تحفل العلاقات بين الدول ذات الحضارات القديمة، بسجل حافل ومتميز من التعاون على مدار التاريخ، فالحضارات الأولى وإن تباعدت بينها المسافات ربطت بينها التجارة، وامتازت العلاقات المصرية اليابانية، بلقطات جديرة بالتذكر وإلقاء الضوء، كان أبرزها هو زيارة البعثة اليابانية للأهرامات عام 1862 وهي في طريقها إلى أوروبا. ففي 1862؛ أرسلت اليابان بعثة من 34 من الساموراي المحاربين إلى أوروبا لنقل تجربتها الرائدة في التطور والصناعة، وتوقفت البعثة في مصر لعدة أيام، وأبدى أفراد البعثة التي ضمت أحد أبرز رواد الإصلاح والتنوير في اليابان «يوكو أتشى فوكوزاوا» إعجابهم الشديد بنهضة مصر وتطورها منذ عهد محمد على باشا وأسباب ازدهارها. ولا تزال صورة البعثة بلباسهم الياباني التقليدي أمام أهرامات الجيزة محفوظة ضمن الوثائق الهامة لمكتبة البرلمان الياباني "الدايت". التقط هذه الصورة النادرة أحد المصورين الإيطاليين «أنطونيو بياتو» لمجموعة من الساموراي بملابسهم التقليدية أمام تمثال أبو الهول بالجيزة، ولا يوجد منها إلا نسخ قليلة، ويذكر الأثري أحمد عبد الفتاح أن الإمبراطور «كوماي» قد إرسل وفداً دبلوماسياً من 34 من المحاربين “ الساموراي “ الي أوروبا في 29 ديسمبر 1863 بقيادة “ أيكيدا نجواكي “ حاكم مقاطعة “ فكوكا “ بغرض إقناع فرنسا بالموافقة علي إغلاق ميناء يوكوهاما أمام التجارة العالمية والسماح لليابان بالانسحاب الي العزلة من جديد ولكن هذه المهمة باءت بالفشل. وفي طريق الذهاب الي فرنسا زارت بعثة “ الساموراي “ مصر ولتخليد هذه الزيارة التقط “ بياتو “ صورة لأفراد البعثة عند سفح الأهرامات وبين أحضان أبي الهول ، وهي من أهم الصور التي إلتقطت في القرن التاسع عشر حيث يظهر واضحاً فيها المزج بين حضارتين من أهم الحضارات العالمية ( اليابانية والفرعونية ) أو بلغة اليوم الحداثة المتمثلة في اليابان بكل تقدمها حالياً والأصالة والتاريخ ويمثلهما أبو الهول الرابض منذ قديم الأزل ليشهد ويوقع علي شهادات ميلاد أمم وحيوات جديدة ، وقد ظهر أعضاء الوفد بملابسهم الرسمية المكونة من زي “ الكاميشيمو “ المجنح وتحته الرداء الياباني الطويل وقبعة “ جينجاسا “ . ونزلت البعثة -وفقاً لمذكرات فوكوزاوا في مدينة السويس التي قدموا إليها عبر البحر الأحمر، واندهش أفراد البعثة عندما وجدوا أن مصر بها سكك حديدية وقطارات، وقت كانت مصر الدولة الوحيدة في العالم بعد إنجلترا التي تعرف السكك الحديدية، ولم تكن اليابان حتى هذا الوقت تعرف السكك الحديدية أو القطارات. وسجل فوكوزاوا ملاحظات على القطار الذى استقلته البعثة من السويس وحتى القاهرة، قائلاً: أنه تميز بالسرعة والنظافة. وعندما وصلت البعثة القاهرة التي أمضيت بها ثلاثة أيام زار أعضاؤها منطقة الأهرامات والتقطوا صورا لهم أمام الأهرامات ما زالت محفوظة حتى اليوم. وقال فوكوزاوا إن البعثة زارت الحمامات العامة فى القاهرة والأسواق ودرست الكثير من مظاهر ازدهار مصر آنذاك أن البعثة أعجبت جدا بنظافة الحمامات العامة وغلو أسعارها، الأمر الذي يدل على ازدهار مصر وتقدمها. وأبدى كذلك أعضاء البعثة اعجابهم أيضا ب "التلغراف" الذى لم تكن اليابان عرفته آنذاك، وسجلت إعجابها بالدولة الحديثة التى شيَّدها محمد على باشا وأبناؤه من بعده. وعندما بدأت اليابان إصلاحات ما يعرف بعصر «الميجي»، نسبة إلى إمبراطور الميجى عام 1868، نظرت حكومته إلى مصر على أنها نموذج يحتذى به وخبرة لابد لليابان أن تدرسها وتستفيد منها! ومن هنا بدأ العديد من الباحثين اليابانيين يتوافدون على مصر لدراسة نظامها القضائى والقانونى خاصة المحاكم المختلطة وأصدروا ثلاثة كتب باللغة اليابانية عن المحاكم المختلطة فى مصر آنذاك. منذ زيارة بعثة الساموراي ، أخذ كثير من الباحثين والمسئولين الرسميين في اليابان ينظرون إلى مصر بجدية أكثر ونظرة مختلفة عن تلك التي ينظرون بها إلى إفريقيا وأستراليا وعندما اعتلى الإمبراطور الياباني ميجى الحكم بعد ان قضى ، على عزلة اليابان التي استمرت قرابة 260 عامًا .نظرت حكومة ميجي إلى مصر آنذاك على أنها نموذج يحتذى به ومثال وخبرة لابد لليابان أن تدرسه وتستفيد منه. وتوافد المثقفين اليابان لإجراء أبحاث ودراسات عن النظام القضائي والقانوني في مصر ليستفيدوا من الخبرة المصرية في كيفية مواجهة مشكلات مماثلة في اليابان، وخصوصًا مشكلة الأجانب، ومن ثم ظهر كتاب المحاكم المصرية المختلطة الذي كتبه هارا كيه (HARAKEI) عام 1889. و«الساموراي» لقب يطلق على المحاربين القدماء، وتعني الكلمة «ساموراي» في اللغة اليابانية الذي يضع نفسه في الخدمة، وقد استخدم اللفظ في «فترة إيدو» لتمييز الرجال الذين كانوا يسهرون على حفظ الأمن ثم تم تعميم هذه الكلمة لاحقا على كل الرجال المحاربين في اليابان وتتميز ملابسهم بشكل موحد ويصففون شعورهم بشكل مميز ، ويستعمل الساموراي مجموعة من الأسلحة مثل الأقواس والسهام والرماح والبنادق، ولكن سلاحهم الرئيسي ورمزهم كان السيف.