هل ينتقل لحظتها من عقلنا الباطن الذي يرمح فيه الخيال، إلي عقلنا الظاهر الذي تمارس عليه كل أساليب القهر الاجتماعي والنفاق الإنساني ؟ «هو بيت في مدينة (رابالو) علي ساحل الريفيرا، بيت بلا باب ولا شباك.. ليس له سقف، لم يرتفع علي الأرض إلا طابقين.. وحوله يدور العشاق يتمسحون فيه، ويتطلعون إلي السماء، ويتعانقون، ويسمونه (بيت الأحلام).. فهو لم يكتمل كالأحلام. والعشاق يكملون البيت في خيالهم، ويجعلون له لونًا وعطرًا ويملأونه بالورد والأطفال والأصدقاء.. كل واحد علي هواه.. فبيت الأحلام كالأحلام لم يتم. إنه مجرد مشروع.. إنه سيمفونية ناقصة.» هذه سطور مما كتبه كاتبنا الفيلسوف القدير أنيس منصور في كتابه «شارع التنهدات»، وهي سطور مليئة بالمعني، والتأمل لمعني الحلم وقيمته في حياة كل إنسان، الأحلام التي تبدأ في عقل الإنسان اللاواعي، وتتسرب إلي عقله الواعي في محاولة للنفاذ إلي الواقع، والتحليق في سماء الحقيقة لا الخيال. و السؤال الذي تملكني وأنا أقرأ تلك السطور هو : إلي أي مدي يلتقي الواقع بالخيال؟ وماذا يحدث لو التقيا وتحقق الحلم فعلا ؟ هل ستسقط عنه هالات السحر وغموض التجربة؟ هل سينتقل من خانة الحلم إلي خانة الحقيقة ويفقد بريقه؟ وهل ينتقل لحظتها من عقلنا الباطن الذي يرمح فيه الخيال، إلي عقلنا الظاهر الذي تمارس عليه كل أساليب القهر الاجتماعي والنفاق الإنساني ؟ وهل عندها يختفي الحلم وتظهر الحقيقة المجردة ؟ مجرد أسئلة من قارئة تهوي السباحة بين السطور. ثورة القانون السبت : أن تكون مهموما بقضية إنسانية خيوطها متشابكة، وحلولها معقدة. أن تستحوذ تلك القضية علي تفكيرك، وتقلب حياتك رأسا علي عقب منذ تلك اللحظة التي اجتاحت فيها حياتك. أن تحتلك تلك القضية وكأنها جزءا من قدرك، هذا ما حدث لي عندما دهمتني قضية السجينات الفقيرات وأطفالهن الأبرياء. «أبرياء في سجن النساء» كانوا البداية لمشوار طويل مليء بالألم والأمل. عيون بريئة، نظرات شاردة، كأنها تبحث عن مصير مجهول. عيون خطفت قلبي عندما رأيتهم أول مرة في سجن القناطر للنساء، سيطرالسؤال علي كياني : كيف تعيش البراءة في زنزانة ؟ كيف تقسو الحياة علي وردة تتفتح، عود أخضر إلي هذا الحد؟! خطوات رائعة قطعناها أنا وفريق العمل المخلص بجمعية رعاية أطفال السجينات للتخفيف من مأساة أطفال الزنازين. وتتفجر قضية ثانية، تتجسد أمامي من خلال زياراتي الشهرية لسجن النساء تصدمني وتوجعني هي قضية «سجينات الفقر» هؤلاء اللاتي يدفعن سنوات من أعمارهن هدرا وقهرا فقط لأنهن فقيرات تعثرن في سداد ديون بسيطة، عدة آلاف من الجنيهات، يتشرد مقابلهن أطفال أبرياء تضيع أرواح بشر وسط الزحام. فكرت في خطوة أكثر إيجابية لحل مشاكلهن الشائكة. وكان مشروع «حياة جديدة « هو نتاج عصارة التفكير. تقدمت به إلي مؤسسة دروسوس وبعد مناقشات طويلة وافقت دروسوس علي رعاية المشروع وقررت أن تكون شريكتنا في إنجازه. جهود مخلصة وإيمان حقيقي بالرسالة التي نعمل من أجلها. أهداف تتحقق علي أرض الواقع نشعر بالفخر فعلا لإنجازها، علي رأسها «ورشة حياة جديدة» التي أسستها الجمعية بالتعاون مع مصلحة السجون المصرية من خلال توقيع بروتوكول تعاون إيجابي ومثمر يحسب في سجل إنجازات كلا الطرفين. «ورشة حياة جديدة « تهدف إلي تدريب السجينات الفقيرات من نزيلات سجن القناطر علي اكتساب حرفة الخياطة والتطريز. أي تمكينهن تمهيدا لتشغيلهن بعد انقضاء مدة الحكم عليهن. المشروع له مكونات تكمل كل منها الأخري. «حاضنة الأعمال» سوف تكون بإذن الله التتويج الرائع لرحلتي الطويلة مع السجينات. وهي المشروع الرائد الذي أولته مؤسسة دروسوس اهتماما خاصا، باعتباره أول مشروع تنموي من نوعه في مصر. وكان لابد أن تكون البداية مدروسة، وعلمية حتي نضمن النجاح لمشروعنا. كلفنا مكتب الدكتور عبد العزيز حجازي المعروف بخبرته الطويلة في مجال الأعمال وكذلك في مجال المشروعات التجارية غير الهادفة للربح، بعمل دراسة جدوي للحاضنة التي يشرح اسمها طبيعة الهدف من إنشائها. سوف يلتحق بها السجينات السابقات وبناتهن، وسيكون هناك تدريب وتشغيل لهن من خلال خطة شاملة تضمن دخلا شهريا معقولا يحميها من خطر العودة للسجن مرة اخري إذا ما أقفلت في وجهها جميع الأبواب. طريق شاق، لكنه ممتع. أحيانا أحتاج إلي استراحة لالتقاط الأنفاس، لتأمل القضية من كل جوانبها. أحيانا أحس أنني أحرث في البحر، وأن المآسي والمشاكل التي يضغط بها المجتمع علي هؤلاء النساء أكبر من أن تحل. أنظر أيضا إلي القانون الجنائي المصري الذي تم وضعه عام 1937 وأصبح الآن عقيما،غير قابل لتحقيق العدالة المبتغاة. وأتساءل : متي تحدث الثورة التي ننتظرها جميعا. ثورة القانون التي يقودها نخبة من المشرعين المصريين، من أصحاب الضمائر الحية المخلصين لبلدهم، من هؤلاء الذين لديهم رؤية واضحة، متعمقين في القوانين، يجلسون ويدرسون ويتمحصون ثم يخرجون إلينا بقانون جديد يناسب العصر الذي نحياه، وينصف البشر بكل ما أوتي من نصوص محكمة، رصينة، مدروسة، تراعي مبادئ الحق والعدل والرحمة. هذه أحلامي البسيطة فهل آن الأوان أن تتحقق ؟! وصايا الأدباء الأربعاء: لماذا يكتب بعض الأدباء وصيتهم قبل أن يرحلوا عن الدنيا ؟ هل يريدون بذلك أن يقولوا كلمتهم الأخيرة أو يسجلوا موقفهم الأخير بأنفسهم وهم أحياء ؟ هل يرغبون في ترك نص أدبي مليء بالحكمة وربما بالشجن لقرائهم قبل الرحيل؟ شغلني هذا السؤال فرحت أبحث عن بعض تلك الوصايا التي لم ينفذها المقربون في معظم الحالات، الأديب السوري حنا مينا علي سبيل المثال أوصي بألا يذاع خبر وفاته في أي وسيلة من وسائل الإعلام، فإذا به يقرأ خبر وفاته علي مواقع التواصل الاجتماعي وهو لا يزال علي قيد الحياة، ويعجل هذا النشر المزيف، غير الأخلاقي بوفاته بعدها بأقل من شهر، عام 2015.كتب في وصيته « رغبتي ألا يحزن علي أحد، لا يبكيني أحد، بل تقام لي جنازة بسيطة، ولا تقام لي ليلة عزاء». الشاعرمحمود درويش أيضا شاركه فكرة الجنازة البسيطة، التي أوصي بها في كتابه «ذاكرة للنسيان» الذي نشره قبل ستة وعشرين عاما من وفاته، أما الأديب العالمي جابرييل جارسيا ماركيز فقد تعرض لتزييف وصية باسمه ونشرت علي مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان «رسالة وداع من ماركيز إلي أصدقائه» وانتشرت تلك الرسالة انتشارا كاسحا، وتمت ترجمة الوصية إلي لغات العالم الذي يحظي فيه ماركيز بشعبية هائلة. ربما كانت اللغة الصوفية، المفعمة بالمشاعر التي كتبت بها هي السبب، وربما لأن ماركيز كان وقتها قد اعتزل الكتابة، بعد اكتشاف إصابته بالسرطان. فصدق القراء الوصية وبكوا معها. وهناك وصايا لم تنفذ مثل وصية فرانس كافكا الكاتب التشيكي الذي أوصي بحرق كل أعماله الأدبية غير المنشورة عند وفاته، وألا يعاد نشر أعماله الأدبية المنشورة جميعها. لكن صديقه ماكس برود خالف وصيته ونشر كل أعماله، وبذلك حفظ للتراث الإنساني إرثا أدبيا رفيع المستوي. الحمد لله أنه لم يكن يملك الجرأة لإحراق كتبه بنفسه ! فقد ساهمت كتابات كافكا في تغيير خارطة الرواية العالمية، وكان من العبث أن نفقد هذا الأثر الأدبي الفريد. الأديب الروسي فلاديمير ناباكوف أيضا فعل ما فعله كافكا في وصية تطلب حرق مسودات روايته الأخيرة»أصل لورا» وقد اشتهر ناباكوف بتدقيقه الشديد فيما يكتب، وإعادة مسوداته أكثر من مرة حتي يصل إلي مرحلة الكمال. لذلك أوصي أنه في حالة موته قبل أن ينتهي من تلك الرواية أن تحرق جميع مسوداتها. لم تستطع زوجته تنفيذ وصيته الصعبة، لم يهن عليها أن تلتهم النيران إبداع وجهد وليال طوال قضاها مبدع قدير في صومعته، مع أوراقه وقلمه.لم تحتمل أن تلقي بجزء من زوجها في النار بمنتهي البرود واللامبالاة، فتركت المسودات ورحلت هي الأخري، واعتصر الصراع الابن. دور النشر تطارده وتطلب الرواية أو مسوداتها لنشرها، ووصية والده توخز ضميره من جهة أخري. في النهاية وبعد أن روج لها علي مدي ثلاثين عاما باعتبارها من أهم أعمال ناباكوف، أعلن مؤخرا أنه لن ينشر الرواية، وسوف يحرق مسوداتها. كم هو عجيب وغريب ذلك العالم، وكم هو ممتع ومؤلم في آن معا. عالم الأدباء ! بوصلة قلبك الخميس : هذه الجملة التي تلخص فلسفة مهمة جدًّا في الحياة، احتفظت بها ذاكرتي ضمن المقولات أو الحكم التي أؤمن بها، والتي شكلتني ككاتبة وإنسانة.. هذه الجملة كانت عنوانًا لرواية كتبتها الروائية الإيطالية سوزانا تامارو، وترجمتها إلي اللغة العربية الدكتورة أماني فوزي حبشي.. هذه الرواية لاقت نجاحًا عظيمًا في بلاد العالم، وبكل اللغات التي ترجمت إليها.. بطلة الرواية سيدة عجوز تجاوزت الثمانين، فقدت ابنتها الشابة وأصبحت حفيدتها الشابة تمثل لها الاثنتين معًا: الابنة والحفيدة. قفزت إلي ذهن الجدة حينما اقتربت من الموت فكرة عبقرية، وهي أن تسجل للحفيدة ذكرياتها وخبراتها والدروس التي تعلمتها من الحياة.. ورأت الجدة أن هذه الذكريات أو المذكرات ستكون كنزًا حقيقيًّا أغلي من المال والعقارات التي يمكن أن تتركها لها. كانت الحفيدة تعيش مع جدتها.. ثم سافرت إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية لتدرس هناك.. خافت الجدة أن تودِّع الحياة دون أن تترك ثروتها الحقيقية التي جمعتها خلال رحلة العمر لأحب إنسانة إلي قلبها، فقررت أن تمسك بالقلم والورق، وتحفظ كل الذكريات المهمة والأحداث التي مثَّلت منحنيات في حياتها. - حكت لها عن طفولتها التي قضتها وسط عائلة محافظة تهتم بالشكليات والمظاهر.. عن زواجها من رجل ممل.. عن علاقتها المتدهورة بابنتها الوحيدة.. عن الموت المأسوي لابنتها الذي تشعر أنها مسئولة عنه، حتي وإن بشكل غير مباشر، أما النصيحة.. «الخلاصة».. فكانت تلك الجملة التي اختارتها عنوانًا لروايتها: اذهب حيث يقودك قلبك. أي أن إحساس الإنسان بالأمر مهم جدا، ومهما كانت الحسابات العقلية والمنطقية حاكمة، ومؤثرة في اتخاذ أي قرار، إلا أن ارتياح الإنسان من داخله لقبول قرار ما لابد أن يدخل في الحسبان. صدقت يا تامارو ! جوائز مصطفي وعلي أمين الأحد : عاشت «أخبار اليوم» الأحد الماضي ليلة من لياليها الجميلة، في احتفالها بتوزيع جوائز مصطفي وعلي أمين الصحفية. كان صاحب الحفل والدعوة هو الكاتب الصحفي ياسر رزق، أحد أبرز نجوم تلك المدرسة الصحفية الرائدة «أخبار اليوم». مشهد حضور الحفل ذاته يعكس قيمة الجائزة الرفيعة، مشهد يجمع مكرم محمد أحمد وصلاح منتصر ومصطفي الفقي ومها عبد الفتاح وعمرو عبد السميع ونخبة كبيرة من نجوم مدرسة أخبار اليوم والأهرام والجمهورية والمصري اليوم وغيرها. إلي جانب مجموعة كبيرة من وزراء حكومتنا الحالية ومنهم غادة والي وسحر نصر وأحمد زكي بدر وغيرهم. سرت موجات البهجة بين الجميع وكأن روحي التوءمين تحومان حول المكان وترحبان بالضيوف. كذلك كانت كلمات ياسر رزق، مكرم محمد أحمد، مصطفي الفقي، قصائد حب، خرجت بتلقائية، بلا ترتيب، ولا تنميق، بل من القلب مباشرة إلي قلوب الحضور.. أما الوزيرة غادة والي فقد خطفت القلوب بتدفق مشاعرها، وقدرتها الرائعة علي التعبير عن تعلقها بشكل شخصي بهذه المدرسة الصحفية العريقة، وحكت في كلمة مرتجلة، ومؤثرة كيف ارتبطت منذ طفولتها بمقال مصطفي أمين «فكرة» الذي كان يمثل بالنسبة لها طاقة أمل، تحفز علي حب الوطن وإتقان العمل، والرغبة في النجاح والتفوق وتجاوز العقبات مهما كانت، وصفت الوزيرة «أخبار اليوم» بأنها مؤسسة مجتمع مدني بكل ما تعنيه الكلمة. قالت أيضا إن ياسر رزق ابن تلك المدرسة العريقة استطاع أن يضيف إلي قيم أخبار اليوم قيمة أخري هي التجديد والابتكار، وذلك لحرصه الشديد علي أن تواكب أخبار اليوم أحدث ما يدور في الصحافة في العالم، ونجد أفكاره سباقة، تتميز بالريادة، وفكرة تأسيس «منتدي السياسات» التي أعلن عنها وسيتم تدشينها في 15 مايو القادم ليكون هذا المنتدي شريكا في صناعة القرار هي واحدة من أفكاره البراقة. كانت ليلة خاصة جدا سمتها الأساسية هي الحب، حب الأخوين الراحلين الرائدين، حب أخبار اليوم، المدرسة والتاريخ، حب النجاح والتميز، وكان وراء ذلك الجهد الرائع المبذول لخروج هذا الحدث الكبير إلي النور الكاتب الصحفي القدير محمد الهواري، والكاتبة الصحفية الصديقة صفية مصطفي أمين. مبروك لكل الفائزين وإلي الأمام دائما يا داري الحبيبة : أخبار اليوم. لؤلؤ الكلمات : أنت شاب مهما كانت سنك، مادمت لم تفقد صوتك الداخلي، ستجده ينطلق، ليشتبك مع الحياة والبشر.