لكن الفترة بين الصبا والشباب- لم تضع هباء..وانما كانت للقراءة -الثقافة والفكر- امتزجت بعشرات الكتب. في الوقت الذي كانت القاهرة فيه تعاني من قنابل »هتلر» وغاراته في كل ليلة. صفارة الانذار -والاستيقاظ جريا من النوم- والجري إلي الدور السفلي أو إلي البدروم أن كان هناك بدروم أو إلي المخبأ الذي كان قريبا من المكان.. ليل كله خوف. جري وعذاب.. ودعاء من الآباء والأمهات لانقاذ الأولاد.. هذا هو الليل الطويل- وفي النهار كان الأبناء يمشون إلي المدرسة بشكل عادي جدا ناسين كل الاحداث.. بل انهم يعيشون حياتهم كما يجب أن تكون- وضحكات تالية في كثير من الأحيان.. وفي خلال تلك الأيام - حسبي أذكر- كانت يدي تمتد إلي مكتبة أبي »رحمه الله» - فأجد فيها من الكتب ما أحبه- أحببته فعلا- روايات أميرالشعراءأحمد شوقي، مصرع كليوباترة -علي بك الكبير- قمبيز وغيرها كثير- لكن إلي جوارها كان هناك كتاب لفت انتباهي- فأمسكت به ولم أتركه- كان هذا كتاب »تحت ظلال الزيزفون» أو »تحتها» »بول وفيرجيني» وبدأت أتصفح الكتاب- إذا به رواية رومانسية جميلة تحدث وقائعها في ألمانيا- وفي برلين علي وجه التحديد!.. ورغم أن برلين هذه -هي أكبر مدينة في أوروبا- قلب »المانيا وهي التي تصب علي رؤوسنا هذه القنابل والتوربيدات بوساطة طائرات زبلن- إلا أنني في هذه السن المبكرة لم أربط بين هذه القصة الرائعة- وبين برلين عاصمة الحرب الكبري أو المدينة التي أعلنت الحرب العالمية الثانية علي الحلفاء من دول اوروبا وعلي الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد ذلك- أحب أن أقول ان بول وفرجيني كانت أول رواية رومانسية أقرأهافي حياتي- وهذا هو الاسم الذي احتفظت به- مع اسم الكاتب العظيم الذي حفظته عن ظهر قلب مصطفي لطفي المنفلوطي ولم أذكر ابدااسم الكاتب الاصلي فقد كان المنفلوطي هو المترجم وهو الذي قادني إلي الكثير جدا من الكتب له ولغيره من كبار الكتاب الرومانسيين في ذلك الوقت- قبل منتصف القرن العشرين -وبعيدا جدا عن ظهور الواقعية وكتابها!.. هذه الرومانسية التي سحبتني، أو احتلت عواطفي وافكاري لسنوات بعيدة حتي وصلت بي عبر عشرات -بل مئات الكتابات إلي ظهور محمد عبدالحليم عبدالله- ورومانسيته الجميلة التي وصلت بنا إلي شجرة اللبلاب وغيرها مما أثر في كثيراً جدا من عواطف الشباب في الوقت الذي صرت فيه شابا مع بدايات الثورةالمصرية 1952. لكن الفترة بين الصبا والشباب- لم تضع هباء.. وانما كانت للقراءة -الثقافة والفكر- امتزجت بعشرات الكتب، ما بين روايات شوقي- امير الشعراء- مجنون ليلي- علي بك الكبير- مصرع كليوباترة- قمبيز- إلي غيرها.. وكأن مكتبة أبي رحمه الله تقودني إلي ما يجب ان أكون عليه.. من كتب أعظم شأنا- الأغاني للاصفهاني والجاحظ- ودواوين شوقي والمتبني وابي العلاء المعري وابوتمام حتي ابونواس.. ولم يوقفني هذا عن الخروج إلي الشارع في كثير من الاحيان بحثا عما تكتبه الجرائد المختلفة- وتمتد يدي إلي بعض المجلات، لأجد فيها هواة المراسلة- ولا أعلم لماذا اخترت اسمين لفتاتين من فنلندا والنرويج- لتكون رسالاتي الساذجة اليهما، دون أن أعرف حتي أين تقع هاتان الدولتان إلا أنهما في شمال الدنيا..اذا فلأبحث عن خارطة تدلني علي هاتين الدولتين- ولأبدأ في القراءة بالانجليزية ليكون لدي رصيد حقيقي من كلمات اللغة الانجليزية التي أحببتها كثيرا.. وقادتني الخرائط إلي موقع »المانيا -هذا البلد الذي شن الحرب علينا دون أن ندخل معه في خلاف إلا أن الدولة التي تحارب ألمانيا اساسا »انجلترا» كانت تحتل مصر.. ومن هنا ذقنا ويلات الحروب.. لا- ليست هذه هي الدولة التي قرأت أول قصة رومانسية رائعة تدور علي أرضها.. تحت ظلال الزيزفون!!.. وتمضي بي الأيام متسارعة أتخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية.. وأحاول مواصلة الدراسة-أتجه إلي علم النفس- ولكن المصير يقودني إلي أخباراليوم.. مجلة آخرساعة -كبري المجلات المصورة والتي حررت فيها باب المجتمع الذي يقودني لدوره للتعرف علي الكثير جدا من الشخصيات. ومن بينهم المجتمع الدبلوماسي.. والذي فتح أمامي باب الخروج إلي اوروبا.. آه- أوروبا.. حلمت بها كثيرا قبل أن أقرأ العديد من مؤلفات كبار كتابها.. وعانيت الويل من حروبها بين دولها- خاصة من ألمانيا- عندماأرادت ان تتعقب انجلترا »المملكة المتحدة» علي أرض مصر. وكانت رحلتي الأولي إلي ايطاليا.. وصلتها في الخامس من يونيو- لأول مرة 1963. وقفت علي ارضها.. وفي ميادينها، وبين بوابات المدينة القديمة والكوليزيوم »المسرح الكبير»الذي كان عنوانا لاضطهاد الرومان للمسيحيين الاوائل.. لكن الارض لها رائحة أخري -عراقة التاريخ وحضارة بلد ارتبطت بحضارة مصر.. ومنها إلي فرنسا- باريس »ما أحلاك» والشانزليزيه، او »افيني دي ليه شامب اليزيه» وروائح باريس، وتاريخ نابليون- ومنها مباشرة إلي ألمانيا.. فرانكفورت آم ماين! نعم كانت فرانكفورت هي أول مدينة ألمانية أضع قدمي علي أرضها.. وهي تحمل رقم 6 بين مدن ألمانيا- ومن أكبر المدن الصناعية في هذا البلد المحتل.. نعم فقد كانت الدول الاوروبية المنتصرة روسيا- فرنسا- وانجلتراوامريكا- تحتلها وتقسمها إلي اربعة اقسام... روسيا تحتل الجانب الشرقي »الاصفر» بينها امريكاوفرنساوانجلترا تحتل الجانب الغربي.. وتقسمها فيما بينها إلي قطاعات ثلاث- كل دولة منها تعرف الجزء الذي تحتله دون ان يحس بهذا الاحتلال أحدآخر.. يعني كانت الحركة علي امتداد هذه الاجزاء بكل حرية ودون فواصل الا أن تقترب من الجزء الروسي- أو السوفيتي- قف- هنا لايجب أن تقترب إلابإذن خاص!. المهم أن فرانكفورت الواقعة علي نهر الماين: مدينة صناعية جادة- علامة لألمانيا التي راحت تقوم من كبوتها وتصنع حضارة ما بعد الحرب العالمية الثانية لتجد أن كل ما فيها وأن حياتها التي تعيشها هي افضل من الحياة داخل الدول المنتصرة -اوروبا الغرب - وان الاقتصاد فيها بدأ يزدهر رغم أن الجنيه المصري قد وصل في 1963 إلي ما يزيد علي احد عشر ماركا ألمانيا.. -يعني تستطيع ان تصنع الكثير بالجنيه الواحد.. لكن فرانكفورت كانت عنوانها لهذا الاقتصاد الذي بدأ يزدهر فأنت تمشي في شوارعها لتجد في كل زاوية منها بنكا جديدا يفتح ابوابه حتي اطلقوا عليها، بانكفورت بدلا من فرانكفورت- هذا بعد أن اصبح عدد البنوك فيها ربع عدد الأفراد المقيمين هنا- يعني لكل اربعة افراد: بنك واحد! بون: القرية رقم 53 لكن العاصمة الجديدة هي القرية التي تحمل رقم 53 بين المدن والقري الألمانية -لماذا اختاروها كذلك- لأن الألمان لم يريدوا أن يتحولوا عن برلينالمدينة رقم واحد- وابقوا عليها كذلك- حتي تعود عاصمة لألمانياالمتحدة في يوم قادم! وكان هذا اليوم هو التاسع والعشرين من شهر نوفمبر 1989.. وذهبت إلي بون- فهي العاصمة- وهي مقر الحكومة- وهي ايضا مقر السفارات. وسفارتنا المصرية. وهي تقع علي نهر الراين وقريبة جدا من مدينة كولون - أو اكلن بوضع كسرة تحت الكاف وتسكين اللام والنون.. وهي من اكبر المدن الالمانية علي نهر الراين- ويصل بينها وبين العاصمة قطار صغير يقوم كل وقت قصيرويطلقون عليه: راين أوفر بان- أو سكة الحديد علي شاطئ الراين!.. كولون بهااكبر كنيسة كاتدرائية وبهاايضاالعديد من المنشآت الحكومية التي لم تتسع لهابون الصغيرة وكذلك بها »الدويتشة فيلله أو الاذاعة الألمانية» 11 هود شتراسة» 11 شارع هود بتشديد الواو- وبها أيضا واحدة من اعظم الروائح التي اشتهرت ماء الكولونيا 7111 سبعة آلاف ومائة وأحد عشر ذلك لأن مبتكر هذه الكولونيا كان يعيش في البيت الذي حمل هذا الرقم ابان احتلال نابليون لألمانيا! كولون مدينة كبيرة -لاتبتعد كثيرا عن دوسولدوف »كلاينة باريس» أو باريس الصغيرة لأنها مدينة الموضة- طبعا بعد احتلال برلين».. أو لانها كانت تنافسها!. »برلين: العاصمة الأسيرة!» أكبر مدن أوروبا- يبلغ عرضها خمسة وسبعين كيلو مترا بينما عمقها خمسة واربعون كيلو مترا.. هكذا كانت -لكنها الآن أيام زيارتي الأولي 1964 كانت مقسمة إلي قسمين.. الواحد منهما اكثرحزنا من الآخر! قسم يخضع للاتحاد السوفيتي »في ذلك الوقت» أصبح شيوعيا بحكم الاحتلال -وقسم آخر يخضع للحلفاء الثلاثة أمريكاوفرنساوانجلترا- في داخله حرية مطلقة مع احساس بأنك أسير ببساطة لان القسم الألماني المحيط من كل ناحية هو قسم خاضع للاتحاد السوفيتي. تستطيع الوصول اليه عن طريق القطار القادم من ألمانيا»الغربية»لكن مع دخولك إلي القسم الألماني الواقع تحت الاحتلال ثم خروجك منه أومن القطار عند وصولك إلي برلين، ببساطة لان برلين كلها »شرقا وغربا» تقع داخل الجزء الألماني الشرقي الذي كان من نصيب الاتحاد السوفيتي، وهذا هو سر احساسك أنك أسير -رغم أنك الآن علي أرض برلينالغربية!.. وهناك طريقة أخري للوصول بالطائرة مباشرة من أي مكان في الغرب إلي مطار تمبلهوف الذي تديره قوات الحلفاء -بعدان أصبح المطار الآخر في الشرق »شين فيلدجهافن» مطار العالم الجميل بين يدي القوات السوفيتية! المهم أن وصولي كان ايضا في شهر يونيو لكن من سنة 1964 وفورا اتجهت إلي أوتيل أم تسو: Hotel am- zoo أو : الفندق أمام حديقة الحيوان -وكان هذا من أكبر الفنادق التي أنشئت بعد الحرب في أشهر شوارع برلينالغربية : الكور فرستندرام- كان هذا هو أكثر الشوارع حركة والذي بدأ تعميره بعد الحرب مباشرة وبعد أن تولت قوات الحلفاء هذا الجزء من العالم. نعم كان الشارع هو الأكبر -اذا نزلت من هذا الفندق واتجهت يمينا فإنك لاتخرج من هذا الشارع الطويل ولكنك تصل إلي مكاتب المشروعات المختلفة علي أرض برلين أما اذا اتجهت غربا فإنك تتجه إلي مركز المدينة القديمة -الكنيسة القديمة التي احترقت- وتركوها كذلك دالة علي ويلات الحروب، وواحد من أعلي المباني التي بنيت في ذلك الميدان الذي فيه الكنيسة - هذا المبني الذي يشيرون إليه ب »اي بوتكت» أو علامة الصفر في برلين أي انه مركز المدينة -منه تتجه إلي أي مكان. ومن هنا فعلا تستطيع أن تتجه إلي اي مكان حتي إلي برلينالشرقية- ببساطة لأنك علي بعد خطوات من محطة القطارات أم تسو Am )oo- أو المحطة أمام حديقة الحيوان التي تركب منها اذا اردت الذهاب إلي الشرق وتستطيع ايضاأن تدخل إلي حديقة حيوان الغرب لأنها علي بعد خطوات كذلك. الأسوار المنيعة! لم أفكر في الذهاب إلي برلينالشرقية إلابعد أن ذهبت إلي حيث يقيمون الأسوار- ليس حول برلينالشرقية- ولكن حول برلينالغربية- لأنها كلها واقعة داخل الدولة الشرقية- يعني داخل أراضيها. والهدف ليس أن ينتقل أبناء برلينالغربية إلي الشرق ولكن الهدف هو ألا ينتقل ابناء الشرق إلي الغرب. لأنهم اذا انتقلوا إلي الغرب فإنهم ببساطة يكونون قد تمكنوا من الهرب! ذلك أنهم عندما قرروا التقسيم -وبقيت برلين مدينة واحدة- ولا حدود هناك إلاحدود وهمية كان ابناء الشرق يبحثون عن أماكن لسكناهم في برلينالغربية- وبذلك بدأ السوفيت يفتقدون الكثيرين من ابناء ألمانياالشرقية بهروبهم إلي الغرب! وفي ذات يوم- وبعد ظهر ذلك اليوم- أعلنوا فجأة أن الألمان غير مسموح لهم بدخول الغرب- لايهم ان كانوا أصلا من ابناء ألمانياالشرقية أو الغربية. وفي لحظات كان الحرس السوفيتي يلف برلينالغربية من كل اتجاه، وأصبح كل من يحاول أن يصل إلي هذا الغرب معرضا للموت قتلا. جاءوا بالأسلاك الشائكة لتلف المكان كله »الغرب» ويرتفع إلي مايزيد علي المترين والثلاثة امتار.. والحراس أمامه من كل زاوية. يعني في لحظة واحدة كان كل شيء قد تم لايهم من في الشرق ومن في الغرب. الآن- لا عودة!. بكاء الشباب والشيوخ- صرخات النساء- لاشيء يهم.. هنا قررت أن أذهب إلي الشرق! برلينالشرقية ولكي أدخل إلي برلينالشرقية -كان لابد أن أستقل القطار المتجه إلي الشرق من حديقة الحيوان- لحظات وأكون هناك نزلت إلي البوابة التي لا تسمح بعبور أكثر من فرد واحد للتفتيش الدقيق وبحيث أعلن عن عدد الماركات التي أحملها، وأن أقوم باستبدال خمسة ماركات ألمانية غربية بخمسة ماركات شرقية تكفي لطعام يوم واحد »الأسعار هنا أرخص حتي مع استبدال العملة» وأدخل إلي البلد الشرقي الذي كان جزءا من اكبر عاصمة اوروبية، وأمشي علي امتداد الطريق لألتقي بفندق بيرولينا الذي كان واحدا من أهم الفنادق التي ينزل فيها الضيوف، ثم المتحف المصري والذي يحتفظ ببعض من أهم الآثار المصرية- أمارأس نفرتيتي فهي هناك في الجانب الغربي- محبوسة هي الأخري- أبناء يمشون حولي جيئة وذهابا يحاولون الاقتراب من سور يحاولون ان يلقوا نظرة علي الغرب ان استطاعوا وليس هذا بالأمر الممكن لكنهم يحاولون.. كثير منهم فقدوا عائلاتهم أو جزء كبير منهم -كثير منهم اصبحوا يتامي عندما ذهب العائل إلي الغرب يعمل أو يتسوق او يشتري بعض الغذاء ولم يتمكن من العودة- وجزء كبير ايضا فقدوا امهاتهم وكان عليهم أن يتصرفوا في امورحياتهم كيف -لا اعرف- لكن نظرات البؤس بادية علي وجوههم الشاحبة.. برلينالشرقية ذات شوارع واسعة ومبان واضح انها كانت عظيمة ولكن اعداد الذين يسيرون فيها وحولها أقل كثيرا- وعلي مسافة بعيدة إذابي أقف أمام فندق آخر- لأقرأ لافتة تقول: كنتر أونتردن لندنUnter den lin den.. وسألت وعرفت أن اسم الشارع هو كذلك.. ومعناها بالعربية : تحت اشجار ابوفروة البرية- قالو الي إنه اطول شارع في برلين كلها- يصل إلي عدة كيلو مترات.. وكان شارعا يشتهر بالرومانسية حيث كان المحبون يمشون هنا ويقعدون علي مقاعد أنشئت تحت اشجاره التي تمتد بامتداد الطريق حتي تصل إلي عمق الغرب.. فالشارع يربط بين طرفي المدينة ولكنه انقطع في منتصفه بتقسيم المدينة شرقا وغربا- وهنا تذكرت اسم الكتاب الذي وقع في يدي وانا في الثامنة من العمر: تحت أغصان الزيزفون نعم هذا هو اسم الكتاب -وهذا الذي قرأت عنه في سنوات حياتي الأولي-لفت نظري في ذلك الوقت قصة الحب الرومانسية بول وفرجيني- ولم ألتفت لما قصده المنفلوطي بالزيزفون- كان رحمه الله يقصد اشجار أبوفروة البرية التي تملأ المكان.. واشجار أبوفروة البرية اغصانها مليئة بالاوراق الكبيرة- شكل الواحدة منها مثل كف اليد الواحدة- كبيرة ورقيقة- وعندما تهزها الرياح فإنها تصتك ببعضها البعض فتصنع صوتا وكأنها آلة موسيقية تعطي صوتا وكأنك تسمع »الزيزفون» نعم- هذه هي أصل الحكاية- أوراق شجر ابوفروة البرية تصنع أصوات الزيزفون- والعشاق يجلسون تحتها- يتحدثون عن أشواقهم تحت اغصانها-وهي تصنع مع هباب الريح اصوات الموسيقي الخاصة وكأنها آلة جديدة هي آلة الزيزفون.. لكن بعدت القصة وراحت الرومانسية ولم يبق إلا ذلك الاحتلال الرهيب الذي ساعد الألمان علي الخلاص منه الزعيم الروسي »جورباتشوف»! لكن الفترة بين الصبا والشباب- لم تضع هباء..وانما كانت للقراءة -الثقافة والفكر- امتزجت بعشرات الكتب. في الوقت الذي كانت القاهرة فيه تعاني من قنابل »هتلر» وغاراته في كل ليلة. صفارة الانذار -والاستيقاظ جريا من النوم- والجري إلي الدور السفلي أو إلي البدروم أن كان هناك بدروم أو إلي المخبأ الذي كان قريبا من المكان.. ليل كله خوف. جري وعذاب.. ودعاء من الآباء والأمهات لانقاذ الأولاد.. هذا هو الليل الطويل- وفي النهار كان الأبناء يمشون إلي المدرسة بشكل عادي جدا ناسين كل الاحداث.. بل انهم يعيشون حياتهم كما يجب أن تكون- وضحكات تالية في كثير من الأحيان.. وفي خلال تلك الأيام - حسبي أذكر- كانت يدي تمتد إلي مكتبة أبي »رحمه الله» - فأجد فيها من الكتب ما أحبه- أحببته فعلا- روايات أميرالشعراءأحمد شوقي، مصرع كليوباترة -علي بك الكبير- قمبيز وغيرها كثير- لكن إلي جوارها كان هناك كتاب لفت انتباهي- فأمسكت به ولم أتركه- كان هذا كتاب »تحت ظلال الزيزفون» أو »تحتها» »بول وفيرجيني» وبدأت أتصفح الكتاب- إذا به رواية رومانسية جميلة تحدث وقائعها في ألمانيا- وفي برلين علي وجه التحديد!.. ورغم أن برلين هذه -هي أكبر مدينة في أوروبا- قلب »المانيا وهي التي تصب علي رؤوسنا هذه القنابل والتوربيدات بوساطة طائرات زبلن- إلا أنني في هذه السن المبكرة لم أربط بين هذه القصة الرائعة- وبين برلين عاصمة الحرب الكبري أو المدينة التي أعلنت الحرب العالمية الثانية علي الحلفاء من دول اوروبا وعلي الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد ذلك- أحب أن أقول ان بول وفرجيني كانت أول رواية رومانسية أقرأهافي حياتي- وهذا هو الاسم الذي احتفظت به- مع اسم الكاتب العظيم الذي حفظته عن ظهر قلب مصطفي لطفي المنفلوطي ولم أذكر ابدااسم الكاتب الاصلي فقد كان المنفلوطي هو المترجم وهو الذي قادني إلي الكثير جدا من الكتب له ولغيره من كبار الكتاب الرومانسيين في ذلك الوقت- قبل منتصف القرن العشرين -وبعيدا جدا عن ظهور الواقعية وكتابها!.. هذه الرومانسية التي سحبتني، أو احتلت عواطفي وافكاري لسنوات بعيدة حتي وصلت بي عبر عشرات -بل مئات الكتابات إلي ظهور محمد عبدالحليم عبدالله- ورومانسيته الجميلة التي وصلت بنا إلي شجرة اللبلاب وغيرها مما أثر في كثيراً جدا من عواطف الشباب في الوقت الذي صرت فيه شابا مع بدايات الثورةالمصرية 1952. لكن الفترة بين الصبا والشباب- لم تضع هباء.. وانما كانت للقراءة -الثقافة والفكر- امتزجت بعشرات الكتب، ما بين روايات شوقي- امير الشعراء- مجنون ليلي- علي بك الكبير- مصرع كليوباترة- قمبيز- إلي غيرها.. وكأن مكتبة أبي رحمه الله تقودني إلي ما يجب ان أكون عليه.. من كتب أعظم شأنا- الأغاني للاصفهاني والجاحظ- ودواوين شوقي والمتبني وابي العلاء المعري وابوتمام حتي ابونواس.. ولم يوقفني هذا عن الخروج إلي الشارع في كثير من الاحيان بحثا عما تكتبه الجرائد المختلفة- وتمتد يدي إلي بعض المجلات، لأجد فيها هواة المراسلة- ولا أعلم لماذا اخترت اسمين لفتاتين من فنلندا والنرويج- لتكون رسالاتي الساذجة اليهما، دون أن أعرف حتي أين تقع هاتان الدولتان إلا أنهما في شمال الدنيا..اذا فلأبحث عن خارطة تدلني علي هاتين الدولتين- ولأبدأ في القراءة بالانجليزية ليكون لدي رصيد حقيقي من كلمات اللغة الانجليزية التي أحببتها كثيرا.. وقادتني الخرائط إلي موقع »المانيا -هذا البلد الذي شن الحرب علينا دون أن ندخل معه في خلاف إلا أن الدولة التي تحارب ألمانيا اساسا »انجلترا» كانت تحتل مصر.. ومن هنا ذقنا ويلات الحروب.. لا- ليست هذه هي الدولة التي قرأت أول قصة رومانسية رائعة تدور علي أرضها.. تحت ظلال الزيزفون!!.. وتمضي بي الأيام متسارعة أتخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية.. وأحاول مواصلة الدراسة-أتجه إلي علم النفس- ولكن المصير يقودني إلي أخباراليوم.. مجلة آخرساعة -كبري المجلات المصورة والتي حررت فيها باب المجتمع الذي يقودني لدوره للتعرف علي الكثير جدا من الشخصيات. ومن بينهم المجتمع الدبلوماسي.. والذي فتح أمامي باب الخروج إلي اوروبا.. آه- أوروبا.. حلمت بها كثيرا قبل أن أقرأ العديد من مؤلفات كبار كتابها.. وعانيت الويل من حروبها بين دولها- خاصة من ألمانيا- عندماأرادت ان تتعقب انجلترا »المملكة المتحدة» علي أرض مصر. وكانت رحلتي الأولي إلي ايطاليا.. وصلتها في الخامس من يونيو- لأول مرة 1963. وقفت علي ارضها.. وفي ميادينها، وبين بوابات المدينة القديمة والكوليزيوم »المسرح الكبير»الذي كان عنوانا لاضطهاد الرومان للمسيحيين الاوائل.. لكن الارض لها رائحة أخري -عراقة التاريخ وحضارة بلد ارتبطت بحضارة مصر.. ومنها إلي فرنسا- باريس »ما أحلاك» والشانزليزيه، او »افيني دي ليه شامب اليزيه» وروائح باريس، وتاريخ نابليون- ومنها مباشرة إلي ألمانيا.. فرانكفورت آم ماين! نعم كانت فرانكفورت هي أول مدينة ألمانية أضع قدمي علي أرضها.. وهي تحمل رقم 6 بين مدن ألمانيا- ومن أكبر المدن الصناعية في هذا البلد المحتل.. نعم فقد كانت الدول الاوروبية المنتصرة روسيا- فرنسا- وانجلتراوامريكا- تحتلها وتقسمها إلي اربعة اقسام... روسيا تحتل الجانب الشرقي »الاصفر» بينها امريكاوفرنساوانجلترا تحتل الجانب الغربي.. وتقسمها فيما بينها إلي قطاعات ثلاث- كل دولة منها تعرف الجزء الذي تحتله دون ان يحس بهذا الاحتلال أحدآخر.. يعني كانت الحركة علي امتداد هذه الاجزاء بكل حرية ودون فواصل الا أن تقترب من الجزء الروسي- أو السوفيتي- قف- هنا لايجب أن تقترب إلابإذن خاص!. المهم أن فرانكفورت الواقعة علي نهر الماين: مدينة صناعية جادة- علامة لألمانيا التي راحت تقوم من كبوتها وتصنع حضارة ما بعد الحرب العالمية الثانية لتجد أن كل ما فيها وأن حياتها التي تعيشها هي افضل من الحياة داخل الدول المنتصرة -اوروبا الغرب - وان الاقتصاد فيها بدأ يزدهر رغم أن الجنيه المصري قد وصل في 1963 إلي ما يزيد علي احد عشر ماركا ألمانيا.. -يعني تستطيع ان تصنع الكثير بالجنيه الواحد.. لكن فرانكفورت كانت عنوانها لهذا الاقتصاد الذي بدأ يزدهر فأنت تمشي في شوارعها لتجد في كل زاوية منها بنكا جديدا يفتح ابوابه حتي اطلقوا عليها، بانكفورت بدلا من فرانكفورت- هذا بعد أن اصبح عدد البنوك فيها ربع عدد الأفراد المقيمين هنا- يعني لكل اربعة افراد: بنك واحد! بون: القرية رقم 53 لكن العاصمة الجديدة هي القرية التي تحمل رقم 53 بين المدن والقري الألمانية -لماذا اختاروها كذلك- لأن الألمان لم يريدوا أن يتحولوا عن برلينالمدينة رقم واحد- وابقوا عليها كذلك- حتي تعود عاصمة لألمانياالمتحدة في يوم قادم! وكان هذا اليوم هو التاسع والعشرين من شهر نوفمبر 1989.. وذهبت إلي بون- فهي العاصمة- وهي مقر الحكومة- وهي ايضا مقر السفارات. وسفارتنا المصرية. وهي تقع علي نهر الراين وقريبة جدا من مدينة كولون - أو اكلن بوضع كسرة تحت الكاف وتسكين اللام والنون.. وهي من اكبر المدن الالمانية علي نهر الراين- ويصل بينها وبين العاصمة قطار صغير يقوم كل وقت قصيرويطلقون عليه: راين أوفر بان- أو سكة الحديد علي شاطئ الراين!.. كولون بهااكبر كنيسة كاتدرائية وبهاايضاالعديد من المنشآت الحكومية التي لم تتسع لهابون الصغيرة وكذلك بها »الدويتشة فيلله أو الاذاعة الألمانية» 11 هود شتراسة» 11 شارع هود بتشديد الواو- وبها أيضا واحدة من اعظم الروائح التي اشتهرت ماء الكولونيا 7111 سبعة آلاف ومائة وأحد عشر ذلك لأن مبتكر هذه الكولونيا كان يعيش في البيت الذي حمل هذا الرقم ابان احتلال نابليون لألمانيا! كولون مدينة كبيرة -لاتبتعد كثيرا عن دوسولدوف »كلاينة باريس» أو باريس الصغيرة لأنها مدينة الموضة- طبعا بعد احتلال برلين».. أو لانها كانت تنافسها!. »برلين: العاصمة الأسيرة!» أكبر مدن أوروبا- يبلغ عرضها خمسة وسبعين كيلو مترا بينما عمقها خمسة واربعون كيلو مترا.. هكذا كانت -لكنها الآن أيام زيارتي الأولي 1964 كانت مقسمة إلي قسمين.. الواحد منهما اكثرحزنا من الآخر! قسم يخضع للاتحاد السوفيتي »في ذلك الوقت» أصبح شيوعيا بحكم الاحتلال -وقسم آخر يخضع للحلفاء الثلاثة أمريكاوفرنساوانجلترا- في داخله حرية مطلقة مع احساس بأنك أسير ببساطة لان القسم الألماني المحيط من كل ناحية هو قسم خاضع للاتحاد السوفيتي. تستطيع الوصول اليه عن طريق القطار القادم من ألمانيا»الغربية»لكن مع دخولك إلي القسم الألماني الواقع تحت الاحتلال ثم خروجك منه أومن القطار عند وصولك إلي برلين، ببساطة لان برلين كلها »شرقا وغربا» تقع داخل الجزء الألماني الشرقي الذي كان من نصيب الاتحاد السوفيتي، وهذا هو سر احساسك أنك أسير -رغم أنك الآن علي أرض برلينالغربية!.. وهناك طريقة أخري للوصول بالطائرة مباشرة من أي مكان في الغرب إلي مطار تمبلهوف الذي تديره قوات الحلفاء -بعدان أصبح المطار الآخر في الشرق »شين فيلدجهافن» مطار العالم الجميل بين يدي القوات السوفيتية! المهم أن وصولي كان ايضا في شهر يونيو لكن من سنة 1964 وفورا اتجهت إلي أوتيل أم تسو: Hotel am- zoo أو : الفندق أمام حديقة الحيوان -وكان هذا من أكبر الفنادق التي أنشئت بعد الحرب في أشهر شوارع برلينالغربية : الكور فرستندرام- كان هذا هو أكثر الشوارع حركة والذي بدأ تعميره بعد الحرب مباشرة وبعد أن تولت قوات الحلفاء هذا الجزء من العالم. نعم كان الشارع هو الأكبر -اذا نزلت من هذا الفندق واتجهت يمينا فإنك لاتخرج من هذا الشارع الطويل ولكنك تصل إلي مكاتب المشروعات المختلفة علي أرض برلين أما اذا اتجهت غربا فإنك تتجه إلي مركز المدينة القديمة -الكنيسة القديمة التي احترقت- وتركوها كذلك دالة علي ويلات الحروب، وواحد من أعلي المباني التي بنيت في ذلك الميدان الذي فيه الكنيسة - هذا المبني الذي يشيرون إليه ب »اي بوتكت» أو علامة الصفر في برلين أي انه مركز المدينة -منه تتجه إلي أي مكان. ومن هنا فعلا تستطيع أن تتجه إلي اي مكان حتي إلي برلينالشرقية- ببساطة لأنك علي بعد خطوات من محطة القطارات أم تسو Am )oo- أو المحطة أمام حديقة الحيوان التي تركب منها اذا اردت الذهاب إلي الشرق وتستطيع ايضاأن تدخل إلي حديقة حيوان الغرب لأنها علي بعد خطوات كذلك. الأسوار المنيعة! لم أفكر في الذهاب إلي برلينالشرقية إلابعد أن ذهبت إلي حيث يقيمون الأسوار- ليس حول برلينالشرقية- ولكن حول برلينالغربية- لأنها كلها واقعة داخل الدولة الشرقية- يعني داخل أراضيها. والهدف ليس أن ينتقل أبناء برلينالغربية إلي الشرق ولكن الهدف هو ألا ينتقل ابناء الشرق إلي الغرب. لأنهم اذا انتقلوا إلي الغرب فإنهم ببساطة يكونون قد تمكنوا من الهرب! ذلك أنهم عندما قرروا التقسيم -وبقيت برلين مدينة واحدة- ولا حدود هناك إلاحدود وهمية كان ابناء الشرق يبحثون عن أماكن لسكناهم في برلينالغربية- وبذلك بدأ السوفيت يفتقدون الكثيرين من ابناء ألمانياالشرقية بهروبهم إلي الغرب! وفي ذات يوم- وبعد ظهر ذلك اليوم- أعلنوا فجأة أن الألمان غير مسموح لهم بدخول الغرب- لايهم ان كانوا أصلا من ابناء ألمانياالشرقية أو الغربية. وفي لحظات كان الحرس السوفيتي يلف برلينالغربية من كل اتجاه، وأصبح كل من يحاول أن يصل إلي هذا الغرب معرضا للموت قتلا. جاءوا بالأسلاك الشائكة لتلف المكان كله »الغرب» ويرتفع إلي مايزيد علي المترين والثلاثة امتار.. والحراس أمامه من كل زاوية. يعني في لحظة واحدة كان كل شيء قد تم لايهم من في الشرق ومن في الغرب. الآن- لا عودة!. بكاء الشباب والشيوخ- صرخات النساء- لاشيء يهم.. هنا قررت أن أذهب إلي الشرق! برلينالشرقية ولكي أدخل إلي برلينالشرقية -كان لابد أن أستقل القطار المتجه إلي الشرق من حديقة الحيوان- لحظات وأكون هناك نزلت إلي البوابة التي لا تسمح بعبور أكثر من فرد واحد للتفتيش الدقيق وبحيث أعلن عن عدد الماركات التي أحملها، وأن أقوم باستبدال خمسة ماركات ألمانية غربية بخمسة ماركات شرقية تكفي لطعام يوم واحد »الأسعار هنا أرخص حتي مع استبدال العملة» وأدخل إلي البلد الشرقي الذي كان جزءا من اكبر عاصمة اوروبية، وأمشي علي امتداد الطريق لألتقي بفندق بيرولينا الذي كان واحدا من أهم الفنادق التي ينزل فيها الضيوف، ثم المتحف المصري والذي يحتفظ ببعض من أهم الآثار المصرية- أمارأس نفرتيتي فهي هناك في الجانب الغربي- محبوسة هي الأخري- أبناء يمشون حولي جيئة وذهابا يحاولون الاقتراب من سور يحاولون ان يلقوا نظرة علي الغرب ان استطاعوا وليس هذا بالأمر الممكن لكنهم يحاولون.. كثير منهم فقدوا عائلاتهم أو جزء كبير منهم -كثير منهم اصبحوا يتامي عندما ذهب العائل إلي الغرب يعمل أو يتسوق او يشتري بعض الغذاء ولم يتمكن من العودة- وجزء كبير ايضا فقدوا امهاتهم وكان عليهم أن يتصرفوا في امورحياتهم كيف -لا اعرف- لكن نظرات البؤس بادية علي وجوههم الشاحبة.. برلينالشرقية ذات شوارع واسعة ومبان واضح انها كانت عظيمة ولكن اعداد الذين يسيرون فيها وحولها أقل كثيرا- وعلي مسافة بعيدة إذابي أقف أمام فندق آخر- لأقرأ لافتة تقول: كنتر أونتردن لندنUnter den lin den.. وسألت وعرفت أن اسم الشارع هو كذلك.. ومعناها بالعربية : تحت اشجار ابوفروة البرية- قالو الي إنه اطول شارع في برلين كلها- يصل إلي عدة كيلو مترات.. وكان شارعا يشتهر بالرومانسية حيث كان المحبون يمشون هنا ويقعدون علي مقاعد أنشئت تحت اشجاره التي تمتد بامتداد الطريق حتي تصل إلي عمق الغرب.. فالشارع يربط بين طرفي المدينة ولكنه انقطع في منتصفه بتقسيم المدينة شرقا وغربا- وهنا تذكرت اسم الكتاب الذي وقع في يدي وانا في الثامنة من العمر: تحت أغصان الزيزفون نعم هذا هو اسم الكتاب -وهذا الذي قرأت عنه في سنوات حياتي الأولي-لفت نظري في ذلك الوقت قصة الحب الرومانسية بول وفرجيني- ولم ألتفت لما قصده المنفلوطي بالزيزفون- كان رحمه الله يقصد اشجار أبوفروة البرية التي تملأ المكان.. واشجار أبوفروة البرية اغصانها مليئة بالاوراق الكبيرة- شكل الواحدة منها مثل كف اليد الواحدة- كبيرة ورقيقة- وعندما تهزها الرياح فإنها تصتك ببعضها البعض فتصنع صوتا وكأنها آلة موسيقية تعطي صوتا وكأنك تسمع »الزيزفون» نعم- هذه هي أصل الحكاية- أوراق شجر ابوفروة البرية تصنع أصوات الزيزفون- والعشاق يجلسون تحتها- يتحدثون عن أشواقهم تحت اغصانها-وهي تصنع مع هباب الريح اصوات الموسيقي الخاصة وكأنها آلة جديدة هي آلة الزيزفون.. لكن بعدت القصة وراحت الرومانسية ولم يبق إلا ذلك الاحتلال الرهيب الذي ساعد الألمان علي الخلاص منه الزعيم الروسي »جورباتشوف»!