بالصور.. حملات مكبرة بحي العجوزة لرفع الإشغالات وتحقيق الانضباط بالشارع العام    خلافات النسب تنتهي بالقتل في الوراق.. النيابة تأمر بتشريح الجثة وحبس المتهم    «الجارديان»: من المرجح أن تقود مصر «قوة الاستقرار» في غزة واستبعاد تركيا    مصرع شخص وإصابة 5 آخرين إثر حادث تصادم سيارتين فى إمبابة    لتفادي النوبات القلبية.. علامات الذبحة الصدرية المبكرة    الصحة: مصرع شخصين وإصابة 41 آخرين في حادث مروري على طريق (القاهرة - السويس)    الحزن يسيطر على محمد صلاح بعد خسارة ليفربول الرابعة في البريميرليج.. صور    ترامب: أراقب إعادة حماس لجثث الرهائن خلال 48 ساعة    مدرب إيجل نوار: الأهلي كان قويا رغم الطرد    وزير الرياضة: سنساعد الزمالك وفقا للوائح والقوانين.. وقد نمنحه قطعة بديلة لأرض أكتوبر    انتخابات الأهلي – الغزاوي: التنمية والاستثمار هما هدف المرحلة المقبلة للمجلس    محمد عبد الجليل: يانيك فيريرا أقل من تدريب الزمالك.. وأنا أفضل من زيزو بمراحل    أشرف صبحي: هدفنا الوصول لنهائي كأس أمم إفريقيا    وزيرة التضامن تتابع إجراءات تسليم الأطفال لأسر بديلة كافلة    استعدادات مكثفة لافتتاح «المتحف المصرى الكبير».. والحكومة: السبت المقبل إجازة رسمية    هيئة سلامة الغذاء تُكرّم 10 مصانع لدخولها القائمة البيضاء لتصدير التمور    الصحة: نقل مصابي حادث طريق "القاهرة - السويس" إلى مستشفيات بدر الجامعي والشروق    مصرع شاب وإصابة شقيقه فى حادث تصادم سيارة نقل بدارجة نارية بالمنوفية    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    تعرف على برجك اليوم 2025/10/26.. «الأسد»: لا تشتت نفسك بالانتقادات.. و«الجوزاء»: تحقق نتائج إيجابية بالصبر    بعد الظهور في حفل "وطن السلام"، محمد سلام يعلن عن مسلسله الجديد    الانتخابات.. تحية للأغلبية وكشفٌ لواقع المعارضة    خليل الحية: سنسلم إدارة غزة بما فيها الأمن.. وتوافقنا مع فتح على قوات أممية لمراقبة الهدنة    غادة عبد الرحيم تدعو وزارة التعليم لتبني حقيبة "سوبر مامي" لدعم أطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه    أكثروا من الألياف.. نصائح فعالة لعلاج شراهة تناول الطعام    السر في فيتامين B12.. أبرز أسباب الإرهاق المستمر والخمول    معاينة حادث طريق السويس: تهشم كامل ل10 سيارات و«تريلا» السبب.. وضبط السائق المتورط    مفاجأة.. اعتذار الدكتور محمد ربيع ناصر مالك جامعة الدلتا عن الترشح بالقائمة الوطنية ممثلًا عن حزب الجبهة بالدقهلية    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم بعطلة الصاغة الأحد 26 أكتوبر 2025    عشاء رومانسى يجمع على الحجار وزوجته.. صورة    أحمد الجنايني يغازل زوجته منة شلبي: بالنسبة للعالم نجمة.. وبالنسبة لي كل شيء (صور)    عليك الموازنة بين الحزم والمرونة.. حظ برج العقرب اليوم 26 أكتوبر    بنغازي تتلألأ بانطلاق المهرجان الثقافي الدولي للفنون والإبداع تحت شعار "من بنغازي... الإبداع يوحدنا والإعمار يجمعنا"    أسعار الموز (بلدي و مستود) والتفاح بالأسواق اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    صلاح يسجل أمام برينتفورد وليفربول يخسر للمرة الرابعة تواليا في الدوري الإنجليزي    عضو إدارة بتروجت يكشف كواليس انتقال حامد حمدان للزمالك    محمد الغزاوى: أخدم الأهلى فى جميع المناصب ونمتلك أقوى لاعبى اسكواش بأفريقيا    «الداخلية» تكشف ملابسات اعتداء قائد سيارة على سائق أجرة بمدينة نصر    الطفل آدم وهدان: فخور بوقوفى أمام الرئيس ومحمد سلام شخص متواضع    ترامب يؤكد استعداده لخفض الرسوم الجمركية على البرازيل فى ظل الظروف المناسبة    الهلال الأحمر الفلسطينى: أكثر من 15 ألف حالة مرضية بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة    رئيس جامعة المنيا يشارك الاحتفالية العالمية «مصر وطن السلام» بمدينة الفنون بالعاصمة الإدارية    ترامب: لن ألتقي بوتين ما لم أتأكد من وجود اتفاق بشأن أوكرانيا    عمرو أديب: مُهمة التدخل للبحث عن جثث الرهائن فى غزة تظهر قوة مصر وحكمتها    بالصور.. محافظ الجيزة يشارك في افتتاح معرض الوادي الجديد الزراعي الثاني    يوسف زيدان: قصة أبرهة الحبشي غير دقيقة.. واستخدام الفيل لهدم الكعبة تصور غير عملي    الأزهر للفتوى: الاعتداء على كبير السن قولًا أو فعلًا جريمة فى ميزان الدين والقيم    امتحانات أكتوبر.. تعليم القاهرة تشدد على الالتزام بالنماذج الامتحانية المعدة من قِبل الموجهين    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    6 صور ترصد تفاصيل حفل وطن السلام بحضور الرئيس السيسي    غدا..مؤتمر جماهيري للجبهة الوطنية بالبحيرة دعمًا لشعراوي وعماد الدين حسين في انتخابات النواب    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    مصر توقع على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    اليوم.. جورج إلومبي يتسلم رئاسة «افريكسم بنك» رسميا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أن تكتب عن جمال عبدالناصر
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 21 - 01 - 2015

إن من تساءلوا كثيراً عن دلالات استحضار عبدالناصر و23 يوليو وأجوائها وأغانيها لمشهدي الثورة في يناير ويونيو، لم يعوا علي وجه الدقة أن الضمير الجمعي الذي وجه الشعب وقاده، كان يبحث عن رمز
أن تكتب في عهد السيسي عن الثورة وجمال عبدالناصر بمناسبة مولده، فهذا أمر مقبول وممكن ومتاح، لايتطلب بطولة أومجازفة، فالذين خرجوا يطالبون السيسي للتقدم لرئاسة الدولة بعد دوره البطولي في ثورة يونيو، إنما فعلوا ذلك وهم يرفعون صور عبدالناصر، وكأنهم أرادوا إعلان انحيازهم للسيسي علي خطي عبدالناصر وأرضيته التي طالما تقاسمها مع الناس وبسطاء الأمة، وكأنهم أرادوا تسليمه الراية علي شروطها ودلالتها ومعانيها، وكأنهم أرادوا للرمز أن يستحيل فعلاً قائماً فيجسد السيسي حلمهم القديم الجديد، ويتماهي معهم في مشوار التحدي والصمود والاستجابة، الذي قطعوا فيه شوطاً طويلاً مع بطل الأمة الذي غيبته الأقدار بالجسد وأبقته الجماهير حلماً عنيداً استعصي علي الانكسار، ومشروعاً طليعياً للنضال يستهدف الاستقلال الوطني، ومجتمع الكفاية والكرامة والعدل والحرية.
إن من تساءلوا كثيراً عن دلالات استحضار عبدالناصر و23 يوليو وأجوائها وأغانيها لمشهدي الثورة في يناير ويونيو، لم يعوا علي وجه الدقة أن الضمير الجمعي الذي وجه الشعب وقاده، كان يبحث عن رمز تحتشد في تكوينه ومعانيه أهم ملامح هذه الثورة، وهو تحالف قوي الشعب العاملة والحالمة بكل أشواقها للتغيير والنهوض والعدالة واستعادة كيان الدولة وأحلام الناس. لو تأملت الثورات الكبري التي غيرت العالم، ستجد أن الثورة دائماً عبرت عن مصالح وتطلعات وأحلام وصراع طبقة ضد طبقات أخري، وجاءت الثورة لتحسم الصراع، أما 23 يوليو فجاءت تعبيراً عن مصالح كل الفئات، ضد سلطة مثلت بمحاسيبها وزبانيتها واحتكاراتها النصف في المائة، لذلك تحدثت أدبيات يوليو بلسان عبدالناصر عن تحالف قوي الشعب العاملة التي صنعت الثورة، وليس طبقاته المتصارعة، وهو نفسه حال يناير ويونيو، فقد مثلت فيهما الثورة كل قوي الشعب العاملة وتحالفها ضد سلطة وليس ضد طبقة، فكان بديهياً ان يرفعوا صور عبدالناصر رمزاً للثورة، ويرددوا أغانيه ويستحضروا روحه.
في السبعينيات كانت شجاعة لانظير لها أن تكتب عن الثورة وجمال عبدالناصر، أما في الثمانينيات ومابعدها فكانت جسارة لايقدر عليها إلا رجالها، ولقد كان حرصنا دائماً أن نعلن انحيازنا ل 23 يوليو وقائدها ومشروعها حين كانت أقلام السلطة وزبانيتها يحاصرون ذكري الرجل ويطاردون كل من يجاهر بانتمائه الفكري لهذا العهد ومشروعه القومي. وأذكر أن وجدنا متنفساً لأفكارنا في إصداراتنا الطلابية الجامعية، ومجلات وجرائد، الموقف العربي لعبدالرحمن مناف، والأهالي لفيليب جلاب، والعربي الناصري لعبدالله إمام وعبدالله السناوي وعبدالحليم قنديل، وطليعة لطفي الخولي قبل مرحلة »‬كوبنهاجن»، ودراسات اشتراكية من دار الهلال، وأدب ونقد لرجاء النقاش، والكاتب لأحمد عباس صالح. ولن ننسي ليوسف السباعي وزير ثقافة السادات رحمهما الله، توقف معظم هذه الإصدارات، التي كان توقفها ومطاردة السلطة في عصري السادات ومبارك لفكر اليسار بأطيافه العروبية والقومية والناصرية، أن دفعنا للعناد ورحنا نكتب عن عبد الناصر، ولم يزعجنا أن ندفع الثمن، وإن استمر حتي اليوم، مرة لغباء السلطة، ومرات لضحالة المناخ العام للفكر والسياسة في بلادنا.
في 23 يوليو 2003 كانت مفاجأة أن نشرت ليَ صحيفة الأهرام مقالاً بعنوان »‬عن الثورة وجمال عبدالناصر»، كان النظام وقتها قارب علي الإفلاس، فلما حاصرته الجماهير حاول التقية بارتداء قميص عبدالناصر، ولم تنطل الحيلة علي مخزون وعي الناس وضميرهم الجمعي، وإن استفدنا بمساحة متاحة، متنفساً لأفكارنا وإعلان انحيازنا لتجربة ومشروع عبدالناصر في التحرر الوطني والاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وهي عينها الأقانيم الخالدة في مطالب الشعوب، كل الشعوب وتطلعاتها.
أن تكتب عن عبدالناصر، فلا يسعك فقط الكلام عن كاريزما البطل، إذ ينبغي أن تكتب في هذا الإطار عن مشروعه الوطني، وعقده الاجتماعي، وعدالة توجهاته الإنسانية التي طالت ثورات وحركات التحرر العالمي في محيطنا العربي وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بالرعاية والدعم والإلهام.
أن تكتب عن عبدالناصر الشخص والفكر والزعيم والإنسان في انحيازه ومواقفه، فهذا عمل ضخم، لكن ربما عبرت عن بعض منه، أغنية »‬مطالب شعب» التي غناها عبد الحليم 1962 من ألحان كمال الطويل وكلمات أحمد شفيق كامل، خصوصاً في مقطعها:»من يوم ما انتصرت ثورتنا مع جيشنا وحارس عروبتنا، ويوماتي في نصر جديد طالع مع كل صباح علي أمتنا، أمة أحرار كلها ثوار ولا كلمة لغير شعبها فيها، ولا كلمة، ياللي العروبة محوشاك لآمال كبيرة، ياللي القدر جايب معاك أمجاد كتيرة، النهارده.. النهارده واحنا عايشين الانتصارده، النهارده وكل عامل له نصيبه في مصنعه، النهارده وكل فلاح له قيراطه بيزرعه، النهارده وخير بلدنا كلها للشعب، للشعب كله بأجمعه»
كان عبدالناصر يعرف الدور الاجتماعي المفروض علي الدولة أداؤه وفاءً لمطالب وحاجات الشعب، كان يعرف أن إدارة الأوطان ليست كإدارة الشركات، فليس فيها حسابات دفترية للمكسب والخسارة، لهذا لم يسمح عبدالناصر لوزرائه أن يخذلوا الجماهير أويمنوا عليها، لم يستوزر عبدالناصر أحداً علي شاكلة د.عادل البلتاجي ليرفع أسعار السماد علي الفلاح، ويرفض شراء القطن منه ويهدده في محصول القصب ويعذبه في سداد أسعار القمح، ولا أعرف من ألقي في طريق السيسي بمثله ليتولي وزارة الزراعة، وهو عراب تسفير الشباب لإسرائيل والسماح بتداول المبيدات المسرطنة أيام يوسف والي، فيحاول إذلال الفلاحين الذين عاهدهم السيسي مخلصاً علي إنصافهم واستعادة حقوقهم. ثم كيف تلقي حكومة المقاولين كل الأعباء علي بسطاء الأمة، جماهير ناصر والسيسي، الذين هم الممول الأول لمشروعات البناء الجديد والمستثمر الصغير الذي قسم »‬اللقمة» بين أبنائه وبين السيسي ليبني معه الوطن، ثم ترفع عليه الحكومة سعر الكهرباء، وتهدده برفع سعر التذاكر حتي لايخسر المترو، وتتركه يعاني شح البوتاجاز في ليالي الشتاء الباردة. أين أولئك المواطنون من جماهير عبدالناصر، بينما عمال المحلة الكبري والكتان وكفر الدوار والمراجل البخارية وكيما بأسوان والنصر للسيارات والحديد والصلب بحلوان وغيرهم، لا يقدم لهم محلب وحكومته إلا كلمات طيبات ووعودا حين ميسرة. كيف تكتب عن عبدالناصر وماعاد كل فلاح له قيراطه بيزرعه، ولا كل عامل له نصيبه في مصنعه؟.
أن تكتب عن عبدالناصر، فأنت بحاجة لأن تكتب عن نصر جديد طالع مع كل صباح علي جيشنا وحارس عروبتنا، وأن تتسع دوائر الاختيار أمام السيسي لحكومة كفاءات ومناضلين لأن هذا الشعب لاتزال العروبة »‬محوشاه» لآمال كبيرة.
إن من تساءلوا كثيراً عن دلالات استحضار عبدالناصر و23 يوليو وأجوائها وأغانيها لمشهدي الثورة في يناير ويونيو، لم يعوا علي وجه الدقة أن الضمير الجمعي الذي وجه الشعب وقاده، كان يبحث عن رمز
أن تكتب في عهد السيسي عن الثورة وجمال عبدالناصر بمناسبة مولده، فهذا أمر مقبول وممكن ومتاح، لايتطلب بطولة أومجازفة، فالذين خرجوا يطالبون السيسي للتقدم لرئاسة الدولة بعد دوره البطولي في ثورة يونيو، إنما فعلوا ذلك وهم يرفعون صور عبدالناصر، وكأنهم أرادوا إعلان انحيازهم للسيسي علي خطي عبدالناصر وأرضيته التي طالما تقاسمها مع الناس وبسطاء الأمة، وكأنهم أرادوا تسليمه الراية علي شروطها ودلالتها ومعانيها، وكأنهم أرادوا للرمز أن يستحيل فعلاً قائماً فيجسد السيسي حلمهم القديم الجديد، ويتماهي معهم في مشوار التحدي والصمود والاستجابة، الذي قطعوا فيه شوطاً طويلاً مع بطل الأمة الذي غيبته الأقدار بالجسد وأبقته الجماهير حلماً عنيداً استعصي علي الانكسار، ومشروعاً طليعياً للنضال يستهدف الاستقلال الوطني، ومجتمع الكفاية والكرامة والعدل والحرية.
إن من تساءلوا كثيراً عن دلالات استحضار عبدالناصر و23 يوليو وأجوائها وأغانيها لمشهدي الثورة في يناير ويونيو، لم يعوا علي وجه الدقة أن الضمير الجمعي الذي وجه الشعب وقاده، كان يبحث عن رمز تحتشد في تكوينه ومعانيه أهم ملامح هذه الثورة، وهو تحالف قوي الشعب العاملة والحالمة بكل أشواقها للتغيير والنهوض والعدالة واستعادة كيان الدولة وأحلام الناس. لو تأملت الثورات الكبري التي غيرت العالم، ستجد أن الثورة دائماً عبرت عن مصالح وتطلعات وأحلام وصراع طبقة ضد طبقات أخري، وجاءت الثورة لتحسم الصراع، أما 23 يوليو فجاءت تعبيراً عن مصالح كل الفئات، ضد سلطة مثلت بمحاسيبها وزبانيتها واحتكاراتها النصف في المائة، لذلك تحدثت أدبيات يوليو بلسان عبدالناصر عن تحالف قوي الشعب العاملة التي صنعت الثورة، وليس طبقاته المتصارعة، وهو نفسه حال يناير ويونيو، فقد مثلت فيهما الثورة كل قوي الشعب العاملة وتحالفها ضد سلطة وليس ضد طبقة، فكان بديهياً ان يرفعوا صور عبدالناصر رمزاً للثورة، ويرددوا أغانيه ويستحضروا روحه.
في السبعينيات كانت شجاعة لانظير لها أن تكتب عن الثورة وجمال عبدالناصر، أما في الثمانينيات ومابعدها فكانت جسارة لايقدر عليها إلا رجالها، ولقد كان حرصنا دائماً أن نعلن انحيازنا ل 23 يوليو وقائدها ومشروعها حين كانت أقلام السلطة وزبانيتها يحاصرون ذكري الرجل ويطاردون كل من يجاهر بانتمائه الفكري لهذا العهد ومشروعه القومي. وأذكر أن وجدنا متنفساً لأفكارنا في إصداراتنا الطلابية الجامعية، ومجلات وجرائد، الموقف العربي لعبدالرحمن مناف، والأهالي لفيليب جلاب، والعربي الناصري لعبدالله إمام وعبدالله السناوي وعبدالحليم قنديل، وطليعة لطفي الخولي قبل مرحلة »‬كوبنهاجن»، ودراسات اشتراكية من دار الهلال، وأدب ونقد لرجاء النقاش، والكاتب لأحمد عباس صالح. ولن ننسي ليوسف السباعي وزير ثقافة السادات رحمهما الله، توقف معظم هذه الإصدارات، التي كان توقفها ومطاردة السلطة في عصري السادات ومبارك لفكر اليسار بأطيافه العروبية والقومية والناصرية، أن دفعنا للعناد ورحنا نكتب عن عبد الناصر، ولم يزعجنا أن ندفع الثمن، وإن استمر حتي اليوم، مرة لغباء السلطة، ومرات لضحالة المناخ العام للفكر والسياسة في بلادنا.
في 23 يوليو 2003 كانت مفاجأة أن نشرت ليَ صحيفة الأهرام مقالاً بعنوان »‬عن الثورة وجمال عبدالناصر»، كان النظام وقتها قارب علي الإفلاس، فلما حاصرته الجماهير حاول التقية بارتداء قميص عبدالناصر، ولم تنطل الحيلة علي مخزون وعي الناس وضميرهم الجمعي، وإن استفدنا بمساحة متاحة، متنفساً لأفكارنا وإعلان انحيازنا لتجربة ومشروع عبدالناصر في التحرر الوطني والاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وهي عينها الأقانيم الخالدة في مطالب الشعوب، كل الشعوب وتطلعاتها.
أن تكتب عن عبدالناصر، فلا يسعك فقط الكلام عن كاريزما البطل، إذ ينبغي أن تكتب في هذا الإطار عن مشروعه الوطني، وعقده الاجتماعي، وعدالة توجهاته الإنسانية التي طالت ثورات وحركات التحرر العالمي في محيطنا العربي وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بالرعاية والدعم والإلهام.
أن تكتب عن عبدالناصر الشخص والفكر والزعيم والإنسان في انحيازه ومواقفه، فهذا عمل ضخم، لكن ربما عبرت عن بعض منه، أغنية »‬مطالب شعب» التي غناها عبد الحليم 1962 من ألحان كمال الطويل وكلمات أحمد شفيق كامل، خصوصاً في مقطعها:»من يوم ما انتصرت ثورتنا مع جيشنا وحارس عروبتنا، ويوماتي في نصر جديد طالع مع كل صباح علي أمتنا، أمة أحرار كلها ثوار ولا كلمة لغير شعبها فيها، ولا كلمة، ياللي العروبة محوشاك لآمال كبيرة، ياللي القدر جايب معاك أمجاد كتيرة، النهارده.. النهارده واحنا عايشين الانتصارده، النهارده وكل عامل له نصيبه في مصنعه، النهارده وكل فلاح له قيراطه بيزرعه، النهارده وخير بلدنا كلها للشعب، للشعب كله بأجمعه»
كان عبدالناصر يعرف الدور الاجتماعي المفروض علي الدولة أداؤه وفاءً لمطالب وحاجات الشعب، كان يعرف أن إدارة الأوطان ليست كإدارة الشركات، فليس فيها حسابات دفترية للمكسب والخسارة، لهذا لم يسمح عبدالناصر لوزرائه أن يخذلوا الجماهير أويمنوا عليها، لم يستوزر عبدالناصر أحداً علي شاكلة د.عادل البلتاجي ليرفع أسعار السماد علي الفلاح، ويرفض شراء القطن منه ويهدده في محصول القصب ويعذبه في سداد أسعار القمح، ولا أعرف من ألقي في طريق السيسي بمثله ليتولي وزارة الزراعة، وهو عراب تسفير الشباب لإسرائيل والسماح بتداول المبيدات المسرطنة أيام يوسف والي، فيحاول إذلال الفلاحين الذين عاهدهم السيسي مخلصاً علي إنصافهم واستعادة حقوقهم. ثم كيف تلقي حكومة المقاولين كل الأعباء علي بسطاء الأمة، جماهير ناصر والسيسي، الذين هم الممول الأول لمشروعات البناء الجديد والمستثمر الصغير الذي قسم »‬اللقمة» بين أبنائه وبين السيسي ليبني معه الوطن، ثم ترفع عليه الحكومة سعر الكهرباء، وتهدده برفع سعر التذاكر حتي لايخسر المترو، وتتركه يعاني شح البوتاجاز في ليالي الشتاء الباردة. أين أولئك المواطنون من جماهير عبدالناصر، بينما عمال المحلة الكبري والكتان وكفر الدوار والمراجل البخارية وكيما بأسوان والنصر للسيارات والحديد والصلب بحلوان وغيرهم، لا يقدم لهم محلب وحكومته إلا كلمات طيبات ووعودا حين ميسرة. كيف تكتب عن عبدالناصر وماعاد كل فلاح له قيراطه بيزرعه، ولا كل عامل له نصيبه في مصنعه؟.
أن تكتب عن عبدالناصر، فأنت بحاجة لأن تكتب عن نصر جديد طالع مع كل صباح علي جيشنا وحارس عروبتنا، وأن تتسع دوائر الاختيار أمام السيسي لحكومة كفاءات ومناضلين لأن هذا الشعب لاتزال العروبة »‬محوشاه» لآمال كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.