بعد القرارات التي أصدرتها وزارة المالية بزيادة الرسوم الجمركية علي المئات من السلع المستوردة تشهد الساحة مبارزات التلاسن والتصريحات والمؤتمرات الصحفية التي يتباري أصحاب المصانع المحلية والمستوردون في خوضها. الصناعيون يؤكدون أن هذه الزيادة لن تؤثر علي المستهلك المستهدف بها بينما يؤكد المستوردون عكس ذلك وأن الأسعار سوف ترتفع في الأسواق بنسبة ٢٠٪. طبعا.. فإن الواضح من سير هذه المعركة أن كلا من الطرفين أصحاب المصانع المحلية وكذلك المستوردون لا يدخل ضمن اهتماماتهم مصلحة المواطن المستهلك الضحية وإنما يتركز هذا الاهتمام علي مصالحهم الخاصة. الطرف الممثل لأصحاب المصانع يرون في هذه الزيادة في الرسوم نوعا من الحماية لمنتجاتهم سوف تنعكس في زيادة القدرة علي التجويد والمنافسة التي سيتم ترجمتها إلي مزيد من الإقبال علي شرائها. في نفس الوقت ينظر المستوردون إلي هذه القرارات باعتبارها قيدا علي القدرة الشرائية للمستهلك نتيجة الارتفاع في أسعار هذه السلع المستوردة. أما الطرف الثالث في هذه المعادلة فهي الحكومة التي تعاني من شح أرصدتها من العملات الأجنبية وهو ما أصبح قيدا علي قدرتها في توفيرها لاستيراد السلع من الخارج خاصة ما يتم تسميتها بالاستفزازية أي غير الضرورية. إنها وبقرارات زيادة الرسوم تعمل علي تقليص فاتورة استيراد هذه السلع.. إنها تعتمد المبدأ الاقتصادي الذي يقضي بأن ارتفاع السعر يؤدي إلي الحد من الاستهلاك وبالتالي الهبوط بالطلب عليها وهو ما يدفع المستورد إلي خفض الكميات المستوردة. في هذا الشأن وإذا كنا نتوافق علي أن من حق أي من الأطراف الثلاثة أن يدافع عن موقفه ويبرره.. إلا أن ذلك يجعلنا نتساءل عن مكان المستهلك الضحية والمغلوب علي أمره من هذا الصراع. هل يمكن أن يؤدي هذا القرار إلي جنوح المنتجين المصريين إلي الارتفاع بمستوي منتجاتهم والتخلي عن استغلال الموقف لمساندة نزعة الاحتكار وما يترتب عليها من جشع واستغلال خاصة بعد أن أصبحت الساحة خالية أمامهم من أي منافس. صحيح أن إنتاج السلعة داخل الوطن له فوائد اقتصادية كبيرة تتمثل في إتاحة فرص عمل في هذه المصانع إلي جانب تخفيض أعباء تدبير العملات الأجنبية لاستيراد السلع كاملة الصنع من الخارج. رغم تقديرنا لكل هذه العناصر فإنها كلها تذهب أدراج الرياح إذا لم يسع أصحاب المصانع المحلية إلي مسايرة التطور واحترام حق المستهلك في الحصول علي سلعة جيدة بأسعار مناسبة بعيدا عن الجشع والاستغلال. أما فيما يتعلق بموقف المستورد فإنه يدعو إلي التساؤل حول احتمال أن تؤدي هذه الضغوط المتمثلة في زيادة الرسوم إلي تخفيض نسبة أرباحه الباهظة للسلعة والتي قد تصل إلي أربعين في المائة من قيمتها. هل هذا المستورد علي استعداد - وحتي لا تتأثر تعاملاته - للتنازل عن جزء من هذه النسبة للحفاظ علي المستهلك للسلعة التي يقوم باستيرادها؟ ليس خافيا أن توفير العملة الصعبة لتمويل وارداته أصبحت تمثل مشكلة له حاليا. رغم ذلك فإنه لايغلب في التحايل علي المشاكل وتعويض جانب من فروق أسعار هذه العملة من خلال تقديم الفواتير المضروبة لتخفيض الرسوم الجمركية المطلوبة. بين هذين الموقفين يأتي موقف الدولة التي من المفروض أن تنظر للمواطن المستهلك باعتبار أن ذلك هو هدفها الأساسي. هل سوف تقوم أجهزتها بمتابعة ومراقبة الأسواق لضمان الحفاظ علي حقوق ومصالح هذا المستهلك أم أنها وكعادتها سوف تكتفي بإصدار القرارات وتترك تدبير هذه المسئولية نهبا للظروف. انها تعمل وفقا للمقولة إياها التي تقول (لقد عملت اللي عليّه والباقي بعد ذلك علي الله) ليس هناك ما يقال في مواجهة تعقيدات هذه المنظومة سوي الدعاء للمستهلك بالرحمة.