رعب اجتاح العالم خلال الشهرين الماضيين، بمجرد الإعلان عن انتشار فيروس «كورونا الجديد» فى مدينة ووهان الصينية، وما أن بدأ الإعلان عن ارتفاع نسب الإصابة والوفيات وظهور حالات فى العديد من دول العالم، إلا وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن تفشى الفيروس يشكل حالة طوارئ صحية تثير قلقًا دوليًا.. ومع تصاعد المخاوف عالميًا، لاتزال الكثير من الأسئلة تُطرح حول الفيروس الجديد، بداية من مصدره وأعراضه وحتى طرق الوقاية منه؛ خاصة فى الوقت الذى لم يتم التوصل إلى علاج فعال له، ومن هنا كان هذا الحوار مع البروفيسور المصرى د. على محمد زكي، الأستاذ بقسم الميكرو بيولجى الطبى بكلية طب عين شمس، ومكتشف الجيل السادس من «كورونا» فى السعودية عام 2012، وأطلق عليه -آنذاك- فيروس كورونا الشرق الأوسط (MERS-CoV). «الأخبار» طرحت الكثير من الأسئلة على البروفيسور المصري، للتعرف عن قرب على طبيعة «كورونا» وبداية ظهوره، ومدى خطورة الفيروس الجديد. فى البداية.. ما فيروس كورونا؟ - الكورونا مجموعة من الفيروسات اشتقت اسمها من شكلها تحت المجهر الإلكتروني، فهى مستديرة ويخرج من سطحها بروز تشبه الجواهر وكأنها «تاج»، ومن هنا اشتق اسمها والذى يعنى باللاتينية «التاج أو الهالة». هذه المجموعة من الفيروسات التاجية أو «الكورونا فيروس»، تسبب الكثير من الأمراض للحيوانات، لكن 6 منها فقط هى التى تصيب الإنسان، وما ظهر مؤخرًا فى ووهان الصينية هو السابع. إذن سارس هو كورونا.. أم هناك اختلاف بينهما؟ - السارس فيروس وهو جزء من عائلة فيروسات كورونا، وتحديدًا «Beta Corona Virus»، التى تصيب الإنسان، وهذه المجموعة تتضمن «السارس»، و»كورونا Mers» أو ما يعرف بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية الفيروسية، والذى اكتشفته فى السعودية عام 2012، وأخيرًا فيروس «كورونا 2019»، والذى ظهر فى ووهان الصينية قبل نحو شهرين. وبلغت نسب الوفيات به 10% من إجمالى عدد المصابين، فهو أول فيروس خطير من مجموعة كورونا يصيب البشرية، وانتهى الوباء فى 2003، بحسب ما أعلنت منظمة الصحة العالمية بدون علاج أو أمصال، فقط باتباع إجراءات مكافحة العدوى فى المستشفيات بداية من ارتداء الكمامات، وغسل الأيدي، وعزل المصابين. ومنذ هذا الوقت لم يتوقف العلماء على دراسة الفيروس، والذى اكتُشف أن مصدره سوق للحيوانات البرية الحية فى «جواندونج»، بالضبط مثل سوق «ووهان» مصدر الفيروس المستجد، وبعض هذه الحيوانات كالقطط تعمل كوسيط لنقل الفيروس للإنسان من الخفافيش، وهى المصدر الأصلى لفيروس كورونا. لماذا الخفافيش تحديدًا هى مصدر الأوبئة؟ - لأن الخفافيش لديها قدرة على التكيف مع الفيروس، بحيث يستوطن داخلها وينتقل منها لحيوانات أخرى أو حتى للإنسان، وهى لا تتأثر به أو يتسبب فى موتها، حيث يظل الفيروس فى دمها أو يحمله لعابها دون تأثير عليها، ويختلف جهاز المناعة لدى الخفاش عن الإنسان فيسمح له بإفراز كمية من المواد المضادة للفيروسات تحميه وفى ذات الوقت يظل الفيروس مستوطنًا داخله. وما مدى صحة انتشار الفيروس الجديد بسبب «حساء الخفافيش»؟ - لا أعتقد ذلك، فالفيروس يحتاج إلى بيئة معينة للانتقال إما عن طريق التعامل المباشر من الإنسان، أو حتى دم الحيوان عند ذبحه، ولكن بمجرد تعرض أى نوع لحم للطهى تُقتل الفيروسات، ومياه الحساء تتعرض للغليان وبالتالى لا سبيل لبقاء الفيروس. تتشابه بعض أعراض الكورونا مع الإنفلونزا الموسمية.. كيف يفرق المريض بينهما؟ - هناك اختلاف كبير بين الكورونا والإنفلونزا، فكل منهما فيروس ينتمى لمجموعة مختلفة عن الأخرى، وأعراض كليهما تكون فى إصابة الجهاز التنفسي، بالرشح والزكام وارتفاع درجة الحرارة، وفى الحالات المتطورة من الإنفلونزا قد يصاب المريض بالتهاب رئوي، وهو يصيب أيضًا مصابى «كورونا»، ولكن لا يمكن التفريق بينهما إطلاقًا بالصورة الإكلينيكة، فقط الفحوصات المخبرية ببساطة «لازم عينة وتحليل». ومتى وأين تم اكتشاف فيروس كورونا عالميًا؟ - بحسب دراسة «الساعة الوراثية « للفيروس، فإن عائلة «الكورونا» مكتشفة قبل نحو 8 قرون، وتحديدًا فى عام 1200م، ولكن بدأ التعرف عليها كفيروسات من ستينيات القرن الماضى، مع البحث عن مسببات نزلات البرد فى إنجلترا، وكانت فى أغلبها فيروسات بسيطة يقتصر تأثيرها على بعض الرشح عند الإنسان. حدثنا عن تفاصيل اكتشافكم لفيروس «كورونا» الشرق الأوسط أو «كورونا Mers»؟ - فى 2012 كنت أعمل فى مستشفى سليمان فقيه بالسعودية، وحضرت حالة لمريض يبلغ من العمر 60 عامًا، مصاب بالتهاب رئوى حاد، وأجريت العديد من الاختبارات للتعرف على الفيروس المصاب به، وأرسلت العينات لمعمل فى هولندا، واكتشفت إصابته بنوع جديد من فيروسات كورونا، أُطلق عليه «كورونا MERS». لماذا الصين هى مصدر الأوبئة العالمية.. بداية من سارس وحتى كورونا؟ - ثقافة البشر وحياتهم هى التى تؤثر على انتشار الفيروسات، والصينيون يلجؤون كثيرًا للمناطق البرية لاصطياد الحيوانات كالقطط والخفافيش وينقلونها إلى المدينة بفيروساتها، ويتناولونها كوجبات غذائية، بحسب عاداتهم، وإذا لم يحدث ذلك ما كان لتلك الفيروسات سواء سارس أو كورونا أن تنتقل إلى الإنسان من الأساس، والحال نفسه ينطبق على أفريقيا عند اللجوء إلى لحوم حيوانات الغابات «الطرائد» انتشر فيروس «الإيبولا» ومصدره هو الآخر الخفاش. وهل إغلاق سوق ووهان حاليًا سيحد من انتشار المرض؟ - إغلاق السوق حاليًا بلا قيمة، ولن يؤثر على انتشار الفيروس من عدمه، لأن الفيروس انتقل بالفعل من الحيوان إلى الإنسان، فالحيوان كان مجرد وسيط لنقل المرض، وانتقال العدوى أصبحت من إنسان لإنسان مباشرة. لماذا لم يتم اكتشاف مصل أو دواء للمرض حتى الآن.. وهل الأمر بهذه الصعوبة؟ - ليس صعبًا خاصة مع التكنولوجيا الحديثة، وإنما بحاجة للكثير من الوقت، لأن التوصل إلى علاج أو مصل له برنامج أو خطة علمية محددة لابد من اتباعها، بداية من الاختبارات المعملية، واختباره على الحيوانات ثم الانتقال إلى حيوانات أكبر حجمًا، وبعدها اختباره على عدد محدود من المرضى ثم تبدأ الدائرة فى الاتساع، إلى أن يتم التأكد من فاعلية الدواء ويصبح متداولاً للعلاج. أخيرًا.. ما طرق الوقاية من الفيروس الجديد؟ - لابد من رفع الوعى الصحى لدى المواطنين، وتكون طرق الوقاية بإجراءات النظافة، من غسل اليدين وهو مهم للغاية، وتجنب الأماكن المزدحمة، واستخدام الكمامات كوقاية شخصية فهي تحمي من الإصابة حتى ولو بنسبة 40% كحد أدنى، على الأقل حماية من الرذاذ الذى يحمل الكثير من الفيروسات، ومن المهم أيضًا استخدام مناديل عند العطس أو الكحة وإلقاؤها فى سلة مهملات، فضلا عن استشارة الطبيب بالتأكيد عند الشعور بالتعب.