عاشت حياتها عاشقة للفن والثقافة.. تعودت عيناها دائماً علي تذوق كل ما هو جميل.. لم يعرف اليأس يوماً إليها باباً ولا طريق.. ولدت في قصور العائلة المالكة في 3 يونيو 1835م ، وعلمها والدها "الخديوي إسماعيل" كيف يرتقي المرء ببلاده ويصنع حضارتها.. تربيتها في السرايات الملكية يسرت لها طريق التعلم وتذوق الفن الأصيل، تنازلت عن سرايتها لتصبح مقراً "للمتحف الزراعي" الذي يضم كنوزا ليس لها مثيل، والذي تقدر مساحته بحوالي 125 ألف متر مربع، كما أنها قررت أن تمنح الحكومة ما تبقي من ممتلكاتها والتي تزيد عن ال 30 فدانا لتصبح الآن منطقة "الدقي" الشهيرة بالجيزة، والتي أطلق عليها من قبل شارع "الأميرة فاطمة إسماعيل". حلم الجامعة حلمت كغيرها من المصريات أن تلتحق بالجامعة وتستكمل تفوقها الدراسي، إلا أن العادات والقوانين في هذا الوقت منعتها من تنفيذ حلمها المشروع، ومُنعت كسائر الفتيات من الالتحاق بمدرسة الطب أو الحقوق وغيرها والتي كانت تقتصر علي الذكور فقط دون الإناث. وتزوجت من الأمير محمد طوسون نجل والي مصر عام 1871م، وأنجبت منه الأمير جميل طوسون والأميرة عصمت، كما أنها تميزت دائماً بحبها للعمل التطوعي والأعمال الخيرية وأحتل حب الثقافة موضعاً شديد التميز في قلبها، فظل حلمها بأن تكمل دراستها يراودها طوال الوقت، إلى أن سعت لوضع قانون تنظيم الدراسة والإدارة لجميع مستويات المدارس والمعاهد العليا، ولكن لا يظل حلم استكمال الفتاة لتعليمها العالي بعيد المنال. الحلم يتحقق ظهرت فكرة بناء الجامعة الأهلية "جامعة القاهرة حالياً" عام 1906 م علي يد السلطان "عباس حلمي الثاني" و لكن تعثر المشروع عند صخرة التمويل ، و في جلسة من جلسات العلم و الثقافة التي حرصت الأميرة دائماً علي أن يكون منزلها مقراً لها ، أثير هذا الموضوع عن طريق طبيبها الخاص "محمد علوي باشا" و الذي كان أحد أهم رموز الحركة الوطنية حينذاك. وعند سماعها للفكرة أحست وكأن الروح عادت لجسدها بعد غياب أستمر لسنوات طويلة، وتذكرت ذلك الحلم الذي حلمت به منذ الطفولة، وأخيراً آن الآوان أن يصبح الحلم واقعاً يتكلم عنه الجميع، فطلبت من الطبيب أن يسترسل في عرض الفكرة ويشرح لها عقبات التنفيذ، وعندما علمت بأن التمويل هو من يقف أمام تحقيق الحلم القديم، قررت أن تتحمل كافة تكاليف البناء والتي قدرت وقتها ب 26 ألف جنيه. وقامت الأميرة ببيع مجوهراتها النفيسة بحوالي 70 ألف جنيه وأعطتها جميعاً "للحركة الوطنية"، كما أنها تبرعت ب 6 أفدنة من ممتلكاتها الخاصة لإقامة مباني الجامعة عليها. واشترطت الأميرة فاطمة، أن تقبل الجامعة الإناث أيضاً ولا تقتصر علي الذكور فقط، لتضع بذلك حجر أساس "جامعة القاهرة" ولم تكتف بذلك بل إنها فتحت باب التبرع لسيدات أسرتها وأوقفت 624 فدانا أخري من أجود الأراضي بمحافظة الدقهلية لتصبح تحت تصرف الجامعة في أي وقت، وذلك من ضمن 3357 فداناً خصصتها لأعمال البر والإحسان وقدر إيراد هذه الوقفية بميزانية الجامعة بمبلغ 4000 جنيهاً سنوياً. ولكن حب الأميرة فاطمة للعلم لم يجهلها تكتفي بذلك فقط، بل أنها أعلنت تحملها كافة نفقات حفل وضع حجر الأساس، والذي كان سيحمل الجامعة نفقات كبيرة ، وخاصة أن الخديوي عباس حلمي الثاني كان قد أعلن أنه سيحضر حفل الافتتاح هو والأمير أحمد فؤاد ، وقد نشرت إدارة الجامعة بيانا في جميع الجرائد اليومية المحلية تحت عنوان " نفقات الاحتفال بوضع حجر الأساس لدار الجامعة"، وهذا نصه: "أبت مكارم ربة الإحسان ، صاحبة العصمة ، ودولة الأميرة الجليلة فاطمة هانم أفندم ، كريمة المغفور له إسماعيل باشا الخديوي الأسبق ، إلا أن تضيف أية جديدة من آيات فضلها ، فأمرت بأن تكون جميع نفقات الحفلة ، التي ستقام لوضع حجر الأساس لدار الجامعة ، في إرسال تذاكر الدعوة ، ونظرا لتنازل الجناب العالي بوعد سموه بتشريف هذه الحفلة قد أوصت دولتها بمزيد العناية بترتيب الزينة ، مما يليق بمقام سمو الأمير عزيز مصر ، ومجلس إدارة الجامعة ، لا يسعه تلقاء هذه المآثر العديدة إلا تقديم عبارات الشكر الجزيل ، بلسان الأمة ، على النعم الكثيرة ، التي أغدقتها صاحبة هذه الأيادي البيض في سبيل العلم ، ويسأل الله أن يطيل حياتها ، ويتولى مكافآتها عليها بالإحسان " . 85 عاماً من العطاء في الوقت الذي كانت تحلم فيه الأميرة فاطمة برؤية أبواب الجامعة مفتوحة للإناث والذكور لتستقبلهم في أولي كلياتها وهي الطب والعلوم والآداب والحقوق، وقف الموت ليمنعها من رؤية هذا المشهد الذي طالما شاهدته في أحلامها وتمنت أن تراه يومأ يتحقق أمام عينيها، وأعُلن خبر وفاتها عام 1920م، لتختم بذلك رحلة ال 85 عاماً من العطاء، وليحزن الجميع عليها وليخسر المصريون عاشقة الثقافة والتراث، تاركه لنا دروس في حب الثقافة والتضحية لبناء حضارة الأوطان، لتكون بذلك صاحبة الفضل الأول في التحاق الفتاة المصرية بالجامعات ولتصبح بذلك أول الفتيات العرب التحاقا بالجامعة. عاشت حياتها عاشقة للفن والثقافة.. تعودت عيناها دائماً علي تذوق كل ما هو جميل.. لم يعرف اليأس يوماً إليها باباً ولا طريق.. ولدت في قصور العائلة المالكة في 3 يونيو 1835م ، وعلمها والدها "الخديوي إسماعيل" كيف يرتقي المرء ببلاده ويصنع حضارتها.. تربيتها في السرايات الملكية يسرت لها طريق التعلم وتذوق الفن الأصيل، تنازلت عن سرايتها لتصبح مقراً "للمتحف الزراعي" الذي يضم كنوزا ليس لها مثيل، والذي تقدر مساحته بحوالي 125 ألف متر مربع، كما أنها قررت أن تمنح الحكومة ما تبقي من ممتلكاتها والتي تزيد عن ال 30 فدانا لتصبح الآن منطقة "الدقي" الشهيرة بالجيزة، والتي أطلق عليها من قبل شارع "الأميرة فاطمة إسماعيل". حلم الجامعة حلمت كغيرها من المصريات أن تلتحق بالجامعة وتستكمل تفوقها الدراسي، إلا أن العادات والقوانين في هذا الوقت منعتها من تنفيذ حلمها المشروع، ومُنعت كسائر الفتيات من الالتحاق بمدرسة الطب أو الحقوق وغيرها والتي كانت تقتصر علي الذكور فقط دون الإناث. وتزوجت من الأمير محمد طوسون نجل والي مصر عام 1871م، وأنجبت منه الأمير جميل طوسون والأميرة عصمت، كما أنها تميزت دائماً بحبها للعمل التطوعي والأعمال الخيرية وأحتل حب الثقافة موضعاً شديد التميز في قلبها، فظل حلمها بأن تكمل دراستها يراودها طوال الوقت، إلى أن سعت لوضع قانون تنظيم الدراسة والإدارة لجميع مستويات المدارس والمعاهد العليا، ولكن لا يظل حلم استكمال الفتاة لتعليمها العالي بعيد المنال. الحلم يتحقق ظهرت فكرة بناء الجامعة الأهلية "جامعة القاهرة حالياً" عام 1906 م علي يد السلطان "عباس حلمي الثاني" و لكن تعثر المشروع عند صخرة التمويل ، و في جلسة من جلسات العلم و الثقافة التي حرصت الأميرة دائماً علي أن يكون منزلها مقراً لها ، أثير هذا الموضوع عن طريق طبيبها الخاص "محمد علوي باشا" و الذي كان أحد أهم رموز الحركة الوطنية حينذاك. وعند سماعها للفكرة أحست وكأن الروح عادت لجسدها بعد غياب أستمر لسنوات طويلة، وتذكرت ذلك الحلم الذي حلمت به منذ الطفولة، وأخيراً آن الآوان أن يصبح الحلم واقعاً يتكلم عنه الجميع، فطلبت من الطبيب أن يسترسل في عرض الفكرة ويشرح لها عقبات التنفيذ، وعندما علمت بأن التمويل هو من يقف أمام تحقيق الحلم القديم، قررت أن تتحمل كافة تكاليف البناء والتي قدرت وقتها ب 26 ألف جنيه. وقامت الأميرة ببيع مجوهراتها النفيسة بحوالي 70 ألف جنيه وأعطتها جميعاً "للحركة الوطنية"، كما أنها تبرعت ب 6 أفدنة من ممتلكاتها الخاصة لإقامة مباني الجامعة عليها. واشترطت الأميرة فاطمة، أن تقبل الجامعة الإناث أيضاً ولا تقتصر علي الذكور فقط، لتضع بذلك حجر أساس "جامعة القاهرة" ولم تكتف بذلك بل إنها فتحت باب التبرع لسيدات أسرتها وأوقفت 624 فدانا أخري من أجود الأراضي بمحافظة الدقهلية لتصبح تحت تصرف الجامعة في أي وقت، وذلك من ضمن 3357 فداناً خصصتها لأعمال البر والإحسان وقدر إيراد هذه الوقفية بميزانية الجامعة بمبلغ 4000 جنيهاً سنوياً. ولكن حب الأميرة فاطمة للعلم لم يجهلها تكتفي بذلك فقط، بل أنها أعلنت تحملها كافة نفقات حفل وضع حجر الأساس، والذي كان سيحمل الجامعة نفقات كبيرة ، وخاصة أن الخديوي عباس حلمي الثاني كان قد أعلن أنه سيحضر حفل الافتتاح هو والأمير أحمد فؤاد ، وقد نشرت إدارة الجامعة بيانا في جميع الجرائد اليومية المحلية تحت عنوان " نفقات الاحتفال بوضع حجر الأساس لدار الجامعة"، وهذا نصه: "أبت مكارم ربة الإحسان ، صاحبة العصمة ، ودولة الأميرة الجليلة فاطمة هانم أفندم ، كريمة المغفور له إسماعيل باشا الخديوي الأسبق ، إلا أن تضيف أية جديدة من آيات فضلها ، فأمرت بأن تكون جميع نفقات الحفلة ، التي ستقام لوضع حجر الأساس لدار الجامعة ، في إرسال تذاكر الدعوة ، ونظرا لتنازل الجناب العالي بوعد سموه بتشريف هذه الحفلة قد أوصت دولتها بمزيد العناية بترتيب الزينة ، مما يليق بمقام سمو الأمير عزيز مصر ، ومجلس إدارة الجامعة ، لا يسعه تلقاء هذه المآثر العديدة إلا تقديم عبارات الشكر الجزيل ، بلسان الأمة ، على النعم الكثيرة ، التي أغدقتها صاحبة هذه الأيادي البيض في سبيل العلم ، ويسأل الله أن يطيل حياتها ، ويتولى مكافآتها عليها بالإحسان " . 85 عاماً من العطاء في الوقت الذي كانت تحلم فيه الأميرة فاطمة برؤية أبواب الجامعة مفتوحة للإناث والذكور لتستقبلهم في أولي كلياتها وهي الطب والعلوم والآداب والحقوق، وقف الموت ليمنعها من رؤية هذا المشهد الذي طالما شاهدته في أحلامها وتمنت أن تراه يومأ يتحقق أمام عينيها، وأعُلن خبر وفاتها عام 1920م، لتختم بذلك رحلة ال 85 عاماً من العطاء، وليحزن الجميع عليها وليخسر المصريون عاشقة الثقافة والتراث، تاركه لنا دروس في حب الثقافة والتضحية لبناء حضارة الأوطان، لتكون بذلك صاحبة الفضل الأول في التحاق الفتاة المصرية بالجامعات ولتصبح بذلك أول الفتيات العرب التحاقا بالجامعة.