اختلاف الأئمة رحمة.. ولكن بعض مدّعى العلم من المتشددين والمتأسلفين يأبون إلا أن يجعلوه نقمة؛ وهو الأمر الذى يثير بلبلة شديدة بين الأميين من العامة، ففى القرى المصرية والأحياء الشعبية بالعاصمة تقترب المساجد من بعضها وتغص بالمصلين خاصة فى شهر رمضان، وعند صلاة التراويح تصبح هذه المساجد ساحة لحرب الميكروفونات الخارجية فيما بينها، وكأننا فى سوق كل إمامٍ يُنادى على بضاعته المزجاة، وهو الأمر نفسه الذى يشتت المصلين سواء فى المساجد أو فى المنازل، كما يشتت أبناءنا من طلاب الثانوية العامة الذين تصادف امتحاناتهم هذا الوقت من العام؛ وكل هذا رغم وجود تعليمات من الأوقاف بقصر استخدام الميكروفونات الخارجية على الأذان وخطبة الجمعة فقط! قضيةٌ أخرى مثيرةٌ للجدل وتُحدث الكثير من البلبلة والتشتت بين الناس أيضا لا مجال لها الآن وهى مسألة استخدام بعض المساجد أذانا واحدا لصلاة الجمعة ومعظم هؤلاء من السلفيين وأتباع الجمعية الشرعية- الذين حاولنا التحدث مع بعضهم خاصة فى القرى لكنهم أبوا الإدلاء برأيهم التحدث بحجة أنهم ليسوا أهلا للتحدث فى الدين، مع أنهم أنفسهم من يصر على تشتيت الناس بأذان واحد- واستخدام أغلبية المساجد لأذانين تأسيا بالأزهر الشريف والمساجد الكبرى وهو الأمر الذى اعتادته مصر منذ القدم.. "الأخبار" ناقشت هذه القضايا الملحة مع نموذج من أئمة المساجد من الدلتا والصعيد ومن القرى والمدن لعلنا نتفق على صيغةٍ واحدةٍ للشعائر الدينية لأن الاختلاف فى القليل يؤدى إلى اختلافٍ فى الكثير، خاصة وسط الظروف الصعبة التى تمر بها مصر. منعا للتشويش يؤكد الشيخ رجب عبد الحميد الخراشى مدير أوقاف الشهداء بالمنوفية أن الميكروفونات الخارجية ممنوعة فى صلاة التراويح وتقتصر على الأذان والخطبة فقط طبقا لتعليمات وزارة الأوقاف ولعدم التشويش على المصلين بين المساجد وبعضها خاصة لاقتراب المساجد فى القرى مشيرا إلى أن المفتشين يمرّون على المساجد بانتظام للتأكد من الالتزام بالتعليمات وأى إمام يخالف تتم محاسبته والتحقيق معه أو الخصم من راتبه. وعن مشكلة الأذان يوضح الشيخ رجب أننا نسيطر على المساجد غير التابعة للأوقاف وتتم تغذيها بالأئمة ومتابعته منوها إلى أن أذانا واحدا صحيح شرعا وأذانين صحيح أيضا ودورنا كأئمة توضيح هذا الأمر للناس ونذكر آراء العلماء فى هذه المسألة دون ذكر آرائنا الشخصية، ونحن فى الشهداء نستخدم الأذانين متابعة للأزهر الشريف ونوجّه إلى أن أى تغيير يكون على مستوى المساجد والمناطق تجنبا لأى اختلاف بين الناس. المتشددون الشيخ فوزى القوصى مدير أوقاف حجازة بقنا وقوص يوافق على الرأى السابق ويؤكد أن الأغلبية فى المنطقة التابع لها تتبع الأذانين فى صلاة الجمعة، أذان للظهر ثم ركعتين ثم أذان آخر بعد صعود الإمام على المنبر، مشيرا إلى أن الأذان الواحد قليل وغالبا ما يتم فى المساجد التى يُسيطر عليها "السلفيون" حيث يأخذ هؤلاء المتشددون المتفيقهون بالآراء البعيدة والغريبة محاولين فرض رأيهم على الناس ويظنون أن رأيهم وحدهم هو الصحيح وإن خالف ما اعتاده الناس وأقره المنهج الوسطى للأزهر الشريف.. وعن مشكلة الميكروفونات الخارجية يؤكد الشيخ القوصى أن وزارة الأوقاف منعت ذلك إلا فى الأذان والجمعة ومن يخالف من الأئمة يتم تحويله الى الشئون القانونية بمذكرة رسمية حرصا على مراعاة ظروف الناس فمنهم المريض والطالب وهذا أولى بالاعتبار. كلاهما جائز الشيخ عمرو الشال إمام وخطيب مسجد الفتح برمسيس يؤكد أن كلا الرأيين فى الأذان جائز، فالأذان الواحد للجمعة من فعل النبى صلى الله عليه وسلم والأذانان من فِعل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضى الله عنه؛ والنبى قال: عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى، فكلاهما مشروعٌ وكلاهما صوابٌ ومن أخذ بأيهما فهو مُصيبٌ وعلى حق، والذى لا يجوز هو التهجم على من خالفه ورميه بالبدعة أو مخالفة السُّنة، وعلى المسلم أن يُراعى ما اعتاد عليه الناس ولا يُنكر عليهم ما دام أن عملهم وافق رأيا من آراء فقهاء الشريعة، ويضيف الشيخ الشال: إننا فى مسجد الفتح اعتدنا أن يكون للجمعة أذانان، والذى نريد أن نؤكد عليه أنه لا ينبغى شغل الناس بمثل هذه المسائل الخلافية والتعصب لرأى فى مقابل الآخر وتوجيههم إلى جوهر الدين الذى حض على الفضائل وحذر من الرذائل.. أما عن مكبرات الصوت الخارجية فى صلاة التراويح فيشير الشال إلى أن مسجد الفتح يستعملها فقط فى الأذان والإقامة وخطبة الجمعة، لأنها مجرد وسيلة لإبلاغ الناس بدخول وقت الصلاة وإسماعهم الخطبة. سوق! سعيد الدسوقى إمام بأحد مساجد المنوفية يؤكد أن مسجده ملتزم بقرارات الوزارة بالاعتماد على السماعات الداخلية فقط لصلاة التراويح لأن كثرة الميكروفونات تقلل الخشوع المطلوب فى الصلاة وحتى تمنع التباهى المذموم بطلاوة الصوت وكأننا فى "سوق" كل واحد ينادى على سلعته ويعرض حلاوة صوته وليس فى مساجد يُذكر فيها اسم الله؛ خاصة أن قريتنا صغيرة وبها عدد كبير من المساجد وكل مسجد يضم عدة ميكروفونات الأمر الذى يحّول القرية أثناء صلاة التراويح إلى ضوضاء شديدة لا يستفيد منها أحد، مع أن كل مسجد يكفيه مكبر واحد للصوت، مشيرا إلى أنه يعتمد الأذانين فى الجمعة لأن هذا ما يأخذ به الأزهر الشريف. يُريدونها فتنة ويوافق الشيخ عبد الدايم الرفاعى، إمام وخطيب أحد مساجد قرى المنوفية على الرأى السابق مؤكدا أن الأذانين موجودٌ بالحرم المكى الشريف وتُطبقه المساجد الكبرى بالقاهرة، ونحن نتبع فى ذلك المؤسسة الأزهرية الوسطية خاصة أننا درسنا ذلك فى المعاهد الأزهرية التى لو رأت أن الأذان الواحد أفضل لأقرته فى المناهج المدرسية، ويُضيف الشيخ عبدالدايم أنه يخطب فى مسجد يُشرف على الحقول والأذانان على المستوى العملى يُعطيان الفرصة للفلاحين للتجهز والاستعداد لصلاة الجمعة، وعن استخدام مكبرات الصوت يوضح أنه ينفذ توجيهات الأوقاف فى هذا الأمر. اجتهاد الإمام مسجد التوحيد بحى العمرانية بمحافظة الجيزة يؤذن أذانا واحدا لصلاة الجمعة ويستخدم مكبرات الصوت الخارجية فى صلاة التراويح، ويُبرر الشيخ حمزة أحمد عبد العزيز إمام وخطيب المسجد ذلك بقوله إن الناس هنا اعتادت على الأذان الواحد ولا توجد تعليمات من وزارة الأوقاف باستخدام الأذانين فالأمر متروكٌ لاجتهاد الإمام، مؤكدا وجود آراء فى هذا الأمر إذ يرجع استخدام الأذانين إلى سيدنا عثمان رضى الله عنه، وعن السماعات الخارجية ومدى تأثيرها فى تشتيت المصلين يؤكد الشيخ حمزة أن ذلك يحدث فقط إذا اقتربت المساجد من بعضها وهذا السبب غير متوافر أيضا فى المسجد المسئول عنه. رأى الأوقاف يزيل اللبس حول هذه القضايا الشيخ جابر طايع وكيل القطاع الدينى بوزارة الأوقاف والمتحدث الإعلامى، مؤكدا أن الرأى الشرعى للأذان الواحد أو الأذانين لصلاة الجمعة يقول إن كلا الرأيين جائز وشرعى ولا غبار على من يفعل أحدهما، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أن فكرة الأذانين موجودة ومعروفةٌ فى مصر منذ القدم، والأذان الواحد جديدٌ على المجتمع المصرى وهو ما قد يؤدى إلى بعض اللبس عند الناس، منوها إلى أنه لا توجد تعليمات من وزارة الأوقاف لأئمة المساجد باستخدام أى من الرأيين، لأنها لا تتعصبُ لرأى واحد دون غيره. وفى السياق ذاته يشير الشيخ جابر إلى أن هناك توجيهات إلى أئمة المساجد بعدم استخدام الميكروفونات الخارجية إلا فى الأذان وخطبة الجمعة فقط، دون حتى الإقامة التى هى خاصة بمن هم داخل المسجد، منوها إلى ان صلاة التراويح تتم فى السماعات الداخلية فقط، وأنه تم توجيه الأئمة فى هذا الشأن.