رمى اسلام بحيرى حجرا فى البحيرة الراكدة . أحجار كثيرة سبق وأن ألقيت من قبل ، حركتها كثيرا ولكنها كانت تهدأ ثم تركد من جديد ، ولكن هذه المرة أظنها لن تركد . فوسائل الاعلام والاتصال العابرة لكل الحدود والواصلة لكل الناس والعقول ، لن تجعلها تركد .. والصراع بين المقلدين والمجددين خرج الى افاق رحبة واسعة تفاعل معها كل الناس .. العالمون وغير العالمين دخلوا فى الدائرة وأصبحت لهم أراء ومواقف . ولم يعد من الممكن أن تغلق النوافذ وتسك الأبواب وتحرق الأوراق وتكمم الأفواه . العديد من أصحاب الفكر المجدد الذين نادوا بضرورة تنقية التراث الدينى مما دخل فيه من أفكار مغلوطة قالوا أراءهم بشجاعة وقاوموا الفكر المتشدد بقوة وتعرضوا للتكفير و التفريق ومنع كتبهم واهدار الدم والقتل أيضا . منهم من قال كلمته فى عصور بعيدة وواجهوا كل هذا .. ومنهم فى القرن الأخير مثل الشيخ مصطفى عبد الرازق وطه حسين وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد وسيد القمنى وعدنان المالكى وجمال البنا ولقى كل منهم ما لاقاه من تلك العقوبات . لكن بحيرى قال كلمته فى عصر مختلف وظروف مختلفة وعبر وسائل أيضا مختلفة فكان تأثيره مختلفا ورد الفعل تجاهه كان مختلفا هو الأخر . الذين تابعوا اسلام بحيرى اختلط عليهم الأمر بين ما كان يقوله من أراء وبين الطريقة التى كان بها يقول تلك الأراء ، واعتبر نفسى واحدا مما يتابعون برنامجه ، أتفق معه أحيانا وأختلف أحيانا ولكنى أعتبره يفتح أبوابا كثيرة مغلقة ويدخل فى مناطق تبدو حساسة لدى البعض ولايدركها الا صاحب رؤية .. فالعامة يشعرون بخطورة ما يقول لذلك فهو يثير قلقهم ، ولا يتفهمه الا صاحب فكر واسع وصدر رحب ، فهو يطعن فى أحاديث حققها جامع الأحاديث الأول والأشهر والمصدق عند جميع العلماء تقريبا والعامة أيضا لدرجة أن المثل الذى يقول : " هو أنا غلطت فى البخارى " يوحى للعامة أنهم من الممكن أن يغلطوا فى أى كتاب الا فى البخارى صاحب الصحيح الذى لا يجرؤ أحد على الطعن فيه . و أتفق مع من يقول ان اسلام البحيرى لم يضع الى جواره بندقية أومدفعا رشاشا، يهدد به من يخالفونه الرأى أو يجبر مشاهديه على ضرورة التسليم بصحة مايقول أو ينذرهم بعظائم الأمور ان أغلقوا فى وجهه الشاشة رفضا لرؤاه..، ولم يطعن على الاسلام أو يشكك فى رسالته أو يجدف فى وحدانية الله، ولكنه كان يناقش أبعادا فى الفكر الاسلامى يمكن الاختلاف عليها، والفكر الاسلامى فى النهاية عمل انسانى يحتمل الخطأ والصواب، ويقبل النقد والتطوير، والأهم من ذلك أنه يحتاج الى التجديد المستمر كى يبقى دائما فكرا عصريا متطورا غير جام وفى حوارى مع العالم الجليل الشيخ خالد الجندى أتفق معه فى أن بحيرى فتح العقول أمام نقاش علمى جاد ولكن ينقصه أمانة النقل و حسن اللفظ . الكثيرون حتى الذين يتفقون على ما يقوله عابوا عليه اسلوبه فى التعبير وعصبيته فى الأداء وسخريته أحيانا فى مواضع لا تحتمل السخرية . الأزهر الشريف تقدم إلى النائب العام ضد إسلام بحيري ببلاغ يعترض فيه على برنامجه و "ما يثبه من أفكار شاذةٍ، تمس ثوابت الدين، وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المتفق عليهم، وتسيء لعلماء الإسلام، وتعكر السلم الوطني، وتثير الفتن، في الوقت الذي يحتاج فيه الوطن إلى توحد كل أبنائه، والتفافهم حول قيادتهم من أجل النهوض بمصر ." الأزهر الشريف الذى نجله ونحترمه بما يمثله على مدى أكثر من ألف عام قال أن التحرك القانوني ضد البرنامج وما يروجه جاء بعد استفحال خطره وتَعالي أصوات الجماهير مستنجدة بالأزهر الشريف لوقف هذا البرنامج لما فيه من آراء شاذة تتعمد النَّيْلَ من أئمة وعلماء الأمة الأعلام المشهود لهم بعلو المكانة ومنزلة تراثهم الذي لا ينكره إلا موجَّهٌ أو جاحدٌ أو غيرُ مدرك لما يحويه هذا التراث العظيم الذي أثرى المكتبة الإسلامية، بل والعالمية، هذا بالإضافة إلى ما قام به من سب وقذف علني لعلماء الأزهر الشريف، وتعمده إهانة المؤسسة الأزهرية. ويبقى الأزهر مؤسسة علمية محترمة رغم ما يتعرض له من هجوم فهو الحصن الباقى للاسلام ليس فى مصر وحدها بل فى العالم كله .. وهو لذلك أكد على أنه لا يكفر أحدًا ولا يهدر دم أحد، وأكد على رفضه التام لدعاوى التكفير وإهدار الدم التي نُسبت إلى أحد غير المنتسبين للأزهر الشريف، ويوضح أنه لا علاقة للأزهر من قريب أو بعيد به، ويبرأ إلى الله من هذا الفعل. وهو فى هذا يرد على الذين كفروا بحيرى وأهدروا دمه حتى دون أن يناقشوه . بعيدا عن غضب الأزهر وعصبية بحيرى فان باب الحوار يجب أن يبقى مفتوحا دون أن يتهم طرف منهما الأخر بالخروج عن الدين فليس هناك اسلام بحيرى أو اسلام الأزهر . وليس هناك فى الاسلام كهنة ولا كهنوت وليس هناك من البشر من هو مقدس أو منزه عن الخطأ الا ما أنزله الله تعالى وما صح عن رسوله الكريم من أحاديث وأقوال . يبقى التجديد ضرورة يحرضنا عليها الله ورسوله بعيدا عن ثوابت الدين . والتجديد لا يتم الا بالحوار .. والحوار لا يتم الا فى جو من الحرية والتسامح ورجاحة العقل ورحابة الصدر .