دولتنا لا ينبغى أن تسيطر على غزة أبدًا!    مواهب كوكب اليابان    عائلات الأسرى لنتنياهو: إذا قررت احتلال غزة وقتل أبنائنا سنطاردك في كل مكان    مصر ترحب بالتوصل إلى اتفاق سلام بين جمهوريتي أرمينيا وأذربيجان    تنسيق الجامعات 2025.. طريقة التقديم للالتحاق بكليات الجامعات الخاصة والأهلية    رسميًا.. ضوابط تحويل الطلاب بين المعاهد الأزهرية ومدارس التربية والتعليم (آخرموعد)    تنسيق المرحلة الثالثة 2025.. توقعات كليات ومعاهد تقبل من 55% وحتى 50% أدبي    «النقل» تحدد أسبوعًا لاستخراج اشتراكات الأتوبيس الترددي لطلاب المدارس والجامعات    الشيخ خالد الجندي يذيع فيديو للشيخ محمد متولي الشعراوي عن قانون الإيجار القديم    اقتربت نهاية دوناروما مع سان جيرمان؟ ليكيب: شوفالييه يخضع للفحوصات الطبية    غليان داخل بيراميدز بعد الوقوع في فخ التعادل أمام «دجلة»    فيديوهات تحمل ألفاظ خادشة للحياء.. تفاصيل القبض على التيك توكر نعمة أم إبراهيم    ضبط تشكيل «بياضة وطوبسية» بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالدقهلية    نزاع إيجار قديم ينتهي بقتل مالك عقار.. والمحكمة تصدر قرارها    وزير الزراعة يتفقد أعمال التطوير بمحطة الزهراء للخيول العربية الأصيلة    إلهام شاهين تستمتع بإجازتها في الساحل مع نجوم الفن: «ربنا يجمعنا دايمًا في أوقات حلوة»    259 كرسيًا و6 أدوار.. مستشفى أسنان جامعة سوهاج يستعد للافتتاح قريبًا -صور    ينظم الضغط ويحمي القلب.. 6 فوائد ل عصير البطيخ    امتحانات الدبلومات الفنية التحريرية للدور الثاني.. 9 إجراءات من التعليم    محمد صلاح غير راضي عن سعره في الفانتازي "لا يجب أن أكون الأغلى"    3 أبراج على موعد مع حب العمر قريبا.. القدر يخبئ لك مفاجأة    غرق في النيل.. النيابة تحقق في وفاة سائق "توكتوك" بالصف    ترخيص 817 مركبة كهربائية خلال يوليو الماضي ..المركز الأول ل بى واى دى    الموز والتمر- أيهما أفضل لسكري الدم؟    ب"فستان أنيق".. أحدث ظهور ل نرمين الفقي والجمهور يغازلها (صور)    رئيس لبنان: دماء شهدائنا الأبرار لن تذهب هدرا وستبقى منارة تضيء طريق النضال    شيخ الأزهر يلتقى عدد من الطلاب ويستذكر معهم تجربته فى حفظ القرآن الكريم فى "كُتَّاب القرية"    جامعة بنها الأهلية تعقد 3 شراكات تعاون جديدة    محافظ الإسماعيلية يستقبل سفير دولة الهند ويتفقدان مصانع EMBEE    «المستلزمات الطبية» تبحث الاثنين المقبل أزمة مديونية هيئة الشراء الموحد    وزير المالية: حريصون على الاستغلال الأمثل للموارد والأصول المملوكة للدولة    نائب رئيس هيئة الكتاب: الاحتفال باليوم العالمي لمحبي القراءة دعوة للثقافة    اليوم .. عزاء الفنان سيد صادق بمسجد الشرطة    محافظة الجيزة: أنشطة وبرامج مراكز الشباب من 10 إلى 15 أغسطس 2025    «اتفق مع صديقه لإلصاق التهمة بزوج خالته».. كشف ملابسات مقتل شاب بطلق ناري في قنا    حبس مزارع وشقيقته تسببا في وفاة زوجته بالشرقية    «الوافدين» تنظم لقاءات افتراضية مع المكاتب الثقافية للتعريف بفرص الدراسة في مصر    الصحة: إحلال وتجديد 185 ماكينة غسيل كلوي    رغم الغضب الدولى ضد إسرائيل.. قوات الاحتلال تواصل قتل الفلسطينيين فى غزة.. عدد الضحايا يقترب من 62 ألف شخصا والمصابين نحو 153 ألف آخرين.. سوء التغذية والمجاعة تحاصر أطفال القطاع وتحصد أرواح 212 شهيدا    تتبقى 3 أيام.. «الضرائب» تعلن موعد انتهاء مهلة الاستفادة من التسهيلات الضريبية المقررة    أخبار الطقس في الإمارات.. صحو إلى غائم جزئي مع أمطار محتملة شرقًا وجنوبًا    "إكسترا نيوز" تذيع مقطعًا مصورًا لوقفة تضامنية في نيويورك دعمًا للموقف المصري الإنساني تجاه غزة    بحضور صفاء أبوالسعود.. تعرف على موعد افتتاح ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بالشكاوى المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة    تمويلات خارجية وتقنيات متطورة.. خطة الإخوان لغزو العقول بالسوشيال ميديا.. الفوضى المعلوماتية السلاح الأخطر.. ربيع: مصانع للكراهية وتزييف الوعى..النجار: ميليشيا "الجماعة" الرقمية أخطر أسلحة الفوضى    ما هو الصبر الجميل الذي أمر الله به؟.. يسري جبر يجيب    زوجة أكرم توفيق توجه رسالة رومانسية للاعب    أحمد كريمة: أموال تيك توك والسوشيال ميديا حرام وكسب خبيث    رسميًا.. مانشستر يونايتد يضم سيسكو    ارتفاع أسعار البيض اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    الري: 32 مليون متر مكعب سعة تخزينية لحماية نويبع من السيول    تفاصيل حفل تامر عاشور بمهرجان العلمين    موعد قرعة دوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية والقنوات الناقلة    خلال استقباله وزير خارجية تركيا.. الرئيس السيسى يؤكد أهمية مواصلة العمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة.. التأكيد على رفض إعادة الاحتلال العسكرى لغزة وضرورة وقف إطلاق النار ورفض تهجير الفلسطينيين    «100 يوم صحة» قدمت 37 مليون خدمة طبية مجانية خلال 24 يوما    فتوح : قرار حكومة الاحتلال إعادة احتلال غزة كارثة وبداية تنفيذ خطة تهجير وقتل جماعي    تنسيق المرحلة الثانية.. غدا آخر فرصة لتسجيل الرغبات بموقع التنسيق الإلكتروني    علي معلول: جاءتني عروض من أوروبا قبل الأهلي ولم أنقطع عن متابعة الصفاقسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرق الأوسط: بديع جلس على مقعد الرئيس..والشاطر صرخ في مرسي

كشفت قيادات سابقة في مؤسسات مصرية كبرى منها مؤسسة رئاسة الجمهورية عن وقائع ومواقف مجهولة في حياة عدد من الشخصيات التي ارتبط اسمها بأحداث شاهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، على رأسهم الرئيسان السابقان، حسني مبارك ومحمد مرسي، بالإضافة إلى مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر.
وأجرت "الشرق الأوسط" عدة مقابلات مع شخصيات في مدن القاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح، بعد أن كانت تلك الشخصيات قد تعاملت بشكل مباشر مع كل من مبارك ومرسي وبديع والشاطر، بينهم ثلاثة لواءات سابقين في الجيش، بالإضافة إلى قادة كبار في حزب مبارك قبل حله بحكم قضائي، الذي كان يعرف باسم "الحزب الوطني الديمقراطي".
وقال ضابط برتبة لواء يدعى "م.ف" -عمل في القصر الجمهوري خلال فترة حكم مرسي التي امتدت لمدة عام من صيف 2012 إلى صيف 2013- لجريدة الشرق الأوسط السعودية، إن مرشد "الإخوان"، محمد بديع، أدار اجتماعات لمكتب إرشاد الجماعة، من على مقعد رئيس الدولة في القصر الجمهوري بحضور مرسي، وإن الشاطر صرخ في وجه الرئيس الأسبق في واحد من هذا النوع من الاجتماعات التي استفزت الأجهزة المصرية المعنية، وأضاف أن الشاطر قرر في اجتماع آخر داخل القصر منع مرسي من اتخاذ أي قرارات تخص الدولة إلا بأوامر من مكتب الإرشاد.
وكشف لواء سابق في الشرطة العسكرية المصرية يدعى "ع.خ" عن أن مرشد "الإخوان" نقض اتفاقا مع الجيش بخصوص فض اعتصام رابعة العدوية، بعد أن ألقي القبض عليه في المرة الأولى في يوليو في قرية سياحية بمدينة مرسى مطروح، وهي واقعة سابقة للقبض عليه في المرة الثانية في القاهرة في أغسطس 2013، وأيد سياسي كان في موقع رفيع داخل حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسية ل"الإخوان"، يدعى «ح.إ» ما أفاد به لواء في القصر الجمهوري تحدث للمرة الأولى عن أن صقور جماعة "الإخوان" وأتباعهم في القصر أظهروا مخاوف من أن يكرر مرسي ما فعله الرئيس الراحل أنور السادات ضد ما سمي ب"مراكز القوى" -نائب الرئيس ووزراء الدفاع والداخلية والرئاسة وقادة الاتحاد الاشتراكي- في الدولة عام 1971، وينقلب على "الإخوان".
وعن ملابسات القبض على مرشد "الإخوان" للمرة الأولى في يوليو 2013، قال المسؤول السابق في الشرطة العسكرية إنه في الساعات الأولى من صباح اليوم الثاني من ذلك الشهر جاءت أوامر بتوقيف المرشد الذي كان يخضع للمراقبة من جانب الأجهزة الأمنية المختصة، منذ فراره من القاهرة في يونيو عقب حرق المتظاهرين مقار إدارية للجماعة بالعاصمة.
وأضاف أن بديع كان يقيم في فيلا بمنتجع "أندلسية" بمدينة مرسى مطروح تحت حراسة من ميليشيات مسلحة تابعة ل"الإخوان"، مشيرا إلى أن المنتجع نفسه الذي يقع على شبه جزيرة شمال شرقي المدينة مملوك لرجل أعمال على علاقة بالجماعة. وقال اللواء السابق: "قرار توقيف بديع جاء بعد أن بدأت ميليشيات الجماعة تجهز لتهريبه إلى ليبيا عبر طريق سيوة – جغبوب الذي يبعد نحو 300 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة مرسى مطروح، ونحو 60 كيلومترا عن حدود ليبيا غربا".
وأضاف أن المعلومات التي كانت لدى الأجهزة الأمنية المصرية تتلخص في أن "الإخوان" المصريين اتفقوا مع قيادات من إخوان ليبيا -الذين كانوا يحكمون الدولة آنذاك- على استقبال بديع وخمسة آخرين من قادة "الإخوان" وقادة الجماعة الإسلامية -التي عملت لفترة ذراعا عسكريا ل"إخوان مصر"-، وأن عملاء تابعين للأمن في مرسى مطروح يعملون أدلاء بين البلدين نقلوا التحركات التي يزمع المرشد القيام بها، وأن رجال المرشد نفسه شعروا بأنهم مراقبون، فقرروا التعجيل بتهريب بديع إلى ليبيا.
خطة التهريب
وكانت خطة تهريب المرشد تتكون من شقين؛ الشق الأول نقله في سيارة أجرة تنطلق به من قرية "أندلسية" وتتوجه به عبر طريق "علم الروم" إلى ناحية الشرق، أي في الطريق المتجه إلى الإسكندرية، وذلك للتمويه، ومن ثم الدوران من نقطة الكيلو 28 على الطريق الساحلي الدولي الواقع شرق مدينة مرسى مطروح، للدخول في الطريق الدائري الدولي الذي يتوغل في الصحراء غربا، حتى يصل عند نقطة الكيلو 15، ومنها يسلك الطريق إلى واحة سيوة جنوبا، وهي مسارات مشابهة لتلك التي سلكها فيما بعد القيادي الإخواني صفوت حجازي الذي كان يرأس ما يسمى "مجلس أمناء الثورة المصرية"، قبل توقيفه متخفيا في سيارة أجرة على طريق سيوة الذي كان يعتقد أنه خال من الأكمنة الأمنية خلال أحداث الفوضى التي كانت تضرب البلاد في ذلك الوقت من صيف العام الماضي.
والشق الثاني في خطة تهريب المرشد إلى ليبيا، التي كانت الأجهزة الأمنية تراقب تفاصيلها، وفقا للمصادر، فكان قد جرى تجهيزها على أيدي كوادر إخوانية في واحة سيوة وعناصر من الجماعة الإسلامية الموالية لها وعدد من مهربي الأسلحة ممن يعملون أيضا أدلاء في الدروب الصحراوية التي تربط منطقة سيوة بواحة جغبوب الليبية، وكانت المهمة تتلخص في استقبال المرشد قبل الدخول إلى الواحة الصغيرة، ونقله بسياراتي دفع رباعي مجهزتين لمسافة 60 كيلومترا ومن هناك إلى مدينة بنغازي.
وقبل تنفيذ خطة تهريب بديع بساعات، جرى افتعال معارك أمام مديرية أمن محافظة مطروح الواقعة في الشارع الرئيس في قلب المدينة، من أجل شغل السلطات الأمنية عن تحركات المرشد، بحسب شهادة اللواء الذي كان يعمل في الشرطة العسكرية، وذلك في إشارة على ما يبدو لهجوم محدود بالأسلحة الخفيفة سيطرت عليه قوات الأمن سريعا في ذلك اليوم وسط المدينة، وراح ضحيته ما لا يقل عن 4 من المهاجمين الملثمين الذين استخدموا أسلحة آلية في تنفيذ الهجوم.
وبالتزامن مع هذه الأحداث كانت قوات من الشرطة العسكرية قد تمكنت من شل حركة حراس بديع في فيلته بمنتجع "أندلسية"، ونقلته في مدرعة تابعة للجيش إلى مقر قيادة المنطقة العسكرية الغربية الواقعة غرب مطار المدينة، وفي هذه الأثناء كان الألوف من جماعة "الإخوان" والموالون لها يواصلون الاعتصام وتحدي القادة الجدد للدولة في ميداني رابعة والنهضة بالقاهرة. وخلالها تسربت أنباء عن القبض على المرشد في "أندلسية"، لكن جرى نفيها في حينها.
وتابع المصدر قائلا في تفاصيل يكشف عنها النقاب للمرة الأولى، إن بديع ظل محتجزا في قيادة المنطقة العسكرية الغربية لمدة يومين وجاءته خلال إقامته لجنة من القاهرة تضم خمسة بينهم ضباط في الاستخبارات، وأجروا معه حوارا استغرق أكثر من 6 ساعات على فترات متفرقة طول فترة احتجازه، وجرت معاملته معاملة طيبة، وأنه في بعض الأحيان كانوا يتناولون طعام الغداء أو العشاء والمرطبات والشاي معا على مائدة واحدة، وفتحوا معه كل القضايا التي تواجهها مصر والمنطقة والعالم، وقدموا له ما يثبت ارتكاب مرسي أخطاء جسيمة في إدارة الدولة، كما عرضوا عليه مقاطع فيديو يظهر فيها ملايين المصريين ممن خرجوا في الشوارع والميادين مطالبين بخروج "الإخوان" من الحكم.
وتابع قائلا إن أعضاء اللجنة أفهموا بديع أن الأجهزة المختصة تريد فقط أن تحافظ على الدولة المصرية، وتتحاشى الدخول في صدام يسقط فيه ضحايا مع أي جماعة أو مجموعة، وأخطروا المرشد العام ل"الإخوان" أيضا بأنه "لا يوجد لدينا أي مشكلة إلا أن نحافظ على البلد. ستخرج وتتحدث مع الناس.. نحن لا نريد أن نلقي القبض على أحد ولا أن نقتل أحدا..".
وكان المطلوب من المرشد، في حال موافقته على العرض الذي تقدمت به لجنة التفاوض، أن يلقي كلمة في ميدان رابعة العدوية يصرف بها المعتصمين، ويفتح الطريق لصفحة جديدة في التعامل بين الدولة والجماعة، دون أن يكون هناك تفكير حتى ذلك الوقت في حظر "الإخوان" أو إصدار قرار حكومي فقضائي بأنها "منظمة إرهابية" كما لم تكن السلطات قد أحالت أيّا من القيادات الكبيرة للتحقيق في النيابة العامة.
ويقول المصدر، وهو لواء سابق في الجيش، إن بديع وافق على العرض، وأبدى مرونة، وابتسم عدة مرات وهو يهز رأسه بالموافقة، وأظهر أيضا تفهما لكل الأطروحات التي قدمها له رجال اللجنة، وعليه جرى توصيله بطائرة عسكرية إلى مطار تابع للقوات المسلحة بالعاصمة ومن هناك جرى نقله بواسطة سيارات تابعة للسلطات حتى باب بيته في القاهرة، لكي يتهيأ للنزول بعد ذلك إلى ميدان رابعة لإلقاء الخطاب، بعد يومين أو ثلاثة، كما هو متفق عليه.
ويضيف أن الأجهزة المعنية كانت تراقب ما سيقوم به المرشد، إلا أنه بعد أن مكث في بيته "بدأ في التشاور مع باقي قيادات "الإخوان"؛ منهم الشاطر وغيره من الجناح القطبي المتشدد، مثل عصام العريان ومحمد البلتاجي، وتوصلوا لطريقة تتعلق بترتيب وصوله من منزله إلى ميدان رابعة، وقالوا له لو جئت هكذا، سيفكر الجميع أن هناك أمرا غير طبيعي وراء الموضوع، وبالتالي عليك أن ترتدي ملابس امرأة منتقبة وتأتي في سيارة إسعاف، جرى توفيرها له عن طريق أعضاء في الإخوان، وأن تدخل داخل الاعتصام كأنك جئت متخفيا، وذلك حتى يكون هناك نفي كامل لما تردد عن أن السلطات ألقت القبض عليك في مرسى مطروح، أو أنك كنت تخطط للذهاب إلى الإخوان في ليبيا".
وتابع المصدر أن بديع صعد على منصة رابعة العدوية، وبدلا من الالتزام بالاتفاق، ألقى كلمة تحريضية أمام آلاف المعتصمين، قال فيها: "أنا لم أفر، ولم يقبض علي"، و"نحن نفدي الرئيس مرسي بأرواحنا وسنعيده للقصر الجمهوري على أكتافنا"، واختفى بديع بعد ذلك، إلى أن جرى القبض عليه في شقة كان مختبئا فيها، يوم 20 أغسطس 2013، في منطقة سكنية مجاورة لمقر الاعتصام في شرق القاهرة، أي بعد فض اعتصام رابعة بنحو ستة أيام، ويواجه بديع منذ ذلك الوقت حتى الآن تهما بالتحريض على القتل وقطع الطرق وغيرها، مع المئات من قادة وكوادر الإخوان.
قلق مكتب الإرشاد من مرسي
من جانب آخر، يذكر اللواء "م.ف" الذي عمل بالقرب من مرسي داخل القصر الجمهوري، أنه حين بدأ الشارع المصري يتجه إلى الهدوء خلال الشهر الأول لتولي مرسي السلطة في صيف 2012، بسبب انفتاحه على القوى السياسية ومع كبار قادة الجيش والأمن والإعلام، شعر مكتب الإرشاد بالقلق مما بدا له أنه ابتعاد من مرسي عن الجماعة، ويقول: "بعد شهر من حكم مرسي، الدولة هدأت قليلا، وبدا أن الجميع رضخ للأمر الواقع، بمن في ذلك خصوم مرسي والإخوان في الانتخابات الرئاسية.. وأصبح الرئيس الجديد يقابل القيادات السياسية بمن فيهم مرشحون سابقون للرئاسة، واستقبل إعلاميين وكتابا وصحافيين وغيرهم كما كانت العلاقة بينه وبين الأجهزة الرئيسة مثل الجيش والشرطة والقضاء والإعلام على ما يرام.. الكل استبشر خيرا نحن أيضا قلنا ها هو قد أصبح لدينا رئيس جديد منتخب لمدة 4 سنوات".
"لكن يبدو أن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن"، كما يقول المصدر، الذي يضيف أنه في تلك الأيام اجتمع قادة الإخوان وقد شعروا بالقلق بسبب ما عدوه ابتعاد مرسي عن الجماعة وتمضية معظم ساعات النهار في القصر الجمهوري مع قيادات رسمية من الأجهزة المعنية في الدولة.. ويقول: وصلت لنا معلومات أن مكتب الإرشاد أخذ يتحسب من أن مرسي يسير في اتجاه الدولة، والدولة ستأخذه من الإخوان، وأنه يمكن أن ينقلب على الجماعة كما انقلب السادات على القيادات التي كانت معه، مثل سامي شرف وعلي صبري.
ويضيف موضحا أن ما زاد من مخاوف مكتب الإرشاد أن وصول مرسي للحكم كان مثل وصول السادات للحكم.. "حين مات عبد الناصر كانت القيادات الموجودة كلها قيادات كبيرة ومخيفة، بينما كان الضعيف بينهم هو السادات.. لو اختاروا مثلا شعراوي جمعة -وزير الداخلية وقتها-، كان سيقف له سامي شرف -وزير شؤون رئاسة الجمهورية-.. وبالتالي اتفقوا على اختيار السادات على أساس أنه الأقل نفوذا وتحت أيديهم.. بينما في الحقيقة كان السادات ينتظر اللحظة المناسبة حتى جاءت فوضعهم في السجون. وبالمثل كان نفوذ مرسي ضعيفا داخل مكتب الإرشاد مقارنة بالكبار من أمثال الشاطر ومحمود عزت وبديع نفسه"، مشيرا إلى أن مرسي قبل أن يصبح رئيسا، كان يقوم بمهام ثانوية لقادة الإخوان، تجعل إمكانية التجرؤ عليه من مكتب الإرشاد قائمة، وأنه بعد أن أصبح قائدا للدولة، بدا أن ثقة الجماعة فيه ليست على ذلك القدر الذي قد يتصوره البعض.
ويتابع المصدر نفسه قائلا: وصلنا أن قيادات مكتب الإرشاد كانت تتخوف من هذا الموضع وتضع تجربة السادات مع القيادات السابقة للنظام في الحسبان.. وعلى هذا قام مكتب الإرشاد بعقد اجتماع في مقره في المقطم، برئاسة بديع، وكان الشاطر أبرز الموجودين فيه حيث أبدى قلقا من تصرفات الرئيس الإخواني، وعدم اتخاذه أي خطوات ترضي الجماعة ومكتب الإرشاد، لا من خلال طلب المشورة ولا من خلال عرض نواياه التي يريد أن يبني عليها طريقة إدارته للدولة. وعلى ذلك قرر مكتب الإرشاد في ذلك الاجتماع الذي عقد فوق هضبة المقطم، التوجه إلى مرسي في القصر الجمهوري.. كان هذا أول اجتماع في مقر دار الحكم الجديدة التي ينعم فيها مرسي بالحراسات والخدم والمستشارين، وعقد هذا الاجتماع الأول من نوعه في مطلع أغسطس عام 2012، في قاعة المقابلات المخصصة لكبار زوار الرئيس، وهي قاعة واسعة فيها نحو 20 مقعدا إضافة لكنبة موجودة بجوار المقعد المخصص للرئيس.
بديع في مقعد الرئيس
وقال المصدر الذي كان شهد على هذه الواقعة وشهد أيضا عددا من الاجتماعات الأخرى المشابهة لجماعة الإخوان في القصر: دخل الشاطر أولا، وقام بفتح ذراعيه على آخرهما وتقديم المرشد بديع لكي يجلس على مقعد الرئيس.. ثم دخل عصام العريان، مسؤول المكتب السياسي ل"الإخوان"، ومحمود غزلان الأمين العام السابق للجماعة.. وغيرهم.
كان عدد المجتمعين يتراوح بين 7 و9 في وجود مرسي نفسه، وكانت وظيفتي أن أكون في ظهر الرئيس طول الوقت، ولهذا لم يكن من السهل إبعادي عن باب قاعة الاجتماع، بينما كان يحظر على أي من العاملين في القصر تقديم المرطبات أو الدخول للقاعة أو الاقتراب من الاجتماع، وكان عدد من الإخوان ممن جرى تعيينهم للعمل داخل القصر هم من يقومون بالمهمة، سواء تقديم الشاي أو النعناع الأخضر المنقوع في الماء الساخن، وهو مشروب يفضله الشاطر وغزلان.. كما حضر هذا الاجتماع أيضا، أي الاجتماع الأول ل"الإخوان" في القصر، محمد البلتاجي، رغم أنه لم يكن عضوا في مكتب الإرشاد.
وجلس بديع على الكرسي المخصص لرئيس الدولة، وبجواره الشاطر الذي جلس على الكنبة المجاورة لمقعد الرئيس والمخصصة عادة للشخصيات الكبرى التي يستقبلها رئيس البلاد.. ثم جلست المجموعة الأخرى على باقي المقاعد، بينما جلس مرسي في آخر كرسي، أي الذي كان يوجد في مواجهة المنضدة ناحية باب الخروج والدخول. وبدأ المجتمعون في الكلام، وتوجيه الانتقادات على تصرفات مرسي وقلة اتصالاته مع الجماعة، وحين أراد مرسي أن يرد، تصدى له الشاطر، وأمره بالصمت. وأخطروه بأن قيادات مكتب الإرشاد ستجتمع في هذه القاعة الرئاسية كل يوم خميس، وطلب منه قادة الإخوان أيضا، على لسان الشاطر، ألا يجري أي اتصال أو مقابلة مع أي أطراف داخلية أو وفود خارجية، "إلا بمعلومة من عندنا وتتخذ القرار الذي نبلغه لك"، وفقا للمصدر نفسه.
وذكر اللواء الذي عمل بالقرب من الرئيس الإخواني طوال مدة رئاسته المضطربة، ملابسات الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في 21 نوفمبر 2012، وتسبب في عاصفة من الغضب الشعبي أطاحت بحكمه في نهاية المطاف. ولم يلق مرسي الإعلان الدستوري ولكن المتحدث باسم الرئاسة، وهو رجل من جماعة الإخوان، هو من قام بالمهمة، حيث قام باستدعاء طاقم المصورين في التلفزيون الرسمي الموجودين في القصر، وقام بتسجيل البيان وإرساله لكي يجري بثه في قنوات التلفزيون الحكومي والقنوات الخاصة أيضا.
وأوضح المصدر قائلا إن مرسي لم يكن قد قرأ الإعلان ولا يعرف عنه شيئا إلا بعد أن تسبب بثه في ردود فعل غاضبة على القنوات وعلى المواقع الإخبارية على الإنترنت، في مساء اليوم نفسه.
ويضيف أن ما حدث من ملابسات قبل كشف النقاب عن الإعلان الدستوري، سار على النحو التالي: "تلقى مرسي اتصالا من مكتب الإرشاد وأعلمه أنه كتب إعلانا دستوريا ووافق عليه، وأنه سيرسله لياسر علي، الناطق الرسمي باسم رئاسة الدولة، وأنه قام بإخطار "علي" لكي يلقيه كبيان رئاسي ويرسله لكي يبث في التلفزيون، وأن مرسي حين اتصل وسأل الشاطر عما يحويه الإعلان، أجابه قائلا له: ستعرف من التلفزيون، وهو ما حدث فيما بعد.
ويتابع المصدر قائلا: "أعتقد أن مرسي لو كان قد قرأ الإعلان الدستوري لما مرره، لأنه يتضمن تحصينا لقراراته السابقة واللاحقة، وهذا أمر لم يكن ليمر دون مشاكل مع العديد من الأطراف في الدولة، خاصة القضاء والأحزاب السياسية.. شعرت أن مرسي أصيب بإحباط، وبدا حائرا، لكن الاتصالات بدأت تتوالى من قادة الإخوان لطمأنته، وقالوا إنهم سيرسلون الآلاف من عناصر الإخوان لتأييد الإعلان الدستوري في الميادين والشوارع وأمام الصحف والقنوات التلفزيونية الموالية للجماعة".
وأضاف موضحا أن من بين التعليمات الأخرى التي وجهها مكتب الإرشاد لمرسي وجرى إبلاغها له في لهجة وطريقة حاسمة لا تقبل النقاش أو التشاور، هي أن يبتعد عن رؤساء الأجهزة الذين كانوا يدخلون ويخرجون من القصر وقتما شاءوا.. وطلب منه أيضا أن يحيد الشرطة والإعلام والقضاء، وأن يحابي القوات المسلحة بقدر المستطاع.
ويؤكد مصدر عسكري آخر هذه المعلومات، ويزيد عليها قائلا إنه، لهذا السبب، بدأ مرسي في ذلك الوقت في التقرب من قادة الجيش. ويشير في هذا الصدد إلى رواية ظلت متداولة بين القيادات العليا في القوات المسلحة أيام حكم الإخوان، مفادها أن مرسي تحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي حين كان وزيرا للدفاع، وقال له: اعملوا ما تريدون.. لكم مطلق الحرية في فعل ما تريدون، مضيفا: لو لم يكن قادة الجيش وعلى رأسهم السيسي خائفين على مصر لتحالفوا مع الإخوان وأصبحوا سلاطين يفعلون ما يشاءون.
كشفت قيادات سابقة في مؤسسات مصرية كبرى منها مؤسسة رئاسة الجمهورية عن وقائع ومواقف مجهولة في حياة عدد من الشخصيات التي ارتبط اسمها بأحداث شاهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، على رأسهم الرئيسان السابقان، حسني مبارك ومحمد مرسي، بالإضافة إلى مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر.
وأجرت "الشرق الأوسط" عدة مقابلات مع شخصيات في مدن القاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح، بعد أن كانت تلك الشخصيات قد تعاملت بشكل مباشر مع كل من مبارك ومرسي وبديع والشاطر، بينهم ثلاثة لواءات سابقين في الجيش، بالإضافة إلى قادة كبار في حزب مبارك قبل حله بحكم قضائي، الذي كان يعرف باسم "الحزب الوطني الديمقراطي".
وقال ضابط برتبة لواء يدعى "م.ف" -عمل في القصر الجمهوري خلال فترة حكم مرسي التي امتدت لمدة عام من صيف 2012 إلى صيف 2013- لجريدة الشرق الأوسط السعودية، إن مرشد "الإخوان"، محمد بديع، أدار اجتماعات لمكتب إرشاد الجماعة، من على مقعد رئيس الدولة في القصر الجمهوري بحضور مرسي، وإن الشاطر صرخ في وجه الرئيس الأسبق في واحد من هذا النوع من الاجتماعات التي استفزت الأجهزة المصرية المعنية، وأضاف أن الشاطر قرر في اجتماع آخر داخل القصر منع مرسي من اتخاذ أي قرارات تخص الدولة إلا بأوامر من مكتب الإرشاد.
وكشف لواء سابق في الشرطة العسكرية المصرية يدعى "ع.خ" عن أن مرشد "الإخوان" نقض اتفاقا مع الجيش بخصوص فض اعتصام رابعة العدوية، بعد أن ألقي القبض عليه في المرة الأولى في يوليو في قرية سياحية بمدينة مرسى مطروح، وهي واقعة سابقة للقبض عليه في المرة الثانية في القاهرة في أغسطس 2013، وأيد سياسي كان في موقع رفيع داخل حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسية ل"الإخوان"، يدعى «ح.إ» ما أفاد به لواء في القصر الجمهوري تحدث للمرة الأولى عن أن صقور جماعة "الإخوان" وأتباعهم في القصر أظهروا مخاوف من أن يكرر مرسي ما فعله الرئيس الراحل أنور السادات ضد ما سمي ب"مراكز القوى" -نائب الرئيس ووزراء الدفاع والداخلية والرئاسة وقادة الاتحاد الاشتراكي- في الدولة عام 1971، وينقلب على "الإخوان".
وعن ملابسات القبض على مرشد "الإخوان" للمرة الأولى في يوليو 2013، قال المسؤول السابق في الشرطة العسكرية إنه في الساعات الأولى من صباح اليوم الثاني من ذلك الشهر جاءت أوامر بتوقيف المرشد الذي كان يخضع للمراقبة من جانب الأجهزة الأمنية المختصة، منذ فراره من القاهرة في يونيو عقب حرق المتظاهرين مقار إدارية للجماعة بالعاصمة.
وأضاف أن بديع كان يقيم في فيلا بمنتجع "أندلسية" بمدينة مرسى مطروح تحت حراسة من ميليشيات مسلحة تابعة ل"الإخوان"، مشيرا إلى أن المنتجع نفسه الذي يقع على شبه جزيرة شمال شرقي المدينة مملوك لرجل أعمال على علاقة بالجماعة. وقال اللواء السابق: "قرار توقيف بديع جاء بعد أن بدأت ميليشيات الجماعة تجهز لتهريبه إلى ليبيا عبر طريق سيوة – جغبوب الذي يبعد نحو 300 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة مرسى مطروح، ونحو 60 كيلومترا عن حدود ليبيا غربا".
وأضاف أن المعلومات التي كانت لدى الأجهزة الأمنية المصرية تتلخص في أن "الإخوان" المصريين اتفقوا مع قيادات من إخوان ليبيا -الذين كانوا يحكمون الدولة آنذاك- على استقبال بديع وخمسة آخرين من قادة "الإخوان" وقادة الجماعة الإسلامية -التي عملت لفترة ذراعا عسكريا ل"إخوان مصر"-، وأن عملاء تابعين للأمن في مرسى مطروح يعملون أدلاء بين البلدين نقلوا التحركات التي يزمع المرشد القيام بها، وأن رجال المرشد نفسه شعروا بأنهم مراقبون، فقرروا التعجيل بتهريب بديع إلى ليبيا.
خطة التهريب
وكانت خطة تهريب المرشد تتكون من شقين؛ الشق الأول نقله في سيارة أجرة تنطلق به من قرية "أندلسية" وتتوجه به عبر طريق "علم الروم" إلى ناحية الشرق، أي في الطريق المتجه إلى الإسكندرية، وذلك للتمويه، ومن ثم الدوران من نقطة الكيلو 28 على الطريق الساحلي الدولي الواقع شرق مدينة مرسى مطروح، للدخول في الطريق الدائري الدولي الذي يتوغل في الصحراء غربا، حتى يصل عند نقطة الكيلو 15، ومنها يسلك الطريق إلى واحة سيوة جنوبا، وهي مسارات مشابهة لتلك التي سلكها فيما بعد القيادي الإخواني صفوت حجازي الذي كان يرأس ما يسمى "مجلس أمناء الثورة المصرية"، قبل توقيفه متخفيا في سيارة أجرة على طريق سيوة الذي كان يعتقد أنه خال من الأكمنة الأمنية خلال أحداث الفوضى التي كانت تضرب البلاد في ذلك الوقت من صيف العام الماضي.
والشق الثاني في خطة تهريب المرشد إلى ليبيا، التي كانت الأجهزة الأمنية تراقب تفاصيلها، وفقا للمصادر، فكان قد جرى تجهيزها على أيدي كوادر إخوانية في واحة سيوة وعناصر من الجماعة الإسلامية الموالية لها وعدد من مهربي الأسلحة ممن يعملون أيضا أدلاء في الدروب الصحراوية التي تربط منطقة سيوة بواحة جغبوب الليبية، وكانت المهمة تتلخص في استقبال المرشد قبل الدخول إلى الواحة الصغيرة، ونقله بسياراتي دفع رباعي مجهزتين لمسافة 60 كيلومترا ومن هناك إلى مدينة بنغازي.
وقبل تنفيذ خطة تهريب بديع بساعات، جرى افتعال معارك أمام مديرية أمن محافظة مطروح الواقعة في الشارع الرئيس في قلب المدينة، من أجل شغل السلطات الأمنية عن تحركات المرشد، بحسب شهادة اللواء الذي كان يعمل في الشرطة العسكرية، وذلك في إشارة على ما يبدو لهجوم محدود بالأسلحة الخفيفة سيطرت عليه قوات الأمن سريعا في ذلك اليوم وسط المدينة، وراح ضحيته ما لا يقل عن 4 من المهاجمين الملثمين الذين استخدموا أسلحة آلية في تنفيذ الهجوم.
وبالتزامن مع هذه الأحداث كانت قوات من الشرطة العسكرية قد تمكنت من شل حركة حراس بديع في فيلته بمنتجع "أندلسية"، ونقلته في مدرعة تابعة للجيش إلى مقر قيادة المنطقة العسكرية الغربية الواقعة غرب مطار المدينة، وفي هذه الأثناء كان الألوف من جماعة "الإخوان" والموالون لها يواصلون الاعتصام وتحدي القادة الجدد للدولة في ميداني رابعة والنهضة بالقاهرة. وخلالها تسربت أنباء عن القبض على المرشد في "أندلسية"، لكن جرى نفيها في حينها.
وتابع المصدر قائلا في تفاصيل يكشف عنها النقاب للمرة الأولى، إن بديع ظل محتجزا في قيادة المنطقة العسكرية الغربية لمدة يومين وجاءته خلال إقامته لجنة من القاهرة تضم خمسة بينهم ضباط في الاستخبارات، وأجروا معه حوارا استغرق أكثر من 6 ساعات على فترات متفرقة طول فترة احتجازه، وجرت معاملته معاملة طيبة، وأنه في بعض الأحيان كانوا يتناولون طعام الغداء أو العشاء والمرطبات والشاي معا على مائدة واحدة، وفتحوا معه كل القضايا التي تواجهها مصر والمنطقة والعالم، وقدموا له ما يثبت ارتكاب مرسي أخطاء جسيمة في إدارة الدولة، كما عرضوا عليه مقاطع فيديو يظهر فيها ملايين المصريين ممن خرجوا في الشوارع والميادين مطالبين بخروج "الإخوان" من الحكم.
وتابع قائلا إن أعضاء اللجنة أفهموا بديع أن الأجهزة المختصة تريد فقط أن تحافظ على الدولة المصرية، وتتحاشى الدخول في صدام يسقط فيه ضحايا مع أي جماعة أو مجموعة، وأخطروا المرشد العام ل"الإخوان" أيضا بأنه "لا يوجد لدينا أي مشكلة إلا أن نحافظ على البلد. ستخرج وتتحدث مع الناس.. نحن لا نريد أن نلقي القبض على أحد ولا أن نقتل أحدا..".
وكان المطلوب من المرشد، في حال موافقته على العرض الذي تقدمت به لجنة التفاوض، أن يلقي كلمة في ميدان رابعة العدوية يصرف بها المعتصمين، ويفتح الطريق لصفحة جديدة في التعامل بين الدولة والجماعة، دون أن يكون هناك تفكير حتى ذلك الوقت في حظر "الإخوان" أو إصدار قرار حكومي فقضائي بأنها "منظمة إرهابية" كما لم تكن السلطات قد أحالت أيّا من القيادات الكبيرة للتحقيق في النيابة العامة.
ويقول المصدر، وهو لواء سابق في الجيش، إن بديع وافق على العرض، وأبدى مرونة، وابتسم عدة مرات وهو يهز رأسه بالموافقة، وأظهر أيضا تفهما لكل الأطروحات التي قدمها له رجال اللجنة، وعليه جرى توصيله بطائرة عسكرية إلى مطار تابع للقوات المسلحة بالعاصمة ومن هناك جرى نقله بواسطة سيارات تابعة للسلطات حتى باب بيته في القاهرة، لكي يتهيأ للنزول بعد ذلك إلى ميدان رابعة لإلقاء الخطاب، بعد يومين أو ثلاثة، كما هو متفق عليه.
ويضيف أن الأجهزة المعنية كانت تراقب ما سيقوم به المرشد، إلا أنه بعد أن مكث في بيته "بدأ في التشاور مع باقي قيادات "الإخوان"؛ منهم الشاطر وغيره من الجناح القطبي المتشدد، مثل عصام العريان ومحمد البلتاجي، وتوصلوا لطريقة تتعلق بترتيب وصوله من منزله إلى ميدان رابعة، وقالوا له لو جئت هكذا، سيفكر الجميع أن هناك أمرا غير طبيعي وراء الموضوع، وبالتالي عليك أن ترتدي ملابس امرأة منتقبة وتأتي في سيارة إسعاف، جرى توفيرها له عن طريق أعضاء في الإخوان، وأن تدخل داخل الاعتصام كأنك جئت متخفيا، وذلك حتى يكون هناك نفي كامل لما تردد عن أن السلطات ألقت القبض عليك في مرسى مطروح، أو أنك كنت تخطط للذهاب إلى الإخوان في ليبيا".
وتابع المصدر أن بديع صعد على منصة رابعة العدوية، وبدلا من الالتزام بالاتفاق، ألقى كلمة تحريضية أمام آلاف المعتصمين، قال فيها: "أنا لم أفر، ولم يقبض علي"، و"نحن نفدي الرئيس مرسي بأرواحنا وسنعيده للقصر الجمهوري على أكتافنا"، واختفى بديع بعد ذلك، إلى أن جرى القبض عليه في شقة كان مختبئا فيها، يوم 20 أغسطس 2013، في منطقة سكنية مجاورة لمقر الاعتصام في شرق القاهرة، أي بعد فض اعتصام رابعة بنحو ستة أيام، ويواجه بديع منذ ذلك الوقت حتى الآن تهما بالتحريض على القتل وقطع الطرق وغيرها، مع المئات من قادة وكوادر الإخوان.
قلق مكتب الإرشاد من مرسي
من جانب آخر، يذكر اللواء "م.ف" الذي عمل بالقرب من مرسي داخل القصر الجمهوري، أنه حين بدأ الشارع المصري يتجه إلى الهدوء خلال الشهر الأول لتولي مرسي السلطة في صيف 2012، بسبب انفتاحه على القوى السياسية ومع كبار قادة الجيش والأمن والإعلام، شعر مكتب الإرشاد بالقلق مما بدا له أنه ابتعاد من مرسي عن الجماعة، ويقول: "بعد شهر من حكم مرسي، الدولة هدأت قليلا، وبدا أن الجميع رضخ للأمر الواقع، بمن في ذلك خصوم مرسي والإخوان في الانتخابات الرئاسية.. وأصبح الرئيس الجديد يقابل القيادات السياسية بمن فيهم مرشحون سابقون للرئاسة، واستقبل إعلاميين وكتابا وصحافيين وغيرهم كما كانت العلاقة بينه وبين الأجهزة الرئيسة مثل الجيش والشرطة والقضاء والإعلام على ما يرام.. الكل استبشر خيرا نحن أيضا قلنا ها هو قد أصبح لدينا رئيس جديد منتخب لمدة 4 سنوات".
"لكن يبدو أن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن"، كما يقول المصدر، الذي يضيف أنه في تلك الأيام اجتمع قادة الإخوان وقد شعروا بالقلق بسبب ما عدوه ابتعاد مرسي عن الجماعة وتمضية معظم ساعات النهار في القصر الجمهوري مع قيادات رسمية من الأجهزة المعنية في الدولة.. ويقول: وصلت لنا معلومات أن مكتب الإرشاد أخذ يتحسب من أن مرسي يسير في اتجاه الدولة، والدولة ستأخذه من الإخوان، وأنه يمكن أن ينقلب على الجماعة كما انقلب السادات على القيادات التي كانت معه، مثل سامي شرف وعلي صبري.
ويضيف موضحا أن ما زاد من مخاوف مكتب الإرشاد أن وصول مرسي للحكم كان مثل وصول السادات للحكم.. "حين مات عبد الناصر كانت القيادات الموجودة كلها قيادات كبيرة ومخيفة، بينما كان الضعيف بينهم هو السادات.. لو اختاروا مثلا شعراوي جمعة -وزير الداخلية وقتها-، كان سيقف له سامي شرف -وزير شؤون رئاسة الجمهورية-.. وبالتالي اتفقوا على اختيار السادات على أساس أنه الأقل نفوذا وتحت أيديهم.. بينما في الحقيقة كان السادات ينتظر اللحظة المناسبة حتى جاءت فوضعهم في السجون. وبالمثل كان نفوذ مرسي ضعيفا داخل مكتب الإرشاد مقارنة بالكبار من أمثال الشاطر ومحمود عزت وبديع نفسه"، مشيرا إلى أن مرسي قبل أن يصبح رئيسا، كان يقوم بمهام ثانوية لقادة الإخوان، تجعل إمكانية التجرؤ عليه من مكتب الإرشاد قائمة، وأنه بعد أن أصبح قائدا للدولة، بدا أن ثقة الجماعة فيه ليست على ذلك القدر الذي قد يتصوره البعض.
ويتابع المصدر نفسه قائلا: وصلنا أن قيادات مكتب الإرشاد كانت تتخوف من هذا الموضع وتضع تجربة السادات مع القيادات السابقة للنظام في الحسبان.. وعلى هذا قام مكتب الإرشاد بعقد اجتماع في مقره في المقطم، برئاسة بديع، وكان الشاطر أبرز الموجودين فيه حيث أبدى قلقا من تصرفات الرئيس الإخواني، وعدم اتخاذه أي خطوات ترضي الجماعة ومكتب الإرشاد، لا من خلال طلب المشورة ولا من خلال عرض نواياه التي يريد أن يبني عليها طريقة إدارته للدولة. وعلى ذلك قرر مكتب الإرشاد في ذلك الاجتماع الذي عقد فوق هضبة المقطم، التوجه إلى مرسي في القصر الجمهوري.. كان هذا أول اجتماع في مقر دار الحكم الجديدة التي ينعم فيها مرسي بالحراسات والخدم والمستشارين، وعقد هذا الاجتماع الأول من نوعه في مطلع أغسطس عام 2012، في قاعة المقابلات المخصصة لكبار زوار الرئيس، وهي قاعة واسعة فيها نحو 20 مقعدا إضافة لكنبة موجودة بجوار المقعد المخصص للرئيس.
بديع في مقعد الرئيس
وقال المصدر الذي كان شهد على هذه الواقعة وشهد أيضا عددا من الاجتماعات الأخرى المشابهة لجماعة الإخوان في القصر: دخل الشاطر أولا، وقام بفتح ذراعيه على آخرهما وتقديم المرشد بديع لكي يجلس على مقعد الرئيس.. ثم دخل عصام العريان، مسؤول المكتب السياسي ل"الإخوان"، ومحمود غزلان الأمين العام السابق للجماعة.. وغيرهم.
كان عدد المجتمعين يتراوح بين 7 و9 في وجود مرسي نفسه، وكانت وظيفتي أن أكون في ظهر الرئيس طول الوقت، ولهذا لم يكن من السهل إبعادي عن باب قاعة الاجتماع، بينما كان يحظر على أي من العاملين في القصر تقديم المرطبات أو الدخول للقاعة أو الاقتراب من الاجتماع، وكان عدد من الإخوان ممن جرى تعيينهم للعمل داخل القصر هم من يقومون بالمهمة، سواء تقديم الشاي أو النعناع الأخضر المنقوع في الماء الساخن، وهو مشروب يفضله الشاطر وغزلان.. كما حضر هذا الاجتماع أيضا، أي الاجتماع الأول ل"الإخوان" في القصر، محمد البلتاجي، رغم أنه لم يكن عضوا في مكتب الإرشاد.
وجلس بديع على الكرسي المخصص لرئيس الدولة، وبجواره الشاطر الذي جلس على الكنبة المجاورة لمقعد الرئيس والمخصصة عادة للشخصيات الكبرى التي يستقبلها رئيس البلاد.. ثم جلست المجموعة الأخرى على باقي المقاعد، بينما جلس مرسي في آخر كرسي، أي الذي كان يوجد في مواجهة المنضدة ناحية باب الخروج والدخول. وبدأ المجتمعون في الكلام، وتوجيه الانتقادات على تصرفات مرسي وقلة اتصالاته مع الجماعة، وحين أراد مرسي أن يرد، تصدى له الشاطر، وأمره بالصمت. وأخطروه بأن قيادات مكتب الإرشاد ستجتمع في هذه القاعة الرئاسية كل يوم خميس، وطلب منه قادة الإخوان أيضا، على لسان الشاطر، ألا يجري أي اتصال أو مقابلة مع أي أطراف داخلية أو وفود خارجية، "إلا بمعلومة من عندنا وتتخذ القرار الذي نبلغه لك"، وفقا للمصدر نفسه.
وذكر اللواء الذي عمل بالقرب من الرئيس الإخواني طوال مدة رئاسته المضطربة، ملابسات الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في 21 نوفمبر 2012، وتسبب في عاصفة من الغضب الشعبي أطاحت بحكمه في نهاية المطاف. ولم يلق مرسي الإعلان الدستوري ولكن المتحدث باسم الرئاسة، وهو رجل من جماعة الإخوان، هو من قام بالمهمة، حيث قام باستدعاء طاقم المصورين في التلفزيون الرسمي الموجودين في القصر، وقام بتسجيل البيان وإرساله لكي يجري بثه في قنوات التلفزيون الحكومي والقنوات الخاصة أيضا.
وأوضح المصدر قائلا إن مرسي لم يكن قد قرأ الإعلان ولا يعرف عنه شيئا إلا بعد أن تسبب بثه في ردود فعل غاضبة على القنوات وعلى المواقع الإخبارية على الإنترنت، في مساء اليوم نفسه.
ويضيف أن ما حدث من ملابسات قبل كشف النقاب عن الإعلان الدستوري، سار على النحو التالي: "تلقى مرسي اتصالا من مكتب الإرشاد وأعلمه أنه كتب إعلانا دستوريا ووافق عليه، وأنه سيرسله لياسر علي، الناطق الرسمي باسم رئاسة الدولة، وأنه قام بإخطار "علي" لكي يلقيه كبيان رئاسي ويرسله لكي يبث في التلفزيون، وأن مرسي حين اتصل وسأل الشاطر عما يحويه الإعلان، أجابه قائلا له: ستعرف من التلفزيون، وهو ما حدث فيما بعد.
ويتابع المصدر قائلا: "أعتقد أن مرسي لو كان قد قرأ الإعلان الدستوري لما مرره، لأنه يتضمن تحصينا لقراراته السابقة واللاحقة، وهذا أمر لم يكن ليمر دون مشاكل مع العديد من الأطراف في الدولة، خاصة القضاء والأحزاب السياسية.. شعرت أن مرسي أصيب بإحباط، وبدا حائرا، لكن الاتصالات بدأت تتوالى من قادة الإخوان لطمأنته، وقالوا إنهم سيرسلون الآلاف من عناصر الإخوان لتأييد الإعلان الدستوري في الميادين والشوارع وأمام الصحف والقنوات التلفزيونية الموالية للجماعة".
وأضاف موضحا أن من بين التعليمات الأخرى التي وجهها مكتب الإرشاد لمرسي وجرى إبلاغها له في لهجة وطريقة حاسمة لا تقبل النقاش أو التشاور، هي أن يبتعد عن رؤساء الأجهزة الذين كانوا يدخلون ويخرجون من القصر وقتما شاءوا.. وطلب منه أيضا أن يحيد الشرطة والإعلام والقضاء، وأن يحابي القوات المسلحة بقدر المستطاع.
ويؤكد مصدر عسكري آخر هذه المعلومات، ويزيد عليها قائلا إنه، لهذا السبب، بدأ مرسي في ذلك الوقت في التقرب من قادة الجيش. ويشير في هذا الصدد إلى رواية ظلت متداولة بين القيادات العليا في القوات المسلحة أيام حكم الإخوان، مفادها أن مرسي تحدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي حين كان وزيرا للدفاع، وقال له: اعملوا ما تريدون.. لكم مطلق الحرية في فعل ما تريدون، مضيفا: لو لم يكن قادة الجيش وعلى رأسهم السيسي خائفين على مصر لتحالفوا مع الإخوان وأصبحوا سلاطين يفعلون ما يشاءون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.