إعلام الاحتلال: مقتل 6 ضباط وجنود فى غزة وعلى الحدود مع الأردن خلال اليوم    جاهزية 75 قطعة أرض بمشروع «بيت وطن» لتوصيل الكهرباء في القاهرة الجديدة    قرض ومنحة ب60 مليون يورو.. قرار جمهوري بشأن مركز التحكم الإقليمي بالإسكندرية    جامعة الإسماعيلية الجديدة تستقبل طلابها بجاهزية كاملة للعام الدراسي    تجهيز 558 مدرسة لاستقبال 186 ألف طالب بالعام الدراسي الجديد في بورسعيد    وزير التعليم ومحافظ الجيزة يفتتحان 3 مدارس جديدة استعدادًا لانطلاق العام الدراسي الجديد    المشاط تلتقي وزيرة الدولة للتجارة الإسبانية خلال فعاليات منتدى الأعمال المصري الإسباني    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات الخميس    أسعار المستلزمات المدرسية 2025 في محافظة الدقهلية اليوم 18+9-2025    الوزير " محمد صلاح ": الشركات والوحدات التابعة للوزارة تذخر بإمكانيات تصنيعية وتكنولوجية وفنية على أعلى مستوى    «الري»: خرائط لاستهلاك المحاصيل للمياه للوفاء بالتصرفات المائية المطلوبة    80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين من الهلال الأحمر المصري عبر قافلة زاد العزة ال40    أشعر بكِ جدا.. ملك إسبانيا ينزل من المنصة ليصافح سيدة فلسطينية ويتحدث عن غزة    بعد افتتاح سفارتها في القدس.. فيجي الدولة الجزرية الصغيرة التي أثارت جدلًا دوليًا    محمد صلاح يرفع شعار الأرقام خلقت لتحطم    إنتر ميامي يتفق مع ميسي على تجديد تعاقده    ميدو: مواجهة الزمالك والإسماعيلي فقدت بريقها.. وأتمنى عودة الدراويش    الكلاسيكو 147.. التاريخ يميل نحو الزمالك قبل مواجهة الإسماعيلي الليلة    شبانة: وكيل إمام عاشور تخطى حدوده    بينهم رضيع.. إصابة 12 شخصا في حادث انقلاب سيارة أجرة بأسوان    المشدد 15 عاما وغرامة 200 ألف جنيه لمتهمين بالاتجار في المخدرات بالشرقية    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    بعد اختفاء إسورة أثرية.. أول تحرك برلماني من المتحف المصري بالتحرير    فى حوار له مع باريس ريفيو فلاديمير سوروكين: نغمة الصفحة الأولى مفتتح سيمفونية    معا من أجل فلسطين.. حفل خيري بريطاني يهدم جدار الخوف من إعلان التضامن مع غزة    الصحة: المبادرة الرئاسية «صحتك سعادة» تقدم خدماتها المتكاملة في مكافحة الإدمان    نائب وزير الصحة تشهد إطلاق ورشة عمل للإعلاميين حول الصحة الإنجابية والتنمية السكانية    وزير الدفاع الصيني يجدد تهديداته بالاستيلاء على تايوان لدى افتتاحه منتدى أمنيا    "الرحلة انتهت".. إقالة جديدة في الدوري المصري    آثار تحت قصر ثقافة ومستوصف.. سر اللقية المستخبية فى الأقصر وقنا -فيديو وصور    فيديو متداول يكشف مشاجرة دامية بين جارين في الشرقية    فرنسا تستعد لاحتجاجات واسعة وسط إضرابات وطنية ضد خطط التقشف الحكومية    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    "الطفولة والأمومة" يطلق حملة "واعي وغالي" لحماية الأطفال من العنف    مفتى كازاخستان يستقبل وزير الأوقاف على هامش قمة زعماء الأديان    اليوم.. افتتاح الدورة الأولى من مهرجان بورسعيد السينمائي    «نعتز برسالتنا في نشر مذهب أهل السنة والجماعة».. شيخ الأزهر يُكرِّم الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    النقل تناشد المواطنين الالتزام بعدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه    النقل تناشد المواطنين الالتزام بقواعد عبور المزلقانات حفاظًا على الأرواح    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    الصحة تشارك في مؤتمر إيجي هيلث لدعم الخطط الاستراتيجية لتطوير القطاع الصحي    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    10 ورش تدريبية وماستر كلاس في الدورة العاشرة لمهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب    ضبط المتهم بإنهاء حياة زوجته بمساكن الأمل في بورسعيد    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    التحفظ على أكثر من 1400 كتاب دراسى خارجى مقلد داخل مكتبتين    رئيس اتحاد الصناعات: العمالة المصرية المعتمدة تجذب الشركات الأجنبية    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    سعر الأرز والفول والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في عين الشمس ‮ ‬خيانة المثقفين‮ ... ‬وأوجاع أخري‮! ‬
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 25 - 05 - 2013


‮«‬الإتاوة‮» ‬الثقافية‮
السبت‮: ‬
‮(‬ما أشد حماقة من تدخل الأفاعي‮ ‬والعقارب تحت ثيابه،‮ ‬وهمت بقتله،‮ ‬وهو‮ ‬يطلب مذبة‮ ‬يدفع بها الذباب عن‮ ‬غيره ممن لا‮ ‬يغنيه ولا‮ ‬ينجيه‮ ‬،‮ ‬مما‮ ‬يلاقيه من تلك الحيات والعقارب إذا همت به‮) ‬تكشف هذه المقولة الحكيمة ذات البعد الاستنكاري‮ ‬،‮ ‬ما‮ ‬يجري الآن من جدليات تتراوح بين العقم،‮ ‬وهو كثير،‮ ‬والخصوبة وهذا قليل،معظمهم مشغولون بالمتغيرات أكثر من الثوابت،‮ ‬بالهوامش أكثر من المضامين،‮ ‬بالعوارض أكثر من‮ ‬الجواهر‮ ‬،‮ ‬بالشخص أكثر من الشخصية‮. ‬ومن‮ ‬يحدث الإرباك والإرتباك،‮ ‬ويطغي الاهتزاز والابتزاز،‮ ‬
ما أن تنفس صبح المجتمع أو خيل إلينا أنه تنفس،‮ ‬فإذا ببعضنا تخنقه بالفتنة في‮ ‬مسلسل الفتن الاجتماعية والسياسية ا‮ ‬
لابد من الإفاقة من هذا التوهم والتخييل،‮ ‬فقد‮ ‬يعتدل الميزان‮ ‬،‮ ‬ولكن هيهات إذا استمر عويلكم والفحيح‮ ‬والبكاء والندب علي الأطلال،‮ ‬وشق الجيوب ولطم الخدود.المجتمع في‮ ‬حاجة الي التنوير لا التبوير،‮ ‬الي الإشراق لا الإحراق،‮ ‬الي الإصباح لا الإظلام،‮ ‬لاسبيل أمامكم إلا أن تغتسلوا بماء المجتمع الحدديث وهو‮ ‬يتحول،‮ ‬ولا قبول لكم إلا أن تتوضاؤا من ضوء العيون المصرية التي‮ ‬في‮ ‬طرفها شوق للسلام الاجتماعي‮ ‬،‮ ‬حتي لا نكون كالتي‮ ‬نقضت‮ ‬غزلها أنكاثا‮.‬
يتجلي ذلك‮ ‬،‮ ‬ويقطر حزنا،‮ ‬حين‮ ‬يصدر‮ ‬من الذين‮ ‬يفترض فيهم أنهم حملة مشاعل التنوير ومصابيح الإستنارة‮. ‬
وإذ قلنا للذين‮ ‬يظنون أنهم‮ ‬يحتكرون الحديث باسم الثقافة،‮ ‬لاليس لكم حق‮ ‬،‮ ‬قالوا‮: ‬إنما نحن المثقَّفون‮ ‬،‮ ‬والكاتبون‮ ‬،‮ ‬والمبدعون‮ ‬،‮ ‬والفاهمون‮ ‬،‮ ‬والملهمون،‮ ‬والمستنيرون،‮ ‬والفاتحون،‮ ‬والحارسون،‮ ‬والأوحدون،‮ ‬والوحيدون،‮ ‬نحن فقط‮ .. ‬فقط نحن‮.. ‬لا شريك لنا في‮ ‬ذلك‮.. ‬وليس مثلنا أحد‮ ‬،‮ ‬ولن نسمح،‮ ‬ولا‮ ‬ينبغي‮..!‬
من ذا الذي‮ ‬توهمه نفسه أنه وحده المثقف؟ وإن هؤلاء‮ .. ‬أو أولئك هم الجماعة الثقافية؟ إن الأطياف كثيرة ومتكاثرة،‮ ‬
لكني‮ ‬أتألم من هؤلاء الذين‮ ‬ينصبون من أنفسهم‮ ‬متحدثين باسم الثقافة،‮ ‬وحاملي توكيلات المبدعين‮.‬
أين أساتذة الأدب والفكر والنقد في‮ ‬الجامعات ؟ أين المبدعون في‮ ‬الأقاليم والمحافظات ؟ أين الذين لا‮ ‬يطرقون الأبواب،‮ ‬ولا‮ ‬يتسكعون في‮ ‬طرقات الإعلام هنا وهناك ؟ويفرضون‮ (‬إتاوات‮) ‬علي من لا‮ ‬ينشر لهم؟
إن الكثير منا‮ ‬يدعي‮ ‬أن له فكرا تقدميا،‮ ‬لكنه مشدود بألف خيط الي الوراء‮.. ‬ليس هذا فقط،‮ ‬بل ويسعي بما اوتي‮ ‬من قوة فكر وعضلات،‮ ‬الي شد الآخرين وجذب الأبرياء الي خيوطه العنكبوتية ويتعامي ويتجاهل أن أوهن الخيوط خيط العنكبوت‮!‬
في‮ ‬هذ السياق‮ .. ‬استرجع رؤية للكاتب والباحث الكبير السيد‮ ‬ياسين بتاريخ‮ ‬28‮-‬07‮-‬2012‮ «‬إن خيانة المثقفين علي اختلاف أطيافهم السياسية هي السبب الحقيقي في هذا المشهد السياسي المرتبك الذي نمر به‮! ‬وأنا في هذا المجال أحب أن أعود بين الحين والآخر في مجال عقد مسئولية المثقفين عن التطوير الإيجابي لمجتمعاتهم إلي المفكر الفرنسي المعروف‮ »‬جوليان بندا‮« ‬الذي نشر في الثلاثينات كتاباً‮ ‬شهيراً‮ ‬بعنوان‮ «‬خيانة المثقفين‮»! ‬وفي هذا الكتاب ميّز‮ «‬بندا‮» ‬بين الكتّاب والكتبة.أما الكتّاب فهم هؤلاء المثقفون الذين‮ ‬يدركون تمام الإدراك أن المسئولية الأولي التي تقع علي عاتق المثقف هي ممارسة النقد الاجتماعي المسئول الذي لا‮ ‬يكتفي‮ -‬كما قرر‮ «‬جان بول سارتر‮» ‬في كتابه‮ «‬نقد العقل الجدلي‮»- ‬بكشف الأخطاء وإبراز السلبيات،‮ ‬وإنما بإعطائها التكييف الصحيح.أما الكتبة فهم هؤلاء المثقفون‮ ‬قد‮ ‬يمارسون نفاق الجماهير ويغضون الطرف عن سلوكياتها حتي لو جنحت إلي الفوضي باسم الثورة،‮ ‬أو إلي التخريب باسم تحقيق المساواة!ولو طبقنا هذه التفرقة بين‮ «‬الكتّاب والكتبة‮» ‬لأدركنا أن عدداً‮ ‬كبيراً‮ ‬من المثقفين تخلوا عن دور الكتاب وقاموا بأدوار الكتبة للأسف الشديد‮! ‬لا مجال لهروب المثقفين من مسئوليتهم عن المشهد السياسي المرتبك الراهن‮!‬
و‮.. ‬استعيد رؤية طرحها الكاتب الكبير‮ ‬فهمي‮ ‬هويدي‮ ‬عن‮ (‬خيانة المثقفين‮) ‬بتاريخ‮ ‬17‮ ‬فبراير‮ ‬2011‮« ‬في‮ ‬وقت سابق،‮ ‬ثار جدل في‮ ‬مصر حول‮ «‬أزمة المثقفين‮» ‬وحظوظ أهل الثقة وأهل الخبرة،‮ ‬لكننا بعد أربعة عقود من ذلك الجدل نستطيع أن نتحدث الآن عن خيانة المثقفين.أقصد بذلك خيانتهم لدورهم كمعبرين عن ضمير الأمة،‮ ‬وتطوعهم بالانتقال إلي مربع المعبرين عن مصالح الطغيان المهيمن‮. ‬وهو جرم أكبر مما اقترفه الإعلاميون.ولست في‮ ‬مقام تبرئة الأخيرين أو إعذارهم،‮ ‬لأن الاثنين متورطان في‮ ‬الإثم،‮ ‬لكنني‮ ‬أزعم أن جرم المثقفين أفدح،‮ ‬لأنهم متطوعون ولم‮ ‬يطلب أحد منهم ذلك‮. ‬أما الإعلاميون فهم موظفون لأجل ذلك.الأولون تطوعوا لخدمة السلطان تقربا منه وطمعا في‮ ‬رضاه وعطاياه.والآخرون عينوا خدما للسلطان وقبلوا بذلك وسعدوا به.ليس جديدا استخدام المثقفين من قبل الطغاة،‮ ‬فقد كانوا دائما أحد الأبواق،‮ ‬التي‮ ‬لجأوا إلي استخدامها للتغرير بالناس وتضليلهم‮. ‬ولعل كثيرين‮ ‬يذكرون ما جري في‮ ‬ألمانيا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي‮ ‬في‮ ‬بداية التسعينيات،‮ ‬حين كشفت الوثائق عن أن عددا كبيرا من المثقفين الأكاديميين والكتاب والفنانين لم‮ ‬يكونوا‮ ‬يروجون للنظام فحسب،‮ ‬ولكنهم أيضا كانوا‮ ‬يكتبون التقارير للأجهزة الأمنية عن الناشطين والمعارضين.وكتاب الحرب الباردة الثقافية للباحثة البريطانية ق‮. ‬س‮. ‬سوندرز،‮ ‬الذي‮ ‬صدر في‮ ‬إطار المشروع القوي‮ ‬للترجمة‮ ‬يوثق الأساليب،‮ ‬التي‮ ‬اتبعتها المخابرات المركزية الأمريكية لاستخدام الفنانين والأدباء في‮ ‬الصراع بين القطبين الكبيرين.حدث ذلك أيضا في‮ ‬مصر،‮ ‬حيث انضم بعض المثقفين إلي جوقة المهللين للأب والمسوقين للابن،‮ ‬والمضللين لجموع المصريين.وأحسب أن فترة حكم الرئيس السابق،‮ ‬التي‮ ‬استمرت ثلاثين عاما كما وفرت فرصة كافية لنظامه لكي‮ ‬يتولي تفكيك مؤسسات الدولة وإعادة تركيبها علي قياسه وطبقا لهواه،‮ ‬فإنها أيضا وفرت وقتا كافيا لإنجاح جهود أغواء المثقفين وترويضهم‮. ‬ومن ثم ضمهم إلي حظيرة السلطان،‮ ‬بعد الإغداق عليهم بالأموال والهبات،‮ ‬إلي جانب ترفيعهم في‮ ‬المراتب والوظائف بطبيعة الحال‮.‬
لا عذر لهؤلاء وينبغي‮ ‬أن‮ ‬يحتلوا مكانهم في‮ ‬صدارة قوائم العار‮. ‬ذلك أن خيانتهم لدورهم‮ ‬ينبغي‮ ‬ألا تغتفر‮. ‬كما أن فضح مواقفهم والتذكير بدورهم في‮ ‬غش الجماهير والتدليس عليها‮ ‬يظل من الأهمية بمكان‮. ‬ليس فقط لقطع الطريق أمامهم لكي‮ ‬لا‮ ‬يسارعوا إلي ركوب الموجة الجديدة،‮ ‬شأنهم في‮ ‬ذلك شأن أقرانهم من الإعلاميين،‮ ‬ولكن أيضا لكي‮ ‬يكونوا عظة وعبرة لغيرهم.قد نعذر المكره والمضطر،‮ ‬لكن المثقف الذي‮ ‬يتطوع لخدمة الاستبداد لا عذر له‮. ‬وإذا لم‮ ‬يكن بمقدوره أن‮ ‬يكون شريفا‮ ‬يجهر بالحق وينحاز إلي صف الجماهير المغلوبة علي أمرها،‮ ‬فإن ذلك لا‮ ‬يسوغ‮ ‬له أن‮ ‬ينبطح ويصبح خادما للسلطان.إننا قد لا نستطيع أن نطالب كل المثقفين بأن‮ ‬يكونوا شجعانا ويجهروا بمواقفهم،‮ ‬وقد نقبل منهم أن‮ ‬يلتزموا الصمت توقيا لأي‮ ‬مخاطر‮ ‬يتوقعونها،لكننا لا نقبل منهم بأي‮ ‬حال أن‮ ‬يصبحوا أعوانا للاستبداد،‮ ‬لأنهم بذلك لا‮ ‬يخونون أماناتهم فحسب،‮ ‬ولكنهم‮ ‬يفقدون شرعيتهم أيضا‮...!‬
في‮ ‬آخر حديث لي‮ ‬للشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي‮ ‬قبيل رحيله ونشر في‮ ( ‬أخبار الأدب‮) ‬قال لي‮ ‬،‮ ‬وهو منكسر وحزين‮ : ‬لماذا اصبح المثقفون مثل الطواويس ؟ لماذا تخلفوا وانزووا في‮ ‬ذيل قائمة قيادة المجتمع ؟ ولماذا فقدوا قرون الاستشعار عن بعد‮ .. ‬و عن قرب ايضا ؟ وراحوا‮ ‬ينتظرون الحدث حتي‮ ‬يتم‮ .. ‬ليصفقوا مع المصفقين‮ .. ‬ويرفضوا مع الرافضين‮ .. ‬ويرقصوا مع الراقصين ؟ الخطيئة فيهم‮ ..‬ام في‮ ‬الاجواء التي‮ ‬يعيشون فيها ؟او بمعني ادق في‮ ‬الآبارالتي‮ ‬يلقون فيها ؟ لماذا فقدوا أدوارهم‮ .. ‬أهم الذين فرطوا فيها‮.. ‬ام سلبت منهم عيانا ؟ هل لأنهم هرولوا‮ ‬وراء السياسة بالمعني المؤقت واليومي‮ ‬والموسمي‮ ‬؟ وتناسوا ان المثقف اطول عمرا من السياسي‮ ‬،‮ ‬وان الكاتب ابقي‮ ‬أثرا من أصحاب الكراسي‮ ‬،‮ ‬وما أكثر الكراسي‮ ‬التي‮ ‬تضج بالذين‮ ‬يجلسون عليها ولكنهم لا‮ ‬يدركون‮ ‬،‮ ‬او‮ ‬يدركون لكنهم‮ ‬يتعامون‮ !. ‬
نعم أيها الشاعر الكبير أقول لك وأنت في‮ ‬مثواك الأخير‮.. ‬ان معظم المساحات المظلمة والظالمة في‮ ‬تاريخنا القديم والمعاصر،‮ ‬والتاريخ الانساني‮ ‬بوجه عام،‮ ‬كانت كذلك لأن المثقفين كانوا إما مبعدين أو مغيبين أو منبوذين او مطرودين من‮ ‬جنة أصحاب‮ ‬فن القيادة‮ ‬و فن تحريك الجبال الذي‮ ‬هو‮ .. ‬السياسة‮ !‬كل الشواهد التاريخية،‮ ‬والمشاهد الانسانية،‮ ‬تؤكد ان التحولات الكبري في‮ ‬حياة الشعوب،‮ ‬والتي‮ ‬أثارت علامات استفهام وأنارت علامات تعجب‮ ‬،‮ ‬تمت علي أيدي‮ ‬المثقفين او في‮ ‬أضعف الظروف علي ضوء مصابيحهم الفكرية التي‮ ‬أنارت كثيرا من الدروب المعتمة،‮ ‬فاستنارت بها العقول السائلة والمسئولة‮! ‬سواء في‮ ‬حياة حملة المشاعل او بعد رحيلهم‮. ‬بل إن كثيرا من المصابيح الفكرية لاتزال مشتعلة ومتوهجة علي الرغم من‮ ‬غياب مشعليها وموقديها منذ ألوف السنين‮.‬
‮ ‬ساعة ان تنطفيء مصابيح المفكرين او حتي تبهت انوارهم،‮ ‬تتخبط الحياة،‮ ‬وتنقبض ولا تنبسط‮.. ‬ويصدر الحكم علي هذه الفترة او تلك بالتصلب‮.. ‬والاعدام الحضاري‮..‬
‮ ‬كل فترة من الفترات التي‮ ‬همشت دور المثقف في‮ ‬المجتمع،‮ ‬كانت هشة‮ ‬ومهزوزة‮ ‬فالمثقف الحقيقي‮ ‬طبعا هو قرن استشعار لمجتمعه وعالمه،‮ ‬وحين‮ ‬يتكسر هذا القرن او‮ ‬يتقصف‮ ‬،‮ ‬تتوه مؤشرات المجتمع وترتفع وتنخفض وتتحرك بعشوائية ذات اليمين وذات الشمال‮.. ‬وتهتز الجهات الأربع‮!!‬
ومن ثم حين‮ ‬يقول شاعر في‮ ‬حجم‮ ‬سميح القاسم‮ ‬اعطوني‮ ‬شيئا من الأمن الذاتي،‮ ‬وسأكون قادرا علي اشاعة الأمن في‮ ‬المنطقة والعالم كله‮.. ‬فهو لا‮ ‬يقول هذا الكلام اعتباطا ولا علي سبيل المجاز والتلاعب بالألفاظ،‮ ‬بل هو‮ ‬يعي‮ ‬ما‮ ‬يقول،‮ ‬ويعي‮ ‬قوله من‮ ‬يقرأه ويستمع اليه ويتأمل في‮ ‬حروفه ورؤيته‮.. ‬انهاحقيقة‮ ‬يمتلكها المثقف شريطة ان‮ ‬يحصل علي أدني درجات الحياة:الأمن الذاتي‮!!‬
‮ ‬ومن ثم‮ ‬يفرح المرء حين‮ ‬يجد بين الحين والآخر،‮ ‬وثبة فكرية،‮ ‬وصحوة أشبه ما تكون بصحوة الموت،‮ ‬لبعض من المفكرين‮ ‬يدقون نواقيس الخطر‮.. ‬لكن‮.. ‬صوتهم‮ ‬يضيع في‮ ‬صخب آبار الصمت والتجاهل واللامبالاة ولذلك لاتكتمل الفرحة‮ .. ‬ولاتتم لأن الغراب أخذها وطار‮.. ‬لتفرد أجنحة الظلم والظلام والاظلام علي هذه المساحة او تلك من التاريخ‮.. ‬وتتحرك الخفافيش وراء الأقنعة‮.. ‬وتهتريء الوجوه‮. ‬و‮ .. ‬تصبح الأقنعة‮: ‬وجوها حقيقية‮ .‬
إلا‮ ... ‬الصحافة‮!‬
الأحد‮: ‬
قال الكتاب للجريدة‮ :‬انك تنعمين بمائة ألف قاريء‮ ‬،‮ ‬ولكنك لا تمكثين إلا ساعة واحدة‮ ‬،‮ ‬ثم لا تلبثين أن تمزقي‮ ‬ويلقي بك‮ ‬،‮ ‬أو‮ ‬يكون منك‮ ‬غلاف واحد للحاجيات‮ ‬،‮ ‬إنك تختفين دون أن تتركي‮ ‬أثرا كالذي‮ ‬أتركه أنا‮.‬
فأجابت الجريدة‮ :‬إنني‮ ‬أعترف أنك تعمر أكثر مني‮ ‬،‮ ‬ولكنك تعيش في‮ ‬عالم من الظلام،‮ ‬وفي‮ ‬زوايا النسيان،‮ ‬لذا فأنا أفضل حياة‮ ‬يوم أراه مشرقا،‮ ‬علي مائة عام تقضيها مجهولا،‮ ‬مهملا علي‮ ‬الرفوف،لا‮ ‬يبحث عنك أحد،‮ ‬ولا‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬أثرك مخلوق اللهم الا الفئران‮. ‬
هذا الحوار الطريف الذي‮ ‬أورده المفكر الفرنسي‮(‬الكونت دافنل‮) ‬في‮ ‬مقام التدليل عي أهمية الصحيفةوتفوقها علي الكتاب،‮ ‬يصبح أكثر أهمية في‮ ‬الوقت الراهن الذي‮ ‬يشهد ويشاهد التنوع والتكاثر في‮ ‬العائلة الإعلامية،‮ ‬وتسعي كل وسيلة الي استقطاب المتلقي،‮ ‬قارئا أومستمعا أومشاهدا أو كل أولئك معا،‮ ‬في‮ ‬منظومة اتصالية واحدة‮.‬
لكن تبقي الشواهد جلية والمشاهد دالة،‮ ‬علي أن أقوي ما في‮ ‬الصحافة هو قدرتها علي التصدي‮ ‬لكل التحديات التي‮ ‬تواجهها وتحاول انتزاع سلطتها الشرعية والمشروعة في‮ ‬الإتصال والتوصيل والإيصال للخبر والحدث والرأي‮ ‬والرؤية،‮ ‬بمرجعيتها العرفية والمعرفية والأخلاقية والجمالية،‮ ‬وبمقدرتها علي استيعاب كل جديد،‮ ‬بل واحتوائها كل الوسائل الأخري في‮ ‬دوائرها،‮ ‬واستطاعتها الفورية للمواكبة والتطوير الذاتي‮ ‬مع المتغيرات التي‮ ‬يشهدها العالم لتظل آية عصرية،‮ ‬وفي‮ ‬هذا السياق لا‮ ‬يغيب عن الذاكرة بيت لأمير الشعراء أحمد شوقي‮ ‬أطلقه قبل مائة عام‮: ‬
لكل زمان مضي آية‮ ... ‬
وآية هذا الزمان الصحف‮ ‬
وإذا كانت الكلمة المذاعة تدور حول الكرة الأرضية سبع مرات ونصف في‮ ‬الثانية الواحدة‮ ‬،‮ ‬وإذا كان التليفزيون‮ ‬يمتلك إغراءات الصوت والصورة،‮ ‬وإذا كان الإنترنت‮ ‬يضع العالم عند أطراف أصابعه في‮ ‬غمضة عين‮ ‬،‮ ‬فإن الصحافة هي الأقوي أثرا،‮ ‬والآطول عمرا،‮ ‬والأبقي فكرا.لاسيما أن ثمة أنواعا تتدلي‮ ‬اليوم من شجرة الصحافة الأم،‮ ‬مثل‮ (‬الصحافة التليفزيونية)و(الصحافة الألكترونية‮ - ‬الفورية وغير الفورية‮) ‬وصحافة الأقراص الضوئية،أو‮ (‬صحافة الفاكسميل‮) ‬الي جانب الإنتشار الرهيب للجريدة المطبوعة‮ . ‬وتقول إحصائية منظمة اليونسكو أنه‮ ‬يوجد في‮ ‬العالم‮ ‬9279‮ ‬جريدة‮ ‬يومية،‮ ‬توزع‮ ‬616‮ ‬مليون نسخةموزعة علي النحو التالي‮ ‬في‮ ‬قارة أفريقيا‮ ‬204‮ ‬جرائد توزع‮ ‬11‮ ‬مليون نسخة وفي‮ ‬قارة أمريكا‮ ‬2965جريدة‮ ‬يومية توزع‮ ‬106‮ ‬ملايين نسخة وفي‮ ‬اوروبا‮ ‬2247‮ ‬جريدة توزع‮ ‬287مليون نسخة،‮ ‬وفي‮ ‬قارة أسيا‮ ‬3057‮ ‬جريدةتوزع‮ ‬206‮ ‬ملايين نسخة،‮ ‬وفي‮ ‬استراليا‮ ‬113‮ ‬جريدةتوزع‮ ‬6ملايين نسخة،‮ ‬وتبلغ‮ ‬عدد الجرائد التي‮ ‬تصدر في‮ ‬الدول المتقدمة‮ ‬4201‮ ‬210‮ ‬4‮ ‬جريدة‮ ‬يومية توزع334‮ ‬مليون وعدد الجرائد اليومية في‮ ‬الدول النامية‮ ‬8705‮ ‬جريدة توزع‮ ‬32‮ ‬مليون نسخة‮ ‬،يبلغ‮ ‬إنتاج العالم من ورق طباعة الصحف‮ ‬31‮ ‬مليار طن‮ . ‬وتسعي‮ ‬الصحف دائما الي التحديث في‮ ‬الأدوات،‮ ‬والتجديد في‮ ‬الآليات،‮ ‬مستثمرة‮ ‬عطاءات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والعصر عموما،مواكبة ومواجهة‮ ‬،‮ ‬وابداعا لا اتباعا،‮ ‬حتي تظل العصمة الإعلامية في‮ ‬يدها‮ ‬،‮ ‬فالصحافة هي‮ ‬الحياة،‮ ‬والحياة صحافة‮.‬
من أجل ذلك‮.. ‬فعيونها سهرانة‮ ‬يقظة،‮ ‬أو‮ ‬يفترض ذلك وإن‮ ‬غفلت لحظة،‮ ‬أو أخذتها سهوة،‮ ‬فلا‮ ‬يرحمها أحد‮ ‬،‮ ‬خاصة القاريء الذي‮ ‬لا‮ ‬يرحم آبدا،‮ ‬من ثم فهي‮ ‬تعمل آلف حساب وحساب‮ ‬،‮ ‬تماما مثل‮ ‬يوم‮ ‬إذا الصحف نشرت‮.‬
هذه الهمهمة الصحفية تراودني‮ ‬وأنا أرقب الحركة الدائبة،‮ ‬ليل نهار،‮ ‬في‮ ‬آروقة‮ ‬من أجل هذا القاريء الذي‮ ‬لا‮ ‬يعترف بالضعف الإنساني‮ ‬،ولايعرف الضعف الصحفي‮ ‬،‮ ‬ولا‮ ‬يريد،‮ ‬ولا‮ ‬ينبغي‮..‬
نفسي‮ ‬الأمارة بالشعر‮:‬
الأربعاء‮:‬
لن أنحني‮ ‬عنقي‮ ‬أكلله بزهر الكبرياء‮! ‬
لن‮ ‬أنطوي‮ ‬رأسي‮ ‬سأرفع في‮ ‬الصباح وفي‮ ‬المساء‮ ! ‬
لن‮ ‬ألتوي‮ ‬عودي‮ ‬سيرقص في‮ ‬الخريف وفي‮ ‬الشتاء‮! ‬
حريتي‮ ‬في‮ ‬دمدمات الرعد والظلمات‮ ‬،
‮ ‬أغلي من حرارة قيدك الذهبي‮ ‬يا بنت السماء
‮ ‬ياشمس‮ ‬دوري‮ ‬في‮ ‬السماء‮ ‬يا شمس‮ ‬تيهي‮ ‬في‮ ‬السماء
‮ ‬يا شمس‮ ‬توهي‮ ‬في‮ ‬السماء
‮ ‬أينما وليت وجهك‮ ‬
‮ ‬ما أنا‮ ‬ياشمس عبدك‮ ‬
‮ ‬جنتي‮ ‬ناري
وميلادي‮ ‬وموتي‮ ..‬
‮ ‬ليس أنتِ‮ !!‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.