في ظروف هي الأسوأ في تاريخ السينما المصرية تبدو أي محاولة جادة و مخلصة لتقديم فن حقيقي حالة نادرة إن حدثت فهي تستحق التقدير رغم أي شئ . من تلك النوادر هذه الأيام " الحرامي والعبيط " الفيلم الذي جمع النجمين خالد الصاوي و خالد صالح الصديقين و زميلي الدراسة اللذين لم يجمعهما عمل واحد بعد احترافهما الفن لذلك كان الفيلم مباراة حقيقية في الأداء بين النجمين الأكثر موهبة في هذا الجيل و كان هذا للحق هو أكثر ما يميز هذا الفيلم الذي افتقد الحبكة المنطقية و عمق الشخصيات رغم محاولات الخالدين لإكساب شخصيتيهما عمقا و مصداقية بادائهما الرائع و براعة الماكيير، و ملابس الستايليست الموهوبة مونيا. في بداية الفيلم يستقبلنا البلطجي خفيف الظل صلاح روسي والذي يلعب دوره خالد الصاوي يأخذنا إلي عالمه مشيرا إلي المكان و الزمان وهو يقدم أبطال الرواية هو و العبيط فتحي ( خالد صالح ) وهو أحد المشردين في الشوارع بلا مأوي نعرف بعدها أنه فقد عقله بعدما خانته زوجته و طردها فانتقمت منه بمعاونة بلطجية أشبعوه ضربا حتي أصبح عبيطا معتوها و هي حالة غريبة غير منطقية تنتمي لمدرسة " المؤلف عاوز كده " ! والممرضة ناهد ( روبي ) اليتيمة الفقيرة التي ترتبط عاطفيا بصلاح البلطجي . وقد ساهم هذا السرد في كسر حالة الاندماج مع الأحداث منذ بدايتها فلم تكن فكرة موفقة من المخرج محمد مصطفي الذي لم يتمكن أيضا من السيطرة علي الإيقاع في النصف الأول من الفيلم فكان الملل حليفنا و نحن نتابع السرد و ملحقاته بلا أي تطور ملموس حتي يقرر البلطجي الذي فقد إحدي عينيه في مشاجرة أن يسرق قرنية العبيط فتحي بمعاونة حبيبته الممرضة التي علي علاقة ما بطبيب متخصص في سرقة الأعضاء ثم عصابة لتجارة الأعضاء و بدلا من سرقة قرنية العبيط المسلوب شرفه و بيته و ابنته سابقا - و مثله في المجتمع المصري كثير كما يؤكد البلطجي في الحوار - تتم سرقة كليته ليأخذ ثمنها البلطجي الحرامي والذي يتآمر عليه مع الطبيب ، ثم مافيا تجارة الأعضاء ليبيعه كله لكنه يتراجع عن ذلك بعدما ينقذ العبيط حياته في حين تخونه خطيبته الممرضة فيقرر أن يقدمها للعصابة بدلا منه و تتم الصفقة في هدوء ! وتنتهي الأحداث المرتبكة نهاية أكثر ارتباكا حين يأخذ البلطجي العبيط إلي مكان بعيد مقفر يحتفل بنجاته و الانتقام من حبيبته الخائنة و بدون مبرر يخرج مسدسا من جيبه يلهو به العبيط لتخرج رصاصة تصيب البلطجي في مقتل و كما كانت البداية علي طريقة الأفلام المصرية القديمة تأتي النهاية قديمة أيضا! مرة أخري يأخذنا أحمد عبد الله المؤلف إلي عالم الحارة و البسطاء المهمشين و الذي يرسمه ببراعة لكن دون عمق هذه المرة ولا زال مصرا علي التنقل غير المبرر بين الكوميديا و الميلودراما العنيفة و رغم ارتباك السيناريو و تكرار الفلاش باك دون مبرر ليؤكد علينا سبب اصابة فتحي بالبلاهة و العته الا أنه يحسب له الواقعية التي دعمها المخرج الموهوب محمد مصطفي بكادراته و مهندس الديكور حمدي عبد الرحمن و مدير التصوير سامح سليم الذي كان من أفضل العناصر في الفيلم . . و يبقي التمثيل هو الأفضل في " الحرامي والعبيط " محمولا علي أعناق الخالدين ، و تباري معهما باقي النجوم مجدي بدر الطبيب الشرير و روبي التي لعبت دورها ببراعة و عايدة عبد العزيز الأم القاسية و إن فات المخرج أن يلزمها التمثيل بلا ماكياچ ففي الحارة المصرية لا تضع من في مثل سنها وحالتها طبقات وخطوط متقنة من الماكياچ !