مصر إلى أين ؟ .. سؤال يبدو منطقيا بعد أن تحول المسار المصري نحو الديمقراطية إلى ما يشبه سباق الحواجز، فكلما مر حاجز، تلاه حاجز أكبر منه. كانت الفقرة السابقة، مقدمة تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز" الأمريكية، الأربعاء 13 يونيو، حيث أشارت إلى أن خط نهاية هذه الحواجز لا يبدو واضحاً في الأفق، وبالرغم من انبهار العالم بما حققته ثورة يناير في 18 يوم فقط، إلا أن طريق مصر إلى الاستقرار بدا طويلاً ومفروشاً بالفوضى والصراعات. أضافت الصحيفة الأمريكية "فما أن خبت أنوار الجولة الأولى للانتخابات وخفتت الأصوات المهللة لها، حتى عادت الفوضى والصراعات لتتصدر واجهة الأحداث وتصبح عنوان المرحلة القادمة ، والاستقرار هو الخاسر الأكبر". وذهبت الصحيفة إلى أنه "على الأرض الآن هناك أكثر من صراع ، الأول بين شرعية الصناديق وشرعية الميدان الرافضة لنتائج الصناديق، والثاني بين الجيش والإخوان المسلمين حول اللجنة التأسيسية والدستور، أما الصراع الثالث فبين مرشحي الرئاسة ومؤيديهم". تابعت فاينانشيال تايمز " هذه الصراعات تدور وسط بيئة من التخبط والارتباك السياسي يهدد بالعودة لنقطة الصفر مرة أخرى إذا ما تم التصديق على قانون العزل ضد أحمد شفيق و إذا ما حكمت المحكمة ببطلان مجلس الشعب، ووسط هذه الفوضى قد يبدو السيناريو الأكثر تفاؤلاً أن يستمر المسار كما خطط له ويصبح لدينا رئيس منتخب بنهاية هذا الشهر، ولكن هل ستنعم مصر حينها بالاستقرار؟". وركزت الصحيفة على أن البعض يرى أن نجاح الإخواني محمد مرسى سيضمن لمصر الاستقرار بالمرحلة القادمة، فمرسي تصدرّ الجولة الأولى، ويبدو الوجه الأكثر قبولاً بين القوى الثورية مقارنة بغريمه أحمد شفيق، وبخلاف ذلك فإن اعتلاء مرسى كرسي الرئاسة يعنى انسجام ووفاق بين السلطة الرئاسية والسلطة التشريعية للبلاد لانتماءيهما لنفس الفصيل. إلا أن مجلة "ذا ناشيونال انترست " الأمريكية ترى أن ولاء مرسي لجماعة الإخوان التي بذلت الجهد والمال، وشحذت كل طاقاتها لإيصاله إلى كرسي الرئاسة، وسيكرس لهيمنة الإخوان على مفاصل السلطة، وتحديداً مع تعيين رئيس حكومة إخواني، وبذلك يمكنهم تمرير ما يريدون من قوانين وتطبيق ما يرتأى لهم من سياسات". وذكرت المجلة "هذه الهيمنة لابد وأن تدفع مرسي لخط المواجهة مع التيار الليبرالي وقوى الثورة التي لم تدفع دمائها لتستبدل نظام استبدادي بآخر". على عكس ذلك ترى صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن الصراع بين الجيش والإخوان سيظل مستمراً حال نجاح مرسى، وذلك لأن الجيش لن يسمح بالمساس بما يتمتع به من خصوصية وامتيازات. وتوقعت "الفاينانشيال" أن ترتفع وتيرة التوتر بين الجيش والإخوان خاصة فيما يتعلق بالدستور وربما ينتهي الأمر بانقلاب عسكري، مضيفة " على الجانب الآخر نجد أن سيناريو شفيق رئيساً لا يقل درامية لأنه سيسكب البنزين على النيران المشتعلة في ميادين مصر، و إذا ما عمل الإخوان على إبقاء ترموتر الشارع المصري مرتفعاً، سنكون بصدد العودة إلى دائرة العنف بين الأمن والمتظاهرين. لكن بالعودة إلى "ذا ناشيونال انترست" فإنه على المستوى السياسي سيكون على شفيق الدخول في صراع مع البرلمان الخاضع للتيار الإسلامي والذي سيعمل على تقليم أظافره وتحديد سلطاته وصلاحياته، بالشكل الذي يمنح البرلمان القوة والسلطة. أما مجلة "تايم" فقالت " بنظرة سريعة سنجد أن مصر محاصرة في الفترة المقبلة ما بين العودة للمربع واحد والغرق في دائرة العنف مرة أخرى، أو ربما انقلاب عسكري يعيدها لقبضة المجلس العسكري مرة أخرى. كل ذلك يمكن تفاديه لو تكاتفت القوى السياسية ونحت جانباً مصالحها وصراعاتها، واضعة مصلحة الوطن نصب عينيها، وإلا فإن الثورة العظيمة التي قام بها المصريون ليست ثورة". واختتم مايكل حنا من مؤسسة القرن الأمريكي التقرير بالقول إن ما يحدث الآن مجرد صراع بين القوى المختلفة على "الكعكة".