مشهد مؤثر بلجنة طامية.. رئيس لجنة انتخابية يساند كبار السن وذوي الهمم في الفيوم    محافظ الجيزة يتابع سير العملية الانتخابية ميدانيًا بأحياء الدقي وجنوب الجيزة    في أكبر تجمع للعباقرة.. 8000 متسابق يتنافسون في "البرمجة" بالاكاديمية العربية    نيروبي: تشكيل حكومتين في السودان يثير الجدل حول مسار البلاد ( تحليل )    خطة عسكرية اسرائيلية جديدة في غزة واستهداف لقادة حماس في الخارج    وسط ترحيب خاص من اللاعبين .. عدى الدباغ يشارك فى تدريبات الزمالك    مصدر مقرب من أحمد عيد ل في الجول: اللاعب جدد طلبه في الرحيل عن المصري    أمن بني سويف يكشف لغز العثور على رأس طفل صغير داخل صندوق قمامة أمام مدرسة.. تفاصيل    منتخب السباحة بالزعانف يطير إلى الصين لخوض دورة الألعاب العالمية    الدباغ ينتظم في تدريبات الزمالك.. والفريق يستقبله بممر شرفي    المفوضية الأوروبية تنتقد وصف ألمانيا للاتفاق التجاري مع واشنطن ب"الضعيف"    رئيس هيئة النيابة الإدارية يواصل متابعة سير العملية الانتخابية    إصابة شخص بحالة إغماء أثناء الإدلاء بصوته بالفيوم    وزير السياحة والآثار يترأس مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار    انتخابات الشيوخ 2025.. محافظ أسوان يشيد بتواجد الفرق الطبية بمحيط اللجان    البنك المركزي يطلق برنامج بكالوريوس العلوم المصرفية رسميا بالتعاون مع 5 جامعات حكومية    أمين عام "حزب الله": برّاك اشترط أن يفكك 50% من قدرتنا في غضون شهر ولكنهم لا يعلمون مستوى قدرتنا    أشرف زكى : حالة محمد صبحى مستقرة ولا يزال فى العناية المركزة    لو حد من قرايبك يؤذيك تتصرف إزاى؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رئيسة سويسرا تزور واشنطن لبحث ملف الرسوم الجمركية    مصرع شخص وإصابة آخر في مشاجرة بمنطقة المهندسين في الجيزة    الأهلي يصعد في ملف تسوية مديونيات الزمالك    "نعلمهن قيمة المشاركة".. فتيات يدلين بأصواتهن برفقة أخواتهن الصغار داخل لجان انتخابات الشيوخ بقنا    قصور الثقافة تطلق مسابقتين للأطفال ضمن مبادرة النيل عنده كتير    السيدات يتصدرن المشهد لليوم الثاني علي التوالي بلجان الشروق    لجنة الحكام تُفاضل بين "معروف" و"الغندور" لإدارة مباراة الزمالك وسيراميكا    في جولة مفاجئة.. محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى أجا المركزي    إنفوجراف| تعرف على أنشطة مديريات الزراعة والطب البيطري خلال أسبوع    انتخابات الشيوخ 2025.. إقبال متزايد وانتظام في سير العملية الانتخابية بالسويس    محافظ الفيوم يوجه برعاية شابين توأم يعانيان من صرع كهرباء زائدة بالمخ    عاجل- الرئيس السيسي: الأهرام منارة التنوير.. وركيزة أساسية في تشكيل الوعي الوطني على مدار 150 عامًا    إيرادات "روكي الغلابة" تقفز إلى 16 مليون جنيه خلال أسبوع    فاروق جعفر: أحمد عبدالقادر لن يفيد الزمالك.. وزيزو لم يظهر مستواه مع الأهلي    محافظ القليوبية يباشر حادث تصادم على طريق شبرا بنها ويوجّه بإعادة الحركة المرورية    وزيرا التعليم والزراعة يشاركان في ورشة عمل التعاون مع القطاع الخاص لتطوير التعليم الفني الزراعي    تفاصيل تعرض الأولى على الثانوية العامة لحادث سير وإصابة والدها    عالم أزهري: عدم غض البصر في تلك الحالة قد يكون من الكبائر    قرار حكومي.. تكليفات ومهام جديدة لنائب وزير الكهرباء    بالزي الصعيدي.. صابرين تشارك جمهورها أول صورة من كواليس "المفتاح"    انتخابات الشيوخ 2025.. 30 صورة ترصد جولات محافظ الأقصر لمتابعة عملية التصويت    «بيحبوا ياخدوا حذرهم».. 5 أبراج شكاكة بطبعها    انتخابات الشيوخ 2025.. وحدات تكافؤ الفرص بالشرقية تشجع السيدات على التصويت    فضيحة تهز فرنسا.. اعتداء جنسى داخل مستشفى للأطفال واعتقال رجل وممرضة    في ذكرى رحيله.. «مصطفى متولي» ابن المسرح وصاحب الوجه الحاضر في ذاكرة الجمهور    جامعة قناة السويس تعتمد نتائج بكالوريوس الزراعة    انتخابات الشيوخ 2025.. السيدات يتصدرن المشهد في ثاني أيام التصويت بلجان المهندسين    تسجل 41 درجة وأجواء صيفية ممطرة.. بيان هام من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    عيد مرسال: العمال يتصدرون المشهد الانتخابي في اليوم الثاني لانتخابات الشيوخ    تدريب 42 ألفًا من الكوادر الطبية والإدارية خلال النصف الأول من 2025    للوقاية من الجلطات.. 5 أطعمة تدعم صحة قلبك    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 5 أغسطس 2025    "قصص متفوتكش".. صور احتفال حسام عبد المجيد بعقد قرانه.. ونجوم الزمالك باحتفالية بيراميدز    جوائز تتخطى 1.5 مليون جنيه.. كيفية الاشتراك في مسابقة الأزهر وبنك فيصل لحفظ القرآن    فريق طبي بالدقهلية ينجح في تفريغ نزيف بالمخ وزراعة عظام الجمجمة في جدار البطن    المحكمة العليا البرازيلية تأمر بوضع الرئيس السابق بولسونارو قيد الإقامة الجبرية    كندا تعلن تسليم مساعدات إنسانية إضافية لقطاع غزة    ردده قبل كتابة رغبات تنسيق الجامعات 2025.. تعرف على دعاء وصلاة الاستخارة    هل التيمم مقصورًا على التراب فقط؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
توفيق الحكيم علي متن طائرة عسكرية !


فإذا انطفأ نور الفكرة لم يبق للرسالة وجود
كنت ومازلت شديد الاعجاب بأديبنا الكبير توفيق الحكيم.. وبما كتبه من مسرحيات وقصص ومقالات.
وكانوا يطلقون عليه اديب البرج العاجي، وكنت لا اؤمن بهذه المقولة.. فرجل البرج العاجي منعزل عن الحياة والناس، والحكيم لم يكن في يوم من الايام منعزلا عن الناس، فقد شارك بكتاباته عن كل ما مر بالوطن من احداث علي مختلف الاصعدة.. السياسية منها وغير السياسية.. وكانت كتاباته تعكس واقعنا الاجتماعي والسياسي والفني، حتي دراساته الفكرية كانت تمس حياتنا، وما نصبو إليه من فهم ما يدور حولنا من نظريات علمية، ومذاهب فلسفية، واتجاهات ادبية ورؤي دينية.
واذكر انني كتبت عنه دراسة في آخر ساعة علي صفحتين بمناسبة احد اعياد ميلاده، فأرسل لي "كارتا" مازلت احتفظ به مكتوبا فيه كلمة واحدة.. اشكرك.
ومرت سنوات.
وقرأت انه دخل مستشفي "المقاولون العرب" لمرضه، وقررت ان ازوره بالمستشفي بصحبة زميلي المصور الكبير حسن دياب، علي امل ان يلتقط له بعض الصور، وعلي امل ان احظي بحوار ادبي معه.
كان الرجل يلبس الروب علي بيجامة، ويجلس بجانب السرير وبجانب السرير كانت هناك منضدة صغيرة وضع عليها القرآن الكريم، وسجادة.
وقابلنا بابتسامة عريضة، وشجعني ذلك علي الدخول معه في حوار، وعلي غير المتوقع تحدث الرجل طويلا، واجاب عن كل اسئلتي، بل استمر هذا الحوار يوميا علي مدي اسبوع كامل.. تحدث فيه عن كل شيء.. السياسة.. الشكليات في الدين.. المسرح.. ادب اللا معقول، رأيه في ادباء عصره.. وبعض ما مر به من طرائف في حياته ونشر كل ذلك علي مدي ستة اعداد من "آخر ساعة" بصورة واسعة.
واطرف ما في هذه اللقاءات قوله:
عندما كنت وكيلا للنائب العام كنت اري عجبا في قاعات المحاكم، وجلسات التحقيق، وكنت افكر كثيرا في امر ذلك الشرير الذي طالعت صحيفة حياته، فاذا اثام ودماء تسيل منها، ومع ذلك يقف امامي متطلعا الي السماء، ويأبي ان يقسم بالمصحف كذبا!
هذا الآدمي قد انطلقت غرائزه الدنيا لا يقوم لها شيء، لكن برغم هذا في نفسه منطقة عذراء لم يتطرق اليها فساد.. انها منطقة العقيدة.. أهناك اذن فاصل بين العقيدة والغريزة؟
كذلك كان يدهشني امر صديق من خيرة القضاة.. كثير الورع.. حريص علي العبادة والصلاة، ومع ذلك كان عقله حرا من كل قيد.. ما يدور بيننا حديث في الخالق والخليقة حتي يذهب هو في التدليل والمنطق كل مذهب، الي ان يقع في الالحاد وانكار الجنة والنار!
ويؤذن المؤذن بالصلاة فاذا القاضي يسرع مخلصا الي ذلك الدين الذي قال فيه منذ لحظة قولا عظيما.
وحدثني عن بداية اهتمامه بالفكر الاسلامي بقوله:
لقد طلب مني الاستاذ الزيات صاحب الرسالة ان اكتب مقالات عن الهجرة النبوية الشريفة، لانه كان قد اعتزم اصدار عدد خاص من المجلة عن هذه المناسبة، وعندما اخبرته انني لا اكتب هذا اللون من الدراسات طلب مني الرجوع الي عدد من المراجع التاريخية الاسلامية، وان اكتب شيئا من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وكانت هذه البداية هي الدافع لكتابة كتابي "محمد" فيما بعد.
ويبتسم توفيق الحكيم وهو يقول: هل تعرف ان اجر المقال كان جنيهين، وكان المرحوم عبدالعزيز البشري سعيدا لانه قبض هذا المبلغ، بل انه صاح فرحا: الادب بيوكل عيش يا جدعان.
وابتسم الحكيم وانا أسأله عن اول رحلة له عندما ذهب الي سوريا ليغطي احتفالها بالاستقلال.. وضحك طويلا وهو يتذكر هذه الرحلة وقال:
قال لي الاستاذ مصطفي امين ان الفرنسيين قد خرجوا من سوريا واصبحت سوريا تتمتع بالاستقلال، وعليك ان تسجل هذا الحدث باعتبارك من انصار الحرية والاستقلال سألته: وكيف اذهب الي دمشق؟
فقال: ستذهب مع وفد حكومي سيسافر الي دمشق، ولكن انت ممثل للفكر الحر، ولكن سفرك سيكون علي طائرة حربية.. وقد عملنا ترتيبنا مع وزارة الحربية علي ان تكون مع هذا الوفد علي متن الطائرة العسكرية؟
قلت لمصطفي أمين: افكر.. لان ركوب الطائرة بهذا الشكل صعب.. وفي اليوم التالي وجدت فعلا من يوقظني من الساعة السابعة، وجاءت عربة فأخذتني الي المطار، وكانت الطائرة العسكرية في الانتظار.. ذهبت وامري لله وركبت الطائرة العسكرية، ووصلت الي دمشق، وقبل النزول كانت الطائرة "تتشقلب" في الفضاء، وفزعت فطمأنوني بأن الطائرة تحيي سوريا عسكريا بالطريقة المعتادة عند العسكريين.. بأن تقوم الطائرة بحركات بهلوانية في الجو، ووجدت نفسي اتشقلب معها وفزعت وصحت: نزلوني!!
لا تخف فإن الطائرة تؤدي التحية العسكرية!
نزلوني!!
ونزلت الطائرة مطار دمشق بسلام والحمد لله، وفي المطار نزلنا وكنت اعاني من الدوار، وكان في استقبالنا رئيس الوزراء السوري، وبعض رجال الدولة.
وقد رحبوا بي، ووجدتهم يأخذون حقيبتي الي احد الفنادق الفخمة علي اساس اني ضيف علي الحكومة السورية.
ويمضي الحكيم في حديثه الشائق حول هذه الرحلة، وكيف رفض الفندق اخذ النقود من الحكيم، وكانت عشرة جنيهات فأرسل الحكيم هذه الجنيهات في ظرف الي رئيس الوزراء السوري الذي رد هذه الفلوس الي أخبار اليوم.
وعندما رجعت قال لي مصطفي أمين:
لقد احرجت رئيس الوزراء السوري.. وكيف تصنع ذلك؟ قلت له: انا لم اذهب بدعوة، ولكن ذهبت من تلقاء نفسي لابداء شعوري فقط، ولم احاسبكم علي هذه المصاريف حتي يكون شعوري خالصا صادقا.
قال لي: وماذا افعل بهذه النقود؟
ويضحك الاستاذ توفيق الحكيم من قلبه وهو يقول:
لا ادري ما الذي تم بعد ذلك.. هل اخذت العشرة جنيهات وأمري لله أم تركتها للاستاذ مصطفي أمين!
الامبراطورية الإسلامية
قيامها واضمحلالها
للدكتور محمد حسين هيكل الاديب والسياسي المعروف كتاب شديد الاهمية رغم انه ليس له شهرة كتبه الاخري مثل "حياة محمد" وفي "منزل الوحي" و"الفاروق عمر" ورواية زينب.
وهذا الكتاب صدر عن دار الهلال بعد وفاته.. الكتاب يحمل عنوان "الامبراطورية الاسلامية والاماكن المقدسة" وتبرز اهمية هذا الكتاب في انه يجيب علي اسئلة معاصرة، نحاول ان نجد الاجابة عليها، واهم هذه الاسئلة لماذا يعيش العالم العربي والاسلامي في دائرة العالم الثالث؟
لماذا تخلف العالم الاسلامي في الوقت الذي استمدت اوروبا حضارتها من الحضارة الاسلامية متمثلة لنقلها فلسفة ابن رشد وما كتبه عن ارسطو وشروحه لفلسفته، بجانب استفادة اوروبا من العلوم العربية فنهضت وتقدمت وازدهرت حضارتها بينما تقهقر العالم الاسلامي وتراجع الي الخلف، وانتشرت فيه الخرافات والاساطير، ولم يكن السبب بالطبع الاسلام لان الاسلام هو دين التسامح والحث علي قراءة كتاب الكون بنفس الحرص علي قراءة كتاب الله.
ان مفكرنا الكبير الدكتور هيكل يحدثنا عن الامبراطورية الاسلامية وسبب اضمحلالها.
انه يري ان قيام الامبراطورية الاسلامية حادث فذ في تاريخ الانسانية.. فقد بدأ الغزو العربي للشام والعراق سنة خمس وثلاثين وستمائة لميلاد السيد المسيح وبعد خمس عشرة سنة من هذا التاريخ كانت الامبراطورية الاسلامية قد اشتملت علي فارس ومصر وشمال افريقيا، وامتدت الي حدود الهند وتاخمت الصين.
وقيام امبراطورية بهذه السعة وفي هذا الزمن القصير معجزة لذاته.
ويقارن بين هذه الامبراطورية الاسلامية والامبراطوريات التي سبقتها كامبراطورية الاسكندر، وامبراطورية المغول بأن هذه الامبراطوريات تناثر عقدها، وزال سلطانها وعادت الدول التي ضمها الغزاة الي نظامها الاول، بعكس الامبراطورية الاسلامية التي استقرت قرونا امتدت اثناءها إلي الاندلس، وانتشرت في الهند، واظلت جانبا من الصين.. وهي الي ذلك قد اقامت حضارة سادت شعوب العالم كل هذه القرون، فلما آن للامبراطورية الاسلامية ان تنحل بقيت هذه الحضارة تناضل عن نفسها وهي اليوم تبعث من جديد.
ويري كاتبنا الكبير ان السبب كما يذكر المؤرخون المسلمون ان بعث النبي العربي ودعوته هما اللذان اقاما هذه الامبراطورية، ولو ان القوة التي وقفت امامهم الفرس والروم كان في مقدورها ان تصمد لهم لتغير وجه التاريخ، وان هذه الحضارة استمرت بسبب المباديء السامية التي جاء بها الدين الحنيف من عدل وحرية ومساواة.
ويقول: وقد كان للحرية العقلية ولحرية الرأي من القدسية ما يشهد به اجتهاد المتشرعين والفقهاء في القرون الاولي، وما يدل عليه من نقل من كتب الفلسفة اليونانية، وما اخذ به المفكرون والفلاسفة الاسلاميون من مباديء هذه الفلسفة اليونانية وما اضافوه اليها من عندهم.
ويري الدكتور هيكل ان دورة الفلك دارت، فإذا الحرية انقلبت جمودا، واذا الاخاء والمساواة يذبلان امام سلطات الباطشين من الحكام المستبدين.
عند ذلك بدأ تدهور الامبراطورية وانحلالها، ولم يكن ذلك عجبا والحياة الانسانية فكرة ورسالة، وليست اداة يوجهها من شاء الي ما شاء.
والحياة الانسانية القائمة علي الفكرة مثمرة دائما، موجهة ابناءها جميعا الي الوان من النشاط تزيدها قوة، وتدفع اليها كل يوم حيوية جديدة، فاذا انطفأ نور الفكرة، لم يبق للرسالة وجود، وآن لهذه الحياة الانسانية ان يتواري كل ما فيها من ضياء.. فلا يبقي منها إلا المظهر المادي، أو المظهر الحيواني للوجود ويري انه لا قيام لامبراطورية علي اساس من المادة ولا من المظهر الحيواني، ولذلك انحلت الامبراطورية الاسلامية، لان الرسالة التي آمن بها المسلمون الاولون توارت وراء الحجب.
ويتساءل: أفقدر لها ان تبعث من جديد؟ ذلك ما اعتقده وعلمه عند ربي.
واعتقد ان الدكتور محمد حسين هيكل لو كان بيننا اليوم، ورأي الناس يجرون وراء الشكليات في الدين، لا الجوهر لاضاف ذلك الي اسباب تخلف العالم الاسلامي.. الذي يجري وراء الشكليات بعيدا عن الوسطية وجوهر الدين الحنيف.
الخطايا الأربع
كان رابندرانات طاغور من كبار شعراء الهند، وكان كاتبا مسرحيا، وايضا مفكرا كبيرا، وحصل علي جائزة نوبل.. ولكتاباته سحر خاص، لما فيها من عمق وفهم للنفس البشرية.
ومن اشعاره الجميلة التي استوقفتني والتي أوردها ابراهيم المصري في كتابه "أعلام الادب الانساني" الخطايا الاربع:
لماذا انطفأ المصباح؟
لقد احطته بردائي لأجعله في مأمن من الريح.. لهذا انطفأ المصباح.. هذا هو التهور.
لماذا ذبلت الوردة؟،، لقد ضممتها الي صدري في لهفة وقلق.. لهذا ذبلت الوردة، هذا هو خداع الحب.
لماذا جف النهر؟.. لقد اقمت حياله سدا ليخدمني انا وحدي.. لهذا جف النهر هذه هي الانانية.
لماذا انكسر وتر العود؟.. لاني اردت ارغامه علي تأدية نبرة عالية.. لهذا انكسر وتر العود هذا هو الكبرياء.
كلمات مضيئة :
ستنسي الناس كل مقالاتي
وستبقي في القلوب كل ابياتي
كان عمري رحلة
وقصائدي رحلاتي
فإذا انطفأ نور الفكرة لم يبق للرسالة وجود
كنت ومازلت شديد الاعجاب بأديبنا الكبير توفيق الحكيم.. وبما كتبه من مسرحيات وقصص ومقالات.
وكانوا يطلقون عليه اديب البرج العاجي، وكنت لا اؤمن بهذه المقولة.. فرجل البرج العاجي منعزل عن الحياة والناس، والحكيم لم يكن في يوم من الايام منعزلا عن الناس، فقد شارك بكتاباته عن كل ما مر بالوطن من احداث علي مختلف الاصعدة.. السياسية منها وغير السياسية.. وكانت كتاباته تعكس واقعنا الاجتماعي والسياسي والفني، حتي دراساته الفكرية كانت تمس حياتنا، وما نصبو إليه من فهم ما يدور حولنا من نظريات علمية، ومذاهب فلسفية، واتجاهات ادبية ورؤي دينية.
واذكر انني كتبت عنه دراسة في آخر ساعة علي صفحتين بمناسبة احد اعياد ميلاده، فأرسل لي "كارتا" مازلت احتفظ به مكتوبا فيه كلمة واحدة.. اشكرك.
ومرت سنوات.
وقرأت انه دخل مستشفي "المقاولون العرب" لمرضه، وقررت ان ازوره بالمستشفي بصحبة زميلي المصور الكبير حسن دياب، علي امل ان يلتقط له بعض الصور، وعلي امل ان احظي بحوار ادبي معه.
كان الرجل يلبس الروب علي بيجامة، ويجلس بجانب السرير وبجانب السرير كانت هناك منضدة صغيرة وضع عليها القرآن الكريم، وسجادة.
وقابلنا بابتسامة عريضة، وشجعني ذلك علي الدخول معه في حوار، وعلي غير المتوقع تحدث الرجل طويلا، واجاب عن كل اسئلتي، بل استمر هذا الحوار يوميا علي مدي اسبوع كامل.. تحدث فيه عن كل شيء.. السياسة.. الشكليات في الدين.. المسرح.. ادب اللا معقول، رأيه في ادباء عصره.. وبعض ما مر به من طرائف في حياته ونشر كل ذلك علي مدي ستة اعداد من "آخر ساعة" بصورة واسعة.
واطرف ما في هذه اللقاءات قوله:
عندما كنت وكيلا للنائب العام كنت اري عجبا في قاعات المحاكم، وجلسات التحقيق، وكنت افكر كثيرا في امر ذلك الشرير الذي طالعت صحيفة حياته، فاذا اثام ودماء تسيل منها، ومع ذلك يقف امامي متطلعا الي السماء، ويأبي ان يقسم بالمصحف كذبا!
هذا الآدمي قد انطلقت غرائزه الدنيا لا يقوم لها شيء، لكن برغم هذا في نفسه منطقة عذراء لم يتطرق اليها فساد.. انها منطقة العقيدة.. أهناك اذن فاصل بين العقيدة والغريزة؟
كذلك كان يدهشني امر صديق من خيرة القضاة.. كثير الورع.. حريص علي العبادة والصلاة، ومع ذلك كان عقله حرا من كل قيد.. ما يدور بيننا حديث في الخالق والخليقة حتي يذهب هو في التدليل والمنطق كل مذهب، الي ان يقع في الالحاد وانكار الجنة والنار!
ويؤذن المؤذن بالصلاة فاذا القاضي يسرع مخلصا الي ذلك الدين الذي قال فيه منذ لحظة قولا عظيما.
وحدثني عن بداية اهتمامه بالفكر الاسلامي بقوله:
لقد طلب مني الاستاذ الزيات صاحب الرسالة ان اكتب مقالات عن الهجرة النبوية الشريفة، لانه كان قد اعتزم اصدار عدد خاص من المجلة عن هذه المناسبة، وعندما اخبرته انني لا اكتب هذا اللون من الدراسات طلب مني الرجوع الي عدد من المراجع التاريخية الاسلامية، وان اكتب شيئا من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وكانت هذه البداية هي الدافع لكتابة كتابي "محمد" فيما بعد.
ويبتسم توفيق الحكيم وهو يقول: هل تعرف ان اجر المقال كان جنيهين، وكان المرحوم عبدالعزيز البشري سعيدا لانه قبض هذا المبلغ، بل انه صاح فرحا: الادب بيوكل عيش يا جدعان.
وابتسم الحكيم وانا أسأله عن اول رحلة له عندما ذهب الي سوريا ليغطي احتفالها بالاستقلال.. وضحك طويلا وهو يتذكر هذه الرحلة وقال:
قال لي الاستاذ مصطفي امين ان الفرنسيين قد خرجوا من سوريا واصبحت سوريا تتمتع بالاستقلال، وعليك ان تسجل هذا الحدث باعتبارك من انصار الحرية والاستقلال سألته: وكيف اذهب الي دمشق؟
فقال: ستذهب مع وفد حكومي سيسافر الي دمشق، ولكن انت ممثل للفكر الحر، ولكن سفرك سيكون علي طائرة حربية.. وقد عملنا ترتيبنا مع وزارة الحربية علي ان تكون مع هذا الوفد علي متن الطائرة العسكرية؟
قلت لمصطفي أمين: افكر.. لان ركوب الطائرة بهذا الشكل صعب.. وفي اليوم التالي وجدت فعلا من يوقظني من الساعة السابعة، وجاءت عربة فأخذتني الي المطار، وكانت الطائرة العسكرية في الانتظار.. ذهبت وامري لله وركبت الطائرة العسكرية، ووصلت الي دمشق، وقبل النزول كانت الطائرة "تتشقلب" في الفضاء، وفزعت فطمأنوني بأن الطائرة تحيي سوريا عسكريا بالطريقة المعتادة عند العسكريين.. بأن تقوم الطائرة بحركات بهلوانية في الجو، ووجدت نفسي اتشقلب معها وفزعت وصحت: نزلوني!!
لا تخف فإن الطائرة تؤدي التحية العسكرية!
نزلوني!!
ونزلت الطائرة مطار دمشق بسلام والحمد لله، وفي المطار نزلنا وكنت اعاني من الدوار، وكان في استقبالنا رئيس الوزراء السوري، وبعض رجال الدولة.
وقد رحبوا بي، ووجدتهم يأخذون حقيبتي الي احد الفنادق الفخمة علي اساس اني ضيف علي الحكومة السورية.
ويمضي الحكيم في حديثه الشائق حول هذه الرحلة، وكيف رفض الفندق اخذ النقود من الحكيم، وكانت عشرة جنيهات فأرسل الحكيم هذه الجنيهات في ظرف الي رئيس الوزراء السوري الذي رد هذه الفلوس الي أخبار اليوم.
وعندما رجعت قال لي مصطفي أمين:
لقد احرجت رئيس الوزراء السوري.. وكيف تصنع ذلك؟ قلت له: انا لم اذهب بدعوة، ولكن ذهبت من تلقاء نفسي لابداء شعوري فقط، ولم احاسبكم علي هذه المصاريف حتي يكون شعوري خالصا صادقا.
قال لي: وماذا افعل بهذه النقود؟
ويضحك الاستاذ توفيق الحكيم من قلبه وهو يقول:
لا ادري ما الذي تم بعد ذلك.. هل اخذت العشرة جنيهات وأمري لله أم تركتها للاستاذ مصطفي أمين!
الامبراطورية الإسلامية
قيامها واضمحلالها
للدكتور محمد حسين هيكل الاديب والسياسي المعروف كتاب شديد الاهمية رغم انه ليس له شهرة كتبه الاخري مثل "حياة محمد" وفي "منزل الوحي" و"الفاروق عمر" ورواية زينب.
وهذا الكتاب صدر عن دار الهلال بعد وفاته.. الكتاب يحمل عنوان "الامبراطورية الاسلامية والاماكن المقدسة" وتبرز اهمية هذا الكتاب في انه يجيب علي اسئلة معاصرة، نحاول ان نجد الاجابة عليها، واهم هذه الاسئلة لماذا يعيش العالم العربي والاسلامي في دائرة العالم الثالث؟
لماذا تخلف العالم الاسلامي في الوقت الذي استمدت اوروبا حضارتها من الحضارة الاسلامية متمثلة لنقلها فلسفة ابن رشد وما كتبه عن ارسطو وشروحه لفلسفته، بجانب استفادة اوروبا من العلوم العربية فنهضت وتقدمت وازدهرت حضارتها بينما تقهقر العالم الاسلامي وتراجع الي الخلف، وانتشرت فيه الخرافات والاساطير، ولم يكن السبب بالطبع الاسلام لان الاسلام هو دين التسامح والحث علي قراءة كتاب الكون بنفس الحرص علي قراءة كتاب الله.
ان مفكرنا الكبير الدكتور هيكل يحدثنا عن الامبراطورية الاسلامية وسبب اضمحلالها.
انه يري ان قيام الامبراطورية الاسلامية حادث فذ في تاريخ الانسانية.. فقد بدأ الغزو العربي للشام والعراق سنة خمس وثلاثين وستمائة لميلاد السيد المسيح وبعد خمس عشرة سنة من هذا التاريخ كانت الامبراطورية الاسلامية قد اشتملت علي فارس ومصر وشمال افريقيا، وامتدت الي حدود الهند وتاخمت الصين.
وقيام امبراطورية بهذه السعة وفي هذا الزمن القصير معجزة لذاته.
ويقارن بين هذه الامبراطورية الاسلامية والامبراطوريات التي سبقتها كامبراطورية الاسكندر، وامبراطورية المغول بأن هذه الامبراطوريات تناثر عقدها، وزال سلطانها وعادت الدول التي ضمها الغزاة الي نظامها الاول، بعكس الامبراطورية الاسلامية التي استقرت قرونا امتدت اثناءها إلي الاندلس، وانتشرت في الهند، واظلت جانبا من الصين.. وهي الي ذلك قد اقامت حضارة سادت شعوب العالم كل هذه القرون، فلما آن للامبراطورية الاسلامية ان تنحل بقيت هذه الحضارة تناضل عن نفسها وهي اليوم تبعث من جديد.
ويري كاتبنا الكبير ان السبب كما يذكر المؤرخون المسلمون ان بعث النبي العربي ودعوته هما اللذان اقاما هذه الامبراطورية، ولو ان القوة التي وقفت امامهم الفرس والروم كان في مقدورها ان تصمد لهم لتغير وجه التاريخ، وان هذه الحضارة استمرت بسبب المباديء السامية التي جاء بها الدين الحنيف من عدل وحرية ومساواة.
ويقول: وقد كان للحرية العقلية ولحرية الرأي من القدسية ما يشهد به اجتهاد المتشرعين والفقهاء في القرون الاولي، وما يدل عليه من نقل من كتب الفلسفة اليونانية، وما اخذ به المفكرون والفلاسفة الاسلاميون من مباديء هذه الفلسفة اليونانية وما اضافوه اليها من عندهم.
ويري الدكتور هيكل ان دورة الفلك دارت، فإذا الحرية انقلبت جمودا، واذا الاخاء والمساواة يذبلان امام سلطات الباطشين من الحكام المستبدين.
عند ذلك بدأ تدهور الامبراطورية وانحلالها، ولم يكن ذلك عجبا والحياة الانسانية فكرة ورسالة، وليست اداة يوجهها من شاء الي ما شاء.
والحياة الانسانية القائمة علي الفكرة مثمرة دائما، موجهة ابناءها جميعا الي الوان من النشاط تزيدها قوة، وتدفع اليها كل يوم حيوية جديدة، فاذا انطفأ نور الفكرة، لم يبق للرسالة وجود، وآن لهذه الحياة الانسانية ان يتواري كل ما فيها من ضياء.. فلا يبقي منها إلا المظهر المادي، أو المظهر الحيواني للوجود ويري انه لا قيام لامبراطورية علي اساس من المادة ولا من المظهر الحيواني، ولذلك انحلت الامبراطورية الاسلامية، لان الرسالة التي آمن بها المسلمون الاولون توارت وراء الحجب.
ويتساءل: أفقدر لها ان تبعث من جديد؟ ذلك ما اعتقده وعلمه عند ربي.
واعتقد ان الدكتور محمد حسين هيكل لو كان بيننا اليوم، ورأي الناس يجرون وراء الشكليات في الدين، لا الجوهر لاضاف ذلك الي اسباب تخلف العالم الاسلامي.. الذي يجري وراء الشكليات بعيدا عن الوسطية وجوهر الدين الحنيف.
الخطايا الأربع
كان رابندرانات طاغور من كبار شعراء الهند، وكان كاتبا مسرحيا، وايضا مفكرا كبيرا، وحصل علي جائزة نوبل.. ولكتاباته سحر خاص، لما فيها من عمق وفهم للنفس البشرية.
ومن اشعاره الجميلة التي استوقفتني والتي أوردها ابراهيم المصري في كتابه "أعلام الادب الانساني" الخطايا الاربع:
لماذا انطفأ المصباح؟
لقد احطته بردائي لأجعله في مأمن من الريح.. لهذا انطفأ المصباح.. هذا هو التهور.
لماذا ذبلت الوردة؟،، لقد ضممتها الي صدري في لهفة وقلق.. لهذا ذبلت الوردة، هذا هو خداع الحب.
لماذا جف النهر؟.. لقد اقمت حياله سدا ليخدمني انا وحدي.. لهذا جف النهر هذه هي الانانية.
لماذا انكسر وتر العود؟.. لاني اردت ارغامه علي تأدية نبرة عالية.. لهذا انكسر وتر العود هذا هو الكبرياء.
كلمات مضيئة :
ستنسي الناس كل مقالاتي
وستبقي في القلوب كل ابياتي
كان عمري رحلة
وقصائدي رحلاتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.