كشفت قيادات سابقة في مؤسسات مصرية كبرى منها مؤسسة رئاسة الجمهورية عن وقائع ومواقف مجهولة في حياة عدد من الشخصيات التي ارتبط اسمها بأحداث شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، على رأسهم الرئيسان السابقان، حسني مبارك ومحمد مرسي، بالإضافة إلى مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر. وقال ضابط برتبة لواء يدعى «م.ف» عمل في القصر الجمهوري خلال فترة حكم مرسي التي امتدت لمدة عام من صيف 2012 إلى صيف 2013، إن مرشد «الإخوان»، بديع، أدار اجتماعات لمكتب إرشاد الجماعة، من على مقعد رئيس الدولة في القصر الجمهوري بحضور مرسي، وإن الشاطر صرخ في وجه الرئيس الأسبق في واحد من هذا النوع من الاجتماعات التي استفزت الأجهزة المصرية المعنية، وأضاف أن الشاطر قرر في اجتماع آخر داخل القصر منع مرسي من اتخاذ أي قرارات تخص الدولة إلا بأوامر من مكتب الإرشاد. وأجرت «الشرق الأوسط» عدة مقابلات مع شخصيات في مدن القاهرةوالإسكندرية ومرسى مطروح الواقعة في غرب البلاد، بعد أن كانت تلك الشخصيات قد تعاملت بشكل مباشر مع كل من مبارك ومرسي وبديع والشاطر، بينهم ثلاثة لواءات سابقين في الجيش، بالإضافة إلى قادة كبار في حزب مبارك قبل حله بحكم قضائي، الذي كان يعرف باسم «الحزب الوطني الديمقراطي». وكشف لواء سابق في الشرطة العسكرية المصرية يدعى «ع.خ» عن أن مرشد «الإخوان» نقض اتفاقا مع الجيش بخصوص فض اعتصام رابعة العدوية، بعد أن ألقي القبض عليه في المرة الأولى في يوليو (تموز) في قرية سياحية بمدينة مرسى مطروح، وهي واقعة سابقة للقبض عليه في المرة الثانية في القاهرة في أغسطس (آب) 2013. بينما أيد سياسي كان في موقع رفيع داخل حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية ل«الإخوان»، يدعى «ح.إ» ما أفاد به لواء في القصر الجمهوري تحدث للمرة الأولى عن أن صقور جماعة «الإخوان» وأتباعهم في القصر أظهروا مخاوف من أن يكرر مرسي ما فعله الرئيس الراحل أنور السادات ضد ما سمي ب«مراكز القوى» (نائب الرئيس ووزراء الدفاع والداخلية والرئاسة وقادة الاتحاد الاشتراكي) في الدولة عام 1971، وينقلب على «الإخوان». وشارك مسؤول في حزب مبارك في اجتماعات مغلقة لقادة الحزب مع الرئيس الأسبق، وقال إن الرجل، الذي حكم البلاد لثلاثة عقود، تعهد بعدم زيارة أميركا طوال مدة حكم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، وأن مبارك رغم تفاؤله بانتهاء ولاية بوش، فإنه فوجئ في 2009 بالرئيس الأميركي باراك أوباما، يرفض حضوره خطابه الشهير في جامعة القاهرة، مشيرا إلى ما سماه «صراعا مخابراتيا مصريا – أميركيا» بشأن مشروع اقتطاع جزء من مصر لصالح إقامة وطن للفلسطينيين يضم ثلث أراضي سيناء وقطاع غزة، وأضاف أن مبارك قال في أحد هذه الاجتماعات إنه لا ينظر إلى إسرائيل على أنها ولاية أميركية، بل ينظر لأميركا على أنها «محافظة إسرائيلية». وعن ملابسات القبض على مرشد «الإخوان» للمرة الأولى في يوليو (تموز) 2013، قال المسؤول السابق في الشرطة العسكرية إنه في الساعات الأولى من صباح اليوم الثاني من ذلك الشهر جاءت أوامر بتوقيف المرشد الذي كان يخضع للمراقبة من جانب الأجهزة الأمنية المختصة، منذ فراره من القاهرة في يونيو (حزيران) عقب حرق المتظاهرين مقار إدارية للجماعة بالعاصمة. وأضاف أن بديع كان يقيم في فيلا بمنتجع «أندلسية» بمدينة مرسى مطروح تحت حراسة من ميليشيات مسلحة تابعة ل«الإخوان»، مشيرا إلى أن المنتجع نفسه الذي يقع على شبه جزيرة شمال شرقي المدينة مملوك لرجل أعمال على علاقة بالجماعة. وقال اللواء السابق: «قرار توقيف بديع جاء بعد أن بدأت ميليشيات الجماعة تجهز لتهريبه إلى ليبيا عبر طريق (سيوة – جغبوب) الذي يبعد نحو 300 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة مرسى مطروح، ونحو 60 كيلومترا عن حدود ليبيا غربا». وأضاف أن المعلومات التي كانت لدى الأجهزة الأمنية المصرية تتلخص في أن «الإخوان» المصريين اتفقوا مع قيادات من إخوان ليبيا (الذين كانوا يحكمون الدولة آنذاك) على استقبال بديع وخمسة آخرين من قادة «الإخوان» وقادة الجماعة الإسلامية (التي عملت لفترة ذراعا عسكريا ل«إخوان مصر»)، وأن عملاء تابعين للأمن في مرسى مطروح يعملون أدلاء بين البلدين نقلوا التحركات التي يزمع المرشد القيام بها، وأن رجال المرشد نفسه شعروا بأنهم مراقبون، فقرروا التعجيل بتهريب بديع إلى ليبيا.
* خطة التهريب * وكانت خطة تهريب المرشد تتكون من شقين؛ الشق الأول نقله في سيارة أجرة تنطلق به من قرية «أندلسية» وتتوجه به عبر طريق «علم الروم» إلى ناحية الشرق، أي في الطريق المتجه إلى الإسكندرية، وذلك للتمويه، ومن ثم الدوران من نقطة الكيلو 28 على الطريق الساحلي الدولي الواقع شرق مدينة مرسى مطروح، للدخول في الطريق الدائري الدولي الذي يتوغل في الصحراء غربا، حتى يصل عند نقطة الكيلو 15، ومنها يسلك الطريق إلى واحة سيوة جنوبا، وهي مسارات مشابهة لتلك التي سلكها فيما بعد القيادي الإخواني صفوت حجازي الذي كان يرأس ما يسمى «مجلس أمناء الثورة المصرية»، قبل توقيفه متخفيا في سيارة أجرة على طريق سيوة الذي كان يعتقد أنه خال من الأكمنة الأمنية خلال أحداث الفوضى التي كانت تضرب البلاد في ذلك الوقت من صيف العام الماضي. أما الشق الثاني في خطة تهريب المرشد إلى ليبيا، التي كانت الأجهزة الأمنية تراقب تفاصيلها، وفقا للمصادر، فكان قد جرى تجهيزها على أيدي كوادر إخوانية في واحة سيوة وعناصر من الجماعة الإسلامية الموالية لها وعدد من مهربي الأسلحة ممن يعملون أيضا أدلاء في الدروب الصحراوية التي تربط منطقة سيوة بواحة جغبوب الليبية، وكانت المهمة تتلخص في استقبال المرشد قبل الدخول إلى الواحة الصغيرة، ونقله بسياراتي دفع رباعي مجهزتين لمسافة 60 كيلومترا ومن هناك إلى مدينة بنغازي.
وقبل تنفيذ خطة تهريب بديع بساعات، جرى افتعال معارك أمام مديرية أمن محافظة مطروح الواقعة في الشارع الرئيس في قلب المدينة، من أجل شغل السلطات الأمنية عن تحركات المرشد، بحسب شهادة اللواء الذي كان يعمل في الشرطة العسكرية، وذلك في إشارة على ما يبدو لهجوم محدود بالأسلحة الخفيفة سيطرت عليه قوات الأمن سريعا في ذلك اليوم وسط المدينة، وراح ضحيته ما لا يقل عن 4 من المهاجمين الملثمين الذين استخدموا أسلحة آلية في تنفيذ الهجوم. وبالتزامن مع هذه الأحداث كانت قوات من الشرطة العسكرية قد تمكنت من شل حركة حراس بديع في فيلته بمنتجع «أندلسية»، ونقلته في مدرعة تابعة للجيش إلى مقر قيادة المنطقة العسكرية الغربية الواقعة غرب مطار المدينة. وفي هذه الأثناء كان الألوف من جماعة «الإخوان» والموالون لها يواصلون الاعتصام وتحدي القادة الجدد للدولة في ميداني رابعة والنهضة بالقاهرة. وخلالها تسربت أنباء عن القبض على المرشد في «أندلسية»، لكن جرى نفيها في حينها. وتابع المصدر قائلا في تفاصيل يكشف عنها النقاب للمرة الأولى، إن بديع ظل محتجزا في قيادة المنطقة العسكرية الغربية لمدة يومين وجاءته خلال إقامته لجنة من القاهرة تضم خمسة بينهم ضباط في الاستخبارات، وأجروا معه حوارا استغرق أكثر من 6 ساعات على فترات متفرقة طول فترة احتجازه، وجرت معاملته معاملة طيبة، وأنه في بعض الأحيان كانوا يتناولون طعام الغداء أو العشاء والمرطبات والشاي معا على مائدة واحدة، وفتحوا معه كل القضايا التي تواجهها مصر والمنطقة والعالم، وقدموا له ما يثبت ارتكاب مرسي أخطاء جسيمة في إدارة الدولة، كما عرضوا عليه مقاطع فيديو يظهر فيها ملايين المصريين ممن خرجوا في الشوارع والميادين مطالبين بخروج «الإخوان» من الحكم. وتابع قائلا إن أعضاء اللجنة أفهموا بديع أن الأجهزة المختصة تريد فقط أن تحافظ على الدولة المصرية، وتتحاشى الدخول في صدام يسقط فيه ضحايا مع أي جماعة أو مجموعة، وأخطروا المرشد العام ل«الإخوان» أيضا بأنه «لا يوجد لدينا أي مشكلة إلا أن نحافظ على البلد. ستخرج وتتحدث مع الناس.. نحن لا نريد أن نلقي القبض على أحد ولا أن نقتل أحدا..». وكان المطلوب من المرشد، في حال موافقته على العرض الذي تقدمت به لجنة التفاوض، أن يلقي كلمة في ميدان رابعة العدوية يصرف بها المعتصمين، ويفتح الطريق لصفحة جديدة في التعامل بين الدولة والجماعة، دون أن يكون هناك تفكير حتى ذلك الوقت في حظر «الإخوان» أو إصدار قرار حكومي فقضائي بأنها «منظمة إرهابية». كما لم تكن السلطات قد أحالت أيّا من القيادات الكبيرة للتحقيق في النيابة العامة. ويقول المصدر، وهو لواء سابق في الجيش، إن بديع وافق على العرض، وأبدى مرونة، وابتسم عدة مرات وهو يهز رأسه بالموافقة، وأظهر أيضا تفهما لكل الأطروحات التي قدمها له رجال اللجنة، وعليه جرى توصيله بطائرة عسكرية إلى مطار تابع للقوات المسلحة بالعاصمة ومن هناك جرى نقله بواسطة سيارات تابعة للسلطات حتى باب بيته في القاهرة، لكي يتهيأ للنزول بعد ذلك إلى ميدان رابعة لإلقاء الخطاب، بعد يومين أو ثلاثة، كما هو متفق عليه. ويضيف أن الأجهزة المعنية كانت تراقب ما سيقوم به المرشد، إلا أنه بعد أن مكث في بيته «بدأ في التشاور مع باقي قيادات (الإخوان)؛ منهم الشاطر وغيره من الجناح القطبي المتشدد، مثل عصام العريان ومحمد البلتاجي، وتوصلوا لطريقة تتعلق بترتيب وصوله من منزله إلى ميدان رابعة، وقالوا له لو جئت هكذا، سيفكر الجميع أن هناك أمرا غير طبيعي وراء الموضوع، وبالتالي عليك أن ترتدي ملابس امرأة منتقبة وتأتي في سيارة إسعاف، جرى توفيرها له عن طريق أعضاء في (الإخوان)، وأن تدخل داخل الاعتصام كأنك جئت متخفيا، وذلك حتى يكون هناك نفي كامل لما تردد عن أن السلطات ألقت القبض عليك في