تنطلق الانتخابات العامة الإسبانية، غدا الأحد 27 أبريل، في صراع قوي بين الأحزاب السياسية وبرامجها؛ للسيطرة على رئاسة الحكومة والفوز بمنصب رئيس الوزراء الثامن في حياة الديمقراطية الاسبانية؛ بينما توقفت الحملات الدعائية منذ أول أمس طبقا لضوابط قانون الصمت الانتخابي. جاءت هذه الانتخابات بعد إعلان رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيث، تقديم الانتخابات العامة إلى ٢٨ إبريل، عقب فشله في تمرير الموازنة العامة لعام ٢٠١٩ في البرلمان الاسباني؛ لتكون بذلك أقصر حكومة شهدها تاريخ إسبانيا السياسي بعد استمرارها في مده الحكم ثمانية أشهر فقط منذ إعلان موعد الانتخابات المبكرة.
الانتخابات في إسبانيا الثالثة خلال ٤ سنوات تعد انتخابات ٢٨ إبريل هي الثالثة خلال أربع سنوات" وهي المرة الأولى التي يصوت فيها الشعب الإسباني في انتخابات عامة في فتره قصيرة؛ حيث عقدت الأولى في ٢٠ ديسمبر ٢٠١٥، والثانية في يونيو ٢٠١٦؛ بعد عدم الاتفاق بين القوى السياسية لتشكيل حكومة؛ ثم في يونيو ٢٠١٨؛ عندما حجب البرلمان الثقة من ماريانو راخوي رئيس الوزراء حينئذٍ؛ ونجح سانشيز للمرة الثانية في تاريخ إسبانيا الديمقراطي في سحب الثقة وتولي رئاسة الحكومة. صراع القوى السياسية لم ينجح في كسب تأييد معظم الإسبان لبرنامج محدد لأي حزب منهم؛ وإن كان هناك تخوف من تصاعد شعبية حزب بوكس « VOX » اليميني المتطرف الملقب ب"الحصان الأسود"؛ وارتفاع شعبيته خاصة بين فئة المثقفين، والكتاب، والجيش؛ فهو نفس الحزب الذي يشارك في حكم الأندلس الأن بالائتلاف مع حزبين أخريين بعد أن نجح مؤخرا في نشر أفكاره المغايرة للأحزاب الأكثر شهرة؛ رغم التعتيم الإعلامي عليه أحياناً والهجوم الشرس ضده من كل الأحزاب والإعلاميين أحياناً أخرى؛ فنسبة مقاعد هذا الحزب فى الإنتخابات؛ سيكون لها تأثير مباشر على شكل الحكومة القادمة؛ سواء بعد يوم الأحد المقبل، أو إعادة الإنتخابات في يونيو، أو يوليو المقبل؛ ومن المتوقع فى الحالتين أن يكون لهذا الحزب دور هام فى الشكل النهائى لنتيجة الإنتخابات، والتشكيل الحكومى اللاحق لها.
الصراع أقوى من حسم الانتخابات في إسبانيا وتوقع المحلل السياسي هشام الصدر؛ أن نتيجة الانتخابات لن تشهد فوز حاسم لحزب بعينه؛ ومن ثم فشلهم في تكوين إئتلاف لارتفاع حدة الصراع بينهم، وهو ما يسفر عن إعادة للانتخابات؛ على الرغم من أن غالبية استطلاعات الرأي لمراكز الإحصاء في إسبانيا أيدت نتائجها لفوز الحزب البيسوي الاشتراكي. وفي هذا السياق أجريت المناظرتان اللتان كانت أبطالها الأربعة أحزاب الكبيرة بين بابلو كاسادو مرشح حزب « PP » اليمينى، وبدرو سانشيث مرشح حزب « PSOE » الإشتراكي. وألبرت ريبيرا مرشح حزب « C's » الوسطي، واخيرا بابلو إيجليسياس مرشح حزب « Podemos » الشيوعي؛ بعد أن تم استبعاد حزب اليمين المتطرف؛ وهوالمرشح الخامس منها لأن حزبه غير ممثل فى البرلمان حالياً طبقاً للقواعد.
عقدت المناظرتان في ظروف هي الأصعب فى تاريخ البلاد الحديث؛ فهناك صيحات تطالب بانفصال بعض الأقاليم عن الدولة؛ وأخرى تطالب بإنهاء الملكية والتحول إلى الجمهورية، أو بتقليص مميزات الملك وأسرته على الأقل؛ إضافة للأزمة الإقتصادية والظروف المعيشية وارتفاع الضرائب، وارتفاع معدل البطالة؛ وأيضاً مشكلة تنامي عدد المهاجرين؛ وأزمة ال"بريكست" وعلاقة إسبانيا ببريطانيا؛ وكذلك قضايا المرأة وغيرها من المشاكل الإجتماعية المزمنة. فطالب جميع المرشحين بتحد وإصرار من المرشح الإشتراكي الحاكم حالياً لاكثر من مرة؛ بإجراء هذه المناظرة؛ وكان يتفاداها ويرفضها إلى أن اضطر لقبولها. فى المناظرة الأولى كان هجوم كاسح من ألبرت ريبيرا مرشح حزب سيتادانوس الوسطي على بدرو سانشيث مرشح حزب « PSOE » الإشتراكي الحاكم حالياً والفائز حتى الآن فى كل إستطلاعات الرأي؛ وهو الهجوم الذي لم يتمكن من صده أو الإقناع بعكسه. وفى المقابل ظهر بابلو إيجليسياس مرشح حزب « Podemos » كوصيف وحليف أمين لحزب « PSOE » ؛ وأخيراً ظهر بابلو كاسادو مرشح حزب « PP » مبالغاً فى حذره أثناء المناظرة؛ وهو ما جعله يبدو ضعيفاً. وكان الانطباع العام لدي الاسبان هو تفوق ألبرت ريبيرا -الوسطى؛ يليه بدرو إيجليسياس -الشيوعي؛ يليه بدرو سانشيث الاشتراكي؛ ثم بابلو كاسادو اليميني.
كيف عرضت الأحزاب الأربعة آرائهم قبل الانتخابات في إسبانيا؟ ورغم تأكيد الأربعة أحزاب على نفس آرائهم ومواقفهم في المناظرة الثانية؛ إلا أن أسلوب عرضهم قد اختلف؛ فظهر بابلو كاسادو مرشح الحزب اليمينى « PP » بشكل مختلف عن المناظرة السابقة؛ فكان أكثر جرأة وإقناعاً ببرنامجه الانتخابي عن المناظرة السابقة في حين نهج ألبرت ريبيرا مرشح حزب الوسط « C's » منهجاً هجومياً عنيفاً ضد باقى المرشحين؛ وهو ما أفقده قليلاً من الحكمة والقدرة على الإقناع. وفي المقابل ظهر بابلو إيجليسياس مرشح الحزب الشيوعي « Podemos » بنفس الثبات ونفس الأسلوب؛ كما في السابقة؛ أما بابلو سانشيث مرشح الحزب الإشتراكي « PSOE » ؛ فقد كان ضعيفاً في ردوده التي كذب المتناظرين الثلاثة معظمها؛ وبالتالي تفوق فيها بابلو كاسادو -اليمينى؛ يليه بدرو إيجليسياس -الشيوعي-؛ ثم ألبرت ريبيرا -الوسطي؛ واخيرا بدرو سانشيث -الإشتراكي-. وتوقع المحلل السياسي هشام الصدر؛ احتمال الائتلاف بين الإشتراكي ومواطنون رغم خلافاتهم الشديدة؛ لرغبة الإشتراكي في الحكم؛ ولرغبة مواطنون التمرس فى الحكم الذي لم يمارسه من قبل؛ كذلك في حال صوتت الفئة الصامتة والمقدرة بنسبة تتراوح بين ٢٥٪ إلى ٤٠٪؛ لصالح الاحزاب اليمينية؛ فالمؤكد وقتئذ هو تحالف الثلاثة معا للاطاحة باليساريين والإنفصاليين.
وأخيرا الاحتمال الذي ترجحه نتائج استطلاعات الرأي هو الائتلاف بين الحزب الإشتراكي والحزب الشيوعي وأحد، أو بعض الأحزاب الانفصالية لتمكين الحزب الإشتراكي من الحكم وإبعاد اليمنيين بكل طوائفهم.