في لقاء خاص مع الأستاذ الكبير صلاح الشاهد كبير أمناء الرئاسة فى عهود الملك فاروق والرؤساء عبد الناصر والسادات وحسنى مبارك أزاح لى الستار عن أهم كواليس الرئاسة وأسرار الوزراء وكبار المسئولين وروى لي على ثلاثة شرائط كاسيت ما لم يصل إلى عالم الصحافة أو وصل إليها ولم تستطع أن تنشره ! كان اللقاء في بيته المجاور لبيت الرئيس السادات بشارع النيل بالدقي وفى حجرته الخاصة الممتلئة بصور ملوك ورؤساء العالم وقد وضع كل منهم إمضاءه أسفل الصورة بعد كلمة إهداء رقيقة لسيادته .. وسوف أكشف ما لم تنشره الصحف العديد من تلك الأسرار من واقع ما رواه لي صلاح الشاهد.. إسماعيل بك شرين كان أقصر الوزراء المصريين عمرا فى الوزارة.. وهو الوزير الوحيد الذي استهل منصبه بالبكاء.. لكنه كان الوزير الوحيد أيضا الذي تحدث إلى حاكم مصري عن المستقبل وكأنه يقرأ الطالع ! اختير إسماعيل بك شرين وزيرا للحربية في أخر وزارة شكلها الملك فاروق قبل قيام ثورة يوليو بثماني وأربعين ساعة.. فقط! حضر الوزير أمام الملك ليحلف اليمين.. لكنه فجر مفاجأة! رفض أن يتبع البروتوكول.. تجاهل حلف اليمين.. سارع نحو الملك وبكى فى حرقة وهو يطبع قبله فوق يده.. ثم راح يحدثه بصوت مسموع وكأنه ينتحب: - "مولاي جلالة الملك.. عرشك في خطر.. واني أصدقك القول.. ولن ينقذ هذا العرش سوى إنسان واحد.. هو مصطفى النحاس!" تكهرب الجو.. واختلطت النظرات.. وارتبك الملك! لم يتوقف وزير الحربية الجديد وكان حينئذ برتبة "قائم مقام" عن الكلام.. المباح وغير المباح.. وراح يقول للملك: - "اخلاصى لجلالتك يا مولاي هو الذي دفعني لأصارحك.. يوجد في الجيش بوادر انقلاب.. وأخشى على عرشكم المفدى!" مازالت الحيرة ترتسم فوق وجه الملك ورئيس الديوان الملكي حافظ باشا عفيفي وكبار رجال الديوان الملكي.. بينما الوزير الجديد يستطرد وصوت بكائه يمتزج بكلماته: - "أرجو مولاي أن تمنحني الفرصة لإثبات ولائى".. وهنا رد الملك في تلقائية: - كيف؟! يتحمس الوزير الجديد.. تلمع عيناه بومضة أمل ثم يردف قائلا: - "تأمرنى بالسفر على ظهر طائرة خاصة لإحضار مصطفى النحاس باشا من أوروبا خلال ساعات.. وأنا على يقين يا مولاي من أن الشعب عندما يرى زعيمه بين صفوفه سوف يهتف للعرش وللملك في أن واحد. ورغم ابتسامه الملك استطرد الوزير الجديد مختتما حديثه: - "هذه فرصة يجب أن تغتنمها يا مولاي الملك". ويبدو أن قلب الملك أستشعر صدقا في كلمات آخر وزير حربية في تاريخ الملكية المصرية.. صمت الملك لحظة.. درس الأمر بسرعة.. فان حضور النحاس سوف يلهب حماس الشعب ويقفز بشعبية الملك إلى السماء. وكانت المفاجأة الكبرى.. هي موافقة الملك! وكاد تاريخ مصر كله أن يتغير.. لولا تدخل حافظ باشا عفيفي رئيس الديوان الملكي الذي كانت الغيرة تكاد تفتك بقلبه من مصطفى باشا النحاس.. أوحى إلى الملك بأن مصطفى النحاس لو حضر فسوف يقوم بنفسه بانقلاب ضد الملك!!.. وطعن في رأى وزير الحربية الجديد عندما همس في أذن الملك في حضور صلاح الشاهد كبير الأمناء بالديوان الملكي: - "أن إسماعيل شيرين يا مولاي قليل التجربة في الحياة السياسية.. وشاب لم ينضج بعد.. ولو أتى النحاس فسوف يشارك بنفسه في خلعكم! وكانت استجابة الملك لنصيحة رئيس الديوان هي المسمار الأخير في نعش فاروق!.. قامت الثورة بعد يومين من دموع ومصارحة إسماعيل شيرين أمام الملك وهو يرفض حلف اليمين قبل أن ينبه ملك مصر إلى الخطر الذي فاحت رائحته داخل الجيش. وخرج إسماعيل شيرين من الوزارة بعد ثماني وأربعين ساعة فقط.. وظل طوال عمره يردد لأصدقائه المقربين : أه.. لو سمع الملك النصيحة واستجاب لها !!