قصة الطبيب سامى من معهد الكبد إلى العزل «أهلى كانوا خايفين علىَّ، طمنتهم وهدِّيتهم وقلت لهم إنكم حاربتوا إنى أكون دكتور طول عمركم، وأنا حاليا أمام مسئولية لابد أن أتحملها، لازم أنزل واشتغل وأخدم الناس المرضى من غير تردد» كلمات عكست إصرارًا من الطبيب محمد سامى نائب الجهاز الهضمى بالمعهد القومى للكبد للمشاركة فى علاج المصابين بكورونا فى مستشفى أهل مصر بالتجمع الخامس. أُبلغ الطبيب الشاب بالانتداب للعمل فى مستشفى العزل قبلها بيوم واحد فقط: كنت فى الأول أشعر برهبة من فيروس كورونا ولكن بحكم إنى طبيب مينفعش أنى أغفل او اتهاون فى أداء واجبى تجاه البلد والطب بشكل عام. وأوضح أنه فور وصوله تم وضع نظام للمكان، وتم تجهيز المكان على أعلى مستوى والوزارة وفرت جميع الأدوية والطاقم الطبى وبدأنا تنفيذ البروتوكولات وإجراء التحاليل للمريض للتأكد من تعافيه للتقليل من نسبة العدوى وانتشار كورونا. فور وصوله إلى المستشفى الكائنة بالتجمع الخامس وضع الطبيب مع زملائه خطة تضمن عدم انتقال أى عدوى إليهم، فاستعانوا بفريق مكافحة العدوى لوزارة الصحة وتم تقسيم الأدوار الأرضى للأطباء والأول للمرضى الذين تحولت نتائج عيناتهم إلى سلبية للمرة الأولى، والثانى للمرضى الذين ما زالت نتائج عينات تحاليلهم للفيروس إيجابية. ويقول إن المستشفى به ممرات وغرف كثيرة أمكن السيطرة عليها ويتم تعقيمها كاملة كل يوم. لا يخلو عمل أسامة وزملائه من مخاطر لانتقال العدوى بينهم حيث أصيب عدد من الفرق الطبية بإصابات ولذلك يحرص على اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية صباح ومساء كل يوم أثناء المرور على مرضاه «ألبس البدلة الوقائية والماسك والجوانتى أثناء المرور الصباحى والمسائي، على المرضى، ويتم إعطاؤهم الأدوية وقياس درجة الحرارة ومدى تشبع الأكسجين بالدم ومتابعة أى تدهور قد يحدث فى الحالات، وإبلاغهم بنتائج التحاليل الخاصة بالفيروس». رغم ما قد يخفيه من قلق وخوف عند دخول باب غرفة المريض إلا أنه يحرص على القرب من المريض: لازم المريض يشعر اننا قريبين منه واننا مش خايفين منه، حتى يستحمل الجلوس فى المستشفى وتتحسن نفسيته، لكن نأخذ احتياطتنا جيدًا..كلمات يحرص عليها الطبيب أن يقولها للمرضى فى محاولة لطمأنتهم فيقول إنه على قدر الإمكان يقول لهم «المرض قضاء الله وقدره وأنهم أفضل من غيرهم وأعراضهم بسيطة والفيروس منتشر فى العالم بالإضافة الى توفير طلباتهم من الخارج حتى لا يحسوا إنهم فى منفى». لكن هناك حالات تتطلب مجهودًا مضاعفًا من الطبيب هى الأطفال: الموضوع صعب فى التعامل خصوصا أن الطفل يجلس لوحده خائفا فنتواصل مع أهله للحديث معه، ونترك أرقام هواتفنا للأمهات للاتصال بنا للاطمئنان على أطفالهن، ولو فيه مشكلة بلغتنا بها أم الطفل بنأخد بالنا منها الطفل مش بيكون قادر على التعبير عن نفسه فنتواصل مع أمهاتهن. خلال عمله طوال 14 يومًا، استقبل الطبيب مايقرب من 250 مريضا، بلغت نسبة الشفاء من 30 إلى 40% دون أى حالات وفاة. ويفسر الطبيب أن هناك نوعين من الحالات الأولى بدأت تناول بروتوكول علاج وزارة الصحة ومنها عقار الكلوروكين، والتامفلو والباندول، فى مستشفيات العزل، والثانية تبدأ بروتوكول العلاج فى المستشفى. يحرص الأطباء على راحة مرضاهم قدر الإمكان فيتركوا لهم مساحات آمنة للتحرك فيها شرط ارتداء الكمامات: لا يوجد مشكلة فى اختلاطهم مع بعض، والمشى خارج الغرف، لو تركناهم داخل الغرفة فترة طويلة الناس تزهق ويتوتروا بيخرجوا لابسين ماسكات وملتزمين، خصوصًا أن شفاء المرضى فى فترة تصل 14 يوما وقد تتعدى 21 يومًا. «فريد» من قيادة المستشفى إلى العزل المنزلى مع زوجته فجأة وجد الطبيب أحمد فريد نفسه يترك زواجه الحديث ليقود فريقا طبيا بمستشفى أهل مصر لعلاج المصابين بفيروس كورونا وسط مخاطر إصابته بالفيروس الذى قد يعيقه عن العودة لزوجته ثانية. يروى الطبيب خلال لقائنا معه لحظة اتخاذ قرار مغادرته إلى المستشفى تاركا زوجته قائلًا: أنا متزوج حديثا نهاية شهر فبراير، والدى ووالدتى وزوجتى كانوا رافضين القرار لكنهم تقبلوا الأمر فى النهاية بعد الإلحاح عليهم. بعد أن قضى فترة داخل مستشفى الحجر، عاد الطبيب لمنزله ليعزل نفسه بالمنزل 14 يومًا كإجراء وقائى متبع واجه صعوبة أخرى فى إقناع زوجته بعدم العزل المنزلى معه: محتاج اتعزل 14 يوما بعد الخروج من هنا وزوجتى رافضة إنى اتعزل لوحدي، ومصممة إنها تيجى تقعد معى ال14 يوما وسأوافق على ذلك مضطرا، مشيرا بابتسامة إلى أن زوجته أصرّت على قضاء فترة العزل المنزلى معه. فور إبلاغ أحمد فريد طبيب مقيم عظام فى مستشفى المطرية، بأمر العزل، توجه فورًا إلى مستشفى أهل مصر، وقال إنه جهز المكان لاستقبال الحالات المصابة، ومنذ تشغيل المستشفى قبل 14 يومًا تم استقبال حوالى 225 حالة معظمها حالات بسيطة، خرج منهم حوالى 65 بعد تعافيهم. ليلًا تقابلنا مع الطبيب فى الحجر وجدناه وزملاءه بعد المرور على المرضى يجلسون فى مكتبه لكتابة نتائج عينات المرضى ومراجعة التقارير الطبية الخاصة بهم فيقول إنه لا ينام سوى 5 ساعات ويبدأ يومه من الصباح الباكر، بالمرور على المرضى وسحب العينات الجديدة من المرضى، وانتظار نتائج عينات اليوم السابق وإبلاغ المرضى بنتائج عيناتهم فى غرفهم، وتسكين كل مريض فى الطابق الملائم لحالته الصحية، وينهى يومه بالمرور على المرضى بعد الإفطار. ويوضح الطبيب أن المستشفى يستقبل الحالات الخفيفة من المصابين بكورونا، ولا يوجد به رعاية مركزة أو أجهزة تنفس صناعى وفى حال تعب الحالات يتم تحويلها لمستشفيات عزل خارجية تابعة لوزارة الصحة، حيث تم تحويل حالتين فقط منذ بداية فتح المستشفى كمستشفى لعزل الحالات الخفيفة. وعن شعوره عند التعامل مع المريض بابتسامة قال: أكيد بيكون فيه قلق لكن ده واجبنا وقدرنا إننا نكون متواجدين فى هذا المكان لحماية شرف المهنة وعلينا حمايته، لازم نكون واقفين وثابتين من أجل الناس اللى فى ظهرنا وأهلنا وده دورنا ومستعدين للقيام به والتضحيات منا كل يوم وبنسمع عن خسائر فى الطاقم الطبي، بس ده قدرنا وربنا يعينا ويرفع البلاء عن الجميع. يزيد الطبيب الشاب من إجراءاته الاحتياطية قبل الصعود لطوابق المرضى: ارتدى الواقيات الشخصية كاملة وبقدر الإمكان بيكون فيه مسافة آمنة بيننا وبين المريض عند التعامل أو الحديث معه، وحتى لما بنزل من فوق بيتم التخلص من الواقيات والتطهير بمياه ساخنة وكحول وصابون. وبطبيعة عمله يرصد الطبيب حالات غريبة فيقول إن بعض المرضى بعد التحسن ونتائج عيناتهم تكون سلبية وفى انتظار آخر مسحة تأتى إيجابية ثانية وغالبا يكون سبب ذلك تحور فى الجين الخاص بالفيروس أو أمر له علاقة بالمناعة، وبعض العينات تكون «سلبى خاطئ» ربما لأخذ التحليل بطريقة خاطئة وتكرر ذلك مع مرضى كثيرين «بيكون تحاليلهم سلبى وتصبح إيجابية ثانية وفيه ناس بتكون نتيجة تحاليلهم إيجابية 5 مرات متتالية لحين أن تتحول لسلبية. لكن الطبيب يرصد صعوبة فى تقبل المرضى لما يقدمونه لهم: هناك صعوبة جدا فى التعامل مع المرضى نحاول نمتص الشخص المريض بقدر الإمكان بنضع نفسنا مكانهم قبل الدخول لهم، ومقدرين وضعهم وبنسمع كتير كلام يضايق من المرضى وشتايم بس لازم نتحمل ذلك لأنه فى النهاية هما مرضى وفى وضع صعب.