وفي كل الحالات فإن الصالونات الثقافية ظاهرة تستحق الإشادة كما أن عودتها بكثافة في السنوات الأخيرة هي أمر يدعو إلي الاستبشار انتشرت في الأعوام الأخيرة ظاهرة »الصالونات الثقافية» التي بدأت تستعيد أمجادها المعروفة في عصر ما قبل »التليفزيون» وكأنها تذكرنا بعشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، فإذا كان السودانيون قد عرفوا جلسات »الونسة» وإذا كان أهل الكويت قد اخترعوا »الديوانية» وإذا كان السعوديون قد أسموا صالوناتهم بأيام الأسبوع وإذا كانت دول المغرب العربي تعرف الصالونات الثقافية والدروس الدينية فإننا في »مصر» قد عرفنا ذلك النمط الراقي من التجمعات الثقافية في جلساتٍ حميمة تنتسب إلي صاحب الصالون الذي يمكن أن يكون مفكرًا كبيرًا مثل »العقاد»، أو شخصية أدبية ذات جاذبية مثل »مي زيادة»، أو أديبًا مرموقًا مثل »نجيب محفوظ»، وفي كل الحالات فإن الصالونات الثقافية ظاهرة تستحق الإشادة كما أن عودتها بكثافة في السنوات الأخيرة هي أمر يدعو إلي الاستبشار لأن تلك الصالونات هي سبيكة اجتماعية وثقافية وفكرية بل وسياسية أيضًا يجري فيها تداول القضايا العامة وتقليب المواقف التي تمر بها الشعوب والمجتمعات فضلاً عن حالة التوافق الاجتماعي بين أعضاء الصالون الواحد، ولقد تعودت لسنواتٍ طويلة أن أذهب بعد صلاة الجمعة مباشرةً إلي صالون »د.عبد المنعم عثمان» شتاءً وفي حديقة منزله صيفًا، فهذا الرجل صاحب الصدر الرحب والقلب المفتوح كان لواءً طبيبًا »بالقوات المسلحة» متخصصًا في علم »التحاليل الطبية» يضم صالونه مجموعة كبيرة من المسئولين والمفكرين ذوي الرأي، فمنهم رؤساء حكومات ووزراء وأساتذة جامعات وأطباء كبار وشخصيات عامة ورجال أعمال فضلاً عن بعض القانونيين والأدباء، ويمتد الصالون بعد صلاة الجمعة إلي ما بعد صلاة المغرب يتخلله الغذاء المشترك فضلاً عن أداء الصلوات جماعة في موعدها، ولأن المرء يستطيع أن يكون عضوًا في أكثر من صالون مادام وقته يتسع لذلك فقد رحبت بعضويتي في »الصالون الثقافي العربي» الذي كان مقره في دار »المندوبية العراقية» لدي »جامعة الدول العربية» بحي »الزمالك» بالقاهرة، وكان مؤسسه ومضيفه هو المثقف العراقي الكبير »د.قيس العزاوي» وقد ترأس الصالون »د.يحيي الجمل» وله هيئة تنفيذية تضم الدكاترة »جابر عصفور» و»صلاح فضل» والإعلامي »محمد الخولي» وسفير لبنان المؤرخ والمفكر »د.خالد زيادة» والفنان العراقي صاحب »بيت العود» »نصير شمّة» وكاتب هذه السطور، ولقد صدرت عن ذلك النادي النشط مطبوعاتٌ تذكارية ولقد شرفني زملائي في ذلك الصالون بإصدار كتاب تذكاري بمناسبة عيد ميلادي السبعين كتبت فيه قامات عالية من مثل »د.سيد ياسين» و»د.حسن حنفي» و»د.حسين عبد القادر» و»د.جابر عصفور» و»د.صلاح فضل» و»د.خالد زيادة» وغيرهم من أعلام الفكر في سماء العالم العربي، ووضع له »د.قيس العزاوي» عنوانًا سخيًا للغاية عندما وصفني علي غلاف الكتاب بعبارة (رائد التحديث في الفكر السياسي العربي)، وكانت لي تجربة أخري في عالم الصالونات عندما اقترحت علي المفكر الراحل الدكتور »أنور عبد الملك» أن يكون له صالونه الذي بدأت جلساته بالعاصمة »النمساوية» وأنا سفير بها، ويومها احتشد له عدد كبير من الحضور من سفراء عرب وشخصيات كبيرة في »فيينا» ثم عقدنا بعض جلساته »بالقاهرة» في »النادي الدبلوماسي» إلي أن افتقدنا ذلك المفكر الكبير صاحب الدعوة الشهيرة »بالاتجاه شرقًا»، كما شاركت في صالون الفيلسوف المتميز »د.مراد وهبة» وتلميذته »د.مني أبو سنه» وحضرنا عدة جلساتٍ ثرية للنقاش الفذ الذي تتمحور القضايا المثارة فيه حول »ابن رشد» وفلسفته الفريدة التي جعلته اسمًا مدويًا لدي العرب والغرب علي السواء. ولقد أقام صديقي الأثري العالمي »د.زاهي حواس» صالونًا دوريًا باسم الكاتب الموسوعي »أنيس منصور» وكنَا نلتقي به كل أسبوع ونطلق عليه لقب »الساحر» بسبب جاذبية حديثه وجميل ذكرياته إلي أن رحل عن عالمنا منذ سنوات قليلة، ولقد كان لي لقاء منذ أسابيع مع »د.هشام الشريف» وهو شخصية متميزة في عالم التنظيم والإدارة مع خبرةٍ في الحاسبات الآلية وتكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال، كما أنه مؤسس مركز المعلومات في مجلس الوزراء الذي تخرج منه رئيس وزراءٍ أسبق وعدد كبير من الوزراء بعد ذلك، ولقد اقترح علينا »د.هشام» أن نقيم صالونًا فكريًا مصريًا يعني بالشئون العامة والقضايا الراهنة، وبالفعل عقدنا الجلسة التأسيسية لذلك الصالون في منزله بحضور السيد »عمرو موسي» ورجل الأعمال »جلال الزوربة» وعضو مجلس الشعب السابق »سامح فكري مكرم عبيد» وقد حرصنا علي تضييق نطاق الحضور في البداية حتي نحسن الاختيار خصوصًا وأنه لا يمكن الوصول إلي نتائج مفيدة للحوار إذا زاد العدد واحتدم النقاش، كما أنني أرتاد صالونًا آخر للكبار هو صالون »د.كمال الجنزوري» رئيس وزراء مصر قبل الثورة وبعدها والذي تحضره مجموعة من الوزراء والمسئولين السابقين وبعض الشخصيات العامة نتحدث فيه حول شئون الوطن بشفافية والتزام خصوصًا وأن صاحب الصالون لديه تجربة عريضة في السياسة والحكم والشئون الاقتصادية والمالية، إنها صحوة الصالونات التي نريد لها الاتساع والانتشار لأنها مؤشر إيجابي لحيوية النخبة وتكاتف المثقفين علي نحو يؤكد أهمية الحوار البنّاء والتفكير الجاد وتأثير ذلك في بناء الأمم، ويكفي أن نتذكر أن كثيرًا من المؤسسات الفكرية وجماعات الضغط السياسي قد تشكلت من مجموعات صغيرة أشبه ما تكون »بالصالون الثقافي» و»الملتقي الفكري» اللذين عرضنا نماذج لهما، »فالجمعية الفابية» في »بريطانيا» كانت تجمعًا محدودًا ثم أصبحت واحدة من أهم الجمعيات في التاريخ البريطاني الحديث وتمخض عنها قيام »حزب العمال» البريطاني بدوره الأساس في الحياة السياسية البريطانية المعاصرة، ويبقي في النهاية أهم صالونات القاهرة وأكثرها جدية ورصانة وهو صالون »د.أحمد العزبي» ذلك الصيدلي المرموق المعروف بإسلامه المعتدل ووطنيته المشهودة إذ يشارك في صالونه مصريون من كل الاتجاهات السياسية بغير استثناء ومن كل التخصصات تقريبًا، فتجد المدنيين والعسكريين، القضاة والمحامين، أساتذة الجامعات ورجال الإعلام وذوي الفكر وقادة الرأي دون تفرقةٍ أو تمييز، والحوار حر لايحكمه إلا إطار الوطنية المصرية ويترأس جلساته غالبًا الإعلامي الدولي »محمد الخولي» الذي كان متحدثًا باسم المجلس الاستشاري في فترة حكم المجلس العسكري بعد ثورة2011 وتبدو القيمة الحقيقية لصالون »العزبي» في أنه يعطي فرصة التأصيل للقضايا المختلفة والحوار حولها واستخلاص النتائج منها، وقد رصَّع الرجل حوائط الصالون بصور مرسومة لكل رواده قام بها فنان الجداريات المعروف »د.طه قرني».. تحيةً للصالونات القائمة، والصالونات القادمة، تحية للفكر المتجدد، تحية للروح الاجتماعية والمظلة الثقافية لتلك الصالونات في الأقطار العربية. الهيئة الإنجيلية لا أخفي إعجابي »بالهيئة الإنجيلية» في مصر والتي تعاملت معها ضيفًا عليها في منتدياتها واحتفالاتها وندواتها ومحاضراتها ومناسباتها المختلفة خلال العقدين الأخيرين، ولقد بدأت علاقتي بها عندما كان رئيسها القس الراحل »صموئيل حبيب» والد الدكتور »رفيق» ذلك المفكر الشاب صاحب الشخصية المثيرة للجدل والذي انضم إلي حزب »الإخوان المسلمين» منذ سنوات وهو أمر كان له صداه في وقته، ولقد جمع القس »صموئيل حبيب» بين رئاسة الطائفة الإنجيلية ورئاسة الهيئة الإنجيلية معاً في ذات الوقت بينما انقسم الأمر بعد رحيله ليتولي القس »صفوت البياضي» رئاسة الطائفة بينما آلت رئاسة الهيئة إلي الدكتور »نبيل صموئيل» ثم وصلت حاليًا إلي القس المثقف »د.أندريا زكي» الذي سعدت منذ يومين بانتخابه للرئاستين معًا الطائفة والهيئة، وهو نموذج رفيع للتوازن بين الدورين الروحي والوطني للكنيسة الإنجيلية، ولعل مثار إعجابي بهذه الهيئة هو طبيعة أنشطتها التي لا تعرف التمييز بين المسلمين والمسيحيين بل إنها تسعي جاهدة لإحداث التنمية الاجتماعية والاندماج المشترك بين الجميع، فلها مشروعات ناجحة في قري الصعيد والدلتا، لم تفرق فيها يومًا بسبب دينٍ أو لونٍ أو جنس فهي تستهدف الفقراء وتسعي لرفع مستوي المعيشة خصوصًا في المناطق التي يجتاحها العوز والحاجة وما أكثر تلك المناطق في بلادنا، والغريب أن تلك الهيئة تمزج بين التثقيف والترفيه، وبين التعليم والتنمية، وبين الوحدة الوطنية والتعاون الإنساني، ومازلت أتذكر عندما دعت الهيئة إلي محاضرات مشتركة لمجموعة من الشيوخ المسلمين والقساوسة المسيحيين الذين يعيشون معًا أسبوعًا أو أكثر خارج القاهرة ليعرف كل طرفٍ منهم عن الطرف الآخر حقيقته الوطنية وروحه القريبة منه لأن الإنسان بطبيعته عدو لما يجهله، ولذلك كانت سعادتي بالغة وأنا أري العلاقات الوثيقة بين شيخٍ وقسيس يقتسمان الطعام والشراب ويتحدثان كأخين بلا تفرقة بل وقد يقتسمان نفس الحجرة في الإقامة، وتقدم تلك الهيئة كل عام جائزة الراحل »صموئيل حبيب» في حفلٍ سنويٍ كبير أحرص علي حضوره وألتقي بأعداد من الأصدقاء في كافة المجالات والتخصصات دون أن أعرف من منهم المسلم ومن هو المسيحي، وتدعو الهيئة أحيانًا بعض الشخصيات من الخارج فتري امتزاجًا فكريًا بين أصحاب الرؤي المختلفة في الداخل ومن الخارج، ولقد أفرزت تلك الهيئة بل تلك الطائفة أيضًا شخصيات معتدلة أذكر منهم الصديق القس »مكرم نجيب» كما يتجاوز »د.أندريا زكي» الرئيس الجديد للطائفة حدود الدراسات »اللاهوتية» والقضايا الدينية ليخرج خارج نطاق الطائفة في اهتمامٍ عام بشئون الوطن وشجونه علي نحو يدعو إلي الإعجاب والاحترام، إنني أكتب الآن عن الهيئة الإنجيلية كنموذج يحتذي لمؤسسة دينية دنيوية جمعت بين كل المزايا التي يتطلع إليها العقل المعاصر من انفتاح وشفافية وحرصٍ علي الغير وحب للآخر. سفير النمسابالقاهرة أخيرًا عاد إلينا »جورج» ! هذا ما قلته لنفسي عندما أبلغني رئيس مجلس الأعمال المصري النمساوي الأستاذ »عماد تيمور» وهو يدرك مدي سعادتي بذلك الخبر باعتباري رئيسًا لجمعية الصداقة المصرية النمساوية منذ خمسة عشر عامًا حتي الآن، فالسيد »جورج» كما نسميه هو سفير النمسا الجديد الذي يمثل ظاهرة تستحق الاحترام وتستدعي لدينا السعادة والرضا، فقد كان والده الراحل مستشارًا ثقافيًا للنمسا بالقاهرة في سبعينيات القرن الماضي حيث نشأ »جورج شتيلفريد» وترعرع وتشكلت ملامح شخصيته وأصبحت لهجته المصرية عصية علي التعرف منها أنه غير مصري وأنه »نمساوي» الأب والأم، وارتبط ذلك الدبلوماسي بوطنه الثاني »مصر» وجاء إليها في مطلع هذا القرن نائبًا لسفير بلاده في »القاهرة» ثم نقل بعد ذلك سفيرًا للنمسا »بالكويت»، وأتذكر أنه مر علي في مكتبي الخاص بوسط العاصمة قبيل رحيله بيومين وكان متأثرًا للغاية أنه سوف يترك »مصر» وكان يردد »سوف أفتقدها كثيرًا»، وغاب عنا ذلك الدبلوماسي المتألق سنواتٍ سفيراً في »الكويت» ثم عاد إلي بلاده ليشغل موقع »أمين عام وزارة الخارجية النمساوية» وحينما أتيح له أن يختار إلي أين يذهب في الخارج لم يتردد في تحقيق حلمه الدائم بالعودة إلي ضفاف النيل في »القاهرة» وجاءنا سفيرًا هذه المرة وسألته ونحن في منزل صديقنا المشترك »د.حازم عطية الله» محافظ الفيوم السابق والذي كان مستشارًا ثقافيًا وسياحيًا في النمسا وكان والده الراحل أيضاً يعمل مستشارًا ثقافيًا في عاصمة الموسيقي والفنون الراقية »فيينا» في خمسينيات القرن الماضي، سألت السفير »جورج» عن السيدة »قدرية» التي كانت مربيته في الطفولة وكان يودها كثيرًا ويزورها وهي في سنها الكبيرة بل ويتردد عليها هي وأسرتها في حي »إمبابة» تكريمًا لها واعتزازًا بدورها في تربيته صغيرًا فقال لي بكل أسف إنها قد رحلت عن عالمنا عام 2011 ولم يقدر لها أن تري الطفل الذي شاركت في تربيته وعملت لدي أسرته النمساوية منذ عدة عقود وقد أصبح سفيرًا لبلاده في »القاهرة»، ولقد سألت السفير »جورج» عن ملاحظاته حول »مصر» بعد غيبة سنوات طويلة فقال لي إن هناك أموراً إيجابية وأخري سلبية ولكنها تبقي في النهاية هي »مصر» التي في خاطري. وفي كل الحالات فإن الصالونات الثقافية ظاهرة تستحق الإشادة كما أن عودتها بكثافة في السنوات الأخيرة هي أمر يدعو إلي الاستبشار انتشرت في الأعوام الأخيرة ظاهرة »الصالونات الثقافية» التي بدأت تستعيد أمجادها المعروفة في عصر ما قبل »التليفزيون» وكأنها تذكرنا بعشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، فإذا كان السودانيون قد عرفوا جلسات »الونسة» وإذا كان أهل الكويت قد اخترعوا »الديوانية» وإذا كان السعوديون قد أسموا صالوناتهم بأيام الأسبوع وإذا كانت دول المغرب العربي تعرف الصالونات الثقافية والدروس الدينية فإننا في »مصر» قد عرفنا ذلك النمط الراقي من التجمعات الثقافية في جلساتٍ حميمة تنتسب إلي صاحب الصالون الذي يمكن أن يكون مفكرًا كبيرًا مثل »العقاد»، أو شخصية أدبية ذات جاذبية مثل »مي زيادة»، أو أديبًا مرموقًا مثل »نجيب محفوظ»، وفي كل الحالات فإن الصالونات الثقافية ظاهرة تستحق الإشادة كما أن عودتها بكثافة في السنوات الأخيرة هي أمر يدعو إلي الاستبشار لأن تلك الصالونات هي سبيكة اجتماعية وثقافية وفكرية بل وسياسية أيضًا يجري فيها تداول القضايا العامة وتقليب المواقف التي تمر بها الشعوب والمجتمعات فضلاً عن حالة التوافق الاجتماعي بين أعضاء الصالون الواحد، ولقد تعودت لسنواتٍ طويلة أن أذهب بعد صلاة الجمعة مباشرةً إلي صالون »د.عبد المنعم عثمان» شتاءً وفي حديقة منزله صيفًا، فهذا الرجل صاحب الصدر الرحب والقلب المفتوح كان لواءً طبيبًا »بالقوات المسلحة» متخصصًا في علم »التحاليل الطبية» يضم صالونه مجموعة كبيرة من المسئولين والمفكرين ذوي الرأي، فمنهم رؤساء حكومات ووزراء وأساتذة جامعات وأطباء كبار وشخصيات عامة ورجال أعمال فضلاً عن بعض القانونيين والأدباء، ويمتد الصالون بعد صلاة الجمعة إلي ما بعد صلاة المغرب يتخلله الغذاء المشترك فضلاً عن أداء الصلوات جماعة في موعدها، ولأن المرء يستطيع أن يكون عضوًا في أكثر من صالون مادام وقته يتسع لذلك فقد رحبت بعضويتي في »الصالون الثقافي العربي» الذي كان مقره في دار »المندوبية العراقية» لدي »جامعة الدول العربية» بحي »الزمالك» بالقاهرة، وكان مؤسسه ومضيفه هو المثقف العراقي الكبير »د.قيس العزاوي» وقد ترأس الصالون »د.يحيي الجمل» وله هيئة تنفيذية تضم الدكاترة »جابر عصفور» و»صلاح فضل» والإعلامي »محمد الخولي» وسفير لبنان المؤرخ والمفكر »د.خالد زيادة» والفنان العراقي صاحب »بيت العود» »نصير شمّة» وكاتب هذه السطور، ولقد صدرت عن ذلك النادي النشط مطبوعاتٌ تذكارية ولقد شرفني زملائي في ذلك الصالون بإصدار كتاب تذكاري بمناسبة عيد ميلادي السبعين كتبت فيه قامات عالية من مثل »د.سيد ياسين» و»د.حسن حنفي» و»د.حسين عبد القادر» و»د.جابر عصفور» و»د.صلاح فضل» و»د.خالد زيادة» وغيرهم من أعلام الفكر في سماء العالم العربي، ووضع له »د.قيس العزاوي» عنوانًا سخيًا للغاية عندما وصفني علي غلاف الكتاب بعبارة (رائد التحديث في الفكر السياسي العربي)، وكانت لي تجربة أخري في عالم الصالونات عندما اقترحت علي المفكر الراحل الدكتور »أنور عبد الملك» أن يكون له صالونه الذي بدأت جلساته بالعاصمة »النمساوية» وأنا سفير بها، ويومها احتشد له عدد كبير من الحضور من سفراء عرب وشخصيات كبيرة في »فيينا» ثم عقدنا بعض جلساته »بالقاهرة» في »النادي الدبلوماسي» إلي أن افتقدنا ذلك المفكر الكبير صاحب الدعوة الشهيرة »بالاتجاه شرقًا»، كما شاركت في صالون الفيلسوف المتميز »د.مراد وهبة» وتلميذته »د.مني أبو سنه» وحضرنا عدة جلساتٍ ثرية للنقاش الفذ الذي تتمحور القضايا المثارة فيه حول »ابن رشد» وفلسفته الفريدة التي جعلته اسمًا مدويًا لدي العرب والغرب علي السواء. ولقد أقام صديقي الأثري العالمي »د.زاهي حواس» صالونًا دوريًا باسم الكاتب الموسوعي »أنيس منصور» وكنَا نلتقي به كل أسبوع ونطلق عليه لقب »الساحر» بسبب جاذبية حديثه وجميل ذكرياته إلي أن رحل عن عالمنا منذ سنوات قليلة، ولقد كان لي لقاء منذ أسابيع مع »د.هشام الشريف» وهو شخصية متميزة في عالم التنظيم والإدارة مع خبرةٍ في الحاسبات الآلية وتكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال، كما أنه مؤسس مركز المعلومات في مجلس الوزراء الذي تخرج منه رئيس وزراءٍ أسبق وعدد كبير من الوزراء بعد ذلك، ولقد اقترح علينا »د.هشام» أن نقيم صالونًا فكريًا مصريًا يعني بالشئون العامة والقضايا الراهنة، وبالفعل عقدنا الجلسة التأسيسية لذلك الصالون في منزله بحضور السيد »عمرو موسي» ورجل الأعمال »جلال الزوربة» وعضو مجلس الشعب السابق »سامح فكري مكرم عبيد» وقد حرصنا علي تضييق نطاق الحضور في البداية حتي نحسن الاختيار خصوصًا وأنه لا يمكن الوصول إلي نتائج مفيدة للحوار إذا زاد العدد واحتدم النقاش، كما أنني أرتاد صالونًا آخر للكبار هو صالون »د.كمال الجنزوري» رئيس وزراء مصر قبل الثورة وبعدها والذي تحضره مجموعة من الوزراء والمسئولين السابقين وبعض الشخصيات العامة نتحدث فيه حول شئون الوطن بشفافية والتزام خصوصًا وأن صاحب الصالون لديه تجربة عريضة في السياسة والحكم والشئون الاقتصادية والمالية، إنها صحوة الصالونات التي نريد لها الاتساع والانتشار لأنها مؤشر إيجابي لحيوية النخبة وتكاتف المثقفين علي نحو يؤكد أهمية الحوار البنّاء والتفكير الجاد وتأثير ذلك في بناء الأمم، ويكفي أن نتذكر أن كثيرًا من المؤسسات الفكرية وجماعات الضغط السياسي قد تشكلت من مجموعات صغيرة أشبه ما تكون »بالصالون الثقافي» و»الملتقي الفكري» اللذين عرضنا نماذج لهما، »فالجمعية الفابية» في »بريطانيا» كانت تجمعًا محدودًا ثم أصبحت واحدة من أهم الجمعيات في التاريخ البريطاني الحديث وتمخض عنها قيام »حزب العمال» البريطاني بدوره الأساس في الحياة السياسية البريطانية المعاصرة، ويبقي في النهاية أهم صالونات القاهرة وأكثرها جدية ورصانة وهو صالون »د.أحمد العزبي» ذلك الصيدلي المرموق المعروف بإسلامه المعتدل ووطنيته المشهودة إذ يشارك في صالونه مصريون من كل الاتجاهات السياسية بغير استثناء ومن كل التخصصات تقريبًا، فتجد المدنيين والعسكريين، القضاة والمحامين، أساتذة الجامعات ورجال الإعلام وذوي الفكر وقادة الرأي دون تفرقةٍ أو تمييز، والحوار حر لايحكمه إلا إطار الوطنية المصرية ويترأس جلساته غالبًا الإعلامي الدولي »محمد الخولي» الذي كان متحدثًا باسم المجلس الاستشاري في فترة حكم المجلس العسكري بعد ثورة2011 وتبدو القيمة الحقيقية لصالون »العزبي» في أنه يعطي فرصة التأصيل للقضايا المختلفة والحوار حولها واستخلاص النتائج منها، وقد رصَّع الرجل حوائط الصالون بصور مرسومة لكل رواده قام بها فنان الجداريات المعروف »د.طه قرني».. تحيةً للصالونات القائمة، والصالونات القادمة، تحية للفكر المتجدد، تحية للروح الاجتماعية والمظلة الثقافية لتلك الصالونات في الأقطار العربية. الهيئة الإنجيلية لا أخفي إعجابي »بالهيئة الإنجيلية» في مصر والتي تعاملت معها ضيفًا عليها في منتدياتها واحتفالاتها وندواتها ومحاضراتها ومناسباتها المختلفة خلال العقدين الأخيرين، ولقد بدأت علاقتي بها عندما كان رئيسها القس الراحل »صموئيل حبيب» والد الدكتور »رفيق» ذلك المفكر الشاب صاحب الشخصية المثيرة للجدل والذي انضم إلي حزب »الإخوان المسلمين» منذ سنوات وهو أمر كان له صداه في وقته، ولقد جمع القس »صموئيل حبيب» بين رئاسة الطائفة الإنجيلية ورئاسة الهيئة الإنجيلية معاً في ذات الوقت بينما انقسم الأمر بعد رحيله ليتولي القس »صفوت البياضي» رئاسة الطائفة بينما آلت رئاسة الهيئة إلي الدكتور »نبيل صموئيل» ثم وصلت حاليًا إلي القس المثقف »د.أندريا زكي» الذي سعدت منذ يومين بانتخابه للرئاستين معًا الطائفة والهيئة، وهو نموذج رفيع للتوازن بين الدورين الروحي والوطني للكنيسة الإنجيلية، ولعل مثار إعجابي بهذه الهيئة هو طبيعة أنشطتها التي لا تعرف التمييز بين المسلمين والمسيحيين بل إنها تسعي جاهدة لإحداث التنمية الاجتماعية والاندماج المشترك بين الجميع، فلها مشروعات ناجحة في قري الصعيد والدلتا، لم تفرق فيها يومًا بسبب دينٍ أو لونٍ أو جنس فهي تستهدف الفقراء وتسعي لرفع مستوي المعيشة خصوصًا في المناطق التي يجتاحها العوز والحاجة وما أكثر تلك المناطق في بلادنا، والغريب أن تلك الهيئة تمزج بين التثقيف والترفيه، وبين التعليم والتنمية، وبين الوحدة الوطنية والتعاون الإنساني، ومازلت أتذكر عندما دعت الهيئة إلي محاضرات مشتركة لمجموعة من الشيوخ المسلمين والقساوسة المسيحيين الذين يعيشون معًا أسبوعًا أو أكثر خارج القاهرة ليعرف كل طرفٍ منهم عن الطرف الآخر حقيقته الوطنية وروحه القريبة منه لأن الإنسان بطبيعته عدو لما يجهله، ولذلك كانت سعادتي بالغة وأنا أري العلاقات الوثيقة بين شيخٍ وقسيس يقتسمان الطعام والشراب ويتحدثان كأخين بلا تفرقة بل وقد يقتسمان نفس الحجرة في الإقامة، وتقدم تلك الهيئة كل عام جائزة الراحل »صموئيل حبيب» في حفلٍ سنويٍ كبير أحرص علي حضوره وألتقي بأعداد من الأصدقاء في كافة المجالات والتخصصات دون أن أعرف من منهم المسلم ومن هو المسيحي، وتدعو الهيئة أحيانًا بعض الشخصيات من الخارج فتري امتزاجًا فكريًا بين أصحاب الرؤي المختلفة في الداخل ومن الخارج، ولقد أفرزت تلك الهيئة بل تلك الطائفة أيضًا شخصيات معتدلة أذكر منهم الصديق القس »مكرم نجيب» كما يتجاوز »د.أندريا زكي» الرئيس الجديد للطائفة حدود الدراسات »اللاهوتية» والقضايا الدينية ليخرج خارج نطاق الطائفة في اهتمامٍ عام بشئون الوطن وشجونه علي نحو يدعو إلي الإعجاب والاحترام، إنني أكتب الآن عن الهيئة الإنجيلية كنموذج يحتذي لمؤسسة دينية دنيوية جمعت بين كل المزايا التي يتطلع إليها العقل المعاصر من انفتاح وشفافية وحرصٍ علي الغير وحب للآخر. سفير النمسابالقاهرة أخيرًا عاد إلينا »جورج» ! هذا ما قلته لنفسي عندما أبلغني رئيس مجلس الأعمال المصري النمساوي الأستاذ »عماد تيمور» وهو يدرك مدي سعادتي بذلك الخبر باعتباري رئيسًا لجمعية الصداقة المصرية النمساوية منذ خمسة عشر عامًا حتي الآن، فالسيد »جورج» كما نسميه هو سفير النمسا الجديد الذي يمثل ظاهرة تستحق الاحترام وتستدعي لدينا السعادة والرضا، فقد كان والده الراحل مستشارًا ثقافيًا للنمسا بالقاهرة في سبعينيات القرن الماضي حيث نشأ »جورج شتيلفريد» وترعرع وتشكلت ملامح شخصيته وأصبحت لهجته المصرية عصية علي التعرف منها أنه غير مصري وأنه »نمساوي» الأب والأم، وارتبط ذلك الدبلوماسي بوطنه الثاني »مصر» وجاء إليها في مطلع هذا القرن نائبًا لسفير بلاده في »القاهرة» ثم نقل بعد ذلك سفيرًا للنمسا »بالكويت»، وأتذكر أنه مر علي في مكتبي الخاص بوسط العاصمة قبيل رحيله بيومين وكان متأثرًا للغاية أنه سوف يترك »مصر» وكان يردد »سوف أفتقدها كثيرًا»، وغاب عنا ذلك الدبلوماسي المتألق سنواتٍ سفيراً في »الكويت» ثم عاد إلي بلاده ليشغل موقع »أمين عام وزارة الخارجية النمساوية» وحينما أتيح له أن يختار إلي أين يذهب في الخارج لم يتردد في تحقيق حلمه الدائم بالعودة إلي ضفاف النيل في »القاهرة» وجاءنا سفيرًا هذه المرة وسألته ونحن في منزل صديقنا المشترك »د.حازم عطية الله» محافظ الفيوم السابق والذي كان مستشارًا ثقافيًا وسياحيًا في النمسا وكان والده الراحل أيضاً يعمل مستشارًا ثقافيًا في عاصمة الموسيقي والفنون الراقية »فيينا» في خمسينيات القرن الماضي، سألت السفير »جورج» عن السيدة »قدرية» التي كانت مربيته في الطفولة وكان يودها كثيرًا ويزورها وهي في سنها الكبيرة بل ويتردد عليها هي وأسرتها في حي »إمبابة» تكريمًا لها واعتزازًا بدورها في تربيته صغيرًا فقال لي بكل أسف إنها قد رحلت عن عالمنا عام 2011 ولم يقدر لها أن تري الطفل الذي شاركت في تربيته وعملت لدي أسرته النمساوية منذ عدة عقود وقد أصبح سفيرًا لبلاده في »القاهرة»، ولقد سألت السفير »جورج» عن ملاحظاته حول »مصر» بعد غيبة سنوات طويلة فقال لي إن هناك أموراً إيجابية وأخري سلبية ولكنها تبقي في النهاية هي »مصر» التي في خاطري.