بعيداً عن سوء التوقيت والتعامل كان من الطبيعي أن يلفت النظر ما يثار حاليا فى بعض وسائل الاعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعى بشكل خاص.. من هيجان وضجيج حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين الشقيقتين مصر والسعودية وفق ما تقضى به القوانين والمواثيق الدولية. إن بعض ما يقال.. يعبر عن الفكر العاقل الذى يستند إلى المعرفة والعلم وبعضه الآخر هدفه الإثارة والصيد فى الماء العكر. ليس خافيا أن الطرف الاخير إما أن يكون واقعا تحت ضغط قصور المعلومات والفهم وإما يكون مدفوعا وراء هدف مسايرة جهود تعكير صفو التقارب بين البلدين استجابة لتخريب ما بينهما من روابط تاريخية ومصيرية. اللغط الدائر يتعلق بما تردد حول تبعية جزيرتى تيران وصنافير الواقعتين فى خليج العقبة. المعلومات المتوفرة تقول أن مصر تواجدت فى الجزيرتين بحكم اضطلاعها بمسئولية مواجهة عدوان اسرائيل الذى كان من نتائجه أن يكون لهذا الكيان وجود فى هذه المنطقة . يضاف لكل ذلك استيلاؤه بالأمر الواقع والتواطؤ الدولى على ميناء «إيلات» أم الرشراش العربى أصلا. ماجرى كان بناء علي اتفاق خاص بين مصر والسعودية تم تفعيله فى خمسينيات القرن الأخير من الألفية الثانية. الشىء المؤكد ان ذلك لم يتم شفهيا وانما بمتقضى مستندات متبادلة لابد من الافصاح عنها . بالطبع وعلى أساس أن مساحة المملكة العربية السعودية تساوى مرتين ونصف حجم الدولة المصرية.. فإن الجزيرتين اللتين لا تزيد مساحتهما على ١٢٠ كيلو مترا مربعا لا يعنيان شيئا للدولة الشقيقة بالنسبة لما بينها وبين مصر من روابط استراتيجية . هذا الواقع لا ينفى بأى حال أهمية وضرورة احترام القوانين والمواثيق الدولية التى تحدده الحدود البحرية وتلزم الدول باحترامها. هذا الأمر تقرر بالاتفاق الذى اعلن عنه فجأة وبدون تمهيد أو مقدمات بترسيم هذه الحدود بين الدولتين المصرية والسعودية. وبالتالى تبعية الجزيرتين للشقيقة السعودية. فى ظل العلاقات المصرية السعودية المتنامية وما تستهدفه تطلعات القيادتين والشعبين فإن الجهود المشتركة تعمل بأمانة وإخلاص على دعم مقومات المصير الواحد لصالح المستقبل والأمن القومي الثنائى والعربى. على ضوء هذا المناخ الايجابى فإن كل الظروف سانحة وتسمح للعمل علي اجهاض أى محاولات لاستغلال ما أسفر عنه اتفاق رسم الحدود من نتائج فيما يتعلق بجزيرتى تيران وصنافير. في هذا الاطار فأننا على ثقة بأن طبيعة العلاقات الأخوية المتنامية بين الشقيقتين مصر والسعودية تسمح بهذا التحرك دون المساس بسيادة أو مصالح كل منهما. إننى أتوقع وتجاوبا مع هذه الاجواء الأكثر من ايجابية للعلاقات المصرية السعودية أن تسود العقلانية.. التعامل ومعالجة هذه الازمة المختلقة، فى هذا الاطار فإنه يمكن أن يبقى الحال على ما هو عليه حاليا بالنسبة لوضع الجزيرتين تحت الإدارة المصرية مع الاعتراف بما تتضمنه نتائج ترسيم الحدود البحرية المستندة إلى القوانين الدولية. من ناحية أخرى فلا جدال أن البدء فى إقامة جسر الملك سلمان لربط الحدود المشتركة لدولتى مصر والسعودية بريا سوف يمثل دعما للسيادة والمصالح الاستراتيجية المشتركة التى تتجه إليها العلاقات الثنائية للبلدين. إن ما يؤكد هذا التوجه أن جزيرة تيران سوف تكون القاعدة الاساسية التى سيقام عليها هذا الجسر الذى سوف يمثل نقلة نوعية تاريخية فيما بين البلدين الشقيقين. وحتى تكون الامور واضحة وبعيدا عن أى مزايدات فإن اتفاق ترسيم الحدود البحرية فى خليج العقبة بين مصر والسعودية لن يكون نافذا وقابلا للتنفيذ إلا بعد عرضه على مجلس النواب واتخاذ الاجراءات الدستورية لاقراره. هناك اتفاق عام بأن عرض الاتفاق على مجلس النواب سوف يسمح بمناقشته باستفاضة لاجلاء كل الامور. إن على المجلس فى هذه الحالة أن يستعين بالخبراء المتخصصين لإلقاء الضوء على الخلفية التاريخية والقانونية التى سمحت بالتوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود الذى إعاد جزيرتى «تيران» و «صنافير» إلى السيادة السعودية. على ضوء ما سوف تسفر عنه مناقشات وقرار المجلس فإنه وحده يتحمل المسئولية أمام الشعب.