الإسلام قطعة ذهب لا تحتاج أكثر من أن نجلي ما علق بها أو ران عليها من بعض الغبار المتطاير أو حتي المتراكم، لأن المعادن النفيسة لا تصدأ ولا يصيبها العطب مهما كانت عوامل الزمن وتداعياته وأحداثه وتراكماته. فعلي الرغم مما أصاب صورة الإسلام من جرّاء الجماعات الإجرامية المتطرفة من أمثال داعش، وبوكوحرام، والقاعدة، وجبهة الخذلان، وأعداء بيت المقدس، وجند الشيطان، وجماعة دعم الخراب والدمار المسماة زورًا وبهتانًا وافتراء دعم الشرعية، تلك الجماعات المأجورة لصالح قوي الشر، علي الرغم من ذلك كله فإن الإسلام بفضل أبنائه المخلصين وعلمائه المتخصصين قادر علي محو آثار ذلك كله، وأن يتحدث عن نفسه، وأن يعبر عن حقيقته العظيمة السمحة الحضارية الإنسانية النقية، المتسقة مع فطرة الله التي فطر الناس عليها، القائمة علي أنه حيث تكون المصلحة فثمة شرع الله، وعلي أنه دين الرحمة والأمن والأمان والسلام للعالم كله، حيث يقول الحق سبحانه : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ "، ولم يقل سبحانه : رحمة للمسلمين وحدهم، ولا للمؤمنين وحدهم ولا للموحدين وحدهم، إنما للعالمين كل العالمين، حيث كرم الله عز وجل الإنسان علي إطلاق إنسانيته فقال سبحانه : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ". دين لا يعرف الأذي، فالمسلم الحقيقي فيه هو من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم، ولما سئل نبينا (صلي الله عليه وسلم) عن امرأة صوامة قوامة غير أنها تؤذي جيرانها، قال (صلي الله عليه وسلم) : "هي في النار"، وهو القائل (صلي الله عليه وسلم) : "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن " قالوا : من يا رسول الله ؟، فقال (صلي الله عليه وسلم) : "من لا يأمن جاره بوائقه"، ويقول (صلي الله عليه وسلم) :" مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤذِ جَارَهُ". دين يحفظ للإنسان كرامته، فينهي عن الغيبة، والنميمة، والتحاسد، والتباغض، والاحتقار، وسوء الظن لهو دين عظيم، وذلك حيث يقول الحق سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَي أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَي أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ "، وحيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : " لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ". دين يمنع الظلم والغش، ولو مع أعدائه، ويحرم سائر الممارسات الاحتكارية لهو دين عظيم، وذلك حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : " مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلِ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرِؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ"، وحيث يقول (صلي الله عليه وسلم) : "لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ". ويقول (صلي الله عليه وسلم ) : " من غشنا فليس منا " ، وفي رواية "من غش أمتي فليس منا "، وفي صحيح مسلم "من غش فليس منا" بحذف مفعول غش ليشمل كل ألوان الغش، وينهي عن غش جميع البشر مسلما كان المغشوش أم غير مسلم، إذ لا يليق بالمسلم بأن يكون غشاشًا. دين يعمل علي تحقيق الرحمة للإنسان والحيوان والجماد لهو دين عظيم، وذلك حيث يقول (صلي الله عليه وسلم) : "مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟ "، فَجَاءَ فَتًي مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ (صلي الله عليه وسلم) : " أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ". دين ينهي عن كل ألوان الفساد والإفساد والتدمير والتخريب، ويعصم الأموال والأعراض والأنفس، لهو دين عظيم، وذلك حيث يقول الحق سبحانه : " وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا "، ويقول الحق : " وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ "، وحيث يقول سبحانه : "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّي سَعَي فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"، وحيث نهي نبينا (صلي الله عليه وسلم) سيدنا معاذ بن جبل عن أي ظلم أو إجحاف بأموال المستضعفين أو أخذ كرائم أموالهم فقال له "يا معاذ : إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَي شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ". وأخيرًا نستطيع أن نقول إن الإسلام قضية عادلة ودين عظيم وأنه وإن تعرض للهجوم من أعدائه فإن المخلصين من أبنائه قادرون بإذن الله (عز وجل) علي تجلية الغبار عنه وعرضه عرضًا صحيحًا من خلال البلاغ الواضح المبين، الفاهم لفقه المقاصد، وفقه الواقع، وفقه المتاح، وفقه الأولويات، فهمًا يؤهل صاحبه للوفاء بواجب هذا الدين العظيم بما يحمله لصالح الإنسانية جمعاء من سبل السعادة والرقي وما يحمله لمن يعمل به من خير الدارين الدنيا والآخرة.