فن مصري وإسلامي أصيل أبدعته الأنامل المصرية على مر العصور، ولا يزال يحتفظ برونقه وجماله منذ عقود طويلة، ولم تستطع الماكينات الحديثة أن تهز عرشه، وظل بعيدا عن المنتجات الصينية التي لم تترك شيئا إلا وقلدته، وفى منطقة الباطنية بمصر الفاطمية. حيث توجد أشهر ورش فن الصدف، وأفضل الأنامل المبدعة التي لعبت بفن وهندسة بكل أنواع الصدف وخاصة المأخوذ من «ظهر السلاحف»، وصنعت العديد من التحف الخشبية التي يقبل عليها السائح والمصري على حد سواء باعتبارها تحفة وقطعة فنية تحمل سحرا وإبداع الشرق، ويزداد الإقبال عليها هذه الأيام مع قرب قدوم شهر رمضان الكريم، حيث تزداد طلبيات حامل القرآن الكريم ذي الطابع الإسلامي الجميل. وفى منطقة الباطنية، تتفنن الأنامل المصرية في إنتاج المشغولات الصدفية من «براويز» و«شكماجيات» أو علب الطاولة والإكسسوارات.. والتقينا الفنان عبد العزيز حسن، حيث كان مشغولا بالعمل فى ورشته الصغيرة بأحد الأزقة الضيقة. ويقوم بتصنيع «شكماجية» ويرصعها بالصدف الملون ويطعمها بأجزاء من الصدف المستخرج من الدروع التى على ظهور السلاحف، وتعطى مظهرا براقا لتلك العلب التي كانت تستخدمها الجدات والأمهات قديما فى حفظ مشغولاتهن الذهبية ولازالت الأكثر طلبا من الجدات إلى الحفيدات. ويقول ل «بوابة أخبار اليوم» أنه عمل بهذه المهنة مع والده منذ ست وأربعين عاما وعمره لم يزل تسع سنوات، وكان يدرس بجانب عمله حتى تخرج في كلية التجارة جامعة عين شمس ورفض العمل بغير هذه المهنة عشقها بكل ما فيها من إرهاق وتفاصيل دقيقة. وتابع: «إنها مهنة فن وذوق عال.. هى عشق وفن وهندسة»، موضحا بأن من يعمل بهذه المهنة لابد أن يكون محبا لها وصاحب ذوق رفيع، والأهم أن يتحلى بالصبر، بحيث يستمتع بالعمل فيها ولا يصيبه أبدا الملل منها، حيث يقضى فى العمل وقتا طويلا، حتى تخرج قطعة الخشب من بين يديه تحفة من الصدف، ويتلقى أجمل جائزة ويشعر بأنبل الأحاسيس التي تعوض كل تعبه عندما يرى نظرات الانبهار فى عيون من يراها. ويؤكد عبد العزيز أن العمل فى الصدف يحتاج إلى تركيز شديد جدا وإحساس عال، لإنتاج شكل زخرفي جميل يسر العيون ويبهج النفوس ويجذب الأنظار، ويوضح أن «الهندسة» تكمن فى تقطيع الصدف بحرفية عالية بحسب الأشكال المطلوبة سواء كانت دائرية أو مربعة أو مثلثة الشكل وبأحجام متساوية، مشيرا إلى أنه لا يوجد مجال فى هذه المهنة للآلات الحديثة أو الماكينات الالكترونية، ويوضح أن ذلك يفسر سر استمرار العاملين فى هذه المهنة وعدم انقراضها بنفس الدرجة التي شهدتها المهن الحرفية الأخرى، كما أن ذلك السبب الذي من أجله لم يستطع الصينيون حتى الآن منافستنا في الصدف لأن مشغولاتنا تعتمد على الكفاءة والجودة والكيفية والمهنية، فى حين يهتمون بالمنتجات التى لا تستغرق وقتا والكمية الكبيرة التى يمكن إنجازها فى أقل وقت. وبشاعرية شديدة يؤكد لنا فنان الصدف أنه يترك جزءا من روحه مع كل قطعة تخرج من بين يديه، مشيرا إلى أن المنتجات الصدفية أصبحت الآن تشترى للذكريات والزينة وليس للاستخدام اليومي كما كان الحال فى الماضى، فالسائح أو حتى ابن البلد عندما يأتى إلى منطقة الحسين وخان الخليلى ينبهر بما يراه من دقة الصنع والحرفية والعمل اليدوى وروعة المظهر للمنتج سواء أكان المنتج براويز أو «شكماجيات» أو الطاولات صغيرة الحجم مقارنة بالمشغولات ويقوم بشرائها. ويوضح لنا أن الصدف أنواع، فمنه الذى يحمل «ألوان الطيف» والأزرق والابيض أو صدف ظهر السلاحف «الاكرلك»، وهو الأغلى حيث يصل سعر الكيلو إلى 180 جنيها، ويليه الصدف الأزرق 160جنيها، ويتم استيراده من استراليا وأمريكا اللاتينية وتايلاند، أما الصدف الأبيض المستورد من عمان، فسعر الكيلو يصل إلى 120جنيها. كما أن هناك نوعا من الصدف البلاستيك هو أقل وأرخص أنواع الصدف ولا يحتاج إلى مهارة ودقة مثل الصدف الطبيعى حيث إنه سهل التقطيع والطى ويستخدم بسهولة أيضا فى المشغولات الصدفية، فى حين يتم تقطيع الصدف الطبيعى بمنشار دقيق، ثم يتم وضعه على المنتج الخشبى سواء كان كرسيا أو طاولة او بروازا. ويتم بعد ذلك ترصيع الصدف باستخدام الملقاط ويتم تثبيته بالغراء طبقا للشكل المرغوب فيه سواء كان فرعونيا أو إسلاميا على حسب رغبة الزبون او السائح ثم تأتى مرحلة الصنفرة حتى يصبح المنتج ناعما وتأتى مرحلة الملمس فى النهاية ويتم فيها التلميع باستخدام مادة الجمالكة بحيث تعطى للمنتج رونقا وجمالا لامعا وبراقا، وتزيد قيمة التحفة بحسب نوع الخشب، الخشب الزان الاكثر استخداما ويليه خشب الجوز التركى وكلما ارتفع ثمن الصدف، ارتفعت قيمة المنتج وزاد سعره.