القاصد يهنئ محافظ المنوفية بانضمام شبين الكوم لشبكة اليونسكو لمدن التعلم 2025    وزارة الداخلية تحتفل باليوم العالمي لذوى الإعاقة وتوزع كراسى متحركة (فيديو وصور)    برلمانى: التسهيلات الضريبية الجديدة تعزز ثقة المستثمرين وتدعم القطاعات الإنتاجية    مطار القاهرة يستقبل المطربة هديل ماجد من ذوي الهمم    استقرار سعر صرف الإسترليني أمام الجنيه فى البنوك المصرية    بالأسعار، الإسكان تطرح أراضي استثمارية بالمدن الجديدة والصعيد    مساعد الرئيس الروسي يصف نبرة الاجتماع الروسي الأمريكي الأخير بأنها بناءة وودية    فلسطين ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارات داعمة لقضيتها    الصين: نساعد فى تحسين الوضع الإنسانى فى غزة وتخفيف معاناة الفلسطينيين    صحيفة المنتخب المغربية: مواجهة البرازيل بذكريات 98    عدنان أبو حسنة: تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتجديد تفويض الأونروا تاريخي    كأس العالم - حسام حسن: وقعنا في مجموعة متنوعة.. ولدينا طموح للوصول لأبعد مدى    "معتز بالله عاصم" لاعب أندية وادي دجلة ومنتخب مصر للتايكوندو يتوج بالميدالية الذهبية في بطولة العالم تحت 21 عامًا    بالأسماء، إصابة 4 أشخاص صدمتهم سيارة ملاكي في المنصورة    مكاتب البريد تتيح إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    دولة التلاوة.. طه عبد الوهاب لمتسابق: دعك من اللجنة والناس وركز مع رب الناس    ورشة حكي تحتفي بعالم نجيب محفوظ في مكتبة مدينة الشروق    بعد ترند «يوتيوب».. رامي جمال يشكر صناع ألبوم «مطر ودموع»    دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة    عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة يوضح أسباب تفشّي العدوى في الشتاء    10 وحدات جديدة للكشف عن بُعد بالوادي الجديد    ننشر قسيمة زواج بوسي تريند البشَعة بالإسماعيلية ( خاص )    مراد مكرم : قعدت يومين مش عارف أنام بعد «ورد وشوكولاتة»    غارة أمريكية تقتل عميلا سريا في سوريا.. ما علاقة تنظيم «داعش»؟    رئيس اليمن الأسبق يكشف عن إهدار الفرص السياسية.. وإجبار سالم ربيع على الاستقالة    بالأسماء.. تعرف على ال 6 متنافسين فى حلقة اليوم من برنامج دولة التلاوة    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    من بينهم ترامب.. 3 رؤساء حاضرون في قرعة كأس العالم    حافظوا على تاريخ أجدادكم الفراعنة    وزارة العمل: وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    تفاصيل تخلص عروس من حياتها بتناول قرص حفظ الغلال بالمنيا بعد أشهر قليلة من زوجها    مصر تخطط لوصول الأسطول التجاري البحرى إلى 40 سفينة عام 2030    تأجيل محاكمة طفل المنشار وحبس المتهم بالاعتداء على طالب الشيخ زايد.. الأحكام × أسبوع    إصابة سائقين وسيدة بتصادم توك توك وتروسيكل على طريق شارع البحر بمدينة إسنا.. صور    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    الزمالك يترقب قرار اتحاد الكرة بشأن قضية زيزو.. واللاعب يجهز للتصعيد    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    اختيار مشروع جامعة عين شمس ضمن مبادرة "تحالف وتنمية" لتعزيز الأمن الغذائي وتوطين الصناعة    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    جامعة الإسكندرية تحصد لقب "الجامعة الأكثر استدامة في أفريقيا" لعام 2025    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    وسام أبو علي: نسعى للفوز على سوريا وسأبقى مع فلسطين حتى النهاية    سلوت: محمد صلاح لاعب استثنائي وأفكر فيه سواء كان أساسيًا أو بديلًا    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    ضبط 1200 زجاجة زيت ناقصة الوزن بمركز منفلوط فى أسيوط    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    مصر ترحب باتفاقات السلام بين الكونجو الديمقراطية ورواندا الموقعة بواشنطن    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير| «أدب الرسائل» يحظى باهتمام ثقافي رغم تحديات العصر الرقمي
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 15 - 09 - 2018

رغم أن "أدب الرسائل" يواجه تحديات جمة في العصر الرقمي بإيقاعاته فائقة السرعة، فإن هذا الجنس الأدبي مازال موضع اهتمام في الثقافات المتعددة حول العالم.
وها هي المكتبة الغربية تستقبل كتابا جديدا في أدب الرسائل بعنوان "رسائل غيرت العالم"، فيما ينوه الكاتب البريطاني ترافيس ايلبورغ بأن كتابه محاولة لإعادة الاعتبار "للرسائل كفن وجنس أدبي يتعرض للنسيان تحت الغبار الالكتروني في العصر الرقمي".
وكتاب "رسائل غيرت العالم" الذي يحظى باهتمام واضح في الصحافة الثقافية الغربية هو ثمرة جهد ثقافي لترافيس ايلبورغ الذي ولد عام 1971 ونجح في جمع وتوثيق مقتطفات من رسائل أدباء ومفكرين وفنانين وعلماء غيروا العالم بأفكارهم وابداعاتهم وانجازاتهم.
وفي كتاب "رسائل غيرت العالم" يطالع القاريء أكثر من 60 رسالة لشخصيات من مشاهير العالم ونوابغ الانسانية في مجالات متعددة من بينها الأدب والفلسفة والعلم والسياسة؛ مثل البير كامو وجورج اورويل والبرت اينشتاين وكارل ماركس وايميلين بانكيرست وونستون تشرشل ونيلسون مانديلا.
وعلى سبيل المثال يتضمن هذا الكتاب الجديد رسائل بعث بها الأديب والفيلسوف الفرنسي البير كامو لصديق ألماني إبان الحرب العالمية الثانية لتحمل أفكار ورؤى هذا الفيلسوف الوجودي والكاتب المسرحي والروائي الذي ولد في السابع من نوفمبر عام 1913 في قسنطينة بالجزائر وقضى في الرابع من يناير عام 1960.
وفي رسائله لصديقه الألماني يتحدث النوبلي كامو الذي انخرط في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني عن "سرطان التعصب والتطرف الذي يلتهم المشتركات الإنسانية"، ويمتدح "مغامرة الروح الإنسانية والنضال من أجل عالم يتسع للجميع".
ورغم أن البير كامو كتب هذه الرسائل في خضم سنوات النار والدمار في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، فإنه بدا متفائلا بإمكانية تحقيق حلمه في بناء "البيت الأوروبي المشترك"، وهي الفكرة التي تواجه الآن تحديات عصيبة في ظل صعود النزعات الشعبوية لليمين الأوروبي المتطرف وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وسواء في ما يتعلق برسائل كامو أو غيره من الشخصيات في هذا الكتاب، فإن تلك الرسائل تعبر عن رؤى أدباء وفلاسفة وساسة وعلماء بشأن قضايا جوهرية تهم الإنسان في كل زمان ومكان كالحق والعدل والحب.
وهكذا احتفى الكتاب برسالة وجهها الصحفي الأمريكي رون ريدنهور عام 1969 لأعضاء الكونجرس للتحقيق في وقائع مذبحة ارتكبتها القوات الأمريكية في فيتنام وعرفت بمذبحة "ماي لاي" باعتبارها "رسالة كسرت الصمت المروع حول مذبحة مروعة".
وفي هذه الرسالة ، استشهد الصحفي الأمريكي رون ريدنهور بمقولة السياسي البريطاني الشهير والكاتب النوبلي ونستون تشرشل: "أمة بلا ضمير هي أمة بلا روح, وأمة بلا روح هي أمة لا يمكنها أن تستمر حية".
وبالتزامن مع هذا الكتاب وفي إشارة واضحة للاهتمام بالرسائل كفن من فنون الكتابة والأدب تستقبل المكتبة الغربية "المجلد الثاني لرسائل سيلفيا بلاث" الذي تولى تحريره بيتر شتاينبيرج وكارين كيوكيل ويتضمن رسائل هذه الشاعرة والروائية والقاصة الأمريكية بدءا من عام 1956 وحتى قضت في بدايات عام 1963.
وسيلفيا بلاث التي ولدت في السابع والعشرين من أكتوبر عام 1932 وقضت منتحرة في الحادي عشر من فبراير عام 1963 وحصلت على "جائزة بوليتزر في الشعر تبقى أيقونة من أيقونات "الشعر الاعترافي" في الثقافة الغربية، فيما كان المجلد الأول لرسائل صاحبة المجموعة الشعرية "العملاق" قد ظهر منذ عام واحد.
وكثير من رسائل سيلفيا بلاث هي "رسائل حب" لزوجها الشاعر تيد هيوز الذي انفصلت عنه كما أن بعض الرسائل في هذا الجزء الجديد تبوح بمتاعبها الصحية دون أن تتخلى تماما عن أحلامها في حياة جديدة حافلة بالملذات التي رأت أنها زينة الحياة.
وإذا كان السفير هاني خلاف صاحب كتاب "رسائل ومحررات بخط يد المشاهير" قد أوضح أن قيامه بجمع وتصنيف الرسائل والمحررات في هذا الكتاب أمر يرتبط بعادة منذ الصغر في الاحتفاظ بما يصله من رسائل الصدقاء والزملاء والأساتذة والمحررات بخط يد المشاهير من أدباء وفنانين وصحفيين وعلماء، فإن الصبغة السياسية سمة غالبة على هذا الكتاب الذي يتضمن رسائل لعبد الرحمن عزام؛ أول امين عام لجامعة الدول العربية والدكتور محمود فوزي وزير الخارجية المصري ورئيس الوزراء الأسبق وحسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية الأسبق.
كما يتضمن هذا الكتاب الذي يعد من الاسهامات الثقافية المصرية المميزة في أدب الرسائل محررات ورسائل لوزير الخارجية الراحل أحمد ماهر وشخصيات سياسية وثقافية أخرى مثل الدكتور أسامة الباز وأحمد أبو الغيط الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية والدكتور مصطفى الفقي المدير الحالي لمكتبة الأسكندرية والراحل عبد الوهاب خلاف الذي كان عضوا في مجمع اللغة العربية والدكتور مهدي علام الأمين العام الأسبق لهذا المجمع.
وكذلك يجد القاريء رسائل ومحررات للمثقف المغربي الكبير عبد الهادي التازي والراحل الدكتور حامد ربيع الذي كان من أساطين العلوم السياسية في جامعة القاهرة والراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري صاحب الاسهامات الثقافية الكبيرة في دراسات الصهيونية، فضلا عن الإعلامي والشاعر الراحل فاروق شوشة والكاتب الصحفي الراحل محمد سيد أحمد والإعلامي الراحل احمد فراج.
ولئن كان هذا الكتاب المصري في أدب الرسائل لم يتطرق لقضايا الحب، فإن الرسالة التي وجهها الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل لزوجته ولم تفتح إلا بعد رحيله في السابع عشر من فبراير عام 2016 مازالت تأملات حول رسائل الحب لكبار الكتاب والشعراء والمفكرين الحاضرة في الشرق والغرب معا.
ووفقا لما ذكره أحمد هيكل نجل الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل فإن والده الراحل الذي ولد في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1923 لم يترك وصية بل خطابا موجها لوالدته موضحا في مقابلة تلفزيونية أن هذا الخطاب كان "عاطفيا ومؤثرا للغاية ولم نقم بفتحه الا بعد وفاته".
وكان الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة قد ذكر في سياق طرح حول الأستاذ محمد حسنين هيكل انه كان يعشق حديقة أشرف عليها بنفسه في بيته الريفي بمنطقة "برقاش"، وهي حديقة حافلة بألوان الورد البلدي وقد أقامها من أجل زوجته ورفيقة عمره السيدة هدايت تيمور.
وإذا كان أحمد هيكل لم يبح بأي تفاصيل تتعلق بمضمون "رسالة عميد الصحافة العربية لزوجته السيدة هدايت تيمور"، فإن ذكرى مرور ربع قرن على رحيل الموسيقار بليغ حمدي كانت مناسبة للحديث عن رسائل حب تتعلق بهذا الفنان المصري الكبير الذي ولد في السابع من أكتوبر عام 1931 وقضى في الثاني عشر من سبتمبر عام 1993 ونشر الكاتب الصحفي أيمن الحكيم رسائل عاطفية بين بليغ حمدي والأديبة السورية الشهيرة غادة السمان.
كما نشرت بعض الصحف ووسائل اعلام "رسائل حب" بعث بها بليغ حمدي للفنانة وردة الجزائرية التي تزوجها ووصفت بأنها "حب العمر" لهذا المبدع الموسيقي الذي كان يحلو له أحيانا أن يوجه رسائل حب لمن يحبهم عبر الأغاني التي يلحنها فيما وصف الراحلة وردة الجزائرية بأنها "أرق من النسيم وأجمل من القمر".
وواقع الحال أن رسائل الحب حاضرة سواء في الشرق أو الغرب وهي تثير الفضول دوما بقدر ما قد تشكل دليلا للمحبين في عالم يفتقر لما يكفي من الحب؛ ومن هنا وعلى سبيل المثال اهتمت الصحافة الأمريكية بشدة برسائل الحب بين الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون وزوجته باتريشيا والتي كان يسميها في فترة الخطوبة بالحبيبة الغجرية!
وثمة ست رسائل غرامية من الرئيس الأمريكي الراحل للحبيبة الغجرية تعرض للزوار لمتحف ريتشارد نيكسون بكاليفورنيا وهي الرسائل التي سمح بنشرها من بين عشرات من رسائل الحب بين الرئيس الأمريكى الراحل ريتشارد نيكسون وزوجته باتريشيا المنحدرة من أصل أيرلندي والتي قضت في شهر يونيو عام 1993.
وإذا كان الرئيس ريتشارد نيكسون قد عرف فى العالم كله كبطل "فضيحة ووترجيت" المتعلقة بالتنصت على خصومه في الحزب الديمقراطي المنافس لحزبه الجمهوري والتى اطاحت به خارج البيت الأبيض فى منتصف سبعينيات القرن العشرين، فإن هناك جوانب فى شخصيته لم يعرفها العالم بما يكفي عن الرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة الذى ولد عام 1913 وتوفى يوم الثاني والعشرين من ابريل عام 1994.
فتلك الرسائل من ريتشارد نيكسون لزوجة المستقبل باتريشيا رايان أثناء فترة الخطوبة التي استمرت عامين تكشف عن جوانب بالغة الرومانسية في شخصية رئيس مثير للجدل حتى اليوم بقدر ما كان من أصحاب الأقلام وقارئا من الدرجة الرفيعة.
وها هو في إحدى الرسائل التي يقرأها زوار متحفه ومكتبته الرئاسية بكاليفورنيا يستعيد وقائع اللقاء الأول مع الحبيبة الغجرية بكلمات بالغة العذوبة تكشف عن شخصية حالمة خطفتها السياسة فيما يبدو من الشعر الرومانسي.
وفي إحدى الرسائل يقول نيكسون لباتريشيا أو الحبيبة الغجرية التى تزوجها يوم الحادى والعشرين من يونيو عام 1940:"كل ليلة.. كل يوم.. أهيم بك شوقا وأريدك معي.. عيناي تحلمان بك وأنت لي.. يا حبيبة القلب أريدك لي ولست أنانيا ولا مريضا بالغيرة والاستحواذ؟ دعينا نذهب للجبال البعيدة.. دعينا نقرأ الكتب معا أمام المدفأة".
والرسائل حاضرة في العلاقة بين الشاعر وزوجته وحال الحب مع الشاعر وها هو دافيد بارك مؤلف كتاب: "زوجات الشعراء" يبحر في البرزخ الفاصل والرابط ما بين الواقع والخيال ويطرح أسئلة كبيرة وهامة من قبيل: "ماهية الأدب ومعناه فيما يطرح شخصيات حقيقية ويصنع شخصيات من نسج خياله"!
ولعل أفضل أجزاء هذا الكتاب هو الجزء الأول الذي اعتمد على ما كتبته كاثرين زوجة الشاعر ويليام بليك التي سعت لتخليد زوجها بقناع وإن كانت قد أخفقت في أن تحقق حلمه في الأبوة.. أنها قصة امراة ليس بمقدورها أن تقرأ رسائل الحب للشاعر حتى يخبرها كيف يثق بصورة مطلقة في صدقية رؤاه.
والشاعر الانجليزي ويليام بليك ولد يوم الثامن والعشرين من ونوفمبر عام 1757 وقضي في الثاني عشر من أغسطس عام 1827 وهو إلى ذلك رسام ونحات فيما اعتبرات اعماله علامة فارقة في الشعر والفنون البصرية للعصر الرومانتيكي.
ومن أهم اعماله الشعرية: "أغاني البراءة" و"زواج الجنة والجحيم" و"القدس" و"إلى الخريف"، وقد عانى كثيرا من شظف العيش فيما تميز شهره بحساسية عالية وخلق تفاعل بين الانسان والطبيعة ويقول نقاد أن أعماله شكلت حجر الأساس للرومانسية في الشعر.
كما أبدت الصحافة الثقافية البريطانية حفاوة بظهور المجلد الرابع من رسائل الشاعر والكاتب المسرحي الشهير "تى. اس. اليوت" وفي هذا المجلد الذي صدر بالانجليزية متضمنا رسائل الشاعر والكاتب المسرحي والناقد الأدبي الأمريكي المولد والبريطاني الجنسية توماس ستيرنز اليوت في عامي 1928 و1929 كان من اللافت فرض حظر على رسائل الغرام لهذا المبدع الحاصل على جائزة نوبل فى الآداب عام 1948.
واشار جون كريس فى جريدة "جارديان" البريطانية إلى أن مراسلات اليوت الذى قضى فى مطلع عام 1965 مع اميلي هال التى كانت تعمل مدرسة جامعية ووصفت بأنها "الحبيبة السرية لاليوت" قد حجبت ولن تنشر قبل عام 2020 دون أن يكشف محررا المجلد الرابع فاليري اليوت وجون هافيندين سبب الحجب.
ويبدو أن هذا الحجب للرسائل بين اليوت وحبيبته السرية يفتح الباب واسعا للمزيد من الظنون والتخمينات حول طبيعة علاقة صاحب "أغنية حب" و"الأرض الخراب" مع تلك السيدة الجميلة التي وصفت بأنها كانت "ملهمة الشاعر الكبير".
ومع أن اليوت حاول محو أي أثر لقصته الغرامية مع اميلى هال التى قضت عام 1969 فانه لم يتخلص من رسائل الحب التى لن تنشر قبل عام 2020 وواضح أن قرار حظر النشر اتخذته عائلة اليوت لأسباب ستكشف عنها الرسائل ذاتها عندما تنشر كاملة.
أما كتاب "رسائل لمونيكا" الذي صدر بقلم الشاعر والكاتب البريطان الراحل فيليب لاركين ونشر فى لندن فيحوى أكثر من ألف رسالة من الشاعر للمحبوبة مونيكا, والكتاب برسائله خلاصة مقطرة لمشاعر خاصة جدا ولقطات حميمة عبر مراسلات استمرت 40 عاما بين الكاتب فيليب لاركين والحبيبة التى اختارها قلبه.
والشاعر فيليب لاركين الذي رحل عام 1985 لم يتزوج أبدا وعانى في طفولته من بيئة تفتقر للدفء والحنان كما عانى من متاعب التلعثم، فيما كان على موعد مع الصمم في نهاية حياته التي اتسمت بالعزلة الاجتماعية إلى حد كبير رغم أن العديد من النقاد اعتبروا شعره من اجود ابداعات الشعر في القرن العشرين.
وكما هو الحال مع غيره من المشاهير، فإن القارىء للكتاب قد يتلمس بفضول عبر الرسائل سقطات وزلات وهفوات للكاتب والشاعر الكبير فيليب لاركين حيث تكشف الرسائل عن جوانب خفية من حياته الخاصة.
وما بين الشعور بالوحشة والغربة والبؤس والاحباط والافصاح عن الأنين بالآهات والتشكى- يمضي الكتاب فى أجواء شاعرية تحمل فى ثناياها ما يمكن وصفه بسيرة الشاعر وسيرة المحبوبة بقدر ما تحمل المتعة لمحبي قصائد فيليب لاركين.
ويكشف الكتاب الجديد عن أن العلاقة بين الشاعر الراحل ومونيكا وهو الاسم الذى كان يدلل به الحبيبة ايم فورستر شهدت منحنيات وتعرجات وهجر ووصال كما هو الحال في قصص المحبين، فهو يتحدث لها في بعض رسائله بمنتهى الحنان وفي البعض الآخر من تلك الرسائل بقسوة لا بد وأنها كانت تفعل أفاعيلها المحزنة في نفس المحبوبة.
غير أن الحب.. والحب وحده هو الذى بقى حتى النهاية كما تشهد رسالة من الشاعر لمونيكا في نهاية هذا الكتاب البالغ العذوبة.
ولا يمكن الحديث عن أدب الرسائل دون التطرق لمجموعة الرسائل الكاملة لارنست هيمنجواى كأحد أعظم الكتاب الذين انجبتهم الإنسانية وهي من تحرير ساندرا سباينر وروبرت تورجدون، فيما يقدر عدد الرسائل التى كتبها ارنست هيمنجواى بسبعة آلاف رسالة على مدى حياته التي انتهت باطلاق النار على نفسه.
وتتدفق كلمات الرسائل بعفوية وعافية وعنفوان ناطقة بعبقرية وحضور ومرح هيمنجواى وغضبه أيضا بلا تحفظات أو محاولات لكبح جماح النفس والرقابة على الذات كما تكشف الرسائل عن مشاعر الكاتب الروائي الأمريكي المبدع حيال فقد بعض مخطوطاته في عام 1922 غير أن الطريف ما تضمنه الكتاب من رسائل كتبها الطفل ارنست هيمنجواى لوالده ومن بينها رسالة كتبها وهو في الثامنة عن "بطة" فضلا عن رسائل لزوجته الأولى هادلى.
وتمضي الرسائل لتفصح عن مشاعر ارنست هيمنجواى اثناء الحرب العالمية الأولى التى اصيب فيها وعلاقته الغرامية مع الممرضة اجنيز فون كوروسكى التى تزوجها فى خريف عام 1921 وصور ملامحها فى عمله الروائي الشهير "وداعا للسلاح".
إنها رسائل ممتعة حقا وحافلة بالتفاصيل الدالة فبعضها يقدم الطفل المطيع ارنست هيمنجواى فى بيت منضبط لحد التزمت بالغرب الأوسط الأمريكى وهو يناشد أمه أن تسمح له بارتداء البنطلون الطويل مثل بقية رفاقه في المدرسة وبعضها ينطق بكرم وأريحية اسطورية لهيمنجواي ومدى تقديره لقيمة الصداقة في الحياة.
وبقدر ما تكشف الرسائل الكاملة لهيمنجواي عن شخصية جذابة وظريفة، فإنها تومىء أحيانا للشعور الكبير للكاتب بذاته بما قد يراه البعض تفخيما للذات واطراء للنفس مبالغا فيه من صاحب "العجوز والبحر".
وإذا كان البعض قد لاحظ منذ وقت طويل أن الكاتب الأمريكى الكبير سكوت فيتزجيرالد تمتع بالقدرة على التجدد فإن "صديقه اللدود" ارنست هيمنجواي كما ذهب بعض مؤرخي الأدب كان يتميز غيظا بسبب هذه القدرة المستمرة على الانبعاث والتجدد والتي تجعل شمس فيتزجيرالد تشرق دوما فيما يمر هيمنجواي بفترات كسوف وجذر.
غير أن النظرة الأكثر انصافا التي تبناها الآن فريق من النقاد في الغرب تؤكد أن ارنست هيمنجواي لم يعدم بدوره القدرة على التجدد وأنه كلما توارى كانت شمسه تشرق من جديد والأكثر أهمية أن حضوره الإبداعية كان عملاقا ولا يمكن لسكوت فيتزجيرالد أو غيره أن ينحيه جانبا ويدفعه لمنطقة الظل.
ومن هنا فعندما شعر هيمنجواي عاشق المغامرات وكوبا وباريس بشكوك حيال قدرته على الاستمرار فى توهجه الإبداعي كان لا بد لكاتب عملاق مثله إن ينتحر مثلما انتحر والده الطبيب من قبل والمولع بالصيد مثله.
وكانت بعض رسائل هيمنجواي في الفترة ما بين عامي 1917 و1961 قد ظهرت من قبل فى كتاب من ألف صفحة لكارلوس بيكر غير أنه لا بد وأن يوصف بالتواضع البالغ بالمقارنة مع هذا الصرح الجديد في مجموعة من 12 مجلدا لكاتب "روابى أفريقيا الخضراء".
انه هيمنجواي الذي جسد معنى البسالة في الكلمة والحياة وعمد لتمجيد قوة الانسان وقدراته الفذة.. رسائل صاحب "لمن تدق الأجراس؟" تشهد على أن أجراس المجد في تاريخ الأدب لا بد وأن تدق دائما لكل مخلص للإبداع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.