بعيون شاعر ومهندس عاشق لتراب مصر اعتاد المبدع الساخر ياسر قطامش أن يقدم لنا تاريخ مصر العظيمة والتى كانت تضاهى الدول الأوروبية في جمالها ونظافتها من خلال مؤلفات تغوص فى الماضي لتخرج لنا جواهر نادرة. ولقد استمتعت مؤخرا بكتابه"مصر.. صور لها تاريخ "1805 _2005"والكتاب بحق تحفة فنية نبحر بين صوره النادرة والتى تنقل لنا تاريخنا الجميل العظيم وأختارت فصلين منه لهما دلالة مهمة نحتاج جميعا للتذكير بهما :اولا الرموز القبطية المسيحية والتى شاركت فى صنع تاريخنا على أكمل وجه مثل "بوغوص بك"والذى وثق به الوالى" محمد على" وجعله رئيسا لمصلحة الجمارك وجمرك الإسكندرية وكان بارعا فى إدارته محبا لوطنه مثله مثل المعلم" جرجس الجوهري" وكان يشغل ما يشبه وزارة المالية حاليا ،وتحدث الكتاب عن دور الأنبا" كيرلس الخامس" والذي عاصر الثورة العرابية ولعب دورا بارزا في إتحاد المسيحيين مع إخوانهم المسلمين في ثورة 1919 حين أعلن ولاءه للزعيم سعد زغلول. ومن الشخصيات المهمة القبطية المسيحية" مرقص حنا" السياسي الوطني النزيه أمين صندوق الجامعة الأهلية سنة 1908 ومؤسس كلية البنات القبطية و"ويصا واصف" أحد أقطاب الرعيل الأول من حزب الوفد ورئيس مجلس النواب سنة 1930،و"مكرم عبيد" الوطنى الغيور والذي تولى العديد من المناصب الوزارية المهمة كالمالية والمواصلات والتجارة والصناعة،وبالطبع المفكر الشهير" سلامة موسى" وكان داعيا للاشتراكية والعلوم الحديثة ،و"جورجى زيدان" مؤسس مجلة الهلال والذي أختار مصر مكانا للعيش تاركا الشام،وهذه اسماء قليلة من شخصيات قبطية مسيحية ساهمت بحب وإخلاص فى صنع هذا الوطن ولا مجال حاليا تحت أي دعاوى نسيان ماقاموا به وإقصاء أحفادهم الذين ولدوا وعاشوا فى مصر وسيدفنون فى ترابها الغالي. أما الفصل الرائع الآخر هو بعنوان"النهضة النسائية"والتى أختار لنا ياسر قطامش شخصيات مصرية لها إنجازات لا تنسى مثل الأميرة" فاطمة إسماعيل" والتى افتتحت الجامعة الأهلية فى قصر "جناكليس"ومكانه حاليا الجامعة الأمريكية. وفى عام 1914 أوقفت 500 فدان من أجود أراضيها ليصرف من ريعها على الجامعة كما تبرعت بستة أفدنة بالدقى ليقام عليها مبنى جامعة القاهرة حاليا والتى كانت تسمى جامعة فؤاد الأول،وقدمت جواهر تقدر قيمتها 18 ألف جنية لإقامة مباني الجامعة وبلغ قيمة ماتبرعت به 100 ألف جنيه ذهب!اين نحن الآن ممن استولوا على أموال مكتبة الإسكندرية وحولوها لحسابهم الشخصي وكذلك تبرعات أهل الخير لمرضى السرطان! اما الأميرة" أمينة الهامى" باشا فلقبت "بأم المحسنين"وذلك لما قدمته من أعمال خير للفقراء والتبرع بالأموال والهدايا الثمينة فى مناسبات مختلفة وخصوصا الدينية وأنشأت المدرسة الصناعية الإلهامية سنة 1913 للحفاظ على الحرف التقليدية من الزوال. وتطرق المهندس ياسر الى" نبوية موسى" رائدة تعليم المرأة وكانت كاتبة وشاعرة واول فتاة مصرية تحصل على "الثانوية العامة أو البكالوريا"كما كانت تسمى فى عام 1907،وتعد بحق رائدة فى النهوض بتعليم المرأة،أما الصحفية" منيرة ثابت" والتى أجادت الكتابة بالعربية والفرنسية والإيطالية فهى أول إمرأة طالبت بحق المرأة فى الإنتخاب بوصفها نصف المجتمع. ولم ينس الكاتب"ابله نظيرة"اشهر طباخة فى مصر والتى لم يعرف جيلنا سواها فى هذا المجال،ابلة" نظيرة نقولا ""صاحبة أشهر كتاب عن الطعام وصنعه وكانت ضمن أول بعثة فتيات خرجن فى بعثة رسمية للتعليم بلندن عام 1926 وعند عودتها اهتمت بطعام البيت المصري وكان هدفها مساعدة الزوجة المصرية فى تحقيق سعادتها الزوجية ضمن منظومة متعددة يأتي طهي الطعام فى مقدمتها. أما ؤول طبيبتين مصريتين هن"هيلانة سيداروس و"ملك حفنى ناصف" اللتين درستا الطب فى مدرسة لندن الطبية للبنات وعند عودتهما عملت "ملك" فى مستشفى كتشنر بشبرا بينما فضلت"هيلانة"العمل الحر. وسبب اختياري لهذين الفصلان ما يشاع حاليا عن المرأة والأقباط المسيحيين من تهميش لهما وبالطبع هذا غير حقيقى لا يستطيع أحد تهميش دور الأخوة الأقباط المسيحيين فهم فى نسيج هذا الوطن ودورهما لا يقل أهمية عما قدمه الأقباط المسلمين لهذا البلد. والمرأة مستمرة فى مشوارها بالوقوف جنبا الى جنب الرجل زوجة وأم وأبنة فى صنع المستقبل ،هذان الدوران لن يتوقفا بإذن الله مهما حاول البعض الإساءة لهما عن جهل وعدم وعى لتعاليم الأديان السماوية التى لم تفرق بين أحد بسبب الجنس او الدين. ويبقى الكتاب الممتع الذي قدمه ياسر قطامش ليثرى حياتنا بلقطات مصورة موحية معبرة عن ماضٍ رائع نأمل أن نستفيد منه لتعود لمصرنا وجهها الجميل المتسامح.