كما يبدأ اللاعبون فى المباريات بالإحماء، بدأت أحداث السياسة الداخلية الأسبانية فى العام الجديد، بما يمكن وصفه بالإحماء قبل المواجهات العنيفة المتوقعة، فى صراع الأحزاب على الحكم، وعلى فرض هيمنتها على الأقاليم السبعة عشر المكونة للمملكة. فبينما تُسَخر الحكومة المكونة من الحزب الإشتراكي العمالي الاسباني PSOE كل ما لديها من أجهزة الدولة لدعم موقفها المتدهور شعبياً، يُجري السكرتير العام الجديد للحزب الشعبي PP لقاءات جماهيرية مكثفة ومتعاقبة مع أنصار حزبه في كل مكان وفى كل مناسبة، ليبث فيهم الثقة المُفتقدة، بعد سلسلة الفضائح التى تسببت فى الإطاحة بالحزب وسكرتيره السابق من رئاسة الحكومة منذ شهور. وفى الجهة الأخرى، يقوم قادة حزب مواطنون C's الصاعد بقوة وبسرعة فى أنحاء أسبانيا، بإستغلال اللقاءات الإعلامية التى تلاحقهم فى كل مكان، لنشر توجهاته وآرائه. أما حزب قادرون Podemos الذى نجح فى إستقطاب كثير من اليساريين على إختلافهم فى فترة قياسية، فيعتمد سكرتيره العام على مناقشات البرلمان أساساً، ونشر مقاطع خطاباته هو وزملائه بكثافة على شبكات التواصل الإجتماعي. وأخيراً يأتي الحزب الأحدث، صوت الشعب VOX بتقنية التظاهرات، بهتافاتها الصاخبة ولافتاتها المثيرة فى الشوارع والميادين، ليكتسب شعبيته من خلالها. هذا عن الأحزاب الأسبانية الدستورية، أي كاملة الولاء للدولة الأسبانية بدستورها القائم منذ أربعين سنة، أما الأحزاب الإقليمية، سواء الإنفصالية منها أو الداعية للجمهورية بدلاً من الملكية، فبداخل كل إقليم، ينتهجون مناهجاً شبيها بما تنتهجه الأحزاب الدستورية فى أسبانيا ككل. كُلٌ حسب إمكاناته وقدراته داخل حدود إقليمه. الملفت للنظر، أن مركز الأبحاث الإجتماعية CIS وهو مركز تابع للحكومة أياً كانت توجهاتها والحزب الذي يرأسها. وأيضاً هو المركز المنوط به عمل إستبيانات الرأي حول كل شؤون الدولة ودراستها وتحليلها، قد نشط مؤخراً منذ تولي حكومة PSOE زمام الدولة، لكنه وعلى غير المعتاد، أخطأ فى معظم نتائجه المُعلنة، حتى باتت باقي الأحزاب ومعها الإعلاميون يضجون ويشكون، بل ويتهمونه بأنه يُدلس للتأثير على الرأي الشعبي العام لمصلحة الحزب الحاكم فى أي إنتخابات تجري، والذي زاد من قسوة إتهاماتهم للمركز، كانت نتائج إنتخابات إقليم الأندلس التى أُجريت مؤخراً، وأسفرت عن عكس كل ما أعلنه المركز قبل الإنتخابات بساعات. آخر إستطلاع رأي أعلن عنه مركز الأبحاث الإجتماعية CIS صدر صباح أمس "الجمعة"، وقد وضعت نتيجته بدرو سانشِث رئيس الحكومة الحالي والمنتمي لحزب PSOE على رأس السياسيين المُفضَلين لدى الناخب الأسباني. كما وضع الحزب الإشتراكي العمالي PSOE كأكثر الأحزاب شعبية، يليه الحزب الشعبي PP يليه حزب مواطنون C's يليه حزب قادرون Podemos وأخيراً حزب صوت الشعب VOX وهي النتيجة التى جعلت كافة السياسيين ومعظم الإعلاميين يسخرون مجدداً من مركز الأبحاث ومن الحكومة التى تشرف عليه. حيث أن لكل حزب مركزاً خاصاً لنفس الدراسات، وكلهم أعطوا نتائج مختلفة عما أعلنه المركز الرسمي. وبعيداً عن كل هذا؛ لا تزال المفاوضات بين الأحزاب اليمينية الثلاثة الفائزة بمجموع أصواتها فى إنتخابات إقليم الأندلس الأخيرة على أشدها من أجل الوصول لصيغة توافقية حول عدد الحقائب الوزارية التى سيتولاها كل حزب منهم فى حال إتفاقهم، لحكم الإقليم الأندلسي، والذي يعتبر عادةً، الإقليم "الترمومتر" لتوجهات الناخب الأسباني. وقد وضح ظهور خلاف كبير بين حزبين منهما، وهما مواطنون C's وصوت الشعب VOX حين قرر حزب مواطنون C's عدم التفاوض مع نظيره صوت الشعب VOX والإكتفاء بالتفاوض مع الحزب الشعبي PP فقط. كما وضح كذلك إصرار حزب صوت الشعب VOX على تحجيم بعض الحريات والحقوق المبالغ فيها من وجهة نظره. ويجدر التذكير هنا، بأن هذا الحزب منعوت من منافسيه بأنه حزب يمينى محافظ متشدد وعنصري، إذاً؛ هي بدايات لا تزال فى طور الإحماء. لكنها تشي بأحداث كبيرة. سيتوالى ظهورها خلال هذا العام.