مئات من الوثائق التي كتبها بخط يده، وتختص بالسنوات الأولى لثورة يوليو، وتحديداً خلال الفترة من 1952 حتى 1956..هى عنوان كتاب "الأوراق الخاصة" الذي أعدته د.هدى عبد الناصر، والصادر قريباً عن المكتبة الأكاديمية. تتناول نجلة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في الكتاب الجديد، جانباً مهما مما عاشته مصر في السنوات الأولى لثورة يوليو المجيدة. تتضمن "الأوراق الخاصة" يوميات تلك المرحلة الفارقة في عمر الثورة، إلى جانب الأعداد الأصلية لجريدة "الوقائع المصرية" الجريدة الرسمية للحكومة، والتي تتضمن كل نصوص القرارات والقوانين التي صدرت في السنوات الأولى لثورة يوليو. في الوثائق صيغة الإنذار الذي وجهته الثورة للملك فاروق، وقرارات حل الأحزاب، وقرار مجلس الثورة بحل جماعة الإخوان ومصادرة ممتلكاتها، وقرارات الإصلاح الزراعي، وكل ما يتصل بمفاوضات الجلاء، ومواقف البنك الدولي، كما تتضمن الوثائق التي سطرها جمال عبد الناصر بقلمه، تفاصيل اجتماعات مع الجانب البريطاني ونقاط الخلاف بين الجانبين المصري والبريطاني، وملاحظات ناصر وتأشيراته على وثائق الخارجية المصرية عن تلك الاجتماعات . وتضم الوثائق أيضاً قرارات مجلس قيادة الثورة خلال الفترة من العام 1952 حتى العام 1956 التي كانت موجودة في مكتب جمال عبد الناصر الخاص، وهي المتعلقة في أغلبها بأسرة محمد علي وأزمة مارس 1954. وفي كتابها الجديد ترصد د.هدى عبد الناصر كيف وجه ضباط الجيش بعد ثلاثة أيام من قيام الثورة إنذاراً إلى الملك فاروق بالإسكندرية، بالتنازل عن العرش لولي العهد أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة مساء نفس اليوم، مشيرة إلى أن قادة الجيش الموالين للنظام وللملك ذاته، كانوا هم العقبة الوحيدة أمام الثورة، ولكن كان الاحتلال البريطاني، وتواجد أكثر من ثمانين ألف جندي في القاعدة البريطانية بمنطقة قناة السويس، تحدياً يعمل له حساب. ويعرض الكتاب عبر العديد من الوثائق البريطانية كيف أن الملك استنجد بالانجليز من الإسكندرية عن طريق الأمريكان، وكيف بحث هؤلاء إخراجه من البلاد، إلا أن أقرب باخرة حربية كانت على مسافة بعيدة، بحيث لا تسمح بذلك في الوقت المناسب، كما أن قائد الأسطول البريطاني رفض هذه المهمة، بل إن الملك طلب أيضاً من الأمريكان أن يحموه، ولكن كل ما فعله السفير الأمريكي أنه قام بتوديعه في ميناء قصر رأس التين، وهو خارج من البلاد إلى الأبد. واقتصر رد فعل السفارة البريطانية في القاهرة في الأيام الأولى للثورة، على إخطار محمد نجيب أن القوات البريطانية لن تتردد في التدخل لحماية الرعايا البريطانيين في حالة تهديدهم . ويعرض "الأوراق الخاصة" للزعيم جمال عبد الناصر كيف بدأ رجال الثورة على الفور في قلب الأوضاع الداخلية، فتشكلت وزارة برئاسة علي ماهر صدّق عليها الملك قبل رحيله، وكيف ظل "مجلس قيادة الثورة" يقود التغيير في مختلف المجالات، ولم يكن الأمر سهلاً، فقد حدثت صدامات مع الأحزاب والجماعات السياسية عندما طرح "مجلس قيادة الثورة" موضوع تحديد الملكية الزراعية، انتهت بإقالة الوزارة، وتولى محمد نجيب رئاستها، وقد كان أول ما أنجزته وزارة الثورة في 9 سبتمبر 1952، هو إصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي أكد على البعد الاجتماعي لأهدافها . تستعرض د.هدى عبد الناصر، عبر مئات من الوثائق الجديدة، كيف وصل الصراع السياسي خلال السنوات الأولى للثورة إلى أشده، فألغيت الأحزاب في 17 يناير 1953 وأعلنت فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات، في فبراير من العام نفسه، وصدر الدستور المؤقت، الذي حل محل دستور 1923 الذي كان قد ألغي في 9 ديسمبر1952، وقد اتخذ مجلس قيادة الثورة قراراً في 8 نوفمبر 1953 باسترداد أموال الشعب وممتلكاته من أسرة محمد علي بالمصادرة . ويرصد الكتاب امتداد الصراع السياسي إلى داخل "مجلس قيادة الثورة" ذاته، بين أعضاء المجلس من جانب ومحمد نجيب من جانب آخر، وهو ما عرف بأزمة مارس 1954 التي انتهت بإقالته، وتولى جمال عبد الناصر رئاسة المجلس ورئاسة مجلس الوزراء . لم تسكت "إسرائيل" إثر الإجراءات الثورية في مصر، فبدأت في منتصف 1953 سلسلة مناوشات وهجوم على المواقع المصرية على الحدود، وعلى غزة ودير البلح وخان يونس والعوجة، وقد ردت المدفعية المصرية بشدة لإيقاف إسرائيل عند حدودها . ويعرض الكتاب وثيقة مهمة بتأشيرات جمال عبد الناصر، على اجتماع رؤساء حكومات الدول العربية، الموقعة على ميثاق الضمان الجماعي بالقاهرة، في 22 يناير 1955 وكان الهدف هو تكتل الدول العربية في مواجهة "إسرائيل". وفي هذه الفترة بدأ تقارب العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي، الذي توج بعقد اتفاقية السلاح مع تشيكوسلوفاكيا، التي أعلن عنها جمال عبد الناصر في 27 سبتمبر 1955 بعد هجوم واسع قامت به "إسرائيل" على غزة في 28 فبراير1955 وبعد رفض كل من بريطانيا والولايات المتحدة إمداد مصر بالسلاح . في 16 يناير 1956 قرر "مجلس قيادة الثورة" ترشيح جمال عبد الناصر لرئاسة الجمهورية، ليكون بالاستفتاء عليه أول رئيس للجمهورية المصرية منتخب من الشعب.