ما يجري في الانتخابات التمهيدية لرئاسة أمريكا أخطر بكثير من مرشح مهووس يتصدر المشهد، أو أزمة حزب كان قبل شهور قليلة متأكدا من أن رئاسة أمريكا ستكون لمرشحه، فإذا به مهدد بالتفكك كما لم يحدث في تاريخه. المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» الذي كان المسئولون عن حزبه يتعاملون مع ترشيحه علي أنه «نكتة» ويتعاملون معه علي أنه مجرد «مهرج» يملك المليارات ويريد بعض الأضواء ثم يذهب لحال سبيله.. هذا المهرج أصبح محور الانتخابات الرئاسية. فعل الرجل كل ما يدينه ومع ذلك ظل - حتي الآن - يتصدر المشهد ويحصد أصوات الغالبية في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري!! طالب الرجل بمنع دخول المسلمين لأمريكا قبل اختبارات دقيقة، وأعلن أن علي المكسيكيين وغيرهم من الأقليات أن يعودوا لبلادهم.. ووعد بإقامة سور بين أمريكا والمكسيك وبالحفاظ علي «أمريكا البيضاء» وأعلن مواقف عدائية ضد النساء واللاتينيين، واستعار من الفاشية ما يؤكد علي مواقفه، وتبني سياسات اقتصادية ضد الفقراء.. ومع ذلك كله فاز بمعظم الانتخابات التمهيدية في الولايات التي جرت فيها حتي الآن. ووضع قيادات الحزب في مأزق حتي خرجوا عن تحفظهم وبدأوا في شن حملات علنية حتي لا يتحملوا المسئولية عن فوزه بترشيح الحزب، أو فوزه برئاسة أمريكا لتكون الفضيحة كاملة.. خاصة بعد أن تمادي ترامب في الجموح والبذاءة، ووصل في آخر مناظرة مع منافسيه إلي الحديث عن حجم أعضاء الجسم.. بما فيها الأعضاء الجنسية!! ما أحدثه ترامب في الحزب الجمهوري من تدمير، يبدو كهدية لم تكن متوقعة لهيلاري كلينتون المرشحة الأبرز في الحزب الديمقراطي (حتي الآن!!) وإن كانت تواجه منافسة ليست سهلة مع مرشح يمثل الوجه المضاد لترامب!! وهو السيناتور «برذي ساندرز» الذي يقدم خطابا يساريا ينحاز للفقراء والطبقة الوسطي، ويدعو لتعليم جامعي مجاني، وتأمين صحي تتحمله الدولة.. ويشن حملة شرسة علي الشركات الكبري التي تسيطر علي الاقتصاد الأمريكي وتوجه السياسة الأمريكية لمصلحتها وضد مصالح الغالبية العظمي من الشعب الأمريكي. قبل سنوات قليلة، لم يكن هناك مجال لمثل هذا الخطاب في انتخابات أمريكا، وكان من يقترب من هذه الأفكار (مجرد اقتراب) يصبح متهما بالراديكالية والشيوعية!! الآن يطرحها ساندرز بشجاعة، ويخوض الانتخابات بثقة وبأموال المتبرعين الصغار بعد أن وضع حدا للتبرعات يمنع الشركات الكبيرة من التأثير، ويجعل الكلمة للشباب الذي يلتف حول هذا العجوز الذي يمثل أفكارهم وطموحاتهم. ويجتذب ترامب الأضواء، ويحاول الجمهوريون الخروج من ورطتهم معه. وعلي الجانب الآخر تتقدم هيلاري كلينتون (حتي الآن) ويمضي ساندرز في منافستها. والمهم بالنسبة لنا وللعالم - أن هناك تغييرا كبيرا يجري في أمريكا. وأن الطبقة الحاكمة تفقد ثقة المواطن الأمريكي، وأن النظام بكامله يواجه تحديات كبيرة. «ترامب» هو الوجه القبيح لهذا التحدي. و«ساندرز» هو الوجه النبيل. بعد شهور ستكون هيلاري كلينتون - علي الأغلب - أول امرأة تحكم أمريكا. وسيتحول «ترامب» إلي مجرد فضيحة سياسية. وسيكون التحدي الحقيقي للنظام الأمريكي هو ما طرحه العجوز «ساندرز» من أفكار نبيلة ستفرض نفسها حتما علي أمريكا لأنها تمثل روح الشباب الذي لم يعد يحتمل نظاما سيفقد الثقة إن لم يتغير.. وأظنه سيتغير.