تضرب حكايتي مع سوريا والسوريين في أعماق الزمن فعلى شاطئ مدينة مستغانم الجزائرية كنت ألهو طفلا صغيرا مع صديقي السوري إيهاب وكنت اسمع والدي يقول إنه شيعي ولم أفهم ذلك فكل ما أعرفه أنه صديقي. وخلال سنوات عملي في لندن اتسعت دائرة صداقاتي بالسوريين فهناك الفتاة العلوية والشباب المرشدي والسني والإسماعيلي. ولكنني كنت انظر إليهم جميعا باعتبار أنهم سوريون أولا وأخيرا وأن الاختلافات الطائفية ليس لها ذلك البعد الخطير الذي ظهر فيما بعد ويهدد بتفجير البلد كله. ويبلغ عدد سكان سوريا 25 مليون نسمة تقريبا 93 في المائة منهم من العرب و5 بالمائة أكراد والبقية من الأرمن والشركس والأشوريون والتركمان. ويتكون الموزاييك السوري حسب الإحصاء الرسمي عام 1985 من 76.1 بالمائة مسلمون سنة، و 11.5 بالمائة علويون، و 3 بالمائة دروز، و 1 بالمائة إسماعيليون، و 4.5 بالمائة مسيحيون، و 0.4 بالمائة شيعة اثني عشرية. وعند الاستقلال كان كل الدروز يعيشون في محافظة السويداء وبعض القرى في شمال الجولان. ويعيش الإسماعيليون منذ الحروب الصليبية في جبال محافظة طرطوس إلى أن أذن لهم السلطان عبد الحميد الثاني باستيطان السلمية في محافظة حماة. وكان العلويون يعيشون في أعالي جبال محافظتي اللاذقية وطرطوس، وشجعهم السلطان عبد الحميد على استيطان ريف حمص وحماة، ويعيش السنة في المدن الساحلية. لكن نتيجة الهجرة من الريف إلى المدينة تغيرت التركيبة الاجتماعية. ونقف أمام بعض أسماء الأقليات العرقية والدينية التي تتردد كثيرا حاليا بحكم هيمنة الشأن السوري على وسائل الإعلام العالمية. العلويون: ينتشر العلويون في سورية بشكل أساسي في الجبال الساحلية من البلاد، من عكار جنوبا، إلى طوروس شمالا، وينتمون للطائفة الشيعية الإثنى عشرية، ويتوزع بعضهم في محافظات حمص وحماة ودمشق وحوران ولواء الإسكندرونة ويوجد منهم أقليات صغيرة في لبنان (محافظة الشمال)، كما تجد منهم جاليات في كل من العراق وفلسطين وإيران، وكذلك في أوروبا من تركيا واليونان وبلغاريا إلى ألبانيا، وفي أميركا وحدها يوجد أكثر من ربع المليون علوي. وعرف العلويون بعدة أسماء منها «النصيريون»، نسبة ل«محمد بن نصير البكري النميري» الذي كان من معاصري الإمام الحسن العسكري، وقد عرفوا أيضا ب«الخصيبية» نسبة إلى «الحسين بن حمدان الخصيبي»، لكن كلمة «علويين» رافقت كلا من العلويين والشيعة من أيام الإمام علي بن أبي طالب. فقد كانت بدايتهم الحقيقية بعد وفاة الرسول، محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كانت هناك فئة مسلمة تدافع عن حق الإمام علي، كرم الله وجهه، في الخلافة، لكونه أكثر المسلمين علما بالقرآن والأقرب لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأطلق على هذه الفئة في ما بعد تسمية العلويين، متتبعة نفس سلسلة أئمة الاثني عشرية، بداية بالإمام علي بن أبي طالب، ونهاية بالإمام محمد بن الحسن الغائب. وتعتبر الطائفة العلوية في سورية ثاني أكبر طائفة، حيث يأتي «أهل السنة والجماعة» في المرتبة الأولى، ثم يأتي العلويون، فالمسيحيون فالدروز. ويكفل الدستور السوري في المادة 35 حق المعتقد وحرية العبادة، لمختلف الطوائف والفرق الفقهية والصوفية من سنة وشيعة. المرشدية: المرشدية مذهب ديني ولا ينسب إلى الإسلام أتباعه يتبعون الطائفة المرشدية الصغيرة والتي يوجد معظم أتباعها في سوريا ولا يوجد إحصاء رسمي لعدد المرشديين في سوريا وإن يقدرهم البعض بنحو 400 ألف شخص وهم يعيشون ما بين محافظات اللاذقية، حمص، منطقة الغاب في حماة، وفي دمشق وريفها كما أن هذه الطائفة لا توجد في بلد آخر سوى سوريا. ويخفون دياناتهم عن الأغراب عنهم ويؤمنون بالله. وقبر سليمان المرشد في منطقة اسمها شطحى تبعد عن السقلبيه ما يقارب 30 كيلو مترا. وبعض المصادر السنية ترى في المرشدية أنها طائفة منشقة من النصيرية يعبدون مؤسس الدعوة المرشدية سلمان المرشد وهو ما ينفيه الكثيرون ولا يعتبرونه صحيحا مثل المفكر محمد علي عبد الجليل الذي يقول : المرشديةَ "هي منهج إصلاحي أخلاقي ديني غير إسلامي – ("الدينُ عندَ اللهِ الإسلام"؛ "وفي كلِّ دينٍ نورٌ من اللهِ وإسلامٌ لله"؛ "نحنُ نؤلِّهُ للهَ ونحبُّ من نريد") - عالمي يُعنَى بسلامةِ السريرة وطهارتها لا بقوانين الإدارة، تَأسَّسَ في 12 يوليو 1923 وأُعْلِنَ بتاريخ 25 اغسطس1951. وقد دافع عبد الجليل عن المرشدية كحركة تحرُّر حرَّرَت الفرد من السلطة الدينية للمشايخ وأعادت ربطَه بسلطته الضميرية الخاصة به فاعتبر أن "المرشدية هي الدينُ الذي أعادَ ربطَ الإنسانِ بالدين من خلال تحريرِه من الدين." كما دافع عن المرشدية الكاتب والمفكر اللاديني السوري الكبير نبيل فياض، بالإضافة إلى جمال باروت وغيرهم. وتعود جذور المرشديّة إلى النصف الأول من القرن العشرين في سوريا عن طريق سلمان المرشد في منطقة الحدود الجبليّة"قرية جوبة برغال في أعالي جبال الشعرة " بين محافظتي اللاذقيّة وحماة ومن تلك المنطقة امتدّت الدعوة إلى مناطق أخرى في محافظات حمص ودمشق والآن فالوجود المرشدي في محافظتي حمص واللاذقيّة هو الأقوى. كان سلمان المرشد قد لفت الأنظار إليه في 1923 عندما بشّر بقرب ظهور المهدي ل"يملأ الأرض عدلاً". وإلى جانب العلويين والمرشدية هناك العديد من الأقليات الدينية والعرقية كالأكراد والشركس والأرمن واليزيدية والإسماعيلية وغيرهم والضمان الوحيد لاستمرار هذا الموزاييك هو قيام دولة مدنية ديمقراطية في البلاد لأن غير ذلك لن يسفر إلا عن اندلاع حرب أهلية.