صعب جدا ان نبدأ الشهر الكريم بالحديث عن الغش والفساد والإفساد وضياع الضمائر، لكن هذا ما تفرضه علينا وعلى الجميع واقعة تسريب امتحانات الثانوية العامة وإلغاء الامتحان فى مادة الدين الاسلامى أول أمس!! الواقعة كارثية.. ومع ذلك فإن أول ما يستحق الوقوف عنده، هو أن يحدثك البعض سواء من المسئولين أو غير المسئولين وكأنه لا يعرف أن الامر ليس جديدا، وان التسريب والغش بمختلف الطرق أمر فرض نفسه على امتحانات الثانوية العامة بالذات منذ سنوات!! صحيح ان الأمر يزداد نجاحه عاما بعد عام، وأن الواقعة الاخيرة كانت كشفا كاملا لتغلغل الفساد داخل وزارة التعليم وتورط بعض العاملين فى هذه المأساة التعليمية، ولكن علينا ان نتذكر ان الفساد قديم ومتجذر. وفى ٢٠٠٨ كانت الامتحانات تباع على المقاهى فى بعض المحافظات فى قضية شهيرة، وقبلها وبعدها رأينا أبناء الاكابر يمتحنون فى لجان خاصة ببعض المحافظات النائية حيث توزع عليهم الاسئلة والاجابات النموذجية!! وفى السنوات الاخيرة، ومع التطور التكنولوجى عمت المأساة، وعجزت الجهود التى بذلت عن مقاومتها.. حتى وصلنا الى ما وصلنا إليه الآن!! أكثر من وزير سابق للتربية والتعليم شكا لى شخصيا من الفساد المتغلغل فى الوزارة.. بدءا من إعداد المناهج والاشراف على التعليم الخاص.. وحتى طبع الكتب المدرسية!! وبعضهم حاول الاقتراب من اعشاش الدبابير فلدغته، وبعضهم آثر السلامة حتى رحل تاركا مشاكل التعليم تتراكم، ومافيا الفساد من داخل الوزارة وخارجها تنشر فسادها فى أرض الكنانة!! يحدث ذلك فى ظل خلل كامل فى منظومة القيم التى تحكم المجتمع حتى رأينا البعض يكافح من اجل توفير أفضل سبل الغش لأبنائه!! ورأينا المقاومة الضارية لقرار وزارى أراد ان يعيد الطلبة والمدرسين للمدارس ، وان يفرض نسبة حضور ويوم دراسي، فاذا بالجميع ينتفض انتصارا لدولة الدروس الخصوصية التى يعرف الجميع انها لابد ان تقودنا الى هذا الطريق الذى يحكمه الفساد ويسوده الغش، وتوزع فيه الامتحانات قبل موعدها ومعها الاجابات النموذجية!! إننا امام إعلان رسمى بعدم صلاحية العملية التعليمية عندنا، وباستحالة استمرار الاوضاع على ما هى عليه، والمشكلة ليست سهلة والاصلاح المطلوب سوف يحتاج لتمويل هائل ولإعادة تأهيل شاملة، وقد قدر الرئيس السيسى ان الامر سيحتاج لاكثر من عشر سنوات. والمهم ان نبدأ فى الطريق الصحيح. وان نساعد فى اختصار الوقت والجهد، بحرية حقيقية ضد الفساد الذى يعشش داخل المنظومة التعليمية، وبادراك حقيقى ان اصلاح التعليم هو معركة شاملة.. تبدأ من توفير الموارد وتغيير طريقة التعليم ولا تنتهى الا بمجتمع يحكمه العقل ويدرك ان ثروته الحقيقية هى المعرفة. وبدون ذلك سوف نظل نغير وزيرا بوزير.. بينما السياسات كما هي، الغش مستمر، والفساد يعيش حيث لا تربية .. ولا تعليم!!