أن كل يوم يطلع عليك سيكون اليوم الأخير لك. إذا فعلتَ ذلك ستتلقى كل ساعةٍ غير منتَظرة بالشكر والعرفانب، وهى لسان حال ابن آدم اليوم.
من بين التعاليم الفلسفية القديمة الكتابة العلاجية. يقول المؤلف إن لدينا فى كتابات ماركوس أوريليوس مثالا رائعا على التدريب العلاجى بالكتابة، فيخصص الفصل السادس لتأملات ماركوس أوريليوس، فيقول إن الإمبراطور الرومانى السادس عشر قد كتبَ تأملاته الثرية تحت وطأة حالة القلق والأرق الشديدة التى كانت تطوّقه فى أثناء غَزواته.
نقرأ الفقرة التالية: االزمن أشبه بنهرٍ من الأحداث الجارية وتيار عنيف. انظرْ مليًا كيف يُزاح كل ما هو قائم وكل ما هو قادم ويزول زوالًا. أليس بأحمقٍ من يعيش وسط هذا كله ثم تحدثه نفسه أن يسخط على نصيبه؟ وكأن أى شيء من هذا دائم له أو مُقدّر أن يؤرقه طويلًا فالرداء الأرجوانى مأخوذ من فراء خروف منقوع فى النبيذ، واللحم المشوى جثة حيوان ميّت، والجِمَاع مجرد احتكاك غشاء ورعشة ودفقة مخاطب.
ما الذى نتعلمه من ذلك؟ يقول المؤلف إن تأملات أوريليوس ليست تعبيرًا عن نظرة تشاؤمية أو سوداوية إلى الحياة، ولكنها وسيلة )أو ربما تدريب وفقَ عنوان الكتاب فى تقديري( يستخدمها من أجل أن يغير طريقة تقييم الأحداث والأشياء، طريقة النظر: الكلّ واحد: الشوكة والوردة. الجميل أن الرجل لم يكتشف ذلك إلا فى أثناء عملية الكتابة نفسِها. لقد كان أوريليوس يتحدث إلى نفسه غير أننا ما زلنا
نشعر بانطباع أنه كان يتحدث إلى كل واحدٍ ما. ويبدو أن آباء الكنيسة الأوائل قد أخذوا هذه التقنية من الفلسفة القديمة، فقد كان القديس أنطونيوس يوصى تلاميذه بمراقبة أسرارهم وأفعالم وتدوينها، مُعترفًا بالقيمة العلاجية للكتابة فيقول: اليدوّن كل منا أفعاله وحركات نفسه، وكأننا سنقّدم تقريرًا عنها، فلتكن الكتابة بديلًا عن عيون الآخرين، فالمرء لا يجرؤ أن يأثم وهو مُراقَب، فلتراقبه كتابته إن لم تراقبه أعين الآخرينب.
كنتُ أظن بسذاجة أن فكرة التقرير وليدة الأدب المعاصر، فأتذكر الآن اتقرير إلى جريكوب لكازانتاكيس وتطل فى ذاكرتى آخر فقرة فى آخر صفحة، أقصد رسالة المؤلف إلى جدّه. وأتذكر ايوزيف كاب، عندما قرر فى منتصف رواية القضية، وبرغم ضغوط العمل، إزاحة الأوراق المكدسة فوق مكتبه جانباً ليبدأ كتابة تقرير الدفاع فى قضيته. ينتهى صاحبنا إلى ضرورة إنهاء التقرير، فإن لم يكن فى المكتب، ففى المنزل ليلًا، وإن لم يكن فى المنزل فعليه القيام بإجازة، المهم ألا يتوقّف أبدًا؛ فما ينبغى للمرء الوقوف فى منتصف الطريق، لأن أحدًا غيره لن يمكنه إكمال تقريره، فربما يعثر الأستاذ كاب عما كان يفتّش عنه بعد إنهاء كتابة تقريره ورفعه إلى جهة الاختصاص.
***
كتاب د. هادو مكوّن من أربعة أجزاء، تبدأ بأشكال الحياة والخطاب فى الفلسفة القديمة، ثم تنتقل إلى التدريبات الروحية فى العصور القديمة وفى العقيدة المسيحية، ثم تعرض لصور شخصية لسقراط وماركوس أوريليوس وكيركجارد، وصولًا إلى الجزء الرابع والأخير بعنوان (موضوعات) يعرّج فيها على موضوعات شتى تتناول رؤية المحدثين لقضية العيش، فيقدم تحليلًا لافتًا لفاوست جوته ورغبته فى حيازة كل شيء ثم إدراكه فى النهاية أن حيازة كل شيء لن تغنيه فى شيء، لأنه لن يبلغ كل شيء أبدًا. برغم ذلك كان ينبغى للبطل أن يجرّب ويتألم ليتعلّم، فالمعرفة باهظة الثمن. لذلك نرى المؤلف فى الفصل الثالث المعنون بالتدريبات الروحية يطالب القارئ ببدء تدريبات روحية تتمثل فى نصائح قد تبدو للوهلة الأولى مدرسية ساذجة مملة (مثل من يبدأ فى ممارسة رياضة بدنية ويستثقل الأمر فى البداية ثم يُدمنها إدمانًا بعد فترة وجيزة). لا بأس أن أسوقها إلى القارئ: (القراءة مع التركيز على مقولات الشعراء والفلاسفة أوapophthegmatic (مجموعات الحِكَم) الإنصات إلى الآخرين، الانتباه، عدم الاكتراث بالأشياء اللا فارقة، عدم الاهتمام بما لا يعنى المرء منا حقًا وضرورة اهتمامه بما يعنيه حقًا، أن تفرّق بين الرغبات الضرورية والرغبات غير الضرورية فى الحياة. أعتقد أنه يمكن للإنسان أن يبعد كثيرًا عن منغصات العيشة غير الضرورية، الراجعة فى الأساس إلى رغبته فى الحُكم على كل شيء ومحاولة فهم كل شيء وامتلاك كل شيء. فى الجانب المقابل (أقصد الأبيقوري) يوصى الحكيم أبيقور بسدّ صرخات اللحم الثلاث: الشبع من الجوع والريّ من العطش والدفء من البرد، فإذا نَعِم المرءُ بامتلاك هذه فقد ينافس الإله زيوس فى سعادته.
قرأتُ مرة أن هيرمان هسّه اكتفى فى سنواته الأخيرة بقراءة اعترافات القديس أوغسطين وسِفر الأمثال وأكل الخضروات التى يزرعها بنفسه فى حديقة منزله، ثم التمشية مع زوجته فى حديقة المنزل عند الغروب.
السؤال: ما الفائدة من قراءة حِكَم القدماء وفلسفتهم؟ الإجابة يقدمها المؤلف بقوله إن العبرة ليست بحلّ مشكلة بعينها، بل بالطريقة التى نتخذها لحلّ المشكلة. عندما يُسأل طفل أن يتهجى حروف كلمة ما هل علينا أن نعتبر هذا التمرين غرضه اكتشاف الهجاء الصحيح لكلمة معينة أم نعتبره مصممًا لتحسين قدرة الطفل فى التعامل مع جميع الكلمات التى قد يُطلب منه أن يتهجاها؟ الأمر هنا بالمثل؛ فعبر هذه التدريبات الروحية نكون أكثر قدرة على الحوار مع جميع الموضوعات/ العقبات الممكنة. ربما يسخر بعض الناس من ذلك، وهذا طبيعى ومفهوم فى سياقه، فالمعرفة غالية والسخرية بضاعة رائجة. وهل بالإمكان أن يكون الخلاص ميسورًا ومبذولًا من دون عناء ومشقة. الأشياء الغالية دائمًا صعبة بقدر ما هى نادرة.
تتفق جميع المدارس الفلسفية على رؤية واحدة مفادها أن البشر تعساء لأنهم مستعبدون لأهواء النفس ومطالبها (أذكر أن العارف أبا يزيد البسطامى اعتاد مخاطبة نفسه قائلًا: يا نفسي.. يا مأوى كل سوء). تعلمنا التجربة أن نفس ابن آدم عادة تعيسة لأنها تتوق بشدة إلى أشياء صعبة المنال، وربما لا نفع من بلوغها، والتدريب الروحى هنا ليس دعوة رضا وقبول بالمعنى الميتافيزيقى أو الديني/الوعظي، بل دعوة إلى إزالة الغشاوة (أو الغشامة)، لو كانت لكَ لجاءتكَ إلى عقر دارك.
من بين الملاحظات اللافتة أيضًا أنّ الحب قد يصير تدريبًا روحيًا مهمًا، فيشير المؤلف إلى ثلاث مقولات توجز بإحكام هذا البعد الإيروسى (بالمعنى الرَحب للكلمة). أحدهما لنيتشه فى مدخل إلى دراسة الفلسفة الكلاسيكية حين يقول: اأعمق الاستبصارات تنبع من الحب وحدهب، والثانى لأمير الشعراء والعشّاق يوهان فولفجانج فون جوته: انحن لا نتعلم إلا من أولئك الذين نحبّهمب، والثالث للشاعر الرومانسى الألمانى هولدرلين: االإنسان الفانى يعطى أفضل ما عنده عندما يُحبب.
***
يوصينا المؤلف أيضًا من أجل عيش الحياة كما يجب بأن نقرأ كما ينبغى للمرء أن يقرأ. فينقل عن كاتب المقالات والفيلسوف الفرنسى فوفنجارس قوله: االكتاب الجيد حقًا والأصيل حقًا هو الكتاب الذى يجعل الناس تحب الحقائق القديمة، ثمة حقائق لن ينضب معناها أبدًا عبر أجيال البشر، ليس لأنها صعبة، بل بالعكس لأنها بسيطة للغاية فى الأغلبب. ومن ثم لكى يُفهم معنى الحقائق القديمة يجب أن تُعاش وتُعاد معايشتها على الدوام. نحن نقضى حياتنا نقرأ، أى نُجرِى تفسيرات لأشياء ما فى حياتنا. لنسمّها أشياء غامضة أو رؤى وأحلام.
فى اعتقادى ربما تكون حياة كل إنسان منا مكتوبة بلغة لا يفهمها، ومن ثمّ فهو فى حاجة إلى مترجم يفسّر له المكتوب. الأدب هنا هو المترجم، لكنه وَفق التعبير الشهير مترجم خائن لأنه ينقل روح النص الأصلي، غير متقيد بألفاظه، لا يُخبركَ المترجم بكلمات النص الأصلي، بل بروحها، فيظل الإنسان طَوال حياته فى أشواط سعى بين نص أصلى وآخر مترجَم.
على ذكر توصية المؤلف بمدوامة الاحتفاظ بمقولات/أشعار/اقتباسات تعين المرء على مرور يومِه، ثمة عبارة لم أنسَها لهنرى ميللر فى ثلاثية الصَلب الوردى (بليكسوس بترجمة أسامة منزلجي) تقول: اوإذا كنتُ أقرأ كتابًا وتصادف أنى وقعت على فقرة رائعة، أغلق الكتاب على الفور وأخرج لأتمشى [...] المسألة ليست التعرف على روح شقيقة، بل هى مسألة التعرف على ذاتك، أن تقف وجهًا لوجه مع ذاتك. إنكَ بإغلاقكَ الكتاب تواصل عملية الخلقب.
وفق قراءتى فهذا العمل أقرب إلى اقصّاص أثرب يقوم بتعقّب آثار النصوص والأفكار القديمة ذات الطابع التأملى والروحانى فيحللها ويضعها داخل سياقها التاريخى ، رابطًا إياها باللحظة الراهنة، مؤكدًا المقولة التى بدأتُ بها هذه المراجعة: التأكيد على الحقائق القديمة للأجيال الجديدة، ومؤكدًا أن الفلسفات الحديثة حولّت الفلسفة من فنّ للعيش إلى خطابات تنظيرية جافة ومن ثم انصرف عنها الناس، مُتسائلًا: لماذا نعود حتى اليوم إلى تأملات أوريليوس ومختصر إبكتيتوس واعترافات القديس أوغسطين؟
أودّ فى النهاية الإشارة إلى عبارة مهمة أخذها المؤلفُ من الفيلسوف الفرنسى الكبير هنرى برجسون تقول: اتقتضى الحياة أن نضع غمائم على أعيننا فلا ننظر يمينًا ولا شمالًا ولا وراءً، بل أن ننظر أمامنا فحسب، فى الاتجاه الذى يُفترض أن نسير فيه. لكى نعيش علينا أن نكون انتقائيين فى معرفتنا وذاكرتنا، ولا نحتفظ إلا بما يُسهم فى فعلنا للأشياءب.
بمرور الأيام وتراكم الخبرة يتحجّر الذوق الجمالى للإنسان وتنضج بصيرته ويصير انتقائيًا بشكل صارخ، فيُعاود قراءة نصوص بعينها ومؤلفين بعينهم، فالحياة أقصر من احتمال قراءة كتاب رديء كما قال جويس. وكأن النضج فتاة جميلة مُدللة لا تأتى إلا متأخرًا وعلى الجميع انتظارها. ربما يكون ذلك لونًا من ألوان التدريبات الروحية بحسب عنوان كتابنا، أو قد يكون تدريبًا على ضرورة أن ينتقى الإنسان ما يقرأ، أن يتأمل أكثر، أن يدقق فى اختيار الكتب وفى اختيار البشر أيضًا.
نصوص النديم الشعرية والنثرية
صدر مؤخراً عن دار المرايا للإنتاج الثقافى انصوص عبدالله النديمب فى جزئين يتضمنان الديوان الشعرى والآثار النثرية الكاملة، جمع وتحقيق وتصوير د. علاء الدين محمود.
يحتوى الجزء الأول على كل إنتاج عبدالله النديم الشعرى، شعراً وزجلاً، والذى ضاع منه الكثير، مما اضطر الباحث إلى خوض رحلة بحثية طويلة لجمع المتبقى وتحقيقه فى ضوء عدد من السياقات، كالسياسى والاجتماعى والثقافى، كما قسّم النصوص إلى عدة فصول منها: المدائح والاستغاثات النبوية، شعر الوطنية والسياسة والثورة، الغزل. الوصف، شعر الحكمة، شعر المناسبات، الذّم والهجاء، الألغاز، منوعات، الأزجال، ومن مسرحية االوطن وطالع التوفيقب.
أما الجزء الثانى فيضم أربعة أقسام وملحقاً، هى: مقالات لم تُنشر من قبل، فضل من مسرحية االوطن وطالع التوفيقب الرسائل الأدبية خمس رسائل من النديم إلى عرابى، والهدف منها استعراض ما خطّه قلم النديم طوال حياته المهنية فى حقل الكتابة النثرية صحفياً ومسرحياً، إلى جانب رسائله التى وصفها بعض الدارسين بالمقامات الإخوانية، وكذا ما نُشر عن عبدالله النديم من دراسات متنوعة سواء باللغة العربية أو الإنجليزية وغيرها من اللغات.
وُلد عبدالله النديم فى الإسكندرية وشغل بعض الوظائف وأنشأ الجمعية الخيرية الإسلامية، وبدأ بكتابة المقالات فى جريدتى االمحروسةب واالعصر الجديدب قبل أن يصدر جريدة االتنكيت والتبكيتب، وبعد قيام الثورة العرابية صار واحداً من كبار خطبائها وعرّضه ذلك لأزمات سياسية مع الملك اضطرته للهروب عشر سنوات ثم حبسه سنة.
علاء الدين محمود أكاديمى ومترجم مصرى حاصل على الدكتوراة فى الأدب المتقارن بكلية الألسن جامعة عين شمس، مهتم بحثياً بأدب النهضة العربية الحديثة وفنونها وتاريخا الثقافى، وقد تجلى ذلك فى انصوص النديمب إذ يكشف عن فترة زمنية مهمة فى تاريخ مصر الحديث وهى الثورة العرابية وأحداثها ومآلاتها.
أحمد سليم يعيد تقديم
اللهجة السيناوية فى "غالية"
أصدرت دار االمسكب رواية اغاليةب للكاتب أحمد سليم وقدم لها الدكتور ياسر ثابت مؤكدا أنها عمل إبداعى يحمل للقارىء فكرة جديدة، ذات بنيان متماسك ولغة سردية متدفقة، يقف وراءها روائى شاب أجاد نقل المجتمع السيناوى بطريقة مميزة.
وأضاف: االلافت للانتباه هو إجادة الروائى توظيف اللهجة السيناوية ونجاحه فى نقل ثقافة هذا المجتمع بعد جريمة بئر العبدب مؤكدا أن عبارة اهنا فى سيناء شيء ما خفى غير معلوم لأى أحد ولكنه محسوس للجميعب تلخص كل شىء، وتوضح معنى تعمق الروائى فى حكايته، حتى وهو يردد رثاء الموتى على لسان أبطاله، مثبتا أن الحكاية هى جوهر التخييل، وأن المغامرة هى طغيان الصدفة أو القدر فى الحياة اليومية، حيث يقدم فى سردية ممتعة كل ما يدفعنا إلى تأمل الموت، سواء أكان هذا الموت ممكنا، أو محتملا، أو حاضرا.
يهدى أحمد سليم روايته التى تقع فى 248 صفحة من القطع المتوسط إلى أمه ويبدأها بهذه الجمل: اانفض الجميع من حولنا، وعادوا إلى بيوتهم يلفهم الصمت وقت أن لملمت المدينة أطرافها وتلحفت برداء الليلب.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
عزاءات الفلسفة:الفلاسفة كمرشدين روحيين!
حكايات مجهولة| ماركوس أوريليوس.. قائد عسكرى نبغ فى العلوم الفلسفية
"الصوت والصدى" رؤية مغايرة لمشروع عبدالرحمن بدوي الفلسفي
الفلسفة في مواجهة أزمات الواقع
"الصوت والصدى" رؤية مغايرة لمشروع عبدالرحمن بدوي الفلسفي
أبلغ عن إشهار غير لائق