التغيير سمة مميزة ، فنحن نتغير في كل لحظة ، نتفاعل مع ما نشاهد ونسمع،مع خبرات الماضي وتجارب الحاضر وما نكتسب من علم وخبرة . التغيير عملية ديناميكية مستمرة لا تتوقف ، علمنا أم لم نعلم، رضينا أم لم نرضى ،أحدهم قال "إنك لا تسبح في النهر مرتين". يختلف البشر بطواعيتهم للتغيير ، فكم نفترق عن بعض الأصحاب ثم نعود لنجدهم كما هم دون تغير ، وكلما تقدم الإنسان فى العمر أصبح غير مقبل على التغيير ، هذه قاعدة عامة لها الكثير من الشواذ . كما كتب أحد المفكرين الشباب "ليس في سواد الشعر وإنما في الحيوية والمرونة ، أي القدرة على التغيير " و طالما أن التغيير عملية مستمرة، فلماذا لا تجعلها لمصلحتك بدلاً من أن تكون عبئاً عليك؟ ، لماذا لا نقوم بتوجيهها بأنفسنا بدلاً من أن نترك ذلك لشخص آخر. التغيير الذي نعنيه هو التغيير الإيجابي ، وهو سلسلة من الأعمال التي تقودنا إلى مستوى أفضل في حياتنا ، والتغيير فكرة مركزية في ثقافتنا الإسلامية. فنحن ننظر إليه كوسيلة لنيل المزيد من رضوان الله عزوجل، والذي هو وظيفتنا الكبرى في هذه الحياة. وكم نقابل من الأشخاص من يود التقرب إلى الله... يرغب في الإقلاع عن المعصية... يود أن يتحول إلى شخص فاعل في الحياة، بناء، معطاء لمجتمعه، لكن الحيرة تكبله و تشله: من أين ابدأ؟ وكيف أواصل؟ وكيف أخرج أفضل ما عندي؟ إلى غير ذلك من الأسئلة. نتحدث عن تغيير أنفسنا لأنها الخطوة الأولى والأهم في سبيل تحسين أوضاع مجتمعاتنا وحال أمتنا، كما ورد في قول الله تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فنحن أحوج ما نكون هذه الأيام للطاقات المتميزة التي نجحت في بناء قدراتها، ومن ثم تسخيرها لخدمة الأمة في كافة المجالات. والخطوة الأولى على طريق التغيير هو الاعتراف بوجود مشكلة ، والشعور بالحاجة الى التغيير، وهذه خطوة جوهرية لأن مشكلة الكثير من الناس عدم إدراكهم لهذه الأهمية ، بل يعتقد البعض أن مجرد التفكير بهذا الأمر يقلل من قيمتهم أو يصفهم بالضعف وعدم الكفاءة ، ولعلك قابلت ذلك الشخص، صاحب أداء متدن في عمله، ومع هذا لا يدرك مشكلته هذه حتى يفصل من عمله ويعتقد أن ما تم كان مجرد مؤامرة ضده. عندما نمتلك الشعور بالحاجة إلى التغيير ، سوف يكون لزاماً أن نطرح سؤال " أين أنا الآن ؟ " بمعنى أن تحدد ملامح واضحة لوضعك الحالي في المجال الذى تسعي فيه إلى التغيير . فمثلاً في مجال العلاقة مع الله عزوجل ، حدد بالضبط أين تضع نفسك فيها ؟ ، وما الذي يعكر صفوها ؟ ، ما الذي يشدك إلى الوراء ، ويمنعك أن تتقدم في نيل المزيد من رضا الله عليك ؟ ،أريدك أن تكتب ذلك بشكل مفصل لأن ذلك سوف يساعدك كثيراً في عملية التغيير. ولا غرابة فى أنه قد تسمعون فى مجال الأسرة والأبناء ، عن إخوة لا يتكلمون مع بعضهم لفترة كبيرة ، أمهات لم يسمعن كلمة جميلة من أبناءهن منذ سنوات ، لذا حدد بالضبط أين يقع مكانك وسط أسرتك؟ ، كيف ينظر لك إخوتك ، زوجتك ماذا تشعر تجاهك؟ ، أبناءك ماذا يقولون عنك عندما تخلد للنوم؟ ، ما هو الأثر الذي تركته في كل واحد منهم ؟ . وفى مجال العمل ، أين مكانك في عملك الذي تكسب منه رزقك وتقضي فيه ساعات طويلة؟ ، اسأل نفسك لو قرر مجلس إدارة الشركة التي تعمل بها أن يخفض عدد العاملين هل ستكون منهم؟ ، كيف ينظر إليك رئيسك؟ ، هل يشعر زملاؤك بأي فرق عند غيابك؟ ، هل تطور مهاراتك في سبيل أداء أفضل لما هو مطلوب منك؟. أسئلة كثيرة تحتاج لمجهود للإجابة عليها ، لكن ثق تماماً أنك الآن تخطو خطواتك الأولى والأساسية في طريق التغيير ، هذه المجالات الثلاثة أحببت أن تكون مثالاً كي تطبقه على بقية المجالات الهامة الأخرى كالجانب العلمي الثقافي، وصحتك الشخصية، والإقلاع عن عادة سيئة، والجانب الخيري من حياتك في الإحسان للآخرين ومساعدتهم، ومساهمتك في تحسين أوضاع المسلمين ونهضتهم .
الجزء الثاني من هذه الخطوة التي نهدف منها إلى تقييم ما نحن عليه هو تحديد نقاط قوتك وضعفك ، ما هو الشيء الذي يميزك عن الآخرين ؟ ، في شخصيتك ، في مهاراتك ، وفي المقابل ما هي عيوبك؟ ، بماذا ينتقدك الناس ، ما هي العوائق التي تحد من تقدمك في مجالات الحياة كافة؟. ضع إجابات واضحة للأسئلة السابقة لأن ذلك سيمنحك بصيرة واضحة وسيكون لها أهمية خاصة من أجل النجاح في التغيير الذى تنشده فى حياتك .