تنفرد مدينة بورسعيد، بين سائر المدن المصرية بطقوس خاصة ليلة احتفال "شم النسيم" تعرف بكرنفال "اللمبي". وتتنافس كل منطقة بالمدينة – في هذا الاحتفال - في صناعة دمية محشوة بالقش تجسد شخصيات مكروهة شعبيا لإحراقها كطقس ذو نكهة خاصة لهذا الاحتفال، وكان من أبرز شخصيات هذا العام دمية لرئيس النظام السوري بشار الأسد. وتختلف شخصيات الدمي "المحروقة" كل عام حسب الأحوال السياسية، فقد تكون شخصيات أجنبية مثل جولدا مائير أو إرييل شارون "رئيسا وزراء إسرائيليان سابقان" كما حدث في السابق، أو شخصيات محلية مثل الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، أو رموز لظواهر اجتماعية مثل مدرسي الدروس الخصوصية لطلاب المدارس أو حكام كرة القدم. ووسط حالة الحداد المخيمة على بورسعيد هذا العام، أصر فنان الخط العربي محسن خضير، أبرز منفذي كرنفال اللمبي على استمراره، وواصل هذا العام الكرنفال الذي يحرص على إقامته سنويا منذ أكثر من ثلاثين عاما. لكن ظروف الحداد الذي تعيشه بورسعيد جعلت "خضير" يلجأ إلى الرمزية هذا العام، حيث وضع على مسرح كبير عشرات الدمى تمثل رجالا ونساء في أزياء مختلفة جلوسا ووقوفا، بعضهم على منصة والجميع يحيط رأسه عصابة سوداء. ويقول الفنان محسن خضير: "هذا العام تركت التعليق للمشاهدين وحرصت على أن يفسر كل مشاهد ما يتراءى له من شخصيات". وفى تقاطع شارعي الدقهلية والحميدي بمدينة بورسعيد كان منظم الكرنفال هناك أكثر وضوحا، حيث وضع على مسرح نصب في الشارع عدة دمى تجسد صورا مختلفة، وخصص الركن الرئيسي على خشبة المسرح لدمية تمثل رئيس النظام السوري وبجواره ثلاث دمى تمثل الحكام العرب يرفعون الشعار الشهير "لا أسمع.. لا أرى..لا أتكلم" ومن خلفهم دمى أخرى تمثل الشعب المصري وتصيح "مجزرة في سوريا". أما المشهد الثاني لدى منظم الاحتفال فهو حالة الاقتصاد المصري الذي جسده في هيئة مريض بغرفة إنعاش، بينما خصص الركن الثالث لظاهرة تفشى الجريمة والانفلات الأمني في مصر، فيما أحاط المسرح بلوحة بانوراما ضخمه تضم صورا لجنازات ضحايا أحداث بورسعيد الدامية الأخيرة، وعلى الضفة الأخرى من الشارع علق الفنان لوحات مصورة تضم لمحات من التاريخ الوطني للمدينة وصورا للرئيسين المصريين السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات. وفي ليلة شم النسيم "الأحد"، تسهر المدينة حتى ساعات الصباح حول عروض "اللمبي" على أنغام أغاني آلة "السمسمية" وخلال ذلك تحرق دمى اللمبي ورفاقه الجدد. وتعود الظاهرة إلى فترة الحرب العالمية الأولى وتولى اللورد اللمبي منصب المندوب السامي البريطاني بمصر، وما حمله الشعب المصري لشخصيته من كراهية تجلت خلال أحداث ثورة 1919 وأدت إلى صناعة الأهالي لدمى من القش تجسد شخصية اللمبي وحرقها، ما أصبح بعدها تقليدا سنويا تجسد فيه دمى لأعداء الشعب يتم حرقها في طقوس هذا الاحتفال. وتعيش محافظة بورسعيد حالة حداد عقب أحداث بدأت في 26 يناير الماضي، حين شهد محيط السجن المركزي بالمحافظة، مواجهات دموية مع قوات الأمن خلال محاولة بعض الأهالي اقتحام السجن وتهريب محكومين بالإعدام في القضية التي عرفت إعلاميا ب"قضية مجزرة بورسعيد"، ولقي أربعون من أبناء المدينة الإستراتيجية الواقعة على البحر المتوسط على المدخل الشمالي لقناة السويس، حتفهم أثناء تلك المواجهات التي استمرت عدة أيام. وعلى مدار الأسابيع التالية وحتى 21 مارس الماضي، سقط 9 قتلى آخرين خلال مصادمات ترافقت مع دعوات وأنشطة للعصيان المدني في المحافظة، التي تمثل المدخل الشمالي لقناة السويس، وهي مجرى ملاحي دولي يربط البحرين الأحمر بالمتوسط. واندلعت أعمال العنف بالمحافظة عقب حكم بإعدام 21 متهمًا بقضية استاد بورسعيد التي قتل فيها 74 من مشجعي النادي الأهلي لكرة القدم أثناء مباراة مع نادي المصري البورسعيدي مطلع فبراير العام الماضي.