كنت كلما زرتها وجدت في مكتبها بعض الاطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ولاحظت انها تضع في مكتبها غير علب الحلوي بعض برطمانات (المخلل) مثل كل المبدعين مثل كل الرسامين والكتاب والشعراء فهي مبدعة بلا ادعاء تركت وراءها حقلاً مزهراً من التلاميذ يواصلون رحلتها في ابداع التعليم.. مثل كل المبدعين تعيش الراحلة ماجدة موسي في كل من يواصلون إبداعها التعليمي وتواصل المشوار تلميذتها النجيبة نجوي جمعة، تواصل المشوار بنفس الحماس والحب برغم ارهاق السنين ووهن العظم صممت علي حضور العيد، ذلك العيد الذي يحمل الفرحة والسعادة لكل من أعطي هؤلاء الاحباء الذين حرموا من بعض نعمة التركيز ولكن الله أعطاهم القدرة علي العطاء في كل نواحي الحياة. د. مهندس اسماعيل عثمان يواصل المشوار الذي بدآه معاً هو وحرمه الراحلة ماجدة موسي في رعاية علمية وفنية لهؤلاء الأحباء الذين يقبلون علي الحياة وهم لا يعلمون أن الله جعلهم ليشعر الذين وهب الله لهم عقولا واعية انهم في نعمة لا يحسون بها. اختارت ماجدة موسي المبدعة الراحلة في التعليم ان ترعي هؤلاء من ذوي الاحتياجات الخاصة وكم كانت التجربة شديدة الصعوبة عظيمة الخصوبة. أحب دائماً أن أستمتع بأعياد الحصاد لحفلات آخر العام ولم أتأخر عن دعوة الدكتور مهندس اسماعيل عثمان رئيس مجلس ادارة مدارس مصر للغات والراعي الدائم لهؤلاء الصغار الذين انسحب منهم بعض العقل متمما رسالة زوجته الراحلة العظيمة ماجدة موسي. التواصل في هذا الطريق غاية في الصعوبة، ليست صعوبة المال ولكن الصعوبة في إيجاد البشر القادرين علي حمل هذه الامانة التي تحتاج الي قدرات عالية وصبر وجلد لتدريب هؤلاء الذين اصبحوا اصحاب قدرات خاصة جداً سواء عقلياً او جسدياً لا أستطيع ان اعطي هؤلاء الأحباء الذين أعطوا من عقولهم وقدراتهم ووقتهم لهؤلاء الاحباء فاصبحوا جزءاً من عقولهم. ظلت الدهشة تسكنني طوال ثلاث ساعات وهؤلاء الاحباء يرقصون ويغنون لكل المناسبات مرة للاحياء الشعبية ومرة لاعياد الحصاد في القرية ومرة للمولد النبوي ومرات للابداع الحركي وكثيراً للغناء وكانت النهاية اغنية يا أغلي اسم في الوجود يا مصر.. وهذه الاغنية دائماً ما تمس شغاف قلوب المصريين فأصبحت القاعة كلها كورسا للأحياء الذين قادوا الكورس بجدارة ولم أتعجب لهذه القدرات التي تفجرت من اللا قدرات وتفجرت معها دموع الدكتور اسماعيل عثمان مثل أي أب فرح بإنجاز ابنائه. وأم تشد علي يدي شاكرة حضوري وأكاد أبكي وأقبل يديها لرعايتها الاستثنائية لهذا الابن وتقول لي - إبني ولد سويا وظل حتي سن الثالثة وتكلم وفهم كل شيء وفجأة أصابته حمي خرج منها وقد ثقل لسانه وتعثر في فهم ما يحدث حوله. وأم أخري قالت لي: إبنتي كانت زكية جدا حتي سن الخامسة وتدحرجت علي درجات السلم.. ثلاثين درجة ثم وقعت ساكتة تماماً وفي المستشفي ظلت في الانعاش يومين وخرجت تتعثر في الكلاموعين من عينيها ثابتة لا تتحرك وكان شقيقها عند الراحلة ماجدة موسي في أولي ابتدائي وحكيت لها الحكاية فطلبت مني أن احضرها للمدرسة وبدأت ترعاها في مكتبها الخاص لقد كانت ماجدة موسي سيدة استثنائية سواء في الحنان أو في اسلوب رعاية الصغار ذوي الاحتياجات الخاصة. لقد بدأت ماجدة موسي بفصل لذوي الاحتياجات الخاصة في حضانة الحرية التابعة لمدرسة الحرية بالجيزة. وكنت كلما زرتها وجدت في مكتبها بعض الاطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ولاحظت انها تضع في مكتبها غير علب الحلوي بعض برطمانات (المخلل) وسألتها - لماذا يا ماجدة؟ قالت: بعض الأطفال بعد أن يأكلوا سكريات يتمنون الحصول علي اشياء مملحة: وضروري يشعرون أن المدرسة فيها كل حاجة يطلبونها علشان يحبوا المدرسة وبالتالي يحبوا التعليم. رحمها الله رحمة واسعة بقدر ما قدمت لهؤلاء الأحباء من عطف وحب ورعاية علمية. بين الفن والإعاقة كانت السعادة تملأ وجوههم بالبشر والاقبال وكانوا أثناء تقديمهم ابداعهم في الفن من رقص وتمثيل وغناء يشعرون أنهم يسعدون الجماهير بمن فيهم أمهاتهم وآباؤهم. إن الفن بلا جدال يرفع عنهم جزءاً كبيراً من الاعاقة وإن الفن جزء من دخولهم المجتمع بكل شجاعة ويعطيهم قدرات استثنائية في مواجهة اعاقتهم التي لا يشعرون بها ولكنهم يشعرون ان هناك شيئا ما يفصلهم عن الاسوياء وربما لايدركون ماهو: وقدر حزن الاسر بقدر العناء الذي يشعرون به لاعطاء اولادهم القدرة علي التعايش مع المجتمع واخفاء احزانهم في القلب وأنا أعتقد أن الاسرة التي لديها طفل معاق من أي نوع سواء ذهنياً او بصرياً أو حركيا تعيش هذه الاعاقة ولا ينفصل عنها باقي الاسر. وأعرف أسرة كان لديها ابن معاق ذهنياً اصبح اخوته يغارون منه لانه يأخذ من وقت الأم والأب مالا يأخذونه ولا يستطيعون، بل هناك حالة لأسرة اصبح ابنها السليم (يمثل) الاعاقة ويتلعثم في الكلام حتي يكتسب اهتمام الأسرة لهذا تصبح الاسرة مهمومة جداً ليس بالطفل المعاق ولكن بالاطفال الآخرين الذين اكتسبوا اعاقة اخري من الاهتمام بالمعاق. وفي الواقع ومن وجهة نظري أن الاسرة يجب ان تشعر الإخوة والأخوات الاسوياء بالمسئولية الانسانية ناحية شقيقهم المعاق وأعرف أما كان لديها طفل معاق وثلاثة اسوياء وزعت بين الثلاثة مسئولية المعاق فالاخت الكبري كانت تقرأ له وتحاول ان تعلمه الكتابة والأخ الثاني كان يعلمه الألعاب الرياضية اما الأخت الصغيرة فكانت تجلس معه وهو يأكل لتتناول طعامها بهدوء شديد حتي يقلدها ولا يأكل بطريقة غير سليمة. في إنجلترا وحرصت وأنا في انجلترا أن أزور مدارس المعوقين المختلطة بالاسوياء وكانت المدرسة تتركهم مع بعضهم البعض لاوقات طويلة حتي يشعر الاسوياء بالمسئولية ويشعر المعوقون بأنهم عاديون مثل الآخرين. وكانت المدرسة تهتم بالعمل اليدوي مثل النجارة والرسم وعمل التماثيل وكذلك بدهان حوائط المدرسة للأطفال الكبار - المراهقين - وكانت هذه الطريقة تجعلهم يندمجون تماماً في العمل ولا يستغرقون في اعاقتهم. كذلك كانت المعلمة تعقد صداقة بين كل اثنين واحد معوق والآخر سليم وتعطي للسليم دون ان يشعر مسئولية علي المعوق كأن تطلب من أن يعلمه كيف يكتب الحروف جيداً أو كيف ينطقها جيداً لو كان العيب في النطق. ولكن لاحظت في انجلترا أنهم لا يفصلون المعوقين فصلاً تماماً عن الاسوياء وأنما يكون الاختلاط جزءا من التمارين الهامة علي الدخول في عالم الاسوياء. في انجلترا ايضاً اهتموا بالرياضة وخصوصا السباحة، وكانت المدرسة تعقد مسابقات بين الاسوياء والمعاقين في الألعاب الرياضية المختلفة مثل مباريات الكرة وكذلك السباحة ولعبة اخري تعتمد علي القدرات الجسدية وهي ان يدخل الاطفال في مبني من الخشب به سلالم وأنابيب ويحاول كل منهم الخروج وتقام مسابقات للقدرات علي اجتياز الاماكن وهناك ايضاً حصة من حصص اليوم الدراسي في بعض المدارس هي حصة الحديقة ويقضي فيها الاطفال ساعتين في اقرب حديقة ويزرعون بعض النباتات سواء المثمرة مثل الطماطم والبطاطس أو بعض الزهور ويظل كل صغير يخرج من حصن الحديقة كل يومين ليرعي النبات الذي قام بزرعه وأحياناً تكون الحصة في جزء خلفي من حديقة المدرسة. في اليابان أما في اليابان فإن هناك في طوكيو مبني كبيرا جداً يطلق عليه (قلعة الاطفال) هذا المبني يدخله الاطفال من كل الاعمار وتسلمهم الأم كل إلي القسم الذي تريده سواء حضانة أو مدرسة أو ملعبا رياضيا او مرسم أو مسرحا لتعليم التمثيل أو قسما لتعليم الزراعة.. وهناك اهتمام بالمعوقين عن طريق ممارسة الفنون وأجمل ما رأيته في قلعة الاطفال حائط كبير من القيشاني الأبيض وأمامه الأطفال اسوياء ومعوقين ومعهم فرش بأحجام مختلفة وجرادل مملوءة بالالوان ويرسمون علي هذا الحائط ما يحبون ثم يقوم مساعدالمدرس أو المعلم بغسل الحائط ليرسموا غيره وقد تعجبت شخصياً لأن إبداع الأطفال علي هذا الجدار الكبير يمحي ولا يبقي منه شيء فاقترحت عليهم تصويره بالكاميرا ليكون عندهم (سلايدز) أو صورة للرسم ولانهم ناس لا يستحون من العلم فقد شكروني للملاحظة وعملوا بها وكتبوا عليها ملاحظة السيدة الباز من مصر وكانت الرسومات في منتهي الإبداع لجمال الالوان وسهولة الرسم عليحائط كبير وقد اقترحت عليهم ايضاً ان يأتي خبير في الفنون ليكتشف الفنانين الصغار وفعلاً عملوا بالنصيحة وبعدها بثلاثة أعوام سافرت إلي اليابان ووجدت أنهم وضعوا لافتة كبيرة بأسماء فنانين صغار رسمت لوحاتهم علي الجدارية. في جبل فوجي وحينما صعدت الي منطقة فوجي وهي منطقة جميلة، الذهاب إليها بجميع أنواع المواصلات فقد ركبت القطار من طوكيو الي شاطيء نهري ثم ركبت مركبا ثم صعدت بسيارة في طرق متعرجة حتي وصلت الي أعلي لأطل فقط علي قمة جبل فوجي والذي تغطي الثلوج جزءا من قمته وجزءا متعرجا من اجزائه كأنها ثلوج تسيل عليه ولكنها تجمدت أثناء نزولها من قمة الجبل.. منظر يأخذ العقل والعين ويجعل الانسان يقول فينفسه سبحان الله. هناك قابلت معلمة اطفال يابانية معها مجموعة من الأطفال لا يزيد عددهم علي سبعة أطفال بينهم اثنان معوقان ذهنياً. واحد معوق حركيا وكان معها مدرس مساعد وإحدي السيدات المرافقات للمساعدة وكان مع كل طفل شيء خاص به بعضهم يحمل كراس رسم وألوانا والبعض يحمل صلصالا وبنتان معهما خيوط ينسجان منها شرائط وطفل يحمل كاميرا صغيرة يصور بها ما يراه كانت المجموعة في غاية الانسجام وتتصرف كأنها تمشي علي الهواء بهدوء شديد وسعادة يمارسها الاطفال بشكل تلقائي فيه استمتاع بكل ما يفعل. وتأملت ما يحدث إن كل ذلك له تاريخ في هذه المنطقة فلا تقوم حركة ولا سلوك بدون أصول تاريخية ولذلك لم أتعجب وأنا أري المعلمة تعلم البنات كيف يرتدين (الكيمونو) الياباني وكيف يمشين (بالقبقاب) الياباني التاريخي الجميل وهي سعيدة والبنات في منتهي السعادة. وقد اختارت المعلمة ما تعلمه لهن بحيث تستطيع المعوقتان فعله بسهولة وهي ليست مصادفة ولكنها دارسة حتما،ً وقد تكلمت معها بالانجليزية وتكلمت معي بالانجليزية واضحة وشرحت لي ان دمج المعوقين بالاسوياء يأتي في مصلحة الاثنين فالسوي يتعلم كيف يعلم الآخرين والمعوق يكتسب من السوي ما يزيل تعويقه. ماجدة موسي واليابان وهكذا وجدت الراحلة العظيمة - المصرية العقل والتاريخ - تقوم دون أن تسافر الي اليابان بنفس العمل العبقري وهو دمج الاسوياء بالمعاقين وكانت هذه هي المرة الأولي التي تحدث في مصر حينما بدأت تجربتها في منتصف الستينيات وكانت شابة صغيرة وقد بدأت عملها بالحضانة حتي ترافق ولديها عمرو ومحمد ولا تتركهما وحدهما ولذلك عملت معلمة بالحضانة من أجل ولديها ولم يكن من الممكن ان تنجح مع عشرات الاطفال لولم تكن تحمل أمومة فياضة وعبقرية تربوية نادرة. إنها لم تسافر الي اليابان فقط، سافرت الي انجلترا وزارت الحضانات هناك ولكنها كانت تحمل في عقلها امومة وفكرا تربويا تعتمد علي الحنان أولا والعلم بالانسان صغيراً ثانياً وقد قلت لها بعد زيارتي لليابان : لقد رأيت تجربتك في اليابان وضحكت، وقالت: يمكن جدي كان ياباني وأنا ما اعرفش. هذه هي مصر وها هي بنت من بنات مصر.. مصر ذات التاريخ.. مصر أم الدنيا والدين، فعلي أرضها بدأ التاريخ وفي أرضها بدأ اخناتون التوحيد وكما أحب أن أقول دائماً إننا لم نعبد الصنم وإنما عبدنا منذ أكثر من أربعة آلاف عام الله الواحد الأحد.. ورعي الله مصر برعاية الله الواحد الأحد. كنت كلما زرتها وجدت في مكتبها بعض الاطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ولاحظت انها تضع في مكتبها غير علب الحلوي بعض برطمانات (المخلل) مثل كل المبدعين مثل كل الرسامين والكتاب والشعراء فهي مبدعة بلا ادعاء تركت وراءها حقلاً مزهراً من التلاميذ يواصلون رحلتها في ابداع التعليم.. مثل كل المبدعين تعيش الراحلة ماجدة موسي في كل من يواصلون إبداعها التعليمي وتواصل المشوار تلميذتها النجيبة نجوي جمعة، تواصل المشوار بنفس الحماس والحب برغم ارهاق السنين ووهن العظم صممت علي حضور العيد، ذلك العيد الذي يحمل الفرحة والسعادة لكل من أعطي هؤلاء الاحباء الذين حرموا من بعض نعمة التركيز ولكن الله أعطاهم القدرة علي العطاء في كل نواحي الحياة. د. مهندس اسماعيل عثمان يواصل المشوار الذي بدآه معاً هو وحرمه الراحلة ماجدة موسي في رعاية علمية وفنية لهؤلاء الأحباء الذين يقبلون علي الحياة وهم لا يعلمون أن الله جعلهم ليشعر الذين وهب الله لهم عقولا واعية انهم في نعمة لا يحسون بها. اختارت ماجدة موسي المبدعة الراحلة في التعليم ان ترعي هؤلاء من ذوي الاحتياجات الخاصة وكم كانت التجربة شديدة الصعوبة عظيمة الخصوبة. أحب دائماً أن أستمتع بأعياد الحصاد لحفلات آخر العام ولم أتأخر عن دعوة الدكتور مهندس اسماعيل عثمان رئيس مجلس ادارة مدارس مصر للغات والراعي الدائم لهؤلاء الصغار الذين انسحب منهم بعض العقل متمما رسالة زوجته الراحلة العظيمة ماجدة موسي. التواصل في هذا الطريق غاية في الصعوبة، ليست صعوبة المال ولكن الصعوبة في إيجاد البشر القادرين علي حمل هذه الامانة التي تحتاج الي قدرات عالية وصبر وجلد لتدريب هؤلاء الذين اصبحوا اصحاب قدرات خاصة جداً سواء عقلياً او جسدياً لا أستطيع ان اعطي هؤلاء الأحباء الذين أعطوا من عقولهم وقدراتهم ووقتهم لهؤلاء الاحباء فاصبحوا جزءاً من عقولهم. ظلت الدهشة تسكنني طوال ثلاث ساعات وهؤلاء الاحباء يرقصون ويغنون لكل المناسبات مرة للاحياء الشعبية ومرة لاعياد الحصاد في القرية ومرة للمولد النبوي ومرات للابداع الحركي وكثيراً للغناء وكانت النهاية اغنية يا أغلي اسم في الوجود يا مصر.. وهذه الاغنية دائماً ما تمس شغاف قلوب المصريين فأصبحت القاعة كلها كورسا للأحياء الذين قادوا الكورس بجدارة ولم أتعجب لهذه القدرات التي تفجرت من اللا قدرات وتفجرت معها دموع الدكتور اسماعيل عثمان مثل أي أب فرح بإنجاز ابنائه. وأم تشد علي يدي شاكرة حضوري وأكاد أبكي وأقبل يديها لرعايتها الاستثنائية لهذا الابن وتقول لي - إبني ولد سويا وظل حتي سن الثالثة وتكلم وفهم كل شيء وفجأة أصابته حمي خرج منها وقد ثقل لسانه وتعثر في فهم ما يحدث حوله. وأم أخري قالت لي: إبنتي كانت زكية جدا حتي سن الخامسة وتدحرجت علي درجات السلم.. ثلاثين درجة ثم وقعت ساكتة تماماً وفي المستشفي ظلت في الانعاش يومين وخرجت تتعثر في الكلاموعين من عينيها ثابتة لا تتحرك وكان شقيقها عند الراحلة ماجدة موسي في أولي ابتدائي وحكيت لها الحكاية فطلبت مني أن احضرها للمدرسة وبدأت ترعاها في مكتبها الخاص لقد كانت ماجدة موسي سيدة استثنائية سواء في الحنان أو في اسلوب رعاية الصغار ذوي الاحتياجات الخاصة. لقد بدأت ماجدة موسي بفصل لذوي الاحتياجات الخاصة في حضانة الحرية التابعة لمدرسة الحرية بالجيزة. وكنت كلما زرتها وجدت في مكتبها بعض الاطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ولاحظت انها تضع في مكتبها غير علب الحلوي بعض برطمانات (المخلل) وسألتها - لماذا يا ماجدة؟ قالت: بعض الأطفال بعد أن يأكلوا سكريات يتمنون الحصول علي اشياء مملحة: وضروري يشعرون أن المدرسة فيها كل حاجة يطلبونها علشان يحبوا المدرسة وبالتالي يحبوا التعليم. رحمها الله رحمة واسعة بقدر ما قدمت لهؤلاء الأحباء من عطف وحب ورعاية علمية. بين الفن والإعاقة كانت السعادة تملأ وجوههم بالبشر والاقبال وكانوا أثناء تقديمهم ابداعهم في الفن من رقص وتمثيل وغناء يشعرون أنهم يسعدون الجماهير بمن فيهم أمهاتهم وآباؤهم. إن الفن بلا جدال يرفع عنهم جزءاً كبيراً من الاعاقة وإن الفن جزء من دخولهم المجتمع بكل شجاعة ويعطيهم قدرات استثنائية في مواجهة اعاقتهم التي لا يشعرون بها ولكنهم يشعرون ان هناك شيئا ما يفصلهم عن الاسوياء وربما لايدركون ماهو: وقدر حزن الاسر بقدر العناء الذي يشعرون به لاعطاء اولادهم القدرة علي التعايش مع المجتمع واخفاء احزانهم في القلب وأنا أعتقد أن الاسرة التي لديها طفل معاق من أي نوع سواء ذهنياً او بصرياً أو حركيا تعيش هذه الاعاقة ولا ينفصل عنها باقي الاسر. وأعرف أسرة كان لديها ابن معاق ذهنياً اصبح اخوته يغارون منه لانه يأخذ من وقت الأم والأب مالا يأخذونه ولا يستطيعون، بل هناك حالة لأسرة اصبح ابنها السليم (يمثل) الاعاقة ويتلعثم في الكلام حتي يكتسب اهتمام الأسرة لهذا تصبح الاسرة مهمومة جداً ليس بالطفل المعاق ولكن بالاطفال الآخرين الذين اكتسبوا اعاقة اخري من الاهتمام بالمعاق. وفي الواقع ومن وجهة نظري أن الاسرة يجب ان تشعر الإخوة والأخوات الاسوياء بالمسئولية الانسانية ناحية شقيقهم المعاق وأعرف أما كان لديها طفل معاق وثلاثة اسوياء وزعت بين الثلاثة مسئولية المعاق فالاخت الكبري كانت تقرأ له وتحاول ان تعلمه الكتابة والأخ الثاني كان يعلمه الألعاب الرياضية اما الأخت الصغيرة فكانت تجلس معه وهو يأكل لتتناول طعامها بهدوء شديد حتي يقلدها ولا يأكل بطريقة غير سليمة. في إنجلترا وحرصت وأنا في انجلترا أن أزور مدارس المعوقين المختلطة بالاسوياء وكانت المدرسة تتركهم مع بعضهم البعض لاوقات طويلة حتي يشعر الاسوياء بالمسئولية ويشعر المعوقون بأنهم عاديون مثل الآخرين. وكانت المدرسة تهتم بالعمل اليدوي مثل النجارة والرسم وعمل التماثيل وكذلك بدهان حوائط المدرسة للأطفال الكبار - المراهقين - وكانت هذه الطريقة تجعلهم يندمجون تماماً في العمل ولا يستغرقون في اعاقتهم. كذلك كانت المعلمة تعقد صداقة بين كل اثنين واحد معوق والآخر سليم وتعطي للسليم دون ان يشعر مسئولية علي المعوق كأن تطلب من أن يعلمه كيف يكتب الحروف جيداً أو كيف ينطقها جيداً لو كان العيب في النطق. ولكن لاحظت في انجلترا أنهم لا يفصلون المعوقين فصلاً تماماً عن الاسوياء وأنما يكون الاختلاط جزءا من التمارين الهامة علي الدخول في عالم الاسوياء. في انجلترا ايضاً اهتموا بالرياضة وخصوصا السباحة، وكانت المدرسة تعقد مسابقات بين الاسوياء والمعاقين في الألعاب الرياضية المختلفة مثل مباريات الكرة وكذلك السباحة ولعبة اخري تعتمد علي القدرات الجسدية وهي ان يدخل الاطفال في مبني من الخشب به سلالم وأنابيب ويحاول كل منهم الخروج وتقام مسابقات للقدرات علي اجتياز الاماكن وهناك ايضاً حصة من حصص اليوم الدراسي في بعض المدارس هي حصة الحديقة ويقضي فيها الاطفال ساعتين في اقرب حديقة ويزرعون بعض النباتات سواء المثمرة مثل الطماطم والبطاطس أو بعض الزهور ويظل كل صغير يخرج من حصن الحديقة كل يومين ليرعي النبات الذي قام بزرعه وأحياناً تكون الحصة في جزء خلفي من حديقة المدرسة. في اليابان أما في اليابان فإن هناك في طوكيو مبني كبيرا جداً يطلق عليه (قلعة الاطفال) هذا المبني يدخله الاطفال من كل الاعمار وتسلمهم الأم كل إلي القسم الذي تريده سواء حضانة أو مدرسة أو ملعبا رياضيا او مرسم أو مسرحا لتعليم التمثيل أو قسما لتعليم الزراعة.. وهناك اهتمام بالمعوقين عن طريق ممارسة الفنون وأجمل ما رأيته في قلعة الاطفال حائط كبير من القيشاني الأبيض وأمامه الأطفال اسوياء ومعوقين ومعهم فرش بأحجام مختلفة وجرادل مملوءة بالالوان ويرسمون علي هذا الحائط ما يحبون ثم يقوم مساعدالمدرس أو المعلم بغسل الحائط ليرسموا غيره وقد تعجبت شخصياً لأن إبداع الأطفال علي هذا الجدار الكبير يمحي ولا يبقي منه شيء فاقترحت عليهم تصويره بالكاميرا ليكون عندهم (سلايدز) أو صورة للرسم ولانهم ناس لا يستحون من العلم فقد شكروني للملاحظة وعملوا بها وكتبوا عليها ملاحظة السيدة الباز من مصر وكانت الرسومات في منتهي الإبداع لجمال الالوان وسهولة الرسم عليحائط كبير وقد اقترحت عليهم ايضاً ان يأتي خبير في الفنون ليكتشف الفنانين الصغار وفعلاً عملوا بالنصيحة وبعدها بثلاثة أعوام سافرت إلي اليابان ووجدت أنهم وضعوا لافتة كبيرة بأسماء فنانين صغار رسمت لوحاتهم علي الجدارية. في جبل فوجي وحينما صعدت الي منطقة فوجي وهي منطقة جميلة، الذهاب إليها بجميع أنواع المواصلات فقد ركبت القطار من طوكيو الي شاطيء نهري ثم ركبت مركبا ثم صعدت بسيارة في طرق متعرجة حتي وصلت الي أعلي لأطل فقط علي قمة جبل فوجي والذي تغطي الثلوج جزءا من قمته وجزءا متعرجا من اجزائه كأنها ثلوج تسيل عليه ولكنها تجمدت أثناء نزولها من قمة الجبل.. منظر يأخذ العقل والعين ويجعل الانسان يقول فينفسه سبحان الله. هناك قابلت معلمة اطفال يابانية معها مجموعة من الأطفال لا يزيد عددهم علي سبعة أطفال بينهم اثنان معوقان ذهنياً. واحد معوق حركيا وكان معها مدرس مساعد وإحدي السيدات المرافقات للمساعدة وكان مع كل طفل شيء خاص به بعضهم يحمل كراس رسم وألوانا والبعض يحمل صلصالا وبنتان معهما خيوط ينسجان منها شرائط وطفل يحمل كاميرا صغيرة يصور بها ما يراه كانت المجموعة في غاية الانسجام وتتصرف كأنها تمشي علي الهواء بهدوء شديد وسعادة يمارسها الاطفال بشكل تلقائي فيه استمتاع بكل ما يفعل. وتأملت ما يحدث إن كل ذلك له تاريخ في هذه المنطقة فلا تقوم حركة ولا سلوك بدون أصول تاريخية ولذلك لم أتعجب وأنا أري المعلمة تعلم البنات كيف يرتدين (الكيمونو) الياباني وكيف يمشين (بالقبقاب) الياباني التاريخي الجميل وهي سعيدة والبنات في منتهي السعادة. وقد اختارت المعلمة ما تعلمه لهن بحيث تستطيع المعوقتان فعله بسهولة وهي ليست مصادفة ولكنها دارسة حتما،ً وقد تكلمت معها بالانجليزية وتكلمت معي بالانجليزية واضحة وشرحت لي ان دمج المعوقين بالاسوياء يأتي في مصلحة الاثنين فالسوي يتعلم كيف يعلم الآخرين والمعوق يكتسب من السوي ما يزيل تعويقه. ماجدة موسي واليابان وهكذا وجدت الراحلة العظيمة - المصرية العقل والتاريخ - تقوم دون أن تسافر الي اليابان بنفس العمل العبقري وهو دمج الاسوياء بالمعاقين وكانت هذه هي المرة الأولي التي تحدث في مصر حينما بدأت تجربتها في منتصف الستينيات وكانت شابة صغيرة وقد بدأت عملها بالحضانة حتي ترافق ولديها عمرو ومحمد ولا تتركهما وحدهما ولذلك عملت معلمة بالحضانة من أجل ولديها ولم يكن من الممكن ان تنجح مع عشرات الاطفال لولم تكن تحمل أمومة فياضة وعبقرية تربوية نادرة. إنها لم تسافر الي اليابان فقط، سافرت الي انجلترا وزارت الحضانات هناك ولكنها كانت تحمل في عقلها امومة وفكرا تربويا تعتمد علي الحنان أولا والعلم بالانسان صغيراً ثانياً وقد قلت لها بعد زيارتي لليابان : لقد رأيت تجربتك في اليابان وضحكت، وقالت: يمكن جدي كان ياباني وأنا ما اعرفش. هذه هي مصر وها هي بنت من بنات مصر.. مصر ذات التاريخ.. مصر أم الدنيا والدين، فعلي أرضها بدأ التاريخ وفي أرضها بدأ اخناتون التوحيد وكما أحب أن أقول دائماً إننا لم نعبد الصنم وإنما عبدنا منذ أكثر من أربعة آلاف عام الله الواحد الأحد.. ورعي الله مصر برعاية الله الواحد الأحد.