تهل علينا نسائم شهر رمضان الكريم لتعلو أصوات المآذن معلنةً عن قدوم رمضان جديد بألوان زاهية بالشوارع وكل البيوت المصرية.. فحتى يومنا هذا يتمسك المصريون بعاداتهم القديمة لاستقبال الشهر الكريم.. تتزين قاهرة المعز قديمًا بثوت رؤية الهلال، فيخرج الخليفة في موكبه محاط بالعربات الصغيرة المضاءة بالشموع، ويحمل جموع الأهالي والأطفال الفوانيس التي قد صفُت على الجانبين منشدين "حلو يا حلو.. رمضان كريم". كثير من المهن تزدهر في رمضان، مثل: بائع العرقسوس- المسحراتي- بائع الكنافة وقطائف، وصنّاع الفوانيس، وتنتشر موائد الرحمن وفوازير رمضان التي تعد سمة لا غنى عنها. صناعة الفوانيس قديمًا ظهر فانونس رمضان بدخول المعزلدين الله الفاطمي القاهرة عام 358ه، إذ أمر القائد جوهر الصقلي فاتح القاهرة بأن يخرج الناس لاستقبال الخليفة حاملين شموع لإنارة وضعت على قاعدة خشبية ومحاطة ببعض الزعف والجلد الرقيق كي لا تنطفأ، حينها أعجب الخليفة بمشاهد الفوانيس حتى صار الفانوس عادة رمضانية. وازدهرت صناعة الفوانيس في عهد الحاكم بأمر الله في القرن ال10 الميلادي، الذي أمر بألا تخرج النساء من بيوتهن ليلاً إلا إذا تقدمهن صبي يحمل فانوساً، فقد أمر بتعليق الفوانيس على مدخل الحارات وأبواب المنازل وفرض غرامات لمن يخالف ذلك. تشتهر منطقة الغورية وبركة الفيل بالسيدة زينب وأيضاً منطقة تحت الربع القريبة من حي الأزهر بصناعة الفوانيس، وعلى الرغم أنها صناعة موسمية إلا أنها تستمر طوال العام. تعددت أنواع الفوانيس فمنها المعقد مثل فانوس "البرلمان" وكان يعلق بقاعة البرلمان المصري في ثلاثنيات القرن الماضي، وفانوس "الفاروق" وصمم للإحتفال بعيد ميلاد ملك مصر فقد كان يحمله اسمه، وأيضاً الفانوس الصفيح المنتشر بكثرة. ومن أهم مظاهر الاحتفال بفانوس رمضان تجول الأطفال بالشوارع والأزقة مرددين الأغاني المصرية الشعبية من أشهرها "وحوي يا وحوي". بائع العرقسوس يجول الشوارع والحارات بزيه المميز وسراله الأسود الواسع وسترته المزينة والطربوش فوق الرأس، حاملاً إبريقه الزجاجي أوالنحاسي الضخم وبيده صاجات وجلاجل نحاسية يصدر بيها رنيناً وفي اليد الأخرى أكواب يصب فيها العرقسوس مردداً "شفا وخمير ياعرقسوس وبارد وخمير وتهنى يا عطشان". ويحرص أن يصب في الأكواب من إبريقه الكبير من مسافة بعيدة ليصنع رغوة فوق المشروب لايفت نظر المارة في عز حر نهار رمضان، رغم أنه يحمل أثقالاً فوق صدره إلا أنك تجده يجوب الشوارع والميادين بطقوسه الخاصة. وتعد عبارة "شفا وخمير ياعرقسوس" لها مردود علاجي لما تعكس من فوائد العرقسوس على الجهاز الهضمي فهو فعال في حالات قرحه المعدة وأوجاع الصدر والقيء والكبد ووجع الكلى وكذلك أمراض الصدر والسعال. مسحراتي صور يكتمل بها شهر رمضان حيث تراه يحمل طبلته ويدق عليها قبل الإمساك بساعتين يبدأ بجولته في الأحياء الشعبية، مردداً عبارات مشهورة متناغمة مع دقات الطبلة " ياغافي وحد الله يا نايم وحد الدايم، للي خلقك مابنساك يا نايم وحد مولاك، السحور يا عباد الله، يا نايم اذكر الله يا نايم وحد الله" . إن أول من قام بمهنة المسحراتي كان والي مصر "إسحق بن عقبة"، ومنثما تولى الجنود في عهد الدولة الفاطمية الأمر حتى عينوا رجلاً يعرف بالمسحراتي يدق الأبواب مردداً "يا أهل الله قوموا اتسحروا". وينتظر المسحراتي أول أيام العيد فيمر بالمنازل بطلبته فيسرع له الناس بتقديم المال والهدايا والحلويات و بقولهم عبارات التهنئة بالعيد، فقديماً كان لا يأخد المسحراتي أجراً إلا ليلة العيد. موائد الرحمن مائدة الرحمة أو كما يطلق عليها "موائد الرحمن" تعد من سمات شهررمضان، ويرجع بداية تاريخ ظهورها إلى عهد الرسول محمد، فهو أول من أقام مأدبة لدعوة وفد من الطائف ولذلك لإعلان إسلامهم، واقتدى عمر بن الخطاب بالرسول فأعدا دار للضيافة يفطر فيها الصائمون . ويرجع بداية ظهورها في مصر إلى رأيين: الفقيه الليث بن سعد والذي كان يقيم موائد للصائمين وخصوصاُ الهريسة حتى عرفت باسم "هريسة الليث"، ورأي يقول أنها ترجع لعام 880 ه عندما قام أحمد بن طولون بتعميم الموائد الرمضانية على أن يكون مقرها العامة وعلى مقربة من الفقراء. ونرى أن في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي أمر بإعداد مآدب لإفطار الصائمين ليفطر رواد مسجد عمرو بن العاص، وظهرت حينها في مصر موائد "دار الفطرة" أمتدت بطول 175 متراً وعرض 3 أمتار. فوازير رمضان يجتمع بعد الإطفار أفراد العائلة يشاهدو الفوازير الرمضانية ولما فيها من بهجة وإجتماع الكبير والصغير عليها، فقد بدأت فوازير رمضان بالإذاعة المصرية على يد الإعلاميتين : آمال فهمي وسامية صادق، فكانت عبارة عن أسئلة يقوم المشاركون بالإجابة عليها عبر البريد. وانتقلت الفكرة إلى التليفزيون في عام 1961 بعد عام من انطلاقها، وظهرت فوازير "على رأي المثل"، فجسد الفوازير خليطاً بين الدرامة والإستعراض وذلك على يد المخرج أحمد سالم وفرقة ثلاثي أضواء المسرح (سمير غانم، جورج سيدهم، الضيف أحمد) عام 1967. وتعد أول فوازير عربية قدمتها الممثلة نيللي عام 1975 فقدمت فوازير "عالم ورق، عجايب صندوق الدنيا، وأم العريف، وقيس وليلي، الدنيا لعبة، زي النهاردة" وظهرت بعد ذلك شخصية "فطوطة" التي قدمها الفنان سمير غانم وكانت لها إنتشر حتى وقتنا هذا، وتلها فوزاير قدمتها الفنانة شريهان "ألف ليلة وليلة، وحاجات ومحتاجات" مدفع رمضان تنطلق طلقات المدفع من القلعة معلنة عن ثبوت الرؤية هلال رمضان إبتهاجاً بشهر الصوم، فترجع ظهور المدفع إلى قصة طريفة تحكي أن محمد على الكبير والي مصر كان يجرب مدفعاً جديداً أستورده من ألمانية لتطور الجيش، فأنطلقت طلقة وقت أذان المغرب في شهر رمضان فربط الناس دربة المدفع بوقت الإفطار برمضان. وأطلق عليه اسم مدفع "الحاجة فاطمة" لإرتباطة بشهر رمضان وكان يوجد في قعلة "صلاح الدين الأيوبي"، وفي عهد الخديوي عباس الأول كان ينطلق مدفعان للإفطار في القاهرة، الأول من "القلعة" والثاني من "سراي عباس باشا الأول". وفي عهد الخديوي إسماعيل تم وضع المدفع فوق جبل المقطم ليصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، حيث كان يحتفل قبل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولاً على عربة ذات عجلات ضخمة، ويذكر أنه كانت نتطلق 21 طلقة طوال أيام العيد الثلاثة ومن ثم يعود إلى المخزن القعلة ثانية.