نتيجة للأحداث السياسية السيئة التي عصفت بأوطانهم وأمنه، أجبر الملايين من حول العالم على البحث عن الأمن في وطن آخر، وعبرت العديد من الدول عن موافقتها على استيعابهم ليبدؤوا حياة جديدة كريمة وآدمية تنسيهم ما عانوه على أرضهم. لكن ربما أن البعض منهم لم يصن الجميل وأساء بتصرفاته للعديد من اللاجئين المساكين الذين لا يريدون من الدنيا سوى منزل آمن ولقمة عيش ومجتمع يحترمهم، فلا قصف يهدم بيوتهم ولا أزمة صحية أو غذائية تحاصرهم ولا إرهاب يعصف بمستقبلهم. ما حدث في ألمانيا كان خير دليل، فألمانيا تعتبر من أكبر الدول في العالم استيعابا للاجئين حيث استقبلت 1.1 مليون لاجئ في 2015، إلا أن ما حدث في ليلة رأس السنة من اعتداءات جنسية وسرقة تسبب في حالة غضب واحتقان كبيرة بين صفوف الشعب الألماني الذي خرج ليرفض تلك الممارسات المشينة التي لم يراها مجتمعهم منذ عقود –على حد زعمهم. وخرجت العديد من المظاهرات التي نظمتها منظمات ترفض المهاجرين، تطالب بترحيل المهاجرين وتهاجم المستشارة أنجيلا ميركل متهمين إياها بفتحها البلاد على مصرعيها للاجئين دون التأكد من هويتهم أو خلفياتهم، إضافة إلى دخول عدد كبير منهم بجوازات سفر مزورة وهو ما يؤهلهم للقيام بعمليات إرهابية وجرائم تحول دون الوصول إليهم. وكرد فعل تجاه ما حدث أعلنت ألمانيا أنها ستقر إجراءات تسهل عملية ترحيل الأجانب اللاجئين الضالعين في الجرائم والاعتداءات الجنسية، وسحب صفة اللاجئين منهم وذلك بعد تقديم 553 سيدة لشكاوى غالبيتها تتعلق بجرائم تحرشات. من جهة أخرى أعلنت السويد عزمها رفض 80 ألف من طالبي اللجوء وترحيلهم من البلاد، وذلك وفقا لوزير خارجيتها أندرز إيجمان. وأشارت صحيفة الإندبندنت البريطانية، فإن عدد اللاجئين المزمع ترحيلهم يقدر يتراوح من بين 60 ألف إلى 80 ألف لاجئ جاءوا إلى السويد في 2015، وهو عدد قياسي وكبير رفضت السلطات السويدية وجودهم على أرضها. ولفت وزير الداخلية السويدي إلى أنه لا يتمنى أن يقفز العدد إلى 80 ألف شخص من الذين سيتم ترحيلهم، وأنهم سيتم نقلهم بواسطة طائرات مستأجرة وأن العملية تلك ستستغرق سنوات. وتعتبر السويد ثاني أكبر دولة أوروبية استيعابا للاجئين بجانب ألمانيا، حيث بلغ عدد طالب اللجوء إليها إلى 163 ألف لاجئ في 2015. ويرجح الكثيرون أن هذا القرار ليس عشوائيا وإنما نابع من حادث شهدته البلاد دفعت ثمنه شابة من أصول لبنانية تبلغ من العمر 22 عاما، ووفقا للتحقيقات فإن مرتكب الحادث لاجئ قاصر عمره 15 عاما. كانت الشابة ألكسندرا مزهر ذات الأصول اللبنانية مقيمة بالسويد وتعمل بأحد مراكز إيواء الشبان اللاجئين، كانت تعمل على خدمتهم، إلا أن شابا من أصول صومالية قام بطعنها طعنات قاتلة لتترك ورائها جريمة بشعة هزت المجتمع هناك. وعلى الرغم من ضبابية القضية وعدم وجود أسباب واضحة للجريمة، إلا أن السلطات رجحت أن يكون الأمر إما شجارا عنيفا أو تحرش بالضحية. في الوقت ذاته، نشرت الشرطة السويدية ضباطا بزي مدني لمراقبة أحواض السباحة في العاصمة، جاء ذلك بعد ازدياد البلاغات بشأن تعرض الفتيات والنساء هناك لتحرشات جنسية من قبل لاجئين. يذكر أن النرويج تخطط أيضا لترحيل آلاف اللاجئين من الشرق الأوسط وآسيا دخلوا أراضيها من روسيا التي هي الأخرى ترفض وجودهم، مع مقتل الشابة السويدية وحوادث التحرشات اللفظية والجسدية وما تعرضت له مدينة كولونيا الألمانية، أصبحت قضية اللاجئين شائكة للغاية تضع أوروبا في موقف صعب، فما بين قبولهم واحترام حقوق الإنسان يكون في المقابل رفضهم وترحيلهم في حال ارتكاب أي جرائم، ولكن المواقف السياسية وحدها لن تحمي اللاجئين من غضب المواطنين أو المتعصبين الذين يخلطون الأمور ويضطهدون أي شخص لمجرد كونه لاجئ.